قصة الغزو السوفياتي لأفغانستان
الجنرال أوليغ كالوغين
بمناسبة مرور ثلاثين عاما على غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، كتب الجنرال أوليغ كالوغين الذي عمل أكثر من ثلاثين سنة بصفوف المخابرات السوفياتية المعروفة اختصارا (كيه جي بي) مقالا في فورين بوليسي كشف فيه عن إستراتيجية غزو هذا البلد، يقول فيه:
كنت أعمل رئيسا لفرع مكافحة التجسس الخارجي في (كيه جي بي) عندما غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 1979، وإليكم الرواية من الداخل لما حدث:
كنت أرى في ذلك الوقت أن أفغانستان مهمة بالنسبة لمصالحنا، وعلينا العمل لمنع الولايات المتحدة والمخابرات المركزية الأميركية من تنصيب نظام معاد للسوفيات في أفغانستان، وقد تبين لاحقا أنني ارتكبت خطأ جسيما.
كانت أول رحلة لي لأفغانستان في أغسطس/ آب 1978، وسبق ذلك بأربعة أشهر قيام انقلاب موال للسوفيات في أفغانستان بقيادة نور محمد تراقي أطاح بحكومة محمد داود ، حيث تم القضاء عليه وعلى عائلته.
ولم يكن وقع الخبر جيدا على موسكو لأننا كنا نرى في داود حليفا يوفر الاستقرار والسلام النسبي على طول حدودنا الجنوبية.
بدأت التقارير ترد إلى مقر المخابرات السوفياتية في موسكو عن تنامي المعارضة الإسلامية لنظام تراقي الجديد، وتم إرسالي أنا وزميلي فلاديمير غريشكوف إلى كابل على أمل توقيع اتفاقية تعاون بين مخابرات البلدين.
لقد أذهلني اكتشاف أن كابل ليست سوى مجرد قرية كبيرة، وأن مستوى الفقر فيها أسوأ مما شاهدته خلال زيارتي السابقة للهند، وعندما طلبت التوجه إلى مدينة جلال آباد قالوا لي إن الوضع فيها غير آمن في إشارة إلى أن الوضع أسوأ مما عرضه مضيفونا.
سعيت أنا وغريشكوف إلى مقابلة الزعماء الأفغان الذين ذبحوا معارضيهم من أجل الاستئثار بالسلطة، ولكنهم لقوا مصرعهم في وقت لاحق بنفس تلك السيوف.
وكان تراقي المؤسس المشارك للحزب الشيوعي الأفغاني عام 1965 وأمر شخصيا بقتل داود، وقد وجدت تراقي عجوزا ضعيفا محدودبا طاعنا بالسن ، وأدركت أنه لا يمتلك القدرة الجسدية للاستمرار بزعامة البلاد لأمد طويل.
أما الشخص الذي أقدم على عزل تراقي فكان حفيظ الله أمين الذي كان يتمتع بقدرة جسدية كبيرة ووسامة وثقافة، وكان أكثر المسئولين الأفغان الذين التقيت بهم ثقافة.
وتبين لي أننا درسنا معا بجامعة كولومبيا في نيويورك، وقد افترقنا على عناق حار كما وجه لي الدعوة ليستضيفني شخصيا, ولكن الفرصة لم تتحقق نظرا لقيام القوات الخاصة لـ لكيه جي بي بقتله السنة التالية وأمام القصر الرئاسي عندما اجتاحت القوات السوفياتية المدينة.
طلبت خلال اللقاءات العديدة التي أجريتها خلال عام 1978 من كبار ضباط الشرطة والمخابرات الأفغانية, محاربة الحضور المتنامي لوكالة المخابرات المركزية في كابل ومختلف أنحاء البلاد.
وفي هذا السياق قمنا بتزويد الأفغان بكاميرات وأجهزة تنصت إلكترونية ووعدتهم بتقديم كل عون ممكن في مواجهة الأميركيين, ورغم أن المعارضة كانت تتصاعد فإن الوضع كان تحت السيطرة.
