إعادة بناء القوات المسلحة المصرية بعد نكسة 1967
تأكدت مصر أن إسرائيل لا تريد السلام، ولكنها تريد أن تفرض إرادتها على العرب وهي في مركز قوة، باحتلالها الأرض العربية، وأنه لا أمل في تخليها طواعية من هذه الأرض أو عن أطماعها التوسعية، إلاّ إذا أدركت ولمست أن ما تدفعه من ثمن لا يتناسب مع ما تحتفظ به من مكاسب.
ولم يكن الموقف العسكري الإسرائيلي في ذلك الوقت موقفاً صلباً، بل كانت تعتريه الكثير من نقاط الضعف خاصة في بنائه الدفاعي، الأمر الذي يسمح للقوات المصرية بأن ترفع من تكاليف النصر العسكري الذي حققته إسرائيل وتحوله إلى عبء ضخم يقع على كاهلها.
لذا، قررت مصر في سبتمبر 1968، التحول إلى إستراتيجية جديدة والانتقال بالجبهة من مرحلة الصمود إلى مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية، أطلق عليها مرحلة "الدفاع النشط". وهذه الإستراتيجية هي إستراتيجية لصراع طويل الأمد يهدف إلى إجبار إسرائيل على تبديد طاقتها، واستهلاك مواردها، وخلق إقناع مؤكد لديها أن ثمن الإصرار على العدوان هو ثمن فادح لا تحتمله، وإشعارها بمدى الخطأ الفاحش، الذي وقعت فيه عندما رسمت لنفسها دوراً أكبر من حقيقته.
وفي نطاق هذه النظرية فإنه ليس لزاماً للصراع أن يكون بهدف تحقيق انتصارات عسكرية مدوية ولكن بالمحافظة على استمرار الصدام وتصاعده المنظم، ليتزايد ثقله وعبئه على الجانب المعادي شيئاً فشيئاً، معتمداً على فرض ظروف قاسية عليه باستخدام وسائل محدودة، ولكن بأساليب تتسم بالمهارة والمرونة، مع استمرار العمل وتزايد ضغوطه المعنوية، التي تؤثر على عناصر القوة العسكرية.
الأهداف والمبررات التي دفعت بالقيادة السياسية والعسكرية نحو انتهاج إستراتيجية الصمود
كانت رؤية الرئيس عبدالناصر للموقف التي عرضها على القيادة العسكرية يوم 26 نوفمبر 1967 تتلخص في الآتي:
إن تسـخين جبهة القتال ضروري، حتى لا يتصور أحد، وعلى الأخص في إسرائيل، أن خطوط وقف إطـلاق النار قد تجمدت لتصبح خطوط هدنة أخرى.
إن تنشـيط العمل العسكري، ضروري لإقناع المجتمع الدولي أن أزمة الشرق الأوسط أزمة ساخنة لا تستطيع أن تنتظر المناورات الدولية.
إن ذلك التنشيط للجبهة، من ناحية أخرى سوف يشد مشاعر الشعوب العربية، وبينها الشعب المصري، إلى جبهة القتال لتذكره دائما بأن المعركة مستمرة.
إن العمل العسكري، حتى ولو كان محدوداً، سوف يكون بمثابة تطعيم للمعركة للقوات المسلحة، يكسر حاجز الرهبة لديها بعد تجربة يونيه المريرة.
إن ذلك في النهاية من شأنه إعادة بناء صورة الجيش المصري أمام الأمة العربية والمجتمع الدولي.
ومن ثَمّ، بدأت مرحلة هامة، استعداداً للمرحلة التالية، من أجل إعادة بناء القوات المسلحة وتدريب الفرد والارتفاع بمستواه القتالي والنفسي من أجل الصمود.
البناء العسكري
بدأت عجلة العمل تتحرك داخل القوات المسلحة المصرية، وكان لسرعة الدعم، العربي والسوفييتي، أثره الكبير في تحقيق الصمود السياسي والعسكري، وأخذت العجلة تمضي بسرعة نحو إعادة البناء. وكان الخبراء العسكريون في جميع أنحاء العالم يقدرون مرحلة البناء والتدريب والإعداد بما لا يقل عن جيل كامل، بينما قدرته الدعاية الإسرائيلية بجيلين على الأقل، وذلك قبل أن تقوم للقوات العسكرية العربية قائمة وتكتمل لهم مقومات حربية يُعتد بها.
