تناقلت أجهزة الإعلام العالمية مؤخراً أنباء قيام الولايات المتحدة بتزويد أربع دول خليجية (الكويت، الإمارات، قطر، عمان) بأنظمة دفاعية مضادة للصواريخ البالستية. كما تحدثت الأنباء أيضاً عن محادثات سرية بين إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وبعض الدول الخليجية لتسريع صفقات بيع الأسلحة وتطوير الأنظمة الدفاعية للمنشآت النفطية والبنية التحتية في محاولة لإفشال أي هجوم مستقبلي قد تقوم به إيران.
وقد نشر موقع "ستراتفور" في فبراير الجاري دراسة تحليلية لطريقة تعاطي الإدارة الأمريكية مع الملف الإيراني منذ وصول الرئيس أوباما إلى الحُكم وصولاً إلى التطورات الأخيرة. يقول الموقع إن الرئيس أوباما قدَّم إشارة حادة إلى إيران في خطاب "حالة الاتحاد" في 27 يناير الماضي، ووعد برد حازم عليها إذا استمرت في نهجها الحالي. وكان الرئيس أوباما في بداية ولايته قد أعطى إيران مهلة حتى نهاية 2009 لتغيير سياستها حول الملف النووي، لكن عام 2009 انتهى وبقيت إيران مستمرة في سياستها دون أن تتخذ الولايات المتحدة أي إجراءات رادعة. وقد ركَّز أوباما منذ البداية على بناء تحالف مستعد لتطبيق عقوبات اقتصادية صارمة على إيران. وحيث إن الصين أعربت عن عدم استعدادها لتطبيق هذه العقوبات، وإن روسيا مترددة في موقفها، فإن الخيار الدبلوماسي يبدو غير ممكن حاليا. وقد أعلن الإسرائيليون أنهم يعتبرون فبراير شهراً حاسماً بالنسبة للعقوبات الاقتصادية، لكن سبق لمثل هذه التهديدات أن ترددت في السابق دون أن يتبعها أي عمل حقيقي. لذلك إذا مرَّ شهر فبراير دون تطبيق عقوبات رادعة أو القيام بعمل عسكري فهذا يعني أن هناك قرارا ضمنيا بقبول إيران نووية.
وجهات النظر الأمريكية والإسرائيلية مختلفة إلى حد ما حول هذا الأمر اعتماداً على حقائق جيو-سياسية مختلفة. الأمريكيون تعايشوا مع امتلاك دول خطيرة لأسلحة نووية. أهم مثال هنا هو الصين في عهد ماو تسي تونج. كان ماو تسي تونج قد أعلن أن الحرب النووية لا تشكل خطراً حقيقياً على الصين، فهي قد تخسر بضع مئات الملايين من سكانها، لكنها ستربح الحرب في النهاية. ولكن ما إن طورت الصين أسلحة نووية، تراجعت التصريحات النارية وأصبحت الصين تتصرف بحذر أكبر. وبسبب هذه التجربة، طوَّرت الولايات المتحدة إستراتيجية من مرحلتين.
أولاً، تعتقد الولايات المتحدة أن انتشار الأسلحة النووية قضية خطيرة، لكن الدول تتجه عادة للاعتدال بعد حصولها على الأسلحة النووية. لذلك فإن ردة الفعل المُبالغ فيها من قِبل الولايات المتحدة على امتلاك بعض الدول للسلاح النووي ليست ضرورية وغير حكيمة.
ثانيا، حيث إن الولايات المتحدة بلد كبير وسكانه منتشرون على مساحات شاسعة ويمتلك ترسانة نووية رهيبة، فإن أي بلد طائش يشن هجوماً نووياً على الولايات المتحدة لن يسبب سوى أذى قليل نسبياً لها، بينما يتعرض البلد الثاني للدمار الكامل. كما أن الولايات المتحدة أكدت أن وسائل الدفاع ضد الصواريخ البالستية التي تمتلكها تقلل خطر مثل هذا الهجوم النووي المحدود ضدها.
أما الجغرافيا الإسرائيلية فتجبرها على رؤية الأمور بشكل مختلف، لأن أي ضربة نووية على إسرائيل سيكون لها نتائج كارثية. فإسرائيل بلد صغير ذو كثافة سكانية عالية، ومجرد ضرب إسرائيل بقنبلة أو قنبلتين نوويتين قد يدمِّرها تماماً. لذلك فإن إسرائيل تعتبر الهجوم النووي الإيراني عليها أمراً بعيد الاحتمال، لكنه إذا حدث سيكون كارثياً. أما الولايات المتحدة، التي تقع خارج مدى الصواريخ الإيرانية، فإن الاحتمال شبه مستحيل، وحتى إذا حدث فلن يكون بنفس الأثر الكارثي. لذلك فإن البلدين ينظران إلى القضية بمنظارين مختلفين. ثم إن الولايات المتحدة مستعدة للانتظار على أساس أن المعطيات المنطقية تقول إن إيران لا تزال بعيدة عن امتلاك سلاح نووي. أما إسرائيل فهي غير مستعدة للثقة بالمنطق وتبني سياستها دائماً على أساس السيناريو الأسوأ.
ومن ناحية أخرى تقول دراسة "ستراتفور" إن إسرائيل أقل اعتماداً على الولايات المتحدة مما كانت عليه في عام 1973. فالمساعدات الأمريكية تشكل نسبة أقل من الناتج الإجمالي المحلي الإسرائيلي. كما أن خطر تعرض إسرائيل لهجوم تقليدي مفاجئ من قِبل أحد جيرانها قد اختفى تقريباً. فمصر والأردن ترتبطان بمعاهدات سلام مع إسرائيل، وسوريا لا تمتلك أسلحة تقليدية تشكل خطراً على إسرائيل. ومع أن الولايات المتحدة لم تعُد تعتبر إسرائيل بنفس الأهمية لحماية مصالحها خلال الحرب الباردة، فإن إسرائيل أيضاً لم تعُد بحاجة إليها كما كان الوضع عليه سابقاً. هذا يعني، من ناحية، أن الولايات المتحدة لم تعُد تعتبر أمن إسرائيل بنفس الأولوية، ومن ناحية أخرى، أنها لم تعد تستطيع أن تجبر إسرائيل على اتباع سياسة تعتبرها إسرائيل خطيرة.
لهذا فإن قرار إدارة أوباما بشن حملة علاقات عامة حول الإجراءات الدفاعية قبل فبراير منطقي تماماً. وإذا طوَّرت إيران قدرات نووية فإن الإجراءات الدفاعية قد تقلب حسابات الربح والخسارة لخيارها العسكري. فإذا قررت إيران أن تطلق صاروخاً نووياً ضد إسرائيل أو إحدى دول الخليج، وكانت إيران لا تمتلك غير ذلك الصاروخ، وتمكَّنت الدفاعات الصاروخية من إسقاطه، فإن ذلك سيشكل أسوأ سيناريو بالنسبة لإيران لأنها تكون قد تسببت بردة فعل مدمرة. إن أي شيء تفعله الولايات المتحدة لزيادة احتمال فشل هجوم إيراني محتمل يقلل من احتمالات قيام إيران بمثل ذلك الهجوم إلى أن تمتلك مواد إضافية لصنع أسلحة أخرى. أما المعني الرئيسي بالإعلان الأمريكي حول الإجراءات الدفاعية، بالإضافة إلى إيران وإسرائيل، فهو الشعب الأمريكي الذي تحاول الإدارة الأمريكية أن تقلل من دواعي قلقه الذي تسببه إيران.
وتضيف الدراسة أن هناك نظامين أساسيين من الأسلحة التي يتم نشرها، (باك-3) و (إس إم-3). وهذه الأنظمة أكثر تطوراً من نظام الباتريوت الذي لم يظهر كفاءة عالية في حرب الخليج الأولى.
أما الخيارات الإسرائيلية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية بضربة استباقية فتقول الدراسة إن الخيار النووي هو الخيار الأكثر احتمالاً لأن الضربة الصاروخية لن تكون كافية وسلاح الجو الإسرائيلي غير قادر على القيام بضربات جوية قد تحتاج لأسابيع لإنهاء المهمة. لكن المشكلة هي أن معظم المنشآت النووية الإسرائيلية قريبة من مدن كبيرة. لذلك فإن هذا الخيار مستبعد أيضاً لما قد يسببه من نتائج كارثية إقليمية وعالمية. الولايات المتحدة هي الوحيدة القادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية بأسلحة تقليدية، لكن الإدارة الأمريكية غير واثقة من نتائج مثل هذا الهجوم الذي قد يتطلب عمليات عسكرية صعبة للتأكد من نجاح الضربات الجوية. كما أن واشنطن غير واثقة من قدرتها على التعامل مع المحاولات التي قد تقوم بها إيران لإغلاق مضيق هرمز وزيادة تدخلها في العراق وأفغانستان. وحيث إن إيران لا تهدد الولايات المتحدة بشكل مباشر فإنها ليست مستعجلة للدخول في معركة معها.
وفي النهاية تقول الدراسة إن إدارة أوباما استمرت في تطبيق سياسة إدارة بوش تجاه إيران – إطلاق تهديدات مبهمة، محاولة بناء تحالف، ضبط إسرائيل بإعطاء وعود مبهمة، حماية شبه الجزيرة العربية، والانتظار. ولكن بعد هذا الإعلان، يتوقع أن تقوم الولايات المتحدة ببناء قوة هجومية ضاربة، لأن الموقف الدفاعي الجيد يتطلب خيارا هجوميا قويا.
http://www.alwatan.com.sa/news/newsdetail.asp?issueno=3424&id=136271&groupID=0
http://www.alwatan.com.sa/news/newsdetail.asp?issueno=3424&id=136271&groupID=0