خطة إستراتيجية :
ولدى عودتي إلى موسكو أعددت وبناء على أوامر رئيس كيه جي بي خطة وإستراتيجية عامة لأفغانستان، ركزت على النقاط التالية:
* على الأفغان جمع الأدلة حول تدريب باكستان لمجموعات حرب العصابات الإسلامية، ومن ثم اتهام إسلام آباد بشن عدوان على الشعب الأفغاني.
* على القيادة الأفغانية إرسال رسالة تأييد للثورة الخمينية معبرة عن الأمل بتعاون كلتا الحكومتين معا عن كثب.
* يجب الإعلان عن الثوار بمنطقة هيرات بأنهم من أعوان الاستعمار الأميركي وأنصار الصهيونية العالمية، وأنهم من فلول الملكية الإيرانية البائدة.
* يجب طرد كل المواطنين المشتبه بهم بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية من أفغانستان.
* على رجال الدين المؤيدين للحكومة التحدث إلى الشعب والتجمعات الشبابية من العمال والفلاحين دعما للحكومة.
* تأسيس لجان ومليشيات شعبية مسلحة دفاعا عن الثورة.
* شن هجمات على مؤخرة الثوار لتدمير محطات الإذاعة التابعة لهم وعلى قواعدهم ومخازنهم وذخيرتهم.
* إقامة المزيد من محطات الإذاعة الموالية لنظام تراقي من داخل كل من أفغانستان والاتحاد السوفياتي.
* إرسال مستشارين سوفيات والقيام بمزيد من رحلات الاستطلاع فوق أفغانستان، مع تعزيز القوات السوفياتية على الحدود الأفغانية ووضعها في حالة تأهب قتالية.
آمال لم تتحقق:
يقول أوليغ: ومع ذلك وكما تبين لاحقا فإن أفغانستان لم تصبح طوع بناننا, فقد تدهور الوضع عام 1979 بعد أن أقدم أمين على قتل تراقي مما دفع بالـ كيه جي بي للضغط بضرورة زيادة التدخل السوفياتي في أفغانستان خشية الإطاحة بنظام أمين وقيام حكومة إسلامية هناك.
وفي هذا السياق، يقول : إنه حضر اجتماعا بين جهاز المخابرات السوفياتية والمخابرات العسكرية السوفاتية، حث فيه الجنرال إيفاشوتين رئيس المخابرات العسكرية بحماس على غزو أفغانستان لسحق التمرد، ودعم الحكومة الأفغانية كما قال.
ويستطرد الكاتب قائلا : إن أندروبوف عارض الغزو العسكري، ولكنه تحت ضغط وزير الدفاع وقتها ديمتري أوستينوف وافق على مضض على تدخل القوات السوفياتية.
ومنذ تلك اللحظة بدأت كيه جي بي تلعب دورا رئيسيا في مجريات الأحداث بأفغانستان ، حيث كانت تمر كافة المعلومات التي جمعتها كل من المخابرات العسكرية ووزارة الخارجية وعملاء كيه جي بي إلى قيادة كيه جي بي، قبل عرضها على المكتب السياسي للحزب الشيوعي في موسكو.
لقد كانت تلك غلطة خطيرة حيث بدأ زملائي من كيه جي بي بإبعاد الأخبار السيئة والتركيز على الإنجازات والمبالغة فيها، وإسماع سكرتير الحزب الشيوعي ليونيد بريجينيف والمكتب السياسي ما يرغبون في سماعه الأمر الذي أطال أمد الحرب والمعاناة.