وكانت الأحداث تفرض:
على المستوى الداخلي: أهمية تماسك الجبهة الداخلية، حتى يمكن للبناء العسكري أن يتم، وهو يستند على صلابة هذه الجبهة، والتي تفرض على الجميع التضحية لمواجهة ظروف الحرب.
على المستوى الخارجي: ويستند إلى تدعيم العمل العربي الموحد، من خلال تنشيط العمل الدبلوماسي على المستوى الدولي.
في ظل هذه الأوضاع كان من الضروري استعواض خسائر النكسة بمعدات وأسلحة أكثر تقدماً، والارتقاء بالتنظيم والتسليح والتدريب وتجهيز المسرح حتى يمكن إحداث التوازن المطلوب. ومرت عملية إعادة البناء بعدد من المراحل، والتي نفذت خلال إدارة معارك حرب الاستنزاف، وشملت:
بناء المقاتل
اعتمدت إعادة البناء للمقاتل، أولاً، على البناء النفسي والمعنوي، من خلال إزالة الآثار الناجمة عن معاناة المقاتلين من جراء الهزيمة، ورفع معنوياتهم واستعادة ثقتهم بالنفس والقادة والسلاح، مع تسليح الفرد المقاتل بالعزم والإصرار وقوة الإيمان وبعدالة القضية. وسارت عملية بناء الفرد المقاتل على أساس الإيمان بأن الرجل، وليس السلاح، هو الذي يحقق النصر في النهاية.
وبدأ التوسع في تجنيد حملة المؤهلات العليا والمتوسطة، حتى تتمكن من سرعة الاستيعاب والفهم والتدريب على الأسلحة الحديثة وتكنولوجيا الحرب المتطورة في البر والبحر والجو. مع إرساء قواعد متطورة للفكر العسكري، بعيداً عن العقائد الشرقية والغربية، وبما يتلاءم مع قدرات وإمكانيات الدولة.
تماسك الشعب والقيادة السياسية مع القوات المسلحة
سار العمل من أجل تحقيق تماسك الشعب والقيادة السياسية مع قواتها المسلحة، وإعداد شباب الجامعات عسكرياً، مع إصدار قانون منظمات الدفاع الشعبي، في عام 1968، للدفاع عن الأهداف الحيوية للدولة وحمايتها. كما أُمدّت هذه المنظمات بالسلاح والذخيرة والأفراد.
التدريب والإعداد
حفلت الفترة من يونيه 1967 وحتى أكتوبر 1973، والتي تزيد على 75 شهراً، بالتركيز في التدريب وإعداد القوات للجولة التالية. وكانت هذه الحقبة الزمنية القاسية هي البوتقة الحقيقية لكثير من التجارب، بل المنطلق الهام لإرساء قواعد متطورة للفكر العسكري الصحيح.
أجري التدريب على خط المواجهة مع إسرائيل، وفي الخلف، وفي عمق الدولة، على أراضٍ مشابهة لمسرح العمليات. وأجريت المشروعات التدريبية والتجارب المكثفة على اقتحام الموانع المائية، وتدمير النقاط القوية والمواقع الحصينة، فضلاً عن تدريب القيادات من خلال مشروعات مراكز قيادة على كافة المستويات.
تنشيط الجبهة المصرية
كانت بداية الصمود على المستوى العربي من خلال مؤتمر الخرطوم (من 29 أغسطس إلى الأول من سبتمبر 1967)، إذ جَسّد فكرة التضامن العربي من أجل الاستعداد للمواجهة.
لذلك، ففي أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الرقم (242)، كان لابد من التحرك من أجل إقناع إسرائيل بالتخلي عن شروطها المجحفة. لذلك، فإن رؤية القيادة السياسية، اتجهت نحو ضرورة تنشيط العمل العسكري، الذي طالب به عبدالناصر في اجتماع 26 نوفمبر 1967.
ومن ثَمّ، وطبقا للأسلوب العلمي الذي اتبعته القوات المسلحة في هذه المرحلة والذي أكد عليه الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقتها ـ قُدِّر الموقف مع الأخذ في الحسبان التوقيت، وحجم المهام، واتساع مسرح العمليات، والإجراءات المساعدة.
وطبقاً لتقدير الموقف من وجهة نظر (التوقيت): فقد قُسمَت المرحلة إلى عدة مراحل زمنية فرعية، لكل منها مهامها وإجراءاتها.
- أولها: فترة الصمود، التي بدأت منذ العاشر من يونيه 1967، واتفق على أن تنتهي بنهاية أغسطس عام 1968، وتكون المهام الرئيسية خلالها، هي استكمال البنية الأساسية لتأمين الدولة من الداخل، ورفع الكفاءة القتالية للقوات المسلحة، والتخطيط للعمليات التعرضية.
- ثانيها: مرحلة دفاع نشط، حُدِّد لها فترة ستة أشهر، تبدأ من سبتمبر 1968، وتنتهي مع نهاية شهر فبراير عام 1969، وهي مرحلة انتقالية ما بين الصمود والعمل التعرضي.
- ثالثها: مرحلة العمل التعرضي، تبدأ في مارس 1969.
- رابعها: مرحلة العمل الإيجابي: وتُحدد طبقاً للموقف، وتطور الظروف، السياسية والعسكرية.
أمّا من وجهة نظر حجم المهام: فقد تحدد بأنها يجب أن تكون محدودة ومتدرجة، ولا يُنصح فيها بالاندفاع تجنباً لأي نكسات، ويجب التركيز، منذ البداية، في تنظيم أوجه التفوق تجاه نقط الضعف الإسرائيلية، ثم تتدرج المهام بحيث تخوض القوات المسلحة أعمال قتال شرسة ضد الجانب الآخر.
وفيما يختص بمسرح العمليات: كان القرار أن يقتصر في المراحل الأولى على المسرحين البري والبحري، لتجنب مواجهة الطيران الإسرائيلي المتفوق، ثم تتصاعد العمليات الجوية تدريجاً بعد ذلك.
وفي مجال الإجراءات المساعدة: فكان الهدف الأساسي هو تأمين الشعب في الداخل قبل البدء في أي أعمال تعرضية والحفاظ على الأهداف الحيوية والاقتصادية، كذلك إعادة تنظيم القوات المسلحة لتحقق لها الكفاءة القتالية، مع إجراء مزيد من التنسيق العسكري العربي بهدف إقامة الجبهة الشرقية. وهكذا شهد عام 1968 عديداً من الإجراءات في المجالات المختلفة التي تمهد الاستعداد للجولة التالية.
وعلى المستوى العربي، كان التركيز في إنشاء القيادة العسكرية للجبهة الشرقية، التي بُحثت في اجتماع رؤساء الأركان لدول المواجهة (مصر ، سورية ، الأردن ، العراق، السودان)، في 26 أغسطس 1968، في القاهرة، ثم حُددت سلطاتها في مؤتمر وزراء الدفاع للدول نفسها، في 8، 9 يناير 1969، وصودق عليها في مؤتمر الرؤساء الخماسي في الفترة من 1 إلى 3 سبتمبر 1969. ومع كل هذه الاجتماعات، فلم تقم لهذه القيادة قائمة حتى الآن.
وببدء مرحلة الدفاع النشط، توالت المتغيرات، وكان أهمها اضطرار إسرائيل إلى تغيير إستراتيجية الهدنة إلى إستراتيجية الرد، أي تسخين الجبهة، الذي كانت نتيجته جذب أنظار العالم، مرة أخرى، إلى هذه المنطقة، وكان هذا هو نفس الهدف المصري من حرب الاستنزاف
د. يحى الشاعر
تأكدت مصر أن إسرائيل لا تريد السلام، ولكنها تريد أن تفرض إرادتها على العرب وهي في مركز قوة، باحتلالها الأرض العربية، وأنه لا أمل في تخليها طواعية من هذه الأرض أو عن أطماعها التوسعية، إلاّ إذا أدركت ولمست أن ما تدفعه من ثمن لا يتناسب مع ما تحتفظ به من مكاسب.
ولم يكن الموقف العسكري الإسرائيلي في ذلك الوقت موقفاً صلباً، بل كانت تعتريه الكثير من نقاط الضعف خاصة في بنائه الدفاعي، الأمر الذي يسمح للقوات المصرية بأن ترفع من تكاليف النصر العسكري الذي حققته إسرائيل وتحوله إلى عبء ضخم يقع على كاهلها.
لذا، قررت مصر في سبتمبر 1968، التحول إلى إستراتيجية جديدة والانتقال بالجبهة من مرحلة الصمود إلى مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية، أطلق عليها مرحلة "الدفاع النشط". وهذه الإستراتيجية هي إستراتيجية لصراع طويل الأمد يهدف إلى إجبار إسرائيل على تبديد طاقتها، واستهلاك مواردها، وخلق إقناع مؤكد لديها أن ثمن الإصرار على العدوان هو ثمن فادح لا تحتمله، وإشعارها بمدى الخطأ الفاحش، الذي وقعت فيه عندما رسمت لنفسها دوراً أكبر من حقيقته.
وفي نطاق هذه النظرية فإنه ليس لزاماً للصراع أن يكون بهدف تحقيق انتصارات عسكرية مدوية ولكن بالمحافظة على استمرار الصدام وتصاعده المنظم، ليتزايد ثقله وعبئه على الجانب المعادي شيئاً فشيئاً، معتمداً على فرض ظروف قاسية عليه باستخدام وسائل محدودة، ولكن بأساليب تتسم بالمهارة والمرونة، مع استمرار العمل وتزايد ضغوطه المعنوية، التي تؤثر على عناصر القوة العسكرية.
الأهداف والمبررات التي دفعت بالقيادة السياسية والعسكرية نحو انتهاج إستراتيجية الصمود
كانت رؤية الرئيس عبدالناصر للموقف التي عرضها على القيادة العسكرية يوم 26 نوفمبر 1967 تتلخص في الآتي:
إن تسـخين جبهة القتال ضروري، حتى لا يتصور أحد، وعلى الأخص في إسرائيل، أن خطوط وقف إطـلاق النار قد تجمدت لتصبح خطوط هدنة أخرى.
إن تنشـيط العمل العسكري، ضروري لإقناع المجتمع الدولي أن أزمة الشرق الأوسط أزمة ساخنة لا تستطيع أن تنتظر المناورات الدولية.
إن ذلك التنشيط للجبهة، من ناحية أخرى سوف يشد مشاعر الشعوب العربية، وبينها الشعب المصري، إلى جبهة القتال لتذكره دائما بأن المعركة مستمرة.
إن العمل العسكري، حتى ولو كان محدوداً، سوف يكون بمثابة تطعيم للمعركة للقوات المسلحة، يكسر حاجز الرهبة لديها بعد تجربة يونيه المريرة.
إن ذلك في النهاية من شأنه إعادة بناء صورة الجيش المصري أمام الأمة العربية والمجتمع الدولي.
ومن ثَمّ، بدأت مرحلة هامة، استعداداً للمرحلة التالية، من أجل إعادة بناء القوات المسلحة وتدريب الفرد والارتفاع بمستواه القتالي والنفسي من أجل الصمود.
البناء العسكري
بدأت عجلة العمل تتحرك داخل القوات المسلحة المصرية، وكان لسرعة الدعم، العربي والسوفييتي، أثره الكبير في تحقيق الصمود السياسي والعسكري، وأخذت العجلة تمضي بسرعة نحو إعادة البناء. وكان الخبراء العسكريون في جميع أنحاء العالم يقدرون مرحلة البناء والتدريب والإعداد بما لا يقل عن جيل كامل، بينما قدرته الدعاية الإسرائيلية بجيلين على الأقل، وذلك قبل أن تقوم للقوات العسكرية العربية قائمة وتكتمل لهم مقومات حربية يُعتد بها.
وكانت الأحداث تفرض:
على المستوى الداخلي: أهمية تماسك الجبهة الداخلية، حتى يمكن للبناء العسكري أن يتم، وهو يستند على صلابة هذه الجبهة، والتي تفرض على الجميع التضحية لمواجهة ظروف الحرب.
على المستوى الخارجي: ويستند إلى تدعيم العمل العربي الموحد، من خلال تنشيط العمل الدبلوماسي على المستوى الدولي.
في ظل هذه الأوضاع كان من الضروري استعواض خسائر النكسة بمعدات وأسلحة أكثر تقدماً، والارتقاء بالتنظيم والتسليح والتدريب وتجهيز المسرح حتى يمكن إحداث التوازن المطلوب. ومرت عملية إعادة البناء بعدد من المراحل، والتي نفذت خلال إدارة معارك حرب الاستنزاف، وشملت:
بناء المقاتل
اعتمدت إعادة البناء للمقاتل، أولاً، على البناء النفسي والمعنوي، من خلال إزالة الآثار الناجمة عن معاناة المقاتلين من جراء الهزيمة، ورفع معنوياتهم واستعادة ثقتهم بالنفس والقادة والسلاح، مع تسليح الفرد المقاتل بالعزم والإصرار وقوة الإيمان وبعدالة القضية. وسارت عملية بناء الفرد المقاتل على أساس الإيمان بأن الرجل، وليس السلاح، هو الذي يحقق النصر في النهاية.
وبدأ التوسع في تجنيد حملة المؤهلات العليا والمتوسطة، حتى تتمكن من سرعة الاستيعاب والفهم والتدريب على الأسلحة الحديثة وتكنولوجيا الحرب المتطورة في البر والبحر والجو. مع إرساء قواعد متطورة للفكر العسكري، بعيداً عن العقائد الشرقية والغربية، وبما يتلاءم مع قدرات وإمكانيات الدولة.
تماسك الشعب والقيادة السياسية مع القوات المسلحة
سار العمل من أجل تحقيق تماسك الشعب والقيادة السياسية مع قواتها المسلحة، وإعداد شباب الجامعات عسكرياً، مع إصدار قانون منظمات الدفاع الشعبي، في عام 1968، للدفاع عن الأهداف الحيوية للدولة وحمايتها. كما أُمدّت هذه المنظمات بالسلاح والذخيرة والأفراد.
التدريب والإعداد
حفلت الفترة من يونيه 1967 وحتى أكتوبر 1973، والتي تزيد على 75 شهراً، بالتركيز في التدريب وإعداد القوات للجولة التالية. وكانت هذه الحقبة الزمنية القاسية هي البوتقة الحقيقية لكثير من التجارب، بل المنطلق الهام لإرساء قواعد متطورة للفكر العسكري الصحيح.
أجري التدريب على خط المواجهة مع إسرائيل، وفي الخلف، وفي عمق الدولة، على أراضٍ مشابهة لمسرح العمليات. وأجريت المشروعات التدريبية والتجارب المكثفة على اقتحام الموانع المائية، وتدمير النقاط القوية والمواقع الحصينة، فضلاً عن تدريب القيادات من خلال مشروعات مراكز قيادة على كافة المستويات.
تنشيط الجبهة المصرية
كانت بداية الصمود على المستوى العربي من خلال مؤتمر الخرطوم (من 29 أغسطس إلى الأول من سبتمبر 1967)، إذ جَسّد فكرة التضامن العربي من أجل الاستعداد للمواجهة.
لذلك، ففي أعقاب صدور قرار مجلس الأمن الرقم (242)، كان لابد من التحرك من أجل إقناع إسرائيل بالتخلي عن شروطها المجحفة. لذلك، فإن رؤية القيادة السياسية، اتجهت نحو ضرورة تنشيط العمل العسكري، الذي طالب به عبدالناصر في اجتماع 26 نوفمبر 1967.
ومن ثَمّ، وطبقا للأسلوب العلمي الذي اتبعته القوات المسلحة في هذه المرحلة والذي أكد عليه الفريق عبدالمنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقتها ـ قُدِّر الموقف مع الأخذ في الحسبان التوقيت، وحجم المهام، واتساع مسرح العمليات، والإجراءات المساعدة.
وطبقاً لتقدير الموقف من وجهة نظر (التوقيت): فقد قُسمَت المرحلة إلى عدة مراحل زمنية فرعية، لكل منها مهامها وإجراءاتها.
- أولها: فترة الصمود، التي بدأت منذ العاشر من يونيه 1967، واتفق على أن تنتهي بنهاية أغسطس عام 1968، وتكون المهام الرئيسية خلالها، هي استكمال البنية الأساسية لتأمين الدولة من الداخل، ورفع الكفاءة القتالية للقوات المسلحة، والتخطيط للعمليات التعرضية.
- ثانيها: مرحلة دفاع نشط، حُدِّد لها فترة ستة أشهر، تبدأ من سبتمبر 1968، وتنتهي مع نهاية شهر فبراير عام 1969، وهي مرحلة انتقالية ما بين الصمود والعمل التعرضي.
- ثالثها: مرحلة العمل التعرضي، تبدأ في مارس 1969.
- رابعها: مرحلة العمل الإيجابي: وتُحدد طبقاً للموقف، وتطور الظروف، السياسية والعسكرية.
أمّا من وجهة نظر حجم المهام: فقد تحدد بأنها يجب أن تكون محدودة ومتدرجة، ولا يُنصح فيها بالاندفاع تجنباً لأي نكسات، ويجب التركيز، منذ البداية، في تنظيم أوجه التفوق تجاه نقط الضعف الإسرائيلية، ثم تتدرج المهام بحيث تخوض القوات المسلحة أعمال قتال شرسة ضد الجانب الآخر.
وفيما يختص بمسرح العمليات: كان القرار أن يقتصر في المراحل الأولى على المسرحين البري والبحري، لتجنب مواجهة الطيران الإسرائيلي المتفوق، ثم تتصاعد العمليات الجوية تدريجاً بعد ذلك.
وفي مجال الإجراءات المساعدة: فكان الهدف الأساسي هو تأمين الشعب في الداخل قبل البدء في أي أعمال تعرضية والحفاظ على الأهداف الحيوية والاقتصادية، كذلك إعادة تنظيم القوات المسلحة لتحقق لها الكفاءة القتالية، مع إجراء مزيد من التنسيق العسكري العربي بهدف إقامة الجبهة الشرقية. وهكذا شهد عام 1968 عديداً من الإجراءات في المجالات المختلفة التي تمهد الاستعداد للجولة التالية.
وعلى المستوى العربي، كان التركيز في إنشاء القيادة العسكرية للجبهة الشرقية، التي بُحثت في اجتماع رؤساء الأركان لدول المواجهة (مصر ، سورية ، الأردن ، العراق، السودان)، في 26 أغسطس 1968، في القاهرة، ثم حُددت سلطاتها في مؤتمر وزراء الدفاع للدول نفسها، في 8، 9 يناير 1969، وصودق عليها في مؤتمر الرؤساء الخماسي في الفترة من 1 إلى 3 سبتمبر 1969. ومع كل هذه الاجتماعات، فلم تقم لهذه القيادة قائمة حتى الآن.
وببدء مرحلة الدفاع النشط، توالت المتغيرات، وكان أهمها اضطرار إسرائيل إلى تغيير إستراتيجية الهدنة إلى إستراتيجية الرد، أي تسخين الجبهة، الذي كانت نتيجته جذب أنظار العالم، مرة أخرى، إلى هذه المنطقة، وكان هذا هو نفس الهدف المصري من حرب الاستنزاف
عــرض خـــرائط عمليات عسكرية لبطولات القوات المسلحة المصرية والبحرية المصرية
وعملية من المخابرات العامة خلال حرب الأستنزاف
http://www.geocities.com/yahia_al_sh...TION-WAR-1.htm
وعملية من المخابرات العامة خلال حرب الأستنزاف
http://www.geocities.com/yahia_al_sh...TION-WAR-1.htm
د. يحى الشاعر