الاستعدادات المــصـــرية النهائية للحرب "1 ـ 4 يونيه 1967" قبل حرب 1967
خطوات استعداد مصر للحرب 1967
إن الإجراءات التي اتخذها "عبدالناصر" في الأسابيع الثلاثة السابقة لحرب الأيام الستة تعكس مدى ثقته بالنصر. ففي 16 مايو أعلنت مصر حالة الطوارئ وأمرت قواتها المسلحة بأن تكون في "حالة استعداد كامل للحرب" وتم إعداد كل القوات المسلحة للعمل، وبدأت تتحرك صوب الحدود الإسرائيلية. وفي 17 مايو أعلنت القاهرة ودمشق أن مصر وسورية مستعدتان للمعركة".
وتوجهت قوات مصرية كبيرة شرقاً إلى سيناء. وأعلن في عمان القوات الأردنية قد عبئت. وفي 18 مايو أذاع راديو القاهرة أن القوات المصرية والسورية في حالة تأهب قصوى بينما أعلن العراق والكويت التعبئة العامة. وفي 19 مايو انسحبت قوات الأمم المتحدة رسمياً من قطاع غزة وشرم الشيخ، وأنزل علم الأمم المتحدة في غزة. وفي اليوم نفسه زادت كثافة الاستعداد العسكري المصري.
القيادة العسكرية المسئولة عن العمليات الحربية:.
أعيـد تشكيـل القيـادة "العليـا للقـوات المسلحـة" عـام 1966
ويـرأسها المرحوم "المشير عبدالحكيم عامر"، الذي احتفظ دون باقي أعضاء مجلس قيادة ثورة 1952 بمنصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة. وتضم وزير الحربية "شمس بدران" والذي كان قبل تعيينه في هذا المركز يشغل منصب مدير مكتب نائب القائد الأعلى للشؤون العامة. وكذلك مساعدي نائب القائد الأعلى – وهما منصبان استحدثا عام 1964 وشغلا بالفريق أول "أحمد حليم إمام" والفريق أول "هلال عبدالله هلال"
– ورئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة الفريق أول "محمد فوزي"،
وبالإضافة إلى ذلك مدير الأركان بالقيادة العليا اللواء "علي عبدالخبير". (الجدول الرقم 1)
ستدخل الرابطة
وكانت هذه القيادة هي المسئولة عن التخطيط الاستراتيجي، وعن إصدار توجيهات العمليات الحربية والسيطرة على القوات المحاربة من خلال القيادات التي تنشأ.
وتعتبـر هذه القيادة هي مركز القيادة الرئيس ومكانها القاهرة، وحتى يوم 14 مايو 1967 كانت القيـادة العليا فيما يختص بالعمليات الحربية على الجبهة الشرقية هي "القيادة العسكرية الشرقية" التي يرأسها الفريق "صلاح محسن" والتي سميت عندما تأزم الموقف ولاح شبح الحرب في الأفق بقيـادة "الجيش الميداني" ولقد أنيط بهذه القيادة مهمة وضع الخطط الحربية للدفاع عن سيناء، وكـذلك ا لخطط التعرضية في حالة التحول من الدفاع إلى الهجوم حسب تطوير المعركة الدفاعية التي كـانت تعتبر المرحلة الافتتاحية للحرب مع إسرائيل. باعتبار أن مصر في هذه الفترة لم تكن على استعداد لخوض حرب تعرضية من اختيارها.
وقامت هذه القيادة "القيادة العسكرية الشرقية" بوضع الخطة الدفاعية عن سيناء والتي أخذت الاسم الرمزي "قاهر" وصدقت القيادة العليا على هذه الخطة التي وضعتها بعد عمليات استطلاع استغرقت وقتـاً طويلاً في ديسمبر 1966 وتم تدريب الوحدات والتشكيلات والقيادات التي حددتها الخطة "قاهر" وفيما عدا ذلك لم تكن هناك قيادة مشتركة على الجبهة السورية وبالشكل المعروف، للتنسيق في ظل اتفاقية الدفاع المشترك. علماً بأن رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية كان معيناً قائد للقوات المصرية السورية … إلا أن هذا التعيين لم يخرج عن حدود الورق. ولم تكن هناك خطط منسقة بين الدولتين … كما أخذ على هـذا الشكل مآخذ كثيرة من الناحية العسكرية إذ أن الفريق أول "محمد فوزي" رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصريـة، يقـوم بمهام قيادته على مستوى الجبهات المشتركـة في القتال في الوقت الذي هو مرؤوس فيه لقيادة جبهة من هذه الجبهات. أعني الجبهة المصرية.
وعلى ذلك عندما نشب القتال ظهر عدم التنسيق وعدم الاستجابة لتنفيذ التعليمات الحربية، مما تسبب في انفصالية تامة بين الجبهتين – السورية والمصرية – وأعطيت الفرصة لإسرائيل، لتنقض على الطيران المصري بالكامل دون تدخل من الطيران السوري وكذلك عدم نشوب قتال يعتد به من الجانب السوري قد يخفف الضغط على الجبهة المصرية.
وفي مصر … تم الحشد الرئيسي في سيناء بهدف معلن وهو معاونة سورية في حالة اعتداء إسرائيلي عليها طبقاً لمعاهدة الدفاع المشترك بينهما، وكان الحشد في صورة مظاهرة عسكرية، حيث تعمدت القيادة المصرية أن تخترق القوات المتجهة إلى سيناء بعض شوارع القاهرة الرئيسية لتعلن عن توجهها .. في نفس الوقت كان هناك قصوراً شديداً في خطة التعبئة … أما سورية والأردن، فلم تتخذ من الإجراءات الدفