أيلول الأسود
خلفياته وقصته وكيف بدأ ....
الجزء الثاني من حديث الجزيرة
خلفياته وقصته وكيف بدأ ....
الجزء الثاني من حديث الجزيرة
سبتمبر- أيلول 1970 ، الشهر المليء بالأحداث والحوادث والحزن ... ليس الشهر أو العام وحده .... فرغم مرور السنوات ... يبقي وسيبقي سبتمبر 1970 ... رمز .... للتغيير الشامل ... الذي يميز المنطقة ....
لقد ترك إسمه رمزا ... مخيفا ... وما زال حتي اليوم ، رمز لحقبة تاريخية في منطقة الشرق الأوسط والعالم أجمع ، فقد تغير وجه العالم بعده فقد كان هذا الشهر .... ( بــداية ...... النهاية ) .... أو .... ( نــهـــاية ... الــبداية )
كان بداية للتحول خطيرة في مسيرة الكفاح الفلسطيني .... فمنذ ذلك الشهر ... وتغير وجه منظمة التحرير الفلسطينية .... وبدأت سنوات طويلة لم تنتهي ...
ويتمزق قلبي ، عندما أتذكر تلك الصور ممن أظهرهم التفزيون عن العديد من الفدائيين الفلسطينيين المسلحين ببنادق "كلاشنيكوف" ... وهم يحاولون أن يوقفوا تقدم الدبابات علي أجسادهم .... دون جدوي ... فكان الصراخ .. وكان الموت ...
لن أنسي تلك الأيام من سبتمبر عام 1970 ..... ولا ننسي الدماء البريئة التي سالت علي رمال صحراء الأردن وعلي شوارع عمان ... ولن أنسي صور التحقيقات في التلفزيون ، والتي كانت تبين لنا ، الدبابت "الأردنية" .. من طراز سنتوريون ، وقد أحاطت بمعسكرات منظمة التحريرالفلسطينية ... لتقذف مدافعها الرئيسية ... الفلسطينيين ... مجاهدين كانو أم مدنيين ...
كما لن أنسي صور المدافع الرشاشة الثقيلة ، التي وجهتها مصفحات الجيش الأردني إلي خيام وعشش الاجئين الفلسطينيين ...
بكينا "صامتين" ... فلم نكن نتوقع أن يأتي اليوم ... ليقتل ... عربي ... أخوه العربي ... وبالذات الأردني للأخيه الفلسطيني
ولن أنسي صور رؤساء الدول العربية وقد تجاوبوا مع نداء الرئيس جمال عبد الناصر .. وهرولوا إلي القاهرة تلبية لندائه ، من أجل محاولة حل النزاع ...
وأجتمعوا في فندق هيلتون "النيل" ... وكانت قاعة الأجتماعات في مبني "الجامعة العربية" مليئة بهم ... وكيف أن الملك فيص رحمه الله يقف بكل قوته ونفوذه العائلي علي الملك حسين ، من أجل حل الخلاف ...
وكانت الصور ... الملك حسين ... يرتدي عسكريا ... ويحمل مسدسه .... وياسر عرفات يحضر ومعه مسدسه ....
ويبقي صورة عالقة في الذاكرة ، صورة جمال عبدالناصر مساء يوم 27 سبتمبر وهو يتحدث إلي ياسر عرفات ويظهرعلي وجهه الألم النفسي ....
وإنقضي الليل ... وغادر الرؤساء العرب القاهرة .... وودعهم جمال عبدالناصر ... وكان آخرهم سفر الأمير "الصباح" أمير الكويت بعد ظهر يوم 28 سبتمبر ... ورجع عبدالناصر إلي منزله ... ليسلم روحه والأمانة إلي خالقها .... الله سبحانه وتعالي ...
وإنتهي سبتمبر 1970 ... ليكون أسودا ... حزينا ... مؤلما ...
وكانت صور الأهانة التي وجهت للمرحوم ياسر عرفات ... بطرده من الأردن ولبنان إلي تونس ...
د. يحي الشاعر
المصدر
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/E11C970D-DBF5-4702-B391-CD6AF1AC75D9.htm
أيلول الأسود - الجزء الثاني والأخير
هاني الخصاونةفاروق القدوميأحمد جبريل
اللواء محمد فوزينايف حواتمةرفائيل جدعون
أسعد طهأسعد طه:
في ظل الشكوك المتنامية من كل طرف تجاه نوايا الطرف الآخر بات التعايش بينهما أمراً صعباً للغاية إن لم يكن مستحيلاً.
السلام عليكم، هذا ما توصلنا إليه في الحلقة السابقة بعد أن استعرضنا الظروف التاريخية التي سبقت أحداث أيلول الأسود، وبعد أن عرضنا إلى راوية الطرفين الفلسطيني والأردني، وفهمنا أن الثنائية داخل الدولة باتت مصدر قلق مستمر للنظام الأردني الذي بدا متردداً في اتخاذ قرارات حاسمة. في مقابل ذلك فإن الخلاف اشتد بين فتح وباقي التيارات داخل المقاومة، تحديداً الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة جورج حبش، والجبهة الديمقراطية الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة نايف حواتمة، ومرد ذلك أن فتح رفضت دعوة هذه الحركات إلى ما اسمته "إقامة نظام ديمقراطي وطني".
وفي بداية شهر يونيو/ حزيران عام 1970م بدأت أولى بوادر العنف بالتشكل، ورغم محاولة الملك حسين التخفيف من حدة التوتر واحتواء الأزمة بإجرائه تغييراً وزارياً يخدم مصالح الفلسطينيين، إلا أن المواجهات احتدمت بين عناصر من المقاومة والجيش الأردني في الزرقاء وعمان. وتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، رفضته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي كانت تحكم قبضتها على جزء هام من العاصمة عمان، وحاول الملك حسين من جديد تجاوز الأزمة فقرر حل جهاز الاستخبارات التابع للجيش وتشكيل حكومة مصالحة. ولم يكن ذلك ليحد من تصاعد حدة التوتر بين المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني، وباتت المواجهة العسكرية الحاسمة قاب قوسين أو أدنى.
هاني الخصاونة مدير التشريفات في القصر الملكي الأردني:
الملك حسين كان أكثر الناس –وقد لا يتوقع كثيرون أن أقول هذا الكلام- أكثر الناس ضيقاً عدم رغبة في الصدام، وأذكر في إحدى المرات بأن الجيش استفز غربي.. غربي ناعور بحادث معين وخرجت الوحدات تريد أن تضرب الفدائيين، فغضب الملك ونزل بنفسه ومنع القوات من أن تتجه نحو الفدائيين، وبلغت الأمور ببعض الضباط أ أن يتهموا الملك حسين بأنه.. بأنه.. يتردد في.. في إيقاف الأمور عند حدها ومنع التجاوزات نتيجة لأنه خائف أو.. نتيجة الجبن وخوف من الفدائيين.. ولله ثم للتاريخ أذكر بأن الملك حسين كان يتقطع ألماً على موضوع الصدام وعلى الحرص على عدم إراقة الدماء، وعلى الوصول إلى تسوية بأقل الخسائر للنزاع الذي وقع بين الجيش والفدائيين.
فاروق القدومي من مؤسسي حركة فتح:
صار فيه هناك خطف طائرات، ووضعت في مطار الثورة وطالبت الدول الغربية إنه الإفراج عنهم.. عن هذه الطائرات، وبدأنا نقول: يا إخوة لابد من الإفراج عن هذه الطائرات، ثم حرقت هذه الطائرات، بغض النظر عن صحة أو خطأ هذا الأمر وغيره، لكن هذا خلق كأنما هناك ليس هناك سلطة في البلد ونحن نتصرف.. دون أخذ الاعتبار إلى وجود هذه السلطة.
محمد رسول الكيلاني رئيس جهاز المخابرات الأردني السابق:
الأردن يعني واسع مش عصبي.. مش عصبي واسع، احتمل من الـ 67 للـ 70، لما يصير اعتداء على أفراد القوات المسلحة ينخطفوا والضباط ينخطفوا ويهانوا، والمواطن يهان، صار يعني دولة داخل دولة، وبالتالي الفوضى هي اللي أدت إلى هذا الأمر.
عدنان أبو عودة مستشار الملك الراحل الأردني السابق:
وفي كل مرة كان يتطور الرد الإسرائيلي والضرب الإسرائيلي بحجمه ومداه كانوا ينشؤوا مفاهيم جديدة ضمن الشعب الأردني.. وينشؤوا حركات جديدة ضمن حركة المقاومة الفلسطينية، لنأتي أولاً كيف أثر على الشعب الأردني. على الشعب الأردني –كما ذكرت- كان شهر عسل يتميز بالتلاحم بين الجندي الأردني وبين المقاوم الفلسطيني، لما بدأت إسرائيل تضرب القرى الأردنية في –مثلاً- 15 شباط 68 سبقت الكرامة بتقريباً بشهر أو أكثر، أول عملية ذات قيمة ضربت إسرائيل في يوم واحد 13 قرية أردنية ومدينة إربد في محافظ إربد ومخيم لاجئين فلسطينيين، قتلت أكثر من 50، 56 شخص على ما أعتقد أو على ما أذكر، منهم كان 10 جنود والبقية نساء وأطفال، وجرحت المئات، وهدمت كثير من البيوت، عشرات من البيوت هدمت أو تضررت من هذا القصف. صار العسكري الأردني –ومعظمهم يأتون من القرى- يحس بأن هذا الفدائي يتسبب في قتل أهله. فهنا نشأ عنده رغبة في أن ينسق في ذلك الفدائي بحيث لا يتضرر القاعدة الخلفية التي فيها الأهل الآمنون وإلى آخره. فبدأ التفسخ في العلاقة.
فاروق القدومي:
أنا من الناس اللي كنت أقول إنه يجب ألا يكون هناك صدام بيننا وبين –بالفعل- السلطة، بل بالعكس هناك لابد أن يكون هناك تكامل، حتى هذه الأحداث، يعني كثيراً ما كنت أدعو يا إخوة –وذكرت ذلك في آخر ساعة حتى بعد هذه الأحداث- الضرورة تقتضي أن لا نصطدم وأن يكون هناك تنسيق. ولكن يبدو إن هذه مثل كرة الثلج.
أسعد طه:
كان يقين الأطراف العربية والدولية أن الأزمة ماضية إلى اشتباك أعنف، وكان ذلك حجر الزاوية في المبادرات السلمية التي تم طرحها، من هذه المبادرات ما هو داخلي، كالاتفاق الذي وقعه الملك حسين مع ياسر عرفات في الثاني والعشرين من فبراير/ شباط عام 70، أو اتفاق الهدنة بينهما الذي رفضته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ومن هذه المبادرات ما هو عربي كمبادرة مصر والعراق والجزائر السودان بتشكيل لجنة مصالحة تمكنت من إقناع الطرفين بإبرام اتفاق يسمح لمنظمة التحرير بمواصلة عملياتها الفدائية ضد الكيان الإسرائيلي دونما –تأثير في أمن المملكة، وجاءت مبادرة الولايات المتحدة الأميركية المعروفة باسم مبادرة "روجرز" في أغسطس/ آب عام 70، والتي اقترحت وقف العمليات الفدائية ضد إسرائيل. وافقت الأردن وكانت مصر قد سبقتها، على أن منظمة التحرير الفلسطينية رفضت الالتزام بما جاء فيها.
سامي شرف المساعد الخاص للرئيس الراحل جمال عبد الناصر:
مبادرة روجرز أنا بأقول يعني إحنا مرينا في الفترة بتاعت يولية/أغسطس بما سمي بمبادرة "روجرز"، وهذه المبادرة باختصار كان الغرض منها إيقاف القتال لمدة ثلاثة شهور، نتيجة المعارك الجوية التي دارت بين القوات المسلحة المصرية والقوات الإسرائيلية المعادية، وأسقط فيها من الطيارات الحديثة جداً التي أمدتها بها الولايات المتحدة، وهي تملك بهذه الطيارات قدرة على القصف المؤثر 100%، قدرة على الاستطلاع وهي فوق، قدرة على التشويش.. إمكانيات هائلة.
أحمد جبريل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:
إحنا كنا نعتقد أن الإسرائيلي وصل في مأزق قبل روجرز، مأزق عسكري داخلي كبير جداً. مو سهل على كيان محدود عدد سكانه في كل يوم يقتل منه 10، و20، و30 إسرائيلي من رأس الناقورة حتى سيناء حتى قناة السويس.
فاروق القدومي:
عندما سمعنا بمشروع روجرز قامت مظاهرات صاخبة من الجميع ضد هذا المشروع، أقول وللتاريخ أننا في فتح عارضنا أو عارض الكثير منا أن نمس الرئيس عبد الناصر، وقلت بكل وضوح وخاصة تسلمت هذا الأمر أنا بصفتي أمين سر اللجنة المركزية، كان أخي أبو.. الشهيد أبو إياد موجود في كوبا، كان الأخ أبو عمار والإخوة الآخرون، ولذلك قلنا يجب أن لا نمس هذا.. يجب أن نعرف لماذا الرئيس عبد الناصر قبل روجرز.
أحمد جبريل:
وكانت كارثة على الجميع، كما هي كارثة علينا كانت كارثة على.. على عبد الناصر وكارثة على الجميع. الشيء الذي أتى به روجرز لم ينفذ فيما بعد.
فاروق القدومي:
بدأ حديث طويل يعني بيننا وبين المرحوم الرئيس عبد الناصر حقيقة، ومرت الساعات وكان معروف أن الرئيس عبد الناصر كان يريد مشروع روجرز تكتيكاً لأنه خدع بصراحة عندما قالوا له أرسل مندوبك اللي هو زكريا محيي الدين للتفاوض معه، قال له جونسون، وسوف لا يكون هناك ضرب. والاتحاد السوفيتي اتصل فيه في الصباح قال له خلاص.. مش ممكن يكون فيه هناك يعني أي هجوم إسرائيلي. وكان زكريا محيي الدين يطير فوق الدار البيضاء كانت طائرات "ديان" تضرب المطارات المصرية.. فهو أراد أن يضع قواعد الصواريخ، لأنه في حرب الاستنزاف قال اتفضلوا كان يجيب لنا حسابات ويوري لنا إياها شوفوا قد إيش إحنا بالفعل.. خسرنا.
لهذا السبب.. طبعاً ما قال لناش هذا الكلام، لكن فهمنا بعدين، إنه لما قبل أن يكون هناك وقف إطلاق النار الساعة 12، كان من 12 للـ 5 وغيرها يضع الصواريخ قواعد الصواريخ لحماية القنال، اللي بعد ما دمروا المصافي والمصانع الكيماوية وإلى آخره لحماية القنال وإمكانيات مصر و.. التي تدعم بالفعل قواتها العسكرية.
مشهور حديثة رئيس أركان الجيش الأردني سابقاً:
القرار السياسي قبول مشروع روجرز وقبلته مصر قبلما يقبله الأردن. فإحنا جزء من.. جزء من الحل السياسي بالمنطقة، فعلينا أن نحترم الحدود، لذلك اصطدمت الرغبات السياسية والقرار السياسي مع.. الأعمال الفدائية الغير منضبطة من جانب الأدرن، فالأردن يريد أن.. أن يحفظ الموقف السياسي ولا يخاطر الموقف السياسي، وأن يضبط الحركات الفدائية اللي هي متواجدة في الأردن. لكن حاولنا أنه نساوي بين الطرفين بأن يكون هناك تنسيقاً موثقاً متى نقوم بعمل وكيف.. ونجحنا في بعض الأحيان، ولكنا بالأخير مع الأسف اصطدمت الآراء السياسية مع الآراء السياسية للمقاومة.
أسعد طه:
وفي هذه الأثناء التقى الملك حسين الرئيس المصري جمال عبد الناصر بالإسكندرية مستغلاً إجماع البلدين على خطة روجرز، وليدرس معه ما آل إليه أمر العراق مع المقاومة. وكان أن انجر عن هذا اللقاء وجهات نظر متباينة لدى المراقبين حينها بشأن موقف جمال عبد الناصر.
سامي شرف:
الرئيس عبد الناصر بيقول له يعني: يا جلالة الملك، أرجوك أن تأخذهم بالصبر حتى لو غلطوا، وذلك من أجل شعبكم ومن أجل الشعب الفلسطيني، ولا تنسى أن سيدنا أيوب يا جلالة الملك كان من سكان نهر الأردن. ولهذا أعتقد أنك ستكون قادراً على حسم الأمور باتزان وبحكمة رغم وجود بعض.. رغم وجود بعض المتطرفين الفلسطينيين، يعني حتى إذا استفزوك وقاتلوك ومش عارف إيه يعني هتتصرف بحكمة يا ملك هتصرف بعقل، ماتصدمش.
مشهور حديثة:
بعد زيارة جلالة الملك –وأنا كنت في معيته- إلى عبد الناصر في الإسكندرية، وبعد ما تحدث الملك مع جمال عبد الناصر وشكى همومه إلى عبد الناصر عن.. اختراقات يقوم فيها العمل الفدائي. وقال عبد الناصر آنذاك: يا ملك حسن دول ولادك.
سامي شرف:
الملك حسين ابتدا يتكلم بعد هذا وقال: أما يا سيادة الرئيس عن صبر أيوب فهذا هو شعارنا منذ أمد طويل، ولكن هناك ولا شك حدود للصبر. إن وجود جميع منظمات المقاومة على أرضنا نقل إلينا جميع التناقضات الموجودة في العالم العربي. فرد الرئيس عبد الناصر قال: لقد سبق أن تحدثت كثيراً مع قيادات المقاومة بشأن ضرورة الامتناع عن عمليات الاستفزاز للسلطات الأردنية المحلية. وفي الحقيقة كانوا معي مدركين آثار هذا الاستفزاز وما ينجم عنه ولكن للأسف هناك بينهم من يريدوا فعلاً الاستفزاز –في الشيء اللي أنا أشرت إليه من قبل- وقد تكون بينهم قوى مضادة تخطط عن عمد بهدف تخريب الموقف السياسي في الأردن، عموماً يا جلالة الملك فإنه من الممكن أن يعاد بحث مثل هذه الأمور دون أن نصل إلى درجة التشنج، على أن نراعي مصالح كافة الأطراف.
مشهور حديثة:
أولاً يجب أن نذكر هنا أنه الجيش كان يشكل 60% منهم فلسطينيين، فالذين قاتلوا بالكرامة وقاتلوا في الساحة الأردنية هم أيضاً فلسطينيين ليس الأردنيين وحدهم، والنفور كان بين الأطراف كلها، فما كان نفوز فقط أردني فلسطيني، الجيش جيش واحد والفدائيين.. والفدائيين أيضاً قوة واحدة، وكثير ما كان يتواجد الإخوان قسم مع الفدائيين وقسم مع الجيش.
