ماذا جنى المغرب من المساهمات الخارجية لجيشه في مناطق الصراع؟
تناقلت الصحف مؤخراً أخبار الفضيحة التي طالت التجريدة المغربية المنتشرة في ساحل العاج ضمن قوات الأمم المتحدة حيث اتهم بعض العسكريين المغاربة بالاستغلال الجنسي لقاصرات مقابل مبالغ مالية أو شيء من المؤن. وفور انتشار النبأ-الفضيحة، قامت الأمم المتحدة في 21/07/2007 بتعليق عمل القوات المغربية واحتجازهم في ثكناتها إلى حين الانتهاء من التحقيق.
وسيراً على المثل الشعبي: لا دخان بدون نار، فقد تناولت معظم الصحف هذه الأنباء منتقدةً ما وقع، ومتوقعةً أن ينال هذا الحدث من سمعة الجيش المغربي ككل بما فيه شرفاؤهم. إلا أن الصحف نشرت في 07/08 أن 13 فتاة إفوارية اعترفن بالكذب في الفضيحة الجنسية، وأن ممثلة إحدى المنظمات غير الحكومية طلبت منهن تجريم الجنود المغاربة مقابل مساعدات مادية وملابس وصابون. وفي 17/08 نشرت الصحف أن لجنة تحقيق مغربية بالتعاون مع المبعوث الأممي أصدرت تقريراً يبرئ الجنود المغاربة في ساحل العاج. وذكرت بعض المصادر أن الهدف من إثارة القضية هو المس بسمعة التجريدة المغربية بحكم أنها أقوى تمثيلية أممية لتوفرها على مدرعات وتخصصات عسكرية أثبتت نجاعتها.
وبخلاف ما سبق ونشر حول الموضوع، لن يكون مقالي هذا بحثاً في حيثيات هذه القضية، ولا عن الطرف الذي قد يكون وراء تدبير هذه الدسيسة الهابطة أو الغاية التي يهدف إليها من وراء ذلك - وإن كان هذا الموضوع يستحق أن يبحث وينقب فيه- ولكنني سأنظر إلى هذا الحدث من زاوية مخالفة تماماً وسأطرح السؤال التالي: ماذا تفعل القوات المغربية أصلاً في ساحل العاج؟ وما مصلحة المغرب من إرسال قواته إلى هناك؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، سأطرح بين يدي القارئ بعض المعلومات التاريخية والجغرافية عن ساحل العاج خاصة، وعن المنطقة عامة وما يدور من صراع دولي حولها لكي يتسنى لنا فهم ما يجري في تلك البقعة من العالم.
تقع ساحل العاج (كوت ديفوار) على الساحل الغربي لإفريقيا، مفتوحة على ما يسمى خليج غينيا، يحدها من الشمال مالي وبوركينا فاصو، ومن الشرق غانا، ومن الغرب ليبيريا وغينيا، ومن الجنوب المحيط الأطلسي. تبلغ مساحة ساحل العاج حوالي 322 ألف كلم مربع، ويقدر عدد سكانها بحوالي 3.5 مليون نسمة (أي بكثافة سكانية جد متدنية لا تتجاوز 56 فرداً في الكلم المربع). وساحل العاج دولة غنية تغطي الغابات معظم مساحتها، حباها الله بخيرات سطحية حيث تخترق الأنهار والبحيرات البلاد، وخيرات باطنية من حديد وغاز وأحجار كريمة وبترول وغاز (صدرت منه 1.3 مليار متر مكعب سنة 2003)[1].
أما من الناحية التاريخية، فساحل العاج بلاد إسلامية خالصة، أورد المؤرخ محمود شاكر أن الإسلام وصل أول مرة إلى تلك المنطقة (غانا) في أواسط القرن الثاني الهجري (أواخر القرن الثامن الميلادي) على يد أحد الأشراف الذين فروا من معركة فخ (في نفس الوقت الذي وصل فيه إدريس الأول إلى المغرب) ولقي الترحيب نفسه الذي لقيه إدريس، ويدعى هذا الشريف بصالح، واستطاع أن يؤسس مدينة كومي صالح التي غدت حاضرة إمبراطورية غانا[2]. ثم كانت الحملة الثانية في القرن الخامس الهجري (القرن الحادي عشر الميلادي) على يد دولة المرابطين بقيادة الأمير أبي بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله الذي توغل كثيراً فيما كان يسمى حينذاك بلاد السودان[3]، أورد الناصري: «وكان سفر أبي بكر بن عمر إلى الصحراء في ذي القعدة سنة 453هـ /1061م، ولما وصل إليها أصلح شأنها ورتب أحوالها وجمع جيشاً كثيفاً وغزا به بلاد السودان فاستولى منها على نحو تسعين مرحلة…[4]»، ثم عاد إلى المغرب بعدما بلغته أخبار انتصارات يوسف بن تاشفين لكنه سرعان ما: «انصرف إلى الصحراء فأقام بها مواظباً على الجهاد في كفار السودان إلى أن استشهد من سهم مسموم أصابه في شعبان سنة 480هـ / 1087 م بعد أن استقام له أمر الصحراء كافة إلى جبال الذهب[5] من بلاد السودان[6]». «وعلى كل حال، نسلم بالدور الكبير الذي لعبه الإسلام في تأطير الممالك والإمبراطوريات الإفريقية. ففي القرن 5 هـ/ 11 م، اعتنق أهم سلاطين السودان الغربي (غانة، غاو، مالي، التكرور، سيلا) الإسلام. وابتداء من القرن 8 هـ/ 14 م، أصبح الإسلام متجذراً نسبياً داخل الدائرة المالكة لمالي التي يُعتقد أنها وضعت أسس حضارة إفريقية مسلمة بفضل امتدادها الجغرافي الكبير الذي غطى معظم بلاد السودان الغربي[7]». وتنقل كتب التاريخ أن أحد ملوك أهل السودان (الحاج محمد سكية) رحل في أواخر المائة التاسعة إلى مصر والحجاز بقصد حج بيت الله الحرام فلقي بمصر الخليفة العباسي وطلب منه أن يأذن له في إمارة بلاد السودان وأن يكون خليفته هناك، ففوض إليه الخليفة العباسي النظر في أمر ذلك الإقليم وجعله نائبه على من وراءه من المسلمين. واستمر الأمر كذلك إلى أن دخلت بلادَه جيوشُ المنصور السعدي في مطلع السنة الألف الهجرية (أواخر سنة 1591م)[8].
بقيت منطقة السودان الغربي خاضعةً للممالك الإسلامية إلى أن بدأت طلائع الاستعمار الأوروبي في الوصول إلى السواحل الإفريقية ابتداءً من أواسط القرن السادس عشر الميلادي حيث بدأ مسلسل نهب خيرات المنطقة وأعطيت إشارة الانطلاقة لأكبر مأساة عرفها التاريخ وهي تجارة العبيد الأفارقة وتهجيرهم بالملايين للعمل في حقول القارة الأمريكية. ثم استقرت فرنسا في ساحل العاج ابتداءً من القرن الثامن عشر لتدخل في تنافس استعماري شديد مع البريطانيين في القرن التاسع عشر، أسفر عن إعلان ضم ساحل العاج إلى الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية سنة 1904م على أشلاء أهل البلاد الذين انتفضوا لمقاومتها فقمعتهم بشراسة.
واستمرت فرنسا في نهب خيرات البلاد وتسخير أبنائها للعمل في مزارع القهوة، أو العمل الجبري في مد سكة الحديد بين أبيدجان وواغادوغو، أو الخدمة في الجيش الفرنسي في الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلى أواسط الخمسينيات من القرن الماضي حين عمت العالم أفكار التحرر وتصفية الاستعمار (بتشجيع من أمريكا)، فاستبقت فرنسا الأمور لقطع الطريق أمام أطماع أمريكا - المنتصر الأكبر في الحرب العالمية الثانية- في استغلال الأوضاع المنهكة للأوروبيين لوراثة مستعمراتهم في العالم، فأتت فرنسا بهوفوت بوانيي ولمعته (في مسرحيةٍ شبيهةٍ بما تفعله أميركا في العراق وأفغانستان الآن بتلميع قادة محليين ثم تسليمهم الحكم) لتسلمه رئاسة الوزراء في 04/12/1958 ثم رئاسة الدولة بعد إعلان الاستقلال في 07/08/1960.
إلا أن طمع أمريكا في إفريقيا وخيراتها لم يخفت، فاستمرت في مزاحمة الدول الاستعمارية فيها (بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا، …) واستطاعت أن تزيح الدول الاستعمارية الصغيرة نهائياً، والكبرى من مناطق واسعة من مستعمراتها السابقة، بالأعمال السياسية تارة، وبإشعال الحروب الأهلية تارة، وبالاختراق عن طريق القروض والهبات والخبراء تارة أخرى، ولم يتبق في إفريقيا إلا بريطانيا وفرنسا اللتان أبقتا نفوذهما تحت إطاريْ منظمة الكومنولث البريطانية ومنظمة الفرانكفونية الفرنسية. وإلى يومنا هذا لا يزال التصارع الاستعماري دائراً في إفريقيا على أشده بين هذه الدول الثلاث (أمريكا – بريطانيا – فرنسا) متمثلاً في الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة والتي زاد عددها في السنوات الأخيرة على 26 نزاعاً (أبرزها السودان، الصومال، سيراليون، ليبيريا، ساحل العاج، أوغندا، الكونغو،…) تشارك فيه ما يزيد على 30 دولة. وساهمت هذه النزاعات المفتعلة في جعل مديونية القارة تزيد عن 370 مليار دولار تمثل 65% من إجمالي الناتج القومي للقارة، وجعلها مرتعاً للألغام الأرضية حيث زُرع فيها أكثر من 30 مليون تمثل أكثر من ربع الألغام المزروعة في العالم أجمع.
إذن هذا هو الإطار الذي يجب أن يوضع فيه الصراع في ساحل العاج، صراع استعماري فرنسي - أمريكي، وقد رأى العالم أجمع كيف انقسمت البلاد بعد محاولة الانقلاب في 19/09/2002 إلى قسم موالٍ لفرنسا يرفع صور شيراك في المظاهرات وآخر موالٍ لأمريكا يرفع صور بوش ويطالب بقدوم القوات الأمريكية. وظهر هذا أكثر في "استجابة" فرنسا السريعة لطلب الحكومة الإيفوارية وقيامها بإرسال قواتها (4 آلاف جندي) بعد ثلاثة أيام فقط من الانقلاب بدعوى حماية الرعايا الأجانب، وما تلاه من إرسال المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية أيضاً لقواتها بعد ذلك بأسبوع.
إلا أن تعدد جبهات الصراع الاستعماري في العالم، وارتفاع كلفة إرسال الجندي الغربي المعتاد على ظروف الرفاهية للقتال خارج الحدود، بالإضافة إلى ضعف عقيدته القتالية، وضعف قدرة المجتمعات الغربية على تحمل التضحيات، والنظرة العدائية التي ينظر بها شعوب العالم الثالث عامة والمسلمون خاصة إلى جيوش الدول الغربية، كل ذلك يضعف من قدرة الدول الاستعمارية على إرسال قواتها لضمان مصالحها في مناطق الصراع، وتُجمع معظم التحاليل أن انشغال أمريكا بجبهتي العراق وأفغانستان المشتعلتين قد استنزف معظم طاقتها القتالية إلى حدٍّ جعلها عاجزة عن فتح أي جبهة جديدة، بل وجعلها غير قادرةٍ حتى على ضمان الأمن الداخلي (سحبت أمريكا بعض قواتها من العراق لضمان الأمن في ولاية لويزيانا بعد إعصار كاترينا المدمر في غشت 2005)، كما أن مشاركة القوات الأوربية في أفغانستان والبوسنة ولبنان وبعض الدول الإفريقية (ساحل العاج، تشاد، الكونغو، إفريقيا الوسطى، جيبوتي، … ) قد استنزف بشدة قدراتها القتالية، ورغم كون الصراع الأمريكي – الأوروبي هو العامل الأساسي في إشعال أحداث دارفور واستصدار قرار مجلس الأمن رقم 1769 بإرسال قوات دولية إلى الإقليم، فإن الأرجح أن أمريكا وأوروبا لن يستطيعا إرسال قواتهما إلى الإقليم، وسيعمل كل منهما على أن تتكون القوات الدولية بالأساس من قوات حلفائهم.
إن من المعروف أن المحرك الوحيد لأفعال الدول الغربية هو المصلحة، فاتخاذ القرار بإرسال قوات عسكرية، وتعداد هذه القوات، وأماكن انتشارها، ومدى تسليحها، والإمكانيات المخولة لها، والميزانية المرصودة لها، كل ذلك لا يتحكم فيه إلا مصلحة الدولة المرسِلة، وكل ما يقال عن الرغبة في إرساء الأمن والسلام، أو القضاء على الحروب الأهلية، كل ذلك ليس إلا ذراً للرماد في العيون، ووسيلةً لتخدير الشعوب المستضعفة لتجرع دخول هذه القوات. لذلك فإرسال قوات فرنسية إلى ساحل العاج ليس دفاعاً عن شرعية الحكومة ضد الانقلابيين كما يقال، وإنما حرص على حكومة غباغبو الخاضعة للنفوذ الفرنسي من أن تطالها يد التدخل الأمريكي.
وهنا يحق لنا أن نتساءل إن كانت حماية المصالح الفرنسية في ساحل العاج هي التي أملت عليها إرسال قواتها إلى هناك، فما هي المصلحة التي جعلت المغرب يرسل قواته إلى هناك؟
إن مما يزيد من حدة السؤال هو حجم القوات المغربية في ساحل العاج حيث يبلغ تعدادها حوالي 730 عسكرياً، تم نشرهم في منطقة بواكي (معقل المتمردين، 380 كلم شمال العاصة أبيدجان) ابتداءً من شهر أبريل 2004، وتمثل التجريدة المغربية القوة الثانية من حيث العدد بعد نظيرتها البنغلاديشية (قوات شرطة) من بين قوات تنتمي إلى 20 جنسية. وتعتمد الأمم المتحدة على القوات المغربية بشكل كبير في منطقة بواكي لأنها الأفضل تسليحاً وتجهيزاً، إضافة إلى تمكن عناصرها من التواصل بسهولة مع السكان بسبب إتقانهم للغة الفرنسية. ويقوم الجنود المغاربة بضمان سلامة الرحلات الجوية، ومنشآت الأمم المتحدة بالمطار، كما يقومون بدوريات مع شرطة الأمم المتحدة ومع الجنود الفرنسيين العاملين في إطار عملية "ليكورن" بمعدل 400 دورية عسكرية في الشهر، كما يعهد إلى التجريدة المغربية أيضاً بضمان حراسة وأمن الشخصيات السامية التي تزور بواكي[9].
فأي مصلحة للمغرب في القيام بكل هذه الأعمال؟ ومن يتحمل الأعباء المترتبة على ذلك؟
لإحاطة أوسع بموضوع المساهمات الخارجية للجيش المغربي، سأقوم باستعراض أهم تدخلات الجيش المغربي الخارجية منذ الاستقلال، والملابسات التي شابتها:
1. يوليوز 1960- يونيو 1964: أرسل المغرب قواته (كتيبة مدفعية وكتيبة مظليين) للتدخل في الزايير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً) ضمن قوات أممية (onuc)، بعد إعلان مويس تشومبي استقلال إقليم كاتنغا. انتهت الأزمة بإعدام باتريس لومومبا، وسيطرة موبوتو على الحكم.
2. أكتوبر 1973: أرسل المغرب كتيبة من قواته إلى الجولان للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل، إلا أن جل المراقبين يؤكدون أن القوات المغربية لم تقم بمشاركة فعالة في العمليات القتالية ضد القوات الإسرائيلية.
3. 1977 ثم 1978: أرسل المغرب قواته استجابة لدعوة شخصية من موبوتو لمساعدة القوات الفرنسية في قمع حركات التمرد التي عرفها إقليم شابا (كاتنغا) الزاييري.
4. غشت 1990: بعد الأزمة الناتجة عن غزو العراق على الكويت، قام المغرب بإرسال قوة عسكرية إلى السعودية للقتال إلى جانب قوات التحالف الأمريكي (تحالف حفر الباطن).
5. 1992-1993: تنفيذاً لمقتضيات اتفاقية باريس الموقعة في 23/10/1991، والتي تم بموجبها إنشاء المجلس الوطني الأعلى الذي عهد إليه تسيير البلاد تحت وصاية الأمم المتحدة، أرسل المغرب قوة (100 عنصر من الشرطة المدنية) إلى الكامبودج للعمل ضمن طاقم الأمم المتحدة.
6. 1993: شارك المغرب في ما عرف بعملية "إعادة الأمل" التي قادتها أمريكا في الصومال، وقام بإرسال قوة من 1300 عسكري، تركزت مهامها بالأساس في الجانب الصحي.
7. مارس 1996: المغرب يرسل قوات إلى البوسنة، ضمن قوات الناتو (ifor) التي عهد إليها تثبيت الأمن عشية انتهاء حرب الصرب على المسلمين في البوسنة.
8. يناير 1997: المغرب يرسل قوات (نحو 800 فرد/ كتيبة مشاة آلية) إلى البوسنة، ضمن قوات الناتو (sfor) التي عوضت (ifor).
9. يونيو 1999: المغرب يرسل قوات (279 فرداً) إلى كوسوفو ضمن قوات (kfor) الأممية التي عُهد إليها تسيير شئون الإقليم بعد الحملة العسكرية الأمريكية – الأوروبية لطرد النظام الصربي منه.
10. ديسمبر 1999: المغرب يرسل قوة من 809 فرداً إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية ضمن بعثة الأمم المتحدة (monuc) تنفيذاً لمقتضيات اتفاقية لوساكا التي أنهت الصراع الدائر والذي يشترك فيه 40 ألف عسكري ينتمون إلى الدول المجاورة (أنغولا، ناميبيا، زيمبابوي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، رواندا، أوغندا).
11. يونيو 2003: بطلب من أمريكا، سخر المغرب إمكانياته اللوجيستية لدعم نظام ولد الطايع في موريطانيا عسكرياً ضد الحركة الانقلابية، وبالفعل أجهضت المحاولة الانقلابية.
12. أكتوبر 2004: في إطار مبادرة مشتركة بين المغرب وإسبانيا، قام المغرب بإرسال قوة عسكرية (364 عنصراً) إلى هايتي لتثبيت الأوضاع بعد قيام أمريكا بغزو الجزيرة والإطاحة برئيس وزرائها في 29/04/2004 جان برتراند أريستيد ونفيه إلى جمهورية إفريقيا الوسطى.
13. يناير 2005: المغرب يشارك تحت إمرة قوات الاتحاد الأوروبي التي حلت محل قوات الناتو في البوسنة.
14. أواخر 12/2006: بطلب من الرئيس السنغالي عبد الله إيواد، أرسل المغرب قوة من 100 عنصر لنزع الألغام في إقليم كازامانس (المغرب هو البلد الوحيد الذي وافق على إرسال قوات إلى هذا الإقليم). كان من المفروض أن تدوم المهمة شهرين، إلا أن حركة القوى الديمقراطية لكازامانس الانفصالية انتقدت وجود القوة المغربية وقالت أنها تتكون من كوماندو متخصص في حرب العصابات وليس في إزالة الألغام. وتحدثت بعض الأنباء عن إصابة جنود مغاربة في هجوم في 25/01، مما اضطر المغرب إلى اختصار مهمته وإنهائها في 28/01/2007.
أمام هذا الكم الهائل من التدخلات الخارجية للجيش المغربي، لا يملك المرء إلا أن يطرح التساؤلات التالية:
1. لماذا يقحم المغرب نفسه في صراعات من الواضح أنها تجري على خلفية التنافس الاستعماري بين الدول الكبرى؟
2. إذا كان من الممكن تفهُّم أن يتدخل المغرب في الجولان أو الصومال أو البوسنة أو بعض الدول الإفريقية، فأي مصلحة للمغرب للتدخل في الكامبودج أو في هايتي التي تفصلنا عنها آلاف الكيلومترات ولا يجمعنا بها لا تاريخ ولا جغرافيا ولا حتى مصالح اقتصادية؟
3. ما سر التدخلات المتكررة في الزايير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً)؟ ولماذا يدافع المغرب عن نظام ديكتاتوري قمعي كنظام موبوتو سيسيكو؟
4. إذا كان التدخل في شئون الدول الأخرى محرماً، فلماذا تدخل المغرب لإنقاذ حكومة الطايع في انقلاب 2003؟ ولماذا لم يقم بالشيء نفسه في انقلاب 2005؟
5. إذا كان يمكن تبرير هذا الحجم المرتفع من التدخلات بإرادة في إيجاد "يد" للمغرب عند ما يسمى بالمجتمع الدولي، فهل يمكن القول إن المغرب قد استفاد فعلاً من ذلك؟ إن المغرب يعاني منذ عقود من معضلة الصحراء، والكل يعلم أن البوليساريو تنظيم ضعيف لا يملك مقومات البقاء الذاتي، وأن استمراره في الحياة هو نتيجة للدعم المباشر الذي يتلقاه من الجزائر وغير المباشر الذي يتلقاه من أطراف دولية أخرى، فلماذا لم يحفظ الغرب للمغرب جميله في سرعة استجابته لطلبات إرسال قواته إلى المناطق المشتعلة لكي يضغط على الجزائر والأطراف الأخرى لوقف دعمهم للبوليساريو؟
6. لقد رأى الجميع عشية تدخل السيناتور الجمهوري ريتشارد لوغار، والجنرال جيمي جونز قائد قوات التحالف في أوروبا في غشت 2005 كيف تم حل مشكلة الأسرى المغاربة المحتجزين من طرف البوليساريو طيلة عقود في أيام معدودة، فإذا كانت أمريكا تملك كل هذا الثقل للتأثير على مجريات الأمور، فلماذا لا تمارس ضغطاً مماثلاً لحل مشكلة الصحراء بما يرضي حليفها المغرب الذي لا يتردد في دعم جهودها في العالم؟
7. لماذا كل هذا التفاني في خدمة الأمم المتحدة مع كل ما نرى من حيف هذه المنظمة حين يتعلق الأمر بقضايا المسلمين!؟ لقد ذُبحت سربرنيتسا وهي بين أيدي القوات الأممية، وذُبحت جنين دون أن تجرأ الأمم المتحدة على مجرد التحقيق، واجتاحت إسرائيل لبنان مرات ومرات مروراً بحواجز الأمم المتحدة، وقُصف المدنيون اللبنانيون المستجيرون بمقرات الأمم المتحدة، ويُفتك بالمسلمين في كشمير والفيليبين وبورما وتايلاند والشيشان دون أن تحرك الأمم المتحدة ساكناً، ويذبح المسلمون في العراق وأفغانستان دون أن نسمع للأمم المتحدة صوت إدانة! فهل تستحق منظمة كهذه أن تدعم؟
§ في 05/12/1984، قراراً دبجته بالفقرة التالية: "إن الجمعية العامة، وقد نظرت بتعمق في مسألة الصحراء الغربية، وإذ تشير إلى حق جميع الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال وفقاًَ للمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وفي قرار الجمعية العامة 1514 (د-15) المؤرخ في 14/12/1960 والمتضمن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة…، وقد نظرت في الفصل ذي الصلة من تقرير اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة" تؤكد "أن مسألة الصحراء الغربية هي مسألة إنهاء للاستعمار ينبغي حلها على أساس ممارسة شعب الصحراء الغربية لحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال"، وقد ظلت هذه الفقرات تعاد حرفياً في بيانات 02/12/1985، 31/10/1986، 04/12/1987، 22/11/1988، 11/12/1989، 20/11/1990، أي لمدة سبع سنوات متتالية، ثم ألغيت الفقرة الثانية ابتداء من سنة 1991، واحتفظ بالفقرة الأولى التي تؤكد دائماً أن مسألة الصحراء الغربية لا زالت تُبحث في إطار منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة وبناءً على تقرير لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار، أي أن الأمم المتحدة تنظر إلى مشكل الصحراء على أساس أن المغرب دولة مستعمرة، وأن وجوده في الصحراء هو استعمار يجب أن يصفى بطريقة ما!!
9. لقد لاحظ الجميع في السنين الأخيرة تراجع الدور المغربي في القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط عموماً، وقد تداولت الصحف المحلية مقولةً أو شعاراً لا نعلم له سنداً مفاده أن "تازة قبل غزة"، وذلك للدلالة على موقف المغرب الذي بدا وكأنه يفضل الانشغال بقضاياه الداخلية على الانغماس في القضايا الدولية، فإن كان هذا الشعار المرفوع صحيحاً وقد تبنته الدولة فعلاً، فلماذا لا يطبق إلا في قضية الشرق الأوسط، بينما لا يزال المغرب حريصاً على الاشتراك في القضايا الدولية الأخرى؟
وبعد كل هذه الأسئلة المعلقة التي تنتظر جواباً، أقول في الأخير، إن قبول المغرب إرسال قواته إلى جبهات الصراع المشتعلة في العالم يصب دون الحاجة إلى عميق نظر في مصلحة الدول الغربية التي لم تعد تتحمل التكاليف المادية والاجتماعية لإرسال أبنائها في مثل هذه المهمات، وتفضل توكيل أطراف أخرى بدلاً عنها، والأولى بالمغرب أن ينأى بنفسه عن مثل هذه الصراعات التي لا تحركها أية أهداف إنسانية أو أخلاقية، وإنما يحركها الجشع ورغبة الدول الاستعمارية في الاستئثار بالخيرات والنفوذ. فإن كان المغرب يعتبر ذلك من باب المناورة أو المقايضة السياسية، فإن المعطيات المتوفرة لدينا لا تشير إلى مصلحةٍ تُذكر استطاع المغرب أن يجنيها من وراء ذلك، اللهم إلا إذا كان هناك أمور قد خفيت علينا فكم نود لو يطلعنا عليها أهل الخبرة والاطلاع.
الموضوع منقول وكما قال الكاتب الموضوع يستحق الدراسة و التحليل.
تناقلت الصحف مؤخراً أخبار الفضيحة التي طالت التجريدة المغربية المنتشرة في ساحل العاج ضمن قوات الأمم المتحدة حيث اتهم بعض العسكريين المغاربة بالاستغلال الجنسي لقاصرات مقابل مبالغ مالية أو شيء من المؤن. وفور انتشار النبأ-الفضيحة، قامت الأمم المتحدة في 21/07/2007 بتعليق عمل القوات المغربية واحتجازهم في ثكناتها إلى حين الانتهاء من التحقيق.
وسيراً على المثل الشعبي: لا دخان بدون نار، فقد تناولت معظم الصحف هذه الأنباء منتقدةً ما وقع، ومتوقعةً أن ينال هذا الحدث من سمعة الجيش المغربي ككل بما فيه شرفاؤهم. إلا أن الصحف نشرت في 07/08 أن 13 فتاة إفوارية اعترفن بالكذب في الفضيحة الجنسية، وأن ممثلة إحدى المنظمات غير الحكومية طلبت منهن تجريم الجنود المغاربة مقابل مساعدات مادية وملابس وصابون. وفي 17/08 نشرت الصحف أن لجنة تحقيق مغربية بالتعاون مع المبعوث الأممي أصدرت تقريراً يبرئ الجنود المغاربة في ساحل العاج. وذكرت بعض المصادر أن الهدف من إثارة القضية هو المس بسمعة التجريدة المغربية بحكم أنها أقوى تمثيلية أممية لتوفرها على مدرعات وتخصصات عسكرية أثبتت نجاعتها.
وبخلاف ما سبق ونشر حول الموضوع، لن يكون مقالي هذا بحثاً في حيثيات هذه القضية، ولا عن الطرف الذي قد يكون وراء تدبير هذه الدسيسة الهابطة أو الغاية التي يهدف إليها من وراء ذلك - وإن كان هذا الموضوع يستحق أن يبحث وينقب فيه- ولكنني سأنظر إلى هذا الحدث من زاوية مخالفة تماماً وسأطرح السؤال التالي: ماذا تفعل القوات المغربية أصلاً في ساحل العاج؟ وما مصلحة المغرب من إرسال قواته إلى هناك؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، سأطرح بين يدي القارئ بعض المعلومات التاريخية والجغرافية عن ساحل العاج خاصة، وعن المنطقة عامة وما يدور من صراع دولي حولها لكي يتسنى لنا فهم ما يجري في تلك البقعة من العالم.
تقع ساحل العاج (كوت ديفوار) على الساحل الغربي لإفريقيا، مفتوحة على ما يسمى خليج غينيا، يحدها من الشمال مالي وبوركينا فاصو، ومن الشرق غانا، ومن الغرب ليبيريا وغينيا، ومن الجنوب المحيط الأطلسي. تبلغ مساحة ساحل العاج حوالي 322 ألف كلم مربع، ويقدر عدد سكانها بحوالي 3.5 مليون نسمة (أي بكثافة سكانية جد متدنية لا تتجاوز 56 فرداً في الكلم المربع). وساحل العاج دولة غنية تغطي الغابات معظم مساحتها، حباها الله بخيرات سطحية حيث تخترق الأنهار والبحيرات البلاد، وخيرات باطنية من حديد وغاز وأحجار كريمة وبترول وغاز (صدرت منه 1.3 مليار متر مكعب سنة 2003)[1].
أما من الناحية التاريخية، فساحل العاج بلاد إسلامية خالصة، أورد المؤرخ محمود شاكر أن الإسلام وصل أول مرة إلى تلك المنطقة (غانا) في أواسط القرن الثاني الهجري (أواخر القرن الثامن الميلادي) على يد أحد الأشراف الذين فروا من معركة فخ (في نفس الوقت الذي وصل فيه إدريس الأول إلى المغرب) ولقي الترحيب نفسه الذي لقيه إدريس، ويدعى هذا الشريف بصالح، واستطاع أن يؤسس مدينة كومي صالح التي غدت حاضرة إمبراطورية غانا[2]. ثم كانت الحملة الثانية في القرن الخامس الهجري (القرن الحادي عشر الميلادي) على يد دولة المرابطين بقيادة الأمير أبي بكر بن عمر اللمتوني رحمه الله الذي توغل كثيراً فيما كان يسمى حينذاك بلاد السودان[3]، أورد الناصري: «وكان سفر أبي بكر بن عمر إلى الصحراء في ذي القعدة سنة 453هـ /1061م، ولما وصل إليها أصلح شأنها ورتب أحوالها وجمع جيشاً كثيفاً وغزا به بلاد السودان فاستولى منها على نحو تسعين مرحلة…[4]»، ثم عاد إلى المغرب بعدما بلغته أخبار انتصارات يوسف بن تاشفين لكنه سرعان ما: «انصرف إلى الصحراء فأقام بها مواظباً على الجهاد في كفار السودان إلى أن استشهد من سهم مسموم أصابه في شعبان سنة 480هـ / 1087 م بعد أن استقام له أمر الصحراء كافة إلى جبال الذهب[5] من بلاد السودان[6]». «وعلى كل حال، نسلم بالدور الكبير الذي لعبه الإسلام في تأطير الممالك والإمبراطوريات الإفريقية. ففي القرن 5 هـ/ 11 م، اعتنق أهم سلاطين السودان الغربي (غانة، غاو، مالي، التكرور، سيلا) الإسلام. وابتداء من القرن 8 هـ/ 14 م، أصبح الإسلام متجذراً نسبياً داخل الدائرة المالكة لمالي التي يُعتقد أنها وضعت أسس حضارة إفريقية مسلمة بفضل امتدادها الجغرافي الكبير الذي غطى معظم بلاد السودان الغربي[7]». وتنقل كتب التاريخ أن أحد ملوك أهل السودان (الحاج محمد سكية) رحل في أواخر المائة التاسعة إلى مصر والحجاز بقصد حج بيت الله الحرام فلقي بمصر الخليفة العباسي وطلب منه أن يأذن له في إمارة بلاد السودان وأن يكون خليفته هناك، ففوض إليه الخليفة العباسي النظر في أمر ذلك الإقليم وجعله نائبه على من وراءه من المسلمين. واستمر الأمر كذلك إلى أن دخلت بلادَه جيوشُ المنصور السعدي في مطلع السنة الألف الهجرية (أواخر سنة 1591م)[8].
بقيت منطقة السودان الغربي خاضعةً للممالك الإسلامية إلى أن بدأت طلائع الاستعمار الأوروبي في الوصول إلى السواحل الإفريقية ابتداءً من أواسط القرن السادس عشر الميلادي حيث بدأ مسلسل نهب خيرات المنطقة وأعطيت إشارة الانطلاقة لأكبر مأساة عرفها التاريخ وهي تجارة العبيد الأفارقة وتهجيرهم بالملايين للعمل في حقول القارة الأمريكية. ثم استقرت فرنسا في ساحل العاج ابتداءً من القرن الثامن عشر لتدخل في تنافس استعماري شديد مع البريطانيين في القرن التاسع عشر، أسفر عن إعلان ضم ساحل العاج إلى الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية سنة 1904م على أشلاء أهل البلاد الذين انتفضوا لمقاومتها فقمعتهم بشراسة.
واستمرت فرنسا في نهب خيرات البلاد وتسخير أبنائها للعمل في مزارع القهوة، أو العمل الجبري في مد سكة الحديد بين أبيدجان وواغادوغو، أو الخدمة في الجيش الفرنسي في الحربين العالميتين الأولى والثانية، إلى أواسط الخمسينيات من القرن الماضي حين عمت العالم أفكار التحرر وتصفية الاستعمار (بتشجيع من أمريكا)، فاستبقت فرنسا الأمور لقطع الطريق أمام أطماع أمريكا - المنتصر الأكبر في الحرب العالمية الثانية- في استغلال الأوضاع المنهكة للأوروبيين لوراثة مستعمراتهم في العالم، فأتت فرنسا بهوفوت بوانيي ولمعته (في مسرحيةٍ شبيهةٍ بما تفعله أميركا في العراق وأفغانستان الآن بتلميع قادة محليين ثم تسليمهم الحكم) لتسلمه رئاسة الوزراء في 04/12/1958 ثم رئاسة الدولة بعد إعلان الاستقلال في 07/08/1960.
إلا أن طمع أمريكا في إفريقيا وخيراتها لم يخفت، فاستمرت في مزاحمة الدول الاستعمارية فيها (بريطانيا، فرنسا، بلجيكا، هولندا، …) واستطاعت أن تزيح الدول الاستعمارية الصغيرة نهائياً، والكبرى من مناطق واسعة من مستعمراتها السابقة، بالأعمال السياسية تارة، وبإشعال الحروب الأهلية تارة، وبالاختراق عن طريق القروض والهبات والخبراء تارة أخرى، ولم يتبق في إفريقيا إلا بريطانيا وفرنسا اللتان أبقتا نفوذهما تحت إطاريْ منظمة الكومنولث البريطانية ومنظمة الفرانكفونية الفرنسية. وإلى يومنا هذا لا يزال التصارع الاستعماري دائراً في إفريقيا على أشده بين هذه الدول الثلاث (أمريكا – بريطانيا – فرنسا) متمثلاً في الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة والتي زاد عددها في السنوات الأخيرة على 26 نزاعاً (أبرزها السودان، الصومال، سيراليون، ليبيريا، ساحل العاج، أوغندا، الكونغو،…) تشارك فيه ما يزيد على 30 دولة. وساهمت هذه النزاعات المفتعلة في جعل مديونية القارة تزيد عن 370 مليار دولار تمثل 65% من إجمالي الناتج القومي للقارة، وجعلها مرتعاً للألغام الأرضية حيث زُرع فيها أكثر من 30 مليون تمثل أكثر من ربع الألغام المزروعة في العالم أجمع.
إذن هذا هو الإطار الذي يجب أن يوضع فيه الصراع في ساحل العاج، صراع استعماري فرنسي - أمريكي، وقد رأى العالم أجمع كيف انقسمت البلاد بعد محاولة الانقلاب في 19/09/2002 إلى قسم موالٍ لفرنسا يرفع صور شيراك في المظاهرات وآخر موالٍ لأمريكا يرفع صور بوش ويطالب بقدوم القوات الأمريكية. وظهر هذا أكثر في "استجابة" فرنسا السريعة لطلب الحكومة الإيفوارية وقيامها بإرسال قواتها (4 آلاف جندي) بعد ثلاثة أيام فقط من الانقلاب بدعوى حماية الرعايا الأجانب، وما تلاه من إرسال المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية أيضاً لقواتها بعد ذلك بأسبوع.
إلا أن تعدد جبهات الصراع الاستعماري في العالم، وارتفاع كلفة إرسال الجندي الغربي المعتاد على ظروف الرفاهية للقتال خارج الحدود، بالإضافة إلى ضعف عقيدته القتالية، وضعف قدرة المجتمعات الغربية على تحمل التضحيات، والنظرة العدائية التي ينظر بها شعوب العالم الثالث عامة والمسلمون خاصة إلى جيوش الدول الغربية، كل ذلك يضعف من قدرة الدول الاستعمارية على إرسال قواتها لضمان مصالحها في مناطق الصراع، وتُجمع معظم التحاليل أن انشغال أمريكا بجبهتي العراق وأفغانستان المشتعلتين قد استنزف معظم طاقتها القتالية إلى حدٍّ جعلها عاجزة عن فتح أي جبهة جديدة، بل وجعلها غير قادرةٍ حتى على ضمان الأمن الداخلي (سحبت أمريكا بعض قواتها من العراق لضمان الأمن في ولاية لويزيانا بعد إعصار كاترينا المدمر في غشت 2005)، كما أن مشاركة القوات الأوربية في أفغانستان والبوسنة ولبنان وبعض الدول الإفريقية (ساحل العاج، تشاد، الكونغو، إفريقيا الوسطى، جيبوتي، … ) قد استنزف بشدة قدراتها القتالية، ورغم كون الصراع الأمريكي – الأوروبي هو العامل الأساسي في إشعال أحداث دارفور واستصدار قرار مجلس الأمن رقم 1769 بإرسال قوات دولية إلى الإقليم، فإن الأرجح أن أمريكا وأوروبا لن يستطيعا إرسال قواتهما إلى الإقليم، وسيعمل كل منهما على أن تتكون القوات الدولية بالأساس من قوات حلفائهم.
إن من المعروف أن المحرك الوحيد لأفعال الدول الغربية هو المصلحة، فاتخاذ القرار بإرسال قوات عسكرية، وتعداد هذه القوات، وأماكن انتشارها، ومدى تسليحها، والإمكانيات المخولة لها، والميزانية المرصودة لها، كل ذلك لا يتحكم فيه إلا مصلحة الدولة المرسِلة، وكل ما يقال عن الرغبة في إرساء الأمن والسلام، أو القضاء على الحروب الأهلية، كل ذلك ليس إلا ذراً للرماد في العيون، ووسيلةً لتخدير الشعوب المستضعفة لتجرع دخول هذه القوات. لذلك فإرسال قوات فرنسية إلى ساحل العاج ليس دفاعاً عن شرعية الحكومة ضد الانقلابيين كما يقال، وإنما حرص على حكومة غباغبو الخاضعة للنفوذ الفرنسي من أن تطالها يد التدخل الأمريكي.
وهنا يحق لنا أن نتساءل إن كانت حماية المصالح الفرنسية في ساحل العاج هي التي أملت عليها إرسال قواتها إلى هناك، فما هي المصلحة التي جعلت المغرب يرسل قواته إلى هناك؟
إن مما يزيد من حدة السؤال هو حجم القوات المغربية في ساحل العاج حيث يبلغ تعدادها حوالي 730 عسكرياً، تم نشرهم في منطقة بواكي (معقل المتمردين، 380 كلم شمال العاصة أبيدجان) ابتداءً من شهر أبريل 2004، وتمثل التجريدة المغربية القوة الثانية من حيث العدد بعد نظيرتها البنغلاديشية (قوات شرطة) من بين قوات تنتمي إلى 20 جنسية. وتعتمد الأمم المتحدة على القوات المغربية بشكل كبير في منطقة بواكي لأنها الأفضل تسليحاً وتجهيزاً، إضافة إلى تمكن عناصرها من التواصل بسهولة مع السكان بسبب إتقانهم للغة الفرنسية. ويقوم الجنود المغاربة بضمان سلامة الرحلات الجوية، ومنشآت الأمم المتحدة بالمطار، كما يقومون بدوريات مع شرطة الأمم المتحدة ومع الجنود الفرنسيين العاملين في إطار عملية "ليكورن" بمعدل 400 دورية عسكرية في الشهر، كما يعهد إلى التجريدة المغربية أيضاً بضمان حراسة وأمن الشخصيات السامية التي تزور بواكي[9].
فأي مصلحة للمغرب في القيام بكل هذه الأعمال؟ ومن يتحمل الأعباء المترتبة على ذلك؟
لإحاطة أوسع بموضوع المساهمات الخارجية للجيش المغربي، سأقوم باستعراض أهم تدخلات الجيش المغربي الخارجية منذ الاستقلال، والملابسات التي شابتها:
1. يوليوز 1960- يونيو 1964: أرسل المغرب قواته (كتيبة مدفعية وكتيبة مظليين) للتدخل في الزايير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً) ضمن قوات أممية (onuc)، بعد إعلان مويس تشومبي استقلال إقليم كاتنغا. انتهت الأزمة بإعدام باتريس لومومبا، وسيطرة موبوتو على الحكم.
2. أكتوبر 1973: أرسل المغرب كتيبة من قواته إلى الجولان للمشاركة في الحرب ضد إسرائيل، إلا أن جل المراقبين يؤكدون أن القوات المغربية لم تقم بمشاركة فعالة في العمليات القتالية ضد القوات الإسرائيلية.
3. 1977 ثم 1978: أرسل المغرب قواته استجابة لدعوة شخصية من موبوتو لمساعدة القوات الفرنسية في قمع حركات التمرد التي عرفها إقليم شابا (كاتنغا) الزاييري.
4. غشت 1990: بعد الأزمة الناتجة عن غزو العراق على الكويت، قام المغرب بإرسال قوة عسكرية إلى السعودية للقتال إلى جانب قوات التحالف الأمريكي (تحالف حفر الباطن).
5. 1992-1993: تنفيذاً لمقتضيات اتفاقية باريس الموقعة في 23/10/1991، والتي تم بموجبها إنشاء المجلس الوطني الأعلى الذي عهد إليه تسيير البلاد تحت وصاية الأمم المتحدة، أرسل المغرب قوة (100 عنصر من الشرطة المدنية) إلى الكامبودج للعمل ضمن طاقم الأمم المتحدة.
6. 1993: شارك المغرب في ما عرف بعملية "إعادة الأمل" التي قادتها أمريكا في الصومال، وقام بإرسال قوة من 1300 عسكري، تركزت مهامها بالأساس في الجانب الصحي.
7. مارس 1996: المغرب يرسل قوات إلى البوسنة، ضمن قوات الناتو (ifor) التي عهد إليها تثبيت الأمن عشية انتهاء حرب الصرب على المسلمين في البوسنة.
8. يناير 1997: المغرب يرسل قوات (نحو 800 فرد/ كتيبة مشاة آلية) إلى البوسنة، ضمن قوات الناتو (sfor) التي عوضت (ifor).
9. يونيو 1999: المغرب يرسل قوات (279 فرداً) إلى كوسوفو ضمن قوات (kfor) الأممية التي عُهد إليها تسيير شئون الإقليم بعد الحملة العسكرية الأمريكية – الأوروبية لطرد النظام الصربي منه.
10. ديسمبر 1999: المغرب يرسل قوة من 809 فرداً إلى جمهورية الكونغو الديموقراطية ضمن بعثة الأمم المتحدة (monuc) تنفيذاً لمقتضيات اتفاقية لوساكا التي أنهت الصراع الدائر والذي يشترك فيه 40 ألف عسكري ينتمون إلى الدول المجاورة (أنغولا، ناميبيا، زيمبابوي، جمهورية الكونغو الديمقراطية، رواندا، أوغندا).
11. يونيو 2003: بطلب من أمريكا، سخر المغرب إمكانياته اللوجيستية لدعم نظام ولد الطايع في موريطانيا عسكرياً ضد الحركة الانقلابية، وبالفعل أجهضت المحاولة الانقلابية.
12. أكتوبر 2004: في إطار مبادرة مشتركة بين المغرب وإسبانيا، قام المغرب بإرسال قوة عسكرية (364 عنصراً) إلى هايتي لتثبيت الأوضاع بعد قيام أمريكا بغزو الجزيرة والإطاحة برئيس وزرائها في 29/04/2004 جان برتراند أريستيد ونفيه إلى جمهورية إفريقيا الوسطى.
13. يناير 2005: المغرب يشارك تحت إمرة قوات الاتحاد الأوروبي التي حلت محل قوات الناتو في البوسنة.
14. أواخر 12/2006: بطلب من الرئيس السنغالي عبد الله إيواد، أرسل المغرب قوة من 100 عنصر لنزع الألغام في إقليم كازامانس (المغرب هو البلد الوحيد الذي وافق على إرسال قوات إلى هذا الإقليم). كان من المفروض أن تدوم المهمة شهرين، إلا أن حركة القوى الديمقراطية لكازامانس الانفصالية انتقدت وجود القوة المغربية وقالت أنها تتكون من كوماندو متخصص في حرب العصابات وليس في إزالة الألغام. وتحدثت بعض الأنباء عن إصابة جنود مغاربة في هجوم في 25/01، مما اضطر المغرب إلى اختصار مهمته وإنهائها في 28/01/2007.
أمام هذا الكم الهائل من التدخلات الخارجية للجيش المغربي، لا يملك المرء إلا أن يطرح التساؤلات التالية:
1. لماذا يقحم المغرب نفسه في صراعات من الواضح أنها تجري على خلفية التنافس الاستعماري بين الدول الكبرى؟
2. إذا كان من الممكن تفهُّم أن يتدخل المغرب في الجولان أو الصومال أو البوسنة أو بعض الدول الإفريقية، فأي مصلحة للمغرب للتدخل في الكامبودج أو في هايتي التي تفصلنا عنها آلاف الكيلومترات ولا يجمعنا بها لا تاريخ ولا جغرافيا ولا حتى مصالح اقتصادية؟
3. ما سر التدخلات المتكررة في الزايير (جمهورية الكونغو الديمقراطية حالياً)؟ ولماذا يدافع المغرب عن نظام ديكتاتوري قمعي كنظام موبوتو سيسيكو؟
4. إذا كان التدخل في شئون الدول الأخرى محرماً، فلماذا تدخل المغرب لإنقاذ حكومة الطايع في انقلاب 2003؟ ولماذا لم يقم بالشيء نفسه في انقلاب 2005؟
5. إذا كان يمكن تبرير هذا الحجم المرتفع من التدخلات بإرادة في إيجاد "يد" للمغرب عند ما يسمى بالمجتمع الدولي، فهل يمكن القول إن المغرب قد استفاد فعلاً من ذلك؟ إن المغرب يعاني منذ عقود من معضلة الصحراء، والكل يعلم أن البوليساريو تنظيم ضعيف لا يملك مقومات البقاء الذاتي، وأن استمراره في الحياة هو نتيجة للدعم المباشر الذي يتلقاه من الجزائر وغير المباشر الذي يتلقاه من أطراف دولية أخرى، فلماذا لم يحفظ الغرب للمغرب جميله في سرعة استجابته لطلبات إرسال قواته إلى المناطق المشتعلة لكي يضغط على الجزائر والأطراف الأخرى لوقف دعمهم للبوليساريو؟
6. لقد رأى الجميع عشية تدخل السيناتور الجمهوري ريتشارد لوغار، والجنرال جيمي جونز قائد قوات التحالف في أوروبا في غشت 2005 كيف تم حل مشكلة الأسرى المغاربة المحتجزين من طرف البوليساريو طيلة عقود في أيام معدودة، فإذا كانت أمريكا تملك كل هذا الثقل للتأثير على مجريات الأمور، فلماذا لا تمارس ضغطاً مماثلاً لحل مشكلة الصحراء بما يرضي حليفها المغرب الذي لا يتردد في دعم جهودها في العالم؟
7. لماذا كل هذا التفاني في خدمة الأمم المتحدة مع كل ما نرى من حيف هذه المنظمة حين يتعلق الأمر بقضايا المسلمين!؟ لقد ذُبحت سربرنيتسا وهي بين أيدي القوات الأممية، وذُبحت جنين دون أن تجرأ الأمم المتحدة على مجرد التحقيق، واجتاحت إسرائيل لبنان مرات ومرات مروراً بحواجز الأمم المتحدة، وقُصف المدنيون اللبنانيون المستجيرون بمقرات الأمم المتحدة، ويُفتك بالمسلمين في كشمير والفيليبين وبورما وتايلاند والشيشان دون أن تحرك الأمم المتحدة ساكناً، ويذبح المسلمون في العراق وأفغانستان دون أن نسمع للأمم المتحدة صوت إدانة! فهل تستحق منظمة كهذه أن تدعم؟
§ في 05/12/1984، قراراً دبجته بالفقرة التالية: "إن الجمعية العامة، وقد نظرت بتعمق في مسألة الصحراء الغربية، وإذ تشير إلى حق جميع الشعوب غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال وفقاًَ للمبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة وفي قرار الجمعية العامة 1514 (د-15) المؤرخ في 14/12/1960 والمتضمن إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة…، وقد نظرت في الفصل ذي الصلة من تقرير اللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة" تؤكد "أن مسألة الصحراء الغربية هي مسألة إنهاء للاستعمار ينبغي حلها على أساس ممارسة شعب الصحراء الغربية لحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير والاستقلال"، وقد ظلت هذه الفقرات تعاد حرفياً في بيانات 02/12/1985، 31/10/1986، 04/12/1987، 22/11/1988، 11/12/1989، 20/11/1990، أي لمدة سبع سنوات متتالية، ثم ألغيت الفقرة الثانية ابتداء من سنة 1991، واحتفظ بالفقرة الأولى التي تؤكد دائماً أن مسألة الصحراء الغربية لا زالت تُبحث في إطار منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمَرة وبناءً على تقرير لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار، أي أن الأمم المتحدة تنظر إلى مشكل الصحراء على أساس أن المغرب دولة مستعمرة، وأن وجوده في الصحراء هو استعمار يجب أن يصفى بطريقة ما!!
9. لقد لاحظ الجميع في السنين الأخيرة تراجع الدور المغربي في القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط عموماً، وقد تداولت الصحف المحلية مقولةً أو شعاراً لا نعلم له سنداً مفاده أن "تازة قبل غزة"، وذلك للدلالة على موقف المغرب الذي بدا وكأنه يفضل الانشغال بقضاياه الداخلية على الانغماس في القضايا الدولية، فإن كان هذا الشعار المرفوع صحيحاً وقد تبنته الدولة فعلاً، فلماذا لا يطبق إلا في قضية الشرق الأوسط، بينما لا يزال المغرب حريصاً على الاشتراك في القضايا الدولية الأخرى؟
وبعد كل هذه الأسئلة المعلقة التي تنتظر جواباً، أقول في الأخير، إن قبول المغرب إرسال قواته إلى جبهات الصراع المشتعلة في العالم يصب دون الحاجة إلى عميق نظر في مصلحة الدول الغربية التي لم تعد تتحمل التكاليف المادية والاجتماعية لإرسال أبنائها في مثل هذه المهمات، وتفضل توكيل أطراف أخرى بدلاً عنها، والأولى بالمغرب أن ينأى بنفسه عن مثل هذه الصراعات التي لا تحركها أية أهداف إنسانية أو أخلاقية، وإنما يحركها الجشع ورغبة الدول الاستعمارية في الاستئثار بالخيرات والنفوذ. فإن كان المغرب يعتبر ذلك من باب المناورة أو المقايضة السياسية، فإن المعطيات المتوفرة لدينا لا تشير إلى مصلحةٍ تُذكر استطاع المغرب أن يجنيها من وراء ذلك، اللهم إلا إذا كان هناك أمور قد خفيت علينا فكم نود لو يطلعنا عليها أهل الخبرة والاطلاع.
الموضوع منقول وكما قال الكاتب الموضوع يستحق الدراسة و التحليل.