نظرات بيانية/32التوبة،8 الصف/د.عثمان قدري مكانسي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,783
التفاعل
17,901 114 0
نظرات بيانية

الآية 32 من سورة التوبة والآية 8 من سورة الصف

الدكتور عثمان قدري مكانسي​

هذه اجتهادات بيانية قد تصيب وقد تخطئ ، وقد تدنو أو تبعد ، وأرجو الله أن يسدد قلبي وعقلي للصواب ، إنه الميسر للخير سبحانه وتعالى .
قال تعالى :
" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( 33) " سورة التوبة .
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) سورة الصف .
يَقُول تَعَالَى بما معناه : يُرِيد هَؤُلاءِ الْكُفَّار مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْل الْكِتَاب " أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه " وهو مَا بُعِثَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْهُدَى وَدِين الْحَقّ بِمُجَرَّدِ جِدَالهمْ وَافْتِرَائِهِمْ ، فَمَثَلهمْ فِي ذَلِكَ كَمَثَلِ مَنْ يُرِيد أَنْ يُطْفِئ شُعَاع الشَّمْس أَوْ نُور الْقَمَر بِنَفْخِهِ وَهَذَا لا سَبِيل إِلَيْهِ فَكَذَلِكَ مَا أُرْسِلَ بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بُدّ أَنْ يَتِمّ وَيَظْهَر وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مقابلاً لَهُمْ فِيمَا رَامُوهُ وَأَرَادُوهُ " وَيَأْبَى اللَّه إلا أَنْ يُتِمّ نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " وَالْكَافِر هُوَ الَّذِي يَسْتُر الشَّيْء وَيُغَطِّيه وَمِنْهُ سُمِّيَ اللَّيْل كَافِرًا لأنه يَسْتُر الأشياء ، وَالزَّارِع كَافِرًا لأنه يُغَطِّي الْحَبّ فِي الأَرْض كَمَا قَالَ " يُعْجِب الْكُفَّار نَبَاته" .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ " فَالْهُدَى هُوَ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ الإخْبَارَات الصَّادِقَة وَالإِيمَان الصَّحِيح وَالْعِلْم النَّافِع ، وَدِين الْحَقّ هُوَ الأعْمَال الصَّالِحَة الصَّحِيحَة النَّافِعَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لِيُظْهِرهُ عَلَى سَائِر الأدْيَان كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
" إِنَّ اللَّه زَوَى لِيَ الْأَرْض مَشَارِقهَا وَمَغَارِبهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْك أُمَّتِي مَا زَوَى لِي مِنْهَا " . وَقَالَ الإمام أَحْمَد أن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ قال :
" إِنَّهُ سَتُفْتَحُ لَكُمْ مَشَارِق الأرْض وَمَغَارِبهَا " .
وعَنْ تَمِيم الدَّارِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْر مَا بَلَغَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَلا يَتْرُك اللَّه بَيْت مَدَر وَلا وَبَر إِلَّا أَدْخَلَهُ هَذَا الدِّين يُعِزّ عَزِيزًا وَيُذِلّ ذَلِيلا عِزًّا يُعِزّ اللَّه بِهِ الاسْلام وَذلا يُذِلّ اللَّه بِهِ الْكُفْر " فَكَانَ تَمِيم الدَّارِيّ يَقُول : قَدْ عَرَفْت ذَلِكَ فِي أَهْل بَيْتِي لَقَدْ أَصَابَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ الْخَيْر وَالشَّرَف وَالْعِزّ وَلَقَدْ أَصَابَ مَنْ كَانَ كَافِرًا مِنْهُمْ الذُّلّ وَالصَّغَار وَالْجِزْيَة .
وَفِي الْمُسْنَد أَيْضًا عَنْ عَدِيّ بْن حَاتِم يَقُول : دَخَلْت عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :" يَا عَدِيّ أَسْلِمْ تَسْلَم " فَقُلْت إنِّي مِنْ أَهْل دِين قَالَ :
" أَنَا أَعْلَم بِدِينِك مِنْك " فَقُلْت أَنْتَ أَعْلَم بِدِينِي مِنِّي ؟ قَالَ :
" نَعَمْ أَلَسْت مِنْ الرَّكُوسِيَّة وَأَنْتَ تَأْكُل مِرْبَاع قَوْمك ؟ " قُلْت بَلَى ! قَالَ: " فَإِنَّ هَذَا لا يَحِلّ لَك فِي دِينك " قَالَ فَلَمْ يَعُدْ أَنْ قَالَهَا فَتَوَاضَعْت لَهَا قَالَ :" أَمَا إِنِّي أَعْلَم مَا الَّذِي يَمْنَعك مِنْ الاسْلَام تَقُول إِنَّمَا اِتَّبَعَهُ ضَعَفَة النَّاس وَمَنْ لا قُوَّة لَهُ وَقَدْ رَمَتْهُمْ الْعَرَب ، أَتَعْرِفُ الْحِيرَة ؟ " قُلْت لَمْ أَرَهَا وَقَدْ سَمِعْت بِهَا قَالَ :
" فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّه هَذَا الأمْر حَتَّى تَخْرُج الظَّعِينَة مِنْ الْحِيرَة حَتَّى تَطُوف بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْر جِوَار أَحَد وَلَتُفْتَحَنَّ كُنُوز كِسْرَى بْن هُرْمُز " قُلْت كِسْرَى بْن هُرْمُز ؟ قَالَ:
" نَعَمْ كِسْرَى بْن هُرْمُز وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَال حَتَّى لا يَقْبَلهُ أَحَد "
قَالَ عَدِيّ : فَهَذِهِ الظَّعِينَة تَخْرُج مِنْ الْحِيرَة فَتَطُوف بِالْبَيْتِ مِنْ غَيْر جِوَار أَحَد وَلَقَدْ كُنْت فِيمَنْ فَتَحَ كُنُوز كِسْرَى بْن هُرْمُز وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَة لأن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَهَا . .. عن ابن كثير بتصرف .

الآيتان في سورة الصف خُصّت باليهود ، وتحدثت آيتا سورة التوبة عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى .
في آيتي سورة التوبة نجد المصدر المؤول " أن يطفئوا " مفعولاً به للفعل " يريدون " فجاء النفي القويّ بالفعل " يأبى " مع حذف مفعوله وتقديره ( كل شيء يريدونه ويخططون له ) ثم كان الاستثناء " إلا أن يتم نوره " الدال على حفظ هذا الدين وما أراد اللهُ لا بد أن يكون . وذكرُ الفعل " يأبى " دليل على استمرار مكرهم ، فهم لا يفتؤون يمكرون إلى يوم القيامة ، وأن الله تعالى لهم بالمرصاد ، يبطل هذا المكر.
في آيتي سورة الصف حذف مفعول " يريدون " لتضخيم أمره وبيان شدة مكر اليهود وتآمرهم على الإسلام وأهله . يقابل هذا المكر السيئ الشديد الجملةُ الاسمية " والله متم نوره " الدالة على الثبوت ، والثبوت دليل القوة والمضاء ، بالقراءة الأولى " والله متمٌّ نورَه " بتنوين متمٌّ الدالة على الإبطال الدائم السريع لكل المحاولات ، وتعرب " نورَ.." مفعولاً بها ، وبالقراءة الثانية الأكثر شهرة والأشد قوة لأنها تحمل – كما قلنا – معنى الثبات والإحاطة " واللهُ متمُّ نورِه " إلى أبد الآبدين سواء أحاول اليهود إطفاء هذا النور أم تراخَوا ، فالنور دائم ثابت مستمر لأن الله تعالى هو الآمر القاضي بذلك .
وتصور معي الصورة الباهتة الضعيفة لكيد أعداء الله لهذا الدين العظيم ، فكأنهم يظنون أنهم يؤثرون في الشمس المضيئة الساطعة فيزيلون ضوءها بنفخهم الواهن الخافت " يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم " ، وهذه الصورة توضح عظمة هذا الإسلام الذي يقف شامخاً أمام كيد الأعداء على شدة مكرهم " وإنْ كان مكرُهم لتزول منه الجبال " سورة إبراهيم ولكن قدر الله وأمره لا بد غالب .
في فاصلة الآية الأولى نجد قوله تعالى " ولو كره الكافرون " فهي تناسب معنى الآية ، فالكافر يغطي ويحجب ، وسمي الزارع كافراً لأنه يغطي الحَبّ ، والكفار يريدون حجب الحقيقة وتغطيتها . أما فاصلة الآية الثانية " ولو كره المشركون " فتناسب الأديان الأخرى التي يعتقدها المشركون بالله تعالى ، فهم يؤمنون يالله ويشركون به آلهة مزعومة . ويتعهد الله سبحانه وتعالى أن يظهر الدين ، فيبلغ الأرض كلها على الرغم من المشركين .
إنه ليزيدنا إيماناُ وتفاؤلاً بهذا الدين ونصر الله تعالى له أنه أرسل محمداً رسول الله بالرسالة الخاتمة لتكون نبراساً يضيء للسالكين طريق الحق والفوة والسعادة ، وينتشر في الكون بعز عزيز أو بذل ذليل ، وما نراه من انتشار لهذا الدين على الرغم من كل المآسي ترجمة صادقة لوعد الله تعالى سبحانه من إله عظيم .

والله أعلم
 
عودة
أعلى