من هنا كنا نحاول أنه نبعد الفتنة، وتعيش اللحمة الوطنية إلى قضية الوطن وإلى محاربة إسرائيل، مع الأسف التيار المتشدد من جانب السلطة ومن جانب الفدائيين لم يجعل هناك وسيلة للوصول إلى هذا التفاهم.
سامي شرف:
لم تمضي أسابيع ثلاثة على لقاء الرئيس جمال عبد الناصر بالملك حسين في الإسكندرية حتى تفجرت الأحداث في عمان، وإحنا وجهة نظرنا في القاهرة كانت الآتي، في هذه المرحلة وفي هذه الفترة بالذات: إن الملك حسين وضع في تقديره أنه أعلم الرئيس جمال عبد الناصر في لقائه معه بالإسكندرية بأن للصبر حدود، وأنه سيتصرف من جانبه بما يسمح به الموقف على الطبيعة، واضح؟
أسعد طه:
نعم.
سامي شرف:
كان واضح تماماً بما لا يقبل الشك أو الاستنتاج إن الملك حسين وإدارته يصرون على فرض السيطرة الكاملة على أرضهم.
أسعد طه:
على أن واقع الأمور كان يتطور بسرعة إلى الأسوأ، ذلك أن المواجهة احتدمت بين الجيش الأردني والمقاومة في إربد، ولم تفلح محاولات الطرفين السيطرة على هذا التيار الذي كان جارفاً. وفي السادس عشر من شهر سبتمبر/ أيلول قرر الملك حسين أن يغير من استراتيجية التعامل مع المقاومة، وشكل حكومة عسكرية عهد برئاستها إلى الجنرال محمد داوود وهو فلسطيني.
مشهور حديثة:
أنا بكل أمانة عرض علي هذا المركز عرض علي أن أكون قائداً لهذه.. بدل محمد داوود، لأن لا يعقل محمد داوود ضابط عادي يعرض عليه رئاسة الأركان قبلي أنا وأنا رئيس الأركان، ولكنني حقيقة أمام هول ما توقعته وحدث فعلاً، وأمام الحفاظ على الوحدة الوطنية الذي كنا مسؤولين عنها، وأمام هذه اللحمة أنا أقلعت عن الفكرة، وقلت لهم: أنا جندي يقاتل في الميدان يقاتل العدو، لكن عندما يتوجه.. تتوجه البندقية لمكافحة الشعب.. لمكافحة الشعب الفلسطيني أنا ليس مع هذه المعركة.
اللواء محمد فوزي وزير حربية مصري سابق:
لماذا لا يكون هذا احتواء من الملك حسين.. للرأي العام الشعبي اللي موجود في الأردن؟ لماذا لأ؟ كل حاجة.. ناحية القبائل كل حاجة ناحية القبائل، لأ جه حكومة وإداها.. للقوى الشعبية اللي موجودة، على أن أساس داوود هو ميال للناحية شعبية، لماذا لا يكون هذا احتواء؟
عدنان أبو عودة:
في أيلول كانت الفكرة من تشكيل الحكومة العسكرية هي أن تجعل منظمة التحرير أن تأخذ الحكومة الأردنية بجدية وتقبل مفهوم سيادة القانون في الدولة، على ألا تنهي العمل الفلسطيني المقاوم، كان القرار هو إنهاء المنظمات الحزبية التي حملت السلاح باسم المقاومة، فأيلول كان المقصود منه لما تشكلت الحكومة العسكرية –وأنا أنقل الآن كلام وصفي التل لي شخصياً- لماذا؟ قال لي: بدنا.. التعبير الأردني العامي: بدنا نهمر عليهم. نعمر يعني.. يعني: نريد أن نجعلهم يأخذون بجدية، ويجلسوا معنا لننظم هذا الأمر، ليس لننهيه، لننظم هذا الأمر. لكن بنفس الوقت كانت هناك خطة بديلة في حالة إنهم رفضوا.. رفض الفدائيين إنهم يجلسوا مع الحكومة.. لتنفيذ اتفاقيات سابقة وقعت، كذا اتفاقية وقعت بين الطرفين الأردني والفلسطيني في الأردن، والمحافظة على النظام والقانون في البلد، والسيادة لقانون البلد، وإنهاء مفهوم الدولة داخل دولة. إذا رفضوا الجلوس.. للبت بهذه الأمور كان الجيش جاهز.
أسعد طه:
اجتمعت الظروف كلها لتجعل من الصدام أمراً يصعب تلافيه، على أنه لن يكون هذه المرة كما سبقه من مواجهات، بل سيكون على قدر من العنف، بحيث ينهي وجود أحد الطرفين علي يد الآخر. وفي السابع عشر من سبتمبر/ أيلول تتحول عمان إلى أكثر الموجهات عنفاً ودماراً بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية. ووضعت الاشتباكات 55 ألف جندي أردني وجهاً لوجه مع 40 ألف فدائي فلسطيني في عمان والزرقاء وإربد وجرش.
سامي شرف:
في يوم 17 سبتمبر سنة 70 بدأ هجوماً وحشياً قادته قوات البادية الأردنية، ولمن لا يعرف فإن القوات العسكرية الأردنية مقسمة إلى قسمين رئيسيين: قوات بادية وهي تدين بالولاء الكامل للأسرة الهاشمية، وقوات نظامية. جمال عبد الناصر أبرق للملك حسين برقيتين متتاليتين في نفس اليوم يوم 17، قال له الآتي.. البرقية طويلة لكن هأقول جوهرها: إنني أناشدكم مرة أخرى أن تساعدونا –مرة أخرى- أن تساعدونا على تفويت هذه المحنة، في يوم التلاث 22 سبتمبر قرار من الرؤساء والملوك المجتمعين بإيفاد جعفر نميري على رأس وفد يضم الباهي الأدغم والشيخ سعد الصباح –كان وزير الدفاع الكويتي في ذلك الوقت- والفريق محمد أحمد صادق رئيس الأركان المصري في ذلك الوقت، إلى عمان لمقابلة الملك وأبو عمار والعمل على إيقاف القتال.
أسعد طه:
ورغم هذه ظلت المقاومة الفلسطينية ترزح تحت وقع الضربات الموجعة للجيش الأردني، الذي حافظ على بنينه رغم وجود بعض العناصر الفلسطينية ضمن صفوفه.
ومنذ الثاني والعشرين من الشهر نفسه تسعى مصر إلى وساطة عربية انعقدت من أجلها قمة مصغرة في القاهرة أفضت إلى تشكيل لجنة مصالحة برئاسة الرئيس السوداني جعفر النميري توجهت على الفور إلى عمان.
عدنان أبو عودة:
الرئيس عبد الناصر لعب دور إيجابي في محاولة رأب الصدع وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يعني لولا عبد الناصر كانت الأمور ممكن أن تكون أسوأ، فالرئيس عبد الناصر الحقيقة لعب دورياً إيجابياً.
أسعد طه:
في البدء رفض عرفات محاولة اللجنة وقف القتال، في زمن كانت فيه المقاومة تنكفئ في بعض جيوبها وترد في عسر على الضربات الأردنية، على أن المعطى الذي كان له دور رئيس خلال هذه الفترة هو استقالة رئيس الحكومة الأردنية محمد داوود، مما أضعف الموقف الأردني.
سامي شريف:
ففوجئت وأنا قاعد في مكتبي في منشية البكري إن جالي سكرتير بيقول لي الرئيس محمد داوود موجود برة في الصالون وعايز يقابلك، قلت له: اتفضل، دخل الرجل كان يبكي، وقال لي أنا طبعاً يعني لا يصح لي إن أنا أخش على الرئيس على طول، أنا جيت لك عشان تبلغ الرئيس جمال عبد الناصر إن أنا لن أقبل إن أنا هاستمر في الوضع وأنا مستقيل عشان تبقوا عارفين وضعي بالنسبة لهذا الأمر.
عدنان أبو عودة:
وكان واقع تحت ضغط عاطفي من ابنته الوحيدة التي ناشدت بأنه يترك هذا الأمر ويستقيل، ثم الليبيين اتصلوا فيه ليس المصريين، الليبيين اتصلوا فيه، فالرجل استجاب.
أسعد طه:
وتحولت عمان إلى مسرح لأكثر المواجهات عنفاً ودماراً، مواجهات بالأسلحة الثقيلة، ووسائل الإعلام تنقل أنباء المعركة، وتتحدث عن الخراب الذي حل بالعاصمة الأردنية عمان من تدمير للبنى التحتية وانعدام للماء والكهرباء والمواد الغذائية.
سامي شرف:
الأربعاء 23 سبتمبر سنة 1970م، الموقف كالآتي: معارك عنيفة بالدبابات يشترك فيها الطيران الأردني فوق إربد، الموقف في يوم الخميس 24 من سبتمبر سنة 1970م الملك حسين يجتمع بالسفير الأميركي في عمان، والأسطول السادس الأميركي يعلن حالة الاستعداد القصوى الجمعة 25 سبتمبر سنة 1970م عودة الوفد من عمان بعد تحقيق اتفاق لوقت القتال لم يستمر غير ساعات. وصول ياسر عرفات إلى القاهرة متخفياً في زي كويتي مع أعضاء وفد نميري.
السبت 26 من سبتمبر 1970م معركة عمان تدخل يومها العاشر، القتال في أربد مستمر، ولكن المقاومة كانت تسيطر على معظم مدن الشمال، تسيطر على معظم مدن الشمال، نيكسون يعلن تعويض الأردن عن خسائره العسكرية في القتال مع المقاومة وأعلن منح الأردن مبلغ خمسة ملايين دولار كمعونة عاجلة، قرار من الرؤساء المجتمعين في القاهرة بتحميل الملك حسين مسؤولية الأحداث الجارية.
أسعد طه:
اختلفت رود فعل الدول العربية حول ما كان جارياً في الأردن، ففي البداية استقر موقف ليبيا والجزائر وسوريا على مساندة منظمة التحرير الفلسطينية، واكتفى العراق بإدانة موقف الملك من المقاومة، على أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل كانتا تودان أن تبقى الدول العربية بمعزل عما يدور، ولكن هذا الأمر بات مستبعداً خاصة مع وجود قوات عراقية على الأراضي الأردنية وتوجه القوات السورية إلى إربد منذ اليوم الرابع للمواجهة وكان السؤال مؤرقاً للولايات المتحدة الأميركية وللكيان الصهيوني. ماذا سيحدث لو تدخلت سوريا والعراق؟ ربما حرب شاملة في المنطقة يأباها الكيان الصهيوني الذي يفضل إبادة المقاومة دون أن ينجر إلى الاصطدام بالدول العربية الأخرى، وكان أن جهزت الولايات المتحدة أسطولها السادس ووجهت بعض قطعه نحو شرق المتوسط، وكذلك استعدت إسرائيل لأي ظروف تكون فيها المملكة الأردنية مهددة في وجودها.
رفائيل جدعون مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية:
كان الأساس في سياستنا أو في سياستنا الاستراتيجية هو الحفاظ على وحدة المملكة الهاشمية وعدم السماح بتقسيمها بين جيرانها العراق وسوريا.
إفنايين كاني جهاز المخابرات الإسرائيلي:
قبل المواجهة كان علينا أن نعرف ماذا يمكن أن يحصل، كما كان علينا أن نجيب على عدد من الأسئلة الأساسية، أولها مدى قدرة الجيش والنظام الأردنيين على قمع المنظمات الفلسطينية، كان هذا أول سؤال بالنسبة لنا، أما السؤال الثاني فهو كيف سيكون رد فعل السكان الفلسطينيين داخل الأردن حيال العملية؟ ثالثاً وهو ربما السؤال الأهم بالنسبة لإسرائيل هو: كيف سيكون رد فعل الأطراف العربية، خصوصاً منها سوريا والعراق؟ لأن العراقيين دفعوا بقوات كبيرة لهم إلى شمال الأردن، ثم بعد ذلك كله كيف سيكون رد فعل مصر وباقي بلدان العالم العربي؟
رفائيل جدعون:
قام الأميركيون بتحركات جدية إذا دفعوا بـ 6 قطع من أسطولهم تجاه شرق المتوسط، ثم قاموا بإرسال بعثة عسكرية إلى إسرائيل على وجهة السرعة، حتى يبدو وكأنهم بصدد إعداد خطة عسكرية مع إسرائيل.
اللواء محمد فوزي:
إسرائيل كانت مركزة قواها وإمكانياتها على الجبهة المصرية، وعاوز أؤكد بالتالي.. ولذلك ما كانش مهتمة اهتمام كبير لا بالجبهة السورية ولا بالجبهة الأردنية، فمن مصلحة إسرائيل تفتيت أكثر، وكل ما تيجي لها الفرصة من ناحية تفتيت القوى بتعملها، فيعني في مصلحة إسرائيل أن تتم معركة أيلول الأسود من مصلحة إسرائيل، ولو كانت المسالة تعمقت أكثر وأكثر أنا لاقط الإشارات اللي طالعة من عمان إلى أميركا وإلى إسرائيل، أنا لاقطهم، عاوزين المساعدة تيجي، أميركا مش مستعدة لأنها كانت متورطة في فيتنام، كيسنجر نهاريها كان عضو في الأمن القومي مش وزير الخارجية لسه ما كانش جه وزير خارجية لأميركا، بس له كلمة وهو يهودي، فكان فيه مساعدات متوقعة في حالة ما المسألة تتصاعد أكتر، تتصاعد أكتر إزاي بقى؟ إن سوريا تخش أو العراق يخش في معركة أيلول الأسود.
إفنايين كاني:
أعتقد أنه كان علينا أن نتهيأ لعدد من ردود الأفعال الممكنة، مثلاً في حال عدم قدرة الأردنيين على احتواء الهجوم السوري، هنا أقل ما يجب أن نفعله بل أحسن رد فعل بالنسبة لنا هو مهاجمة السوريين أو إيهامهم بأننا سنهاجمهم دون استعمال قوة كبرى في ذلك، لا أعتقد أنه كان من صالحنا أن نستعمل قوة كبيرة ضد السوريين أو داخل الأردن، لأن في مثل هذه الخطوة تجاوزاً لمصالحنا ولأننا لم نكن نعلم مآلها، إذن –في تقديري- لم يكن من مصلحتنا استعمال قوة كبير.
رفائيل جدعون:
لو تدخلنا بقوة كبرى كنا سنفتح المجال لقيام حرب ولا شك، وأقصد بذلك أن العراق كان سوف يتحرك، ونحن نعلم أن القوات العراقية كانت مرابطة في الأراضي الأردنية، وكان رأي رابين أن مصر تنتظر الفرصة الملائمة لتجديد عملياتها العسكرية على الجبهة السورية، كان تقديرنا أن أي تدخل منا سيتبعه –ولا شك- الانفجار.
إفنايين كاني:
كان أمامنا طرحان اثنان أولهما: أنهم كانوا يقرؤون حساباً لأي مواجهة مع القوات الإسرائيلية أو الأميركية، وثانيهما: أنهم حالوا إخفاء تدخلهم، وعملوا على أن يبدو كتحركات فلسطينية، إذ أنهم أعادوا طلاء مدرعاتهم حتى تبدو كمدرعات جيش التحرير الفلسطيني، ولا يبدو الأمر تدخلاً سورياً، ذلك أنهم كانوا غير قادرين على تبرير تدخلهم العسكري في الأردن، وهنا قالوا إن تلك المدرعات كانت فلسطينية، على أنه لم يكن بإمكانهم أن يقوموا مثلاً بهجوم جوي تحت غطاء فلسطيني، لأننا نعلم أن الجيش الفلسطيني لا يملك قوات جوية، ولهذا تعذر عليهم استعمال أي قوة جوية.
أسعد طه:
كان الكيان الصهيوني يتابع مطمئناً أطوار الانتصار الأردني، ويبارك اندثار المقاومة دونما تدخل منه. على أنه كان على يقين من أن ما سيحدث سيغير لا محالة من المشهد السياسي للمنطقة، وعليه فقد لعبت إسرائيل دوراً بشكل غير مباشر في أيلول الأسود.
عدنان أبو عودة:
كان من المهم بالنسبة للأردن أن يبقى على معرفة وثيقة إن أمكن بالتفكير الإسرائيلي ماذا سيفعل بالضفة الغربية، لأنه أي شيء يمكن يحدث بالضفة الغربية كان سينعكس على الأردن وليس على غيره.
إفنايين كاني:
كانت لنا مصلحة مشتركة مع النظام الأردني، لم تتم العملية بالتنسيق معنا، لكنها تمثل مصلحة مشتركة بيننا وبين النظام الأردني، ذلك أنها تمكن هذا الأخير من اجتياز تلك الأزمة والخروج منها أقوى مما كان عليه، ومن القضاء على المنظمات الفلسطينية لأنها كانت تمثل تهديداً حقيقياً لإسرائيل أيضاً، تلك هي مصلحتنا المشتركة.
صحيح أنه لم يكن من مصلحتنا التدخل عسكرياً بشكل مباشر في الأزمة، ولأننا قرأنا حسابنا للسوريين فقد كان علينا أن نقرر ما يمكن أن نفعله لمساعدة الأردنيين بشكل غير مباشر. ولحسن حظنا وحظ الأردنيين كانت القوات المسلحة الأردنية قادرة على احتواء التدخل السوري في أراضيها دون أن تحتاج في ذلك إلى أي مساعدة إسرائيلية أو أميركية، إذن تمثلت مساهمتنا في التنسيق مع الأميركيين للحد من أي تدخل سوري واسع النطاق شمال الأردن. لكنهم قرروا ألا يستعملوا سلاحهم الجوي، ذلك أنه لا طاقة للأردنيين بالرد على الغارات الجوية، لأنهم يفتقرون لسلاح جوي فعلي وقادر على مواجهة الهجوم السوري، ونحن لا نعلم تحديداً سبب عدم لجوء السوريين لاستعمال قواتهم الجوية.
اللواء محمد فوزي:
المساعدة كانت جاية للملك حسين، ليه؟ لأن السيد الأكبر أميركا، إسرائيل ما.. مش عاوزة تكسر الأهداف الأميركية، والدعم كان حيتم يتجمع على حساب إسرائيل لصالح الملك حسين في ذلك الوقت، يعني الترتيبات اللي اتوضبت اتحضرت لكن الأمر ما صدرش.. كان على تجميع قوات إسرائيلية تستغنى عنها بحرية وجوية و مدرعات للدخول إلى الأردن بمجرد ما اللواء المدرع السوري يخترق الحدود، لصالح الملك حسين.
رفائيل جدعون:
قال لنا الملك حسين إنه سيكون من المفيد أن تقوم إسرائيل بضرب سوريا من الخلف في الجولان، التي كانت تقصده قواتها الخارجة من الأردن، ولكننا رفضنا هذا الطلب وقلنا له: نالنا ما يكفينا من القلق بسبب التدخل العسكري، وأنه ما دام قد تم إنقاذ المملكة الأردنية فإننا قد أدينا ما يتوجب علنيا في ذلك.
أسعد طه:
استمرت المعركة عشرة أيام، وانتهت بموجب اتفاق نهائي لوقف إطلاق النار يوم السابع والعشرين من هذا الأيلول الأسود، في وقت منيت فيه المقاومة بخسائر فادحة.
وقع اتفاق القاهرة كل من الملك حسين وياسر عرفات والرئيس السوداني جعفر النميري، وتم تشكيل لجنة متابعة عربية كانت مهمتها الوقوف على تنفيذ الاتفاق، وعهد برئاستها إلى الوزير الأول التونسي الباهي الأدغم، على أن طرفي النزاع لم يجمعا على الخسائر التي ترتبت عن المعركة ولا على ما تلاها من ملاحقات أردنية ضد ما تبقى من المقاومة في الأردن حتى أواسط عام 71.
فاروق القدومي:
الرئيس عبد الناصر دعا إلى مؤتمر قمة عربي، وهذا مؤتمر القمة استطاع أن يوقف هذا التريف الدموي وهذا الصدام الدامي.
عدنان أبو عودة:
مجموع القتلى من الفلسطينيين.. من المقاومة.. من الفدائيين –خليني أقول- ومن الجيش ومن المدنيين، لأن المدنيين كانوا الإصابات منهم أكثر من الجنود وأكثر من الفدائيين، 2000 ويمكن و 200 أو 2400 واحد..
محمد رسول كيلاني:
ما جاوزوا من الجهتين: الجيش والفدائيين 200 -250، 300 من الجهتين ما تجاوزوها. وأخرجوا من الأردن، نتيجتها أخرجوا- شايف؟ أما مثلاً.. مخيم الوحدات، الجيش كان.. الشعب شعبي، اللي بالمخيم مش فدائي، مواطن أردني، والفدائي اتخبى عند هذا المواطن أو هو ابن هذا المواطن، الجيش كان يرمي قنابل، مدفعية، بس مدفعية صوتية، أنا طلعت بعد أحداث أيلول على المخيم أشوف.. أشوف إيش هدموا مفيش شيء، وكل واحد طلع وشاف، اسأل أهل المخيم، ما فيه شيء مهدم، ما.. ما فيه شيء بتهدم، فهي يعني دعاية مضادة للنظام، فيه جو عدائي في ذلك الوقت.
أحمد جبريل:
لم يتم هناك إحصاء رسمي لما حصل في مجازر أيلول، ولكن أنا كرقم أنا أقول يعني في حدود الـ 5 آلاف الحد الـ maximum منذ بدء التصادم بيننا وبين الملك حسين حتى خروجنا من الأردن، خلال 6 أشهر بأيلول الـ 70، بالـ 71 بشهر 4 كانت جرش عم تسقط، عارف كيف؟ يعني بحدود 5 آلاف عدد القتلى.
عدنان أبو عودة:
العمليات العسكرية اللي تمت لم تقتلع الفدائيين من كل عمان، هزت أماكنهم، أضعفت قواهم، لكنها ما.. ما اقتلعتهم، فبقوا في عمان وبقوا في كثير من المدن. ظلت الأمور محتدمة، تنشأ مشكلات يوم بعد آخر، هذا عسكري يقتل وذاك فدائي يقتل، إلى أن توجت في المرحلة الثانية من أيلول وهي 13 تموز 71، اللي هي الهجوم على قواعد الفدائيين في جرش، في أحراش جرش، وإخراجهم نهائياً من الأردن.
فاروق القدومي:
بقينا في عمان حسب هذه الاتفاقية، وبدأ بالفعل الباهي الأدغم –الوسيط- يذهب ويعود ومتابع وإلى آخره من أجل تنفيذ هذه الاتفاقية، وعقدت اتفاقية بعدها أيضاً، يعني من أجل أن يعني أن نبقى في عمان. إلى أن.. في نهاية الأمر طبعاً لما توفى عبد الناصر جاء الرئيس السادات فقويت شوكة الأردن من ناحية أخرى، فلم يستمع، لأن عبد الناصر كان له يعني جاه كبير حقيقة، وبدأت تنحدر العلاقات شيئاً فشيئاً، وطلب منا حتى الفلسطينيين طالبونا.. طالبتنا المنظمات الشعبية أن نخرج من عمان، لأنه كل يوم بيصير فيه اصطدامات ودائماً إطلاق رصاص وإلى آخره، كان الهدف من إطلاق الرصاص وهذا من أجل أن تكون الجماهير الأردنية –كلهم يعني والحقيقة الشعب الأردني والفلسطيني شعب واحد- قلقة، ويكون.. يصبح هناك ضغط شعبي منا أن نخرج، وبالفعل خرجوا من.. خرجنا من عمان القوى المسلحة إلى مناطق جرش ومناطق الجبل، وهناك سهل على الجيش محاصرة الثورة الفلسطينية.
أسعد طه:
بالفعل لم يقف الأمر عند هذا الحد، ولم يكن اتفاق القاهرة آخر المطاف في رحلة الصراع الأردني الفلسطيني، وها هي عوامل تتضافر من جديد لتعجل من نهاية الوجود الفلسطيني، فمن جهة وفي نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1970م يتم تكليف وصفي التل بتشكيل وزارة جديدة على رأس أولوياتها إرساء سلطة الملك على كامل أراضي المملكة.
ومن جهة أخرى فإن وفاة جمال عبد الناصر وكذلك التغيرات السياسية التي جدت في سوريا والعراق كانت بمثابة القادح لمواصلة العمل على ضرب المقاومة الفلسطينية، وكان أن قام الجيش الأردني بآخر هجمة له في الثالث عشر من يوليو/ تموز سنة 1971م، وأمكن لوصفي التل أن يعلن يوم التاسع عشر عن الشهر نفسه من إبادة آخر قاعدة للفدائيين على أراضي الأردن، وكان على المقاومة أن تتوجه هذه المرة إلى لبنان.
فاروق القدومي:
عدنا وانتشرنا في لبنان، في سوريا ولبنان، وهنا بدأ دور لبنان.
نايف حواتمة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين:
الانتماء للثورة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية هو انتماء في النضال، في العملية الوطنية الثورية، ليس انتماء جغرافياً. وفي هذا الميدان أقول بلغة واضحة جداً أن الحركة الوطنية الفلسطينية الأردنية بقيت متحدة وموحدة فيما بينها حتى 1971م عندما تم إخراج آخر مجموعة من المقاومة الفلسطينية من الأراضي الأردنية.
إفنايين كاني:
النتيجة أن جبهة جديدة قد فتحت في لبنان، والحق أنه منذ أواسط عام 71 أي بعد أن انتهى الأردن من أمر المقاومة الفلسطينية لم تعد الحدود الأردنية تمثل إشكالاً بالنسبة لنا، كان ذلك نجاحاً كبيراً للنظام الأردني أولاً، ثم لنا ثانياً، ولكن بشكل غير مباشر، على أننا أصبحنا نعاني إشكالاً جديداً نحن ولبنان بدل الأردن، وهو لم ننته منه حتى اليوم، انتهى الإشكال مع الفلسطينيين لكننا نواجه اليوم مشكلة التنظيم الشيعي في لبنان.
لكنني أقول إنني لو خيرت اليوم بين مشاكلنا في الأردن ومشاكلنا في لبنان لاخترت لبنان، ذلك أن حلها أهون علينا مما كنا نعانيه في الأردن إذ كانت حدود الأردن أطول ومرتبطة مباشرة مع الشعب الفلسطيني، وكان الأمر صعب للغاية.
أحمد جبريل:
للأسف الشديد إحنا لما كنا عم نقاتل في أيلول الـ 70 الملك حسين ومن معه، لي قول أنا معروف بين إخواني ورفاقي، كنت أقول لهم: "سيبكي كل شريف بدل الدمع دم عندما نترك الأردن"، خروجنا من الأردن سيكون له معنى استراتيجي هو انكفاء لمجمل القضية الفلسطينية، أنت بتعرف.. الأردن تمثل قاعدة، هي قاعدة التحرير.
أسعد طه:
وتعالت الأصوات العربية من هنا وهناك رافضة ما أقدم عليه الملك حسين، وأغلقت كل من العراق وسوريا حدودها مع المملكة، فيما قلصت ليبيا والجزائر من علاقاتها الدبلوماسية مع الأردن حد الانعدام، وفي الثامن والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 71 يقدم أحد عناصر الكوماندوز الفلسطيني المنتمى إلى منظمة أطلقت على نفسها اسم "أيلول الأسود" على اغتيال وصفي التل.
عدنان أبو عودة:
لما قتل قالت: قتلته أيلول الأسود. لكي يبرر القائل قتله بعد أن شاع في الناس رأي أن أيلول كان أسوداً لأن الأردن ذبح الفلسطينيين ولذلك يستحق هذا القتل، فأيلول أسود لهذا السبب، وهو يستحق هذا القتل. ولذلك اخترع هذا الاسم لتبرير العملية قتل بدوافع الثأر في تلك اللحظة وليس بدوافع سياسية، الثأر.. الثأر والانتقام، بروح الثأر والانتقام. حينما تقرأ الأدبيات التي شاعت بين المنظمات الفدائية بعد الخروج من عمان.
هاني الخصاونة:
وصفي التل كان مقتنعاً بأن العمل الفدائي يمكن حتى أن يحرر فلسطين كلها، وأنا شخصياً لم أكن ولازلت غير مقتنع بأن العمل الفدائي يمكن أني يحرر فلسطين للظروف المختلفة في فيتنام، وأن سوريا قوة عسكرية تجابه بقوة عسكرية، العمل الفدائي عمل رديف وأساسي ولكنه ليس عامل حاسم في التحرير، و.. ووصفي التل كان لديه إيمان بالأردن، وبأن الأردن يستطيع أن يقدم الدعم لهذه الجبهة الرابعة، وبأن الأردن لا يجوز أن يتحول لدولة فلسطينية.
مشهور حديثة:
مسببات أيلول هي ما توصلنا له من فك ارتباط وهذا كان محزناً، لأنه هذه اللحمة الذي تلهث الأمة العربية الآن على التفاهم كانت موجودة، يعني.. هناك إحنا.. يعني خلق شرخ، كنا أبعد مما يحدث لو تجانسنا وحاولنا أنه نتجاوزه.
وأعتقد لو ترك الأمر لمحاولاتنا الصادقة ما حدث حرب أيلول، وبالتالي كانت بقيت المقاومة، ربما.. حتى نصل إلى بعض النتائج، ثم هذا فك الارتباط لم يحدث أبداً الذي هو كان بالنسبة لنا مقدس وحدة وطنية متجانسة عاشت فوق الأربعين سنة على الساحة الأردنية، وأعتقد أنها كانت خسارة للطرفين للأردن.، وبالتالي لم نغير شيء، الفلسطينيين موجودين والأردنيين موجودين، بل فقط فتحنا جرح عميق آمل أنه كان.. أنه الآن يندثر يعني يلتحم.
فاروق القدومي:
ما كانش في يدنا القدرة على إنه نتجنب ذلك، هذي ما كانش مطلقاً، لأنه ليس فقط من جانب الفلسطينيين، من جانب القيادات الأخرى، إحنا أيضاً.. أنا لا أعفي القيادات الأخرى العربية من الخطأ أبداً، ولكن إن كنا أخطأنا فهم أخطأوا أيضاً، ليه؟ لأنه هذه ظاهرة رفعت ظاهرة المقاومة، رفعت معنويات الإنسان العربي، لم.. لم يصل الإحباط كما هو واصل اليوم، يعني معركة الكرامة والثورة الفلسطينية رفعت معنويات العرب إذا كانوا مسؤولين أو شعب أو جماهير.
أسعد طه:
الجبهة العربية المتكونة من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن وسوريا والعراق في مواجهة الكيان الصهيوني، بقدر ما كان أيلول الأسود شاهداً على فشلها بقدر ما كان حجة لا تقبل الدحض في نظر الولايات المتحدة الأميركية على جعل الكيان الصهيوني عماد سياستها الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط. السلام عليكم.