ويختتم أوليغ بالقول: للأسف فقد عجزنا عن الحيلولة دون اتخاذ قرار غزو أفغانستان
المصدر: فورين بوليسي والجزيرة نت
عن موقع التاريخ
الجنرال أوليغ كالوغين
بمناسبة مرور ثلاثين عاما على غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان، كتب الجنرال أوليغ كالوغين الذي عمل أكثر من ثلاثين سنة بصفوف المخابرات السوفياتية المعروفة اختصارا (كيه جي بي) مقالا في فورين بوليسي كشف فيه عن إستراتيجية غزو هذا البلد، يقول فيه:
كنت أعمل رئيسا لفرع مكافحة التجسس الخارجي في (كيه جي بي) عندما غزا الاتحاد السوفياتي أفغانستان يوم 24 ديسمبر/ كانون الأول 1979، وإليكم الرواية من الداخل لما حدث:
كنت أرى في ذلك الوقت أن أفغانستان مهمة بالنسبة لمصالحنا، وعلينا العمل لمنع الولايات المتحدة والمخابرات المركزية الأميركية من تنصيب نظام معاد للسوفيات في أفغانستان، وقد تبين لاحقا أنني ارتكبت خطأ جسيما.
كانت أول رحلة لي لأفغانستان في أغسطس/ آب 1978، وسبق ذلك بأربعة أشهر قيام انقلاب موال للسوفيات في أفغانستان بقيادة نور محمد تراقي أطاح بحكومة محمد داود ، حيث تم القضاء عليه وعلى عائلته.
ولم يكن وقع الخبر جيدا على موسكو لأننا كنا نرى في داود حليفا يوفر الاستقرار والسلام النسبي على طول حدودنا الجنوبية.
بدأت التقارير ترد إلى مقر المخابرات السوفياتية في موسكو عن تنامي المعارضة الإسلامية لنظام تراقي الجديد، وتم إرسالي أنا وزميلي فلاديمير غريشكوف إلى كابل على أمل توقيع اتفاقية تعاون بين مخابرات البلدين.
لقد أذهلني اكتشاف أن كابل ليست سوى مجرد قرية كبيرة، وأن مستوى الفقر فيها أسوأ مما شاهدته خلال زيارتي السابقة للهند، وعندما طلبت التوجه إلى مدينة جلال آباد قالوا لي إن الوضع فيها غير آمن في إشارة إلى أن الوضع أسوأ مما عرضه مضيفونا.
سعيت أنا وغريشكوف إلى مقابلة الزعماء الأفغان الذين ذبحوا معارضيهم من أجل الاستئثار بالسلطة، ولكنهم لقوا مصرعهم في وقت لاحق بنفس تلك السيوف.
وكان تراقي المؤسس المشارك للحزب الشيوعي الأفغاني عام 1965 وأمر شخصيا بقتل داود، وقد وجدت تراقي عجوزا ضعيفا محدودبا طاعنا بالسن ، وأدركت أنه لا يمتلك القدرة الجسدية للاستمرار بزعامة البلاد لأمد طويل.
أما الشخص الذي أقدم على عزل تراقي فكان حفيظ الله أمين الذي كان يتمتع بقدرة جسدية كبيرة ووسامة وثقافة، وكان أكثر المسئولين الأفغان الذين التقيت بهم ثقافة.
وتبين لي أننا درسنا معا بجامعة كولومبيا في نيويورك، وقد افترقنا على عناق حار كما وجه لي الدعوة ليستضيفني شخصيا, ولكن الفرصة لم تتحقق نظرا لقيام القوات الخاصة لـ لكيه جي بي بقتله السنة التالية وأمام القصر الرئاسي عندما اجتاحت القوات السوفياتية المدينة.
طلبت خلال اللقاءات العديدة التي أجريتها خلال عام 1978 من كبار ضباط الشرطة والمخابرات الأفغانية, محاربة الحضور المتنامي لوكالة المخابرات المركزية في كابل ومختلف أنحاء البلاد.
وفي هذا السياق قمنا بتزويد الأفغان بكاميرات وأجهزة تنصت إلكترونية ووعدتهم بتقديم كل عون ممكن في مواجهة الأميركيين, ورغم أن المعارضة كانت تتصاعد فإن الوضع كان تحت السيطرة.
خطة إستراتيجية :
ولدى عودتي إلى موسكو أعددت وبناء على أوامر رئيس كيه جي بي خطة وإستراتيجية عامة لأفغانستان، ركزت على النقاط التالية:
* على الأفغان جمع الأدلة حول تدريب باكستان لمجموعات حرب العصابات الإسلامية، ومن ثم اتهام إسلام آباد بشن عدوان على الشعب الأفغاني.
* على القيادة الأفغانية إرسال رسالة تأييد للثورة الخمينية معبرة عن الأمل بتعاون كلتا الحكومتين معا عن كثب.
* يجب الإعلان عن الثوار بمنطقة هيرات بأنهم من أعوان الاستعمار الأميركي وأنصار الصهيونية العالمية، وأنهم من فلول الملكية الإيرانية البائدة.
* يجب طرد كل المواطنين المشتبه بهم بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية من أفغانستان.
* على رجال الدين المؤيدين للحكومة التحدث إلى الشعب والتجمعات الشبابية من العمال والفلاحين دعما للحكومة.
* تأسيس لجان ومليشيات شعبية مسلحة دفاعا عن الثورة.
* شن هجمات على مؤخرة الثوار لتدمير محطات الإذاعة التابعة لهم وعلى قواعدهم ومخازنهم وذخيرتهم.
* إقامة المزيد من محطات الإذاعة الموالية لنظام تراقي من داخل كل من أفغانستان والاتحاد السوفياتي.
* إرسال مستشارين سوفيات والقيام بمزيد من رحلات الاستطلاع فوق أفغانستان، مع تعزيز القوات السوفياتية على الحدود الأفغانية ووضعها في حالة تأهب قتالية.
آمال لم تتحقق:
يقول أوليغ: ومع ذلك وكما تبين لاحقا فإن أفغانستان لم تصبح طوع بناننا, فقد تدهور الوضع عام 1979 بعد أن أقدم أمين على قتل تراقي مما دفع بالـ كيه جي بي للضغط بضرورة زيادة التدخل السوفياتي في أفغانستان خشية الإطاحة بنظام أمين وقيام حكومة إسلامية هناك.
وفي هذا السياق، يقول : إنه حضر اجتماعا بين جهاز المخابرات السوفياتية والمخابرات العسكرية السوفاتية، حث فيه الجنرال إيفاشوتين رئيس المخابرات العسكرية بحماس على غزو أفغانستان لسحق التمرد، ودعم الحكومة الأفغانية كما قال.
ويستطرد الكاتب قائلا : إن أندروبوف عارض الغزو العسكري، ولكنه تحت ضغط وزير الدفاع وقتها ديمتري أوستينوف وافق على مضض على تدخل القوات السوفياتية.
ومنذ تلك اللحظة بدأت كيه جي بي تلعب دورا رئيسيا في مجريات الأحداث بأفغانستان ، حيث كانت تمر كافة المعلومات التي جمعتها كل من المخابرات العسكرية ووزارة الخارجية وعملاء كيه جي بي إلى قيادة كيه جي بي، قبل عرضها على المكتب السياسي للحزب الشيوعي في موسكو.
لقد كانت تلك غلطة خطيرة حيث بدأ زملائي من كيه جي بي بإبعاد الأخبار السيئة والتركيز على الإنجازات والمبالغة فيها، وإسماع سكرتير الحزب الشيوعي ليونيد بريجينيف والمكتب السياسي ما يرغبون في سماعه الأمر الذي أطال أمد الحرب والمعاناة.
ويختتم أوليغ بالقول: للأسف فقد عجزنا عن الحيلولة دون اتخاذ قرار غزو أفغانستان
المصدر: فورين بوليسي والجزيرة نت
عن موقع التاريخ
التعديل الأخير: