الدكتور علي مصطفى مشرَّفة /العالِم الذي مات.. ومعه الكثير من أسرار الذرَّة
الدكتور عبدالباسط الجمل
الدكتور عبدالباسط الجمل
ولد الدكتور علي مصطفى مشرفة في يوليو من عام 1898م في محافظة دمياط بجمهورية مصر العربية لأب كان يعمل تاجراً، هو الشيخ مصطفى مشرفة، والذي اشتهر بالطيبة وحسن الخلق وصلته لرحمه، وإنفاقه على المحتاجين، ورعايته لطالبي العلم ومحبيه.. كان الشيخ مصطفى مشرفة تاجراً ذا ثروة، لكنه تعرض لهزة مالية أثرت سلباً على مستواه الاجتماعي، ورعايته للمحتاجين، لكنه أصر على تعليم ابنه علي وإخوته.
كان على مصطفى مشرفة يتميز منذ صغره بالذكاء الحاد، وسرعة البديهة والقدرة غير العادية على الربط بين المتغيرات، واستنتاج الحقائق، ووضع الفروض واختبار صحتها، والحكم بتأن على الأمور، والهدوء الذي لا يشوبه توتر. لذا كان والده يتنبأ له بمستقبل مرموق، وغد مشرق، يحقق فيه طموحه الكبير وتبرز عقليته الفذة التي تفوق سنه بمراحل. ولا عجب فأهل دمياط الذين ينحتون من الخشب أروع ما صنع الفكر البشري في فن الموبيليا قادرون أيضاً على أن يحققوا ذاتهم في رحاب العلم
وهذا ما كان يدور بخلد على مصطفى مشرفة في صغره.
أكمل علي مصطفى مشرفة تعليمه الابتدائي، وكان ترتيبه الأول على القطر المصري، ثم تخرج في مدرسة العليا بالقاهرة، ثم جامعة نوتنجهام في انجلترا، ثم الكلية الملكية بلندن عام 1923م، وعاد إلى مصر بعد أن حصل على درجتي دكتوراه في الرياضيات وفلسفة العلوم.
عُيِّن الدكتور مشرفة مدرساً بمدرسة (ملحقة المعلمين) ثم اختير ضمن أعضاء هيئة التدريس بكلية العلوم في الجامعة المصرية عام 1925م، حتى أصبح أستاذاً للرياضيات التطبيقية بها. وتم تعيينه كأول عميد مصري لكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول من 1930 ـ 1945م ، ثم اختير وكيلاً لجامعة فؤاد الأول، ثم قام بأعمال إدارة الجامعة بالإنابة.
كان الدكتور مشرفة يعشق الفيزياء ومجالاتها، والرياضيات وأبحاثها وتطبيقاتها، ولذلك كانت له أبحاثه القيمة حول نقص كتلة العنصر، وازدواج المادة، ونظريته الخاصة في تفسير الإشعاع الصادر من الشمس.
وكان للدكتور مشرفة رؤيته الواضحة حول نسبية الأشياء، وقد استفاد العالم الشهير الفذ أينشتين من رؤية الدكتور علي مصطفى مشرفة في تطوير نظريته عن النسبية.
اهتم الدكتور مشرفة بإشعاع المادة، وبخاصة ذلك الإشعاع المفيد والضار الذي يحمل من سلبياته ما قد يفوق إيجابياته بمراحل فيما إذا استخدمه الإنسان استخداماً سيئاً.
وقد قال اينشتين عن الدكتور مشرفة : لقد كان الدكتور مشرفة موسوعة بشرية، حوت الكثير من النبوغ الذي قلَّ مشابهته في العالم بأسره
كما قال عنه في حديث آخر: كان عقل مشرفة يحوي كثيراً من أسرار الذرة، لكن القدر شاء له ألا يبوح بها
ورحل الدكتور مشرفة في سنة 1950م، ولكن بقي اسمه علماً بارزاً من أعلام مصر وحضارة الشرق، كما ترك من بعده تلامذته الذين أكملوا مسيرته البحثية، ومنهم: الدكتورة سميرة موسى، والتي كان لها أبحاث مهمة حول الإشعاع النووي، لكنها لقيت مصرعها في حادث غامض أثناء وجودها في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد كرمت مصر الدكتور مشرفة بإطلاق اسمه على أحد مدرجات كلية العلوم بجامعة القاهرة، وعلى أحد معامل الفيزياء، كما أطلقت اسمه على العديد من الشوارع في المدن المصرية، ومنها العاصمة القاهرة .
وفي عام 1998م منحت كلية العلوم بجامعة القاهرة اسم المرحوم الدكتور علي مصطفى مشرفة وسام الكلية لمناسبة مرور مائة عام على ميلاده، وقد حضر هذا الاحتفال الدكتور عادل مشرفة وهو ابن أخ للدكتور على مصطفى مشرفة، ويعمل أستاذاً بكلية العلوم بجامعة القاهرة، كما حضره العديد من أفراد أسر العالم الكبير الدكتور مشرفة. ويبدو أن أسرة الدكتور مشرفة لم تخرج لنا النابغة علي مصطفى مشرفة فقط، بل أخرجت لنا الدكتورة سلوى علي مصطفى مشرفة ابنه الدكتور مشرفة، والتي تعمل في مجال الكيمياء النباتية بالمركز القومي للبحوث، ولها أبحاث عديدة في مجال تخصصها، كما أخرجت لنا الدكتور عادل مشرفة الأستاذ بكلية العلوم، والذي له أبحاث مهمة في مجال تخصصه.
لقد كان طموح الدكتور مشرفة تكوين مدرسة بحثية مصرية في حقل الرياضيات الفيزيائية، تهتم بإدخال الحسابات الرياضية النظرية في مجال الظواهر الطبيعية، كما كان يحترم التعاون الدولي والمزج الحضاري في مجال العلوم،
ومن أقواله :
*إن البشرية لن تحقق طموحاتها العلمية إلا من خلال التعاون الدولي العلمي غير الحذر
*يجب على الدول المتقدمة أن توقن أن الدول النامية لديها الاستعداد النفسي للتعاون الجاد في حقل العلم والتقنية، لكنها تفتقد الرؤية الصحيحة لتحقيق ذلك، ومن ثم فعلى الدول المتقدمة أن تأخذ بيدها نحو ذلك
كان الدكتور مشرفة يعشق البحث العلمي والفكر، وكان يقول: لا أتصور أمة لها وجود بدون فكر
لقد كان الدكتور مشرفة يؤمن بضرورة بناء الأجيال والأثر المهم لذلك في استمرار حضارات الشعوب،
ويظهر ذلك من قوله:
لقد شهدت البشرية نشأة حضارات عديدة وازدهارها على سطح الأرض، لكن قليلاً من تلك الحضارات هي التي استمرت وبقيت، ومن ثم فلا بد أن نسأل أنفسنا عن سبب ذلك. لقد فكرت في ذلك كثيراً ووجدت أن نبوغ مجموعة كبيرة من مواطني مجتمع ما كفيل بقيام حضارة مع وجود العوامل الأخرى المساعدة في قيام الحضارة، لكن اهتمام هذه المجموعة ببناء جيل يكمل بعدها المسيرة كفيل باستمرار حضارة تلك الشعوب، لكن إن لم تهتم هذه المجموعة ببناء جيل جديد، سوف تنتهي تلك الحضارة، وسوف تندثر وتزول بمرور الأيام.. أعتقد أنني الآن أجبت عن سؤال يدور في عقل الكثيرين: لماذا بقيت الحضارة المصرية شامخة حتى الآن؟ واندثرت غيرها من الحضارات؟
عن موقع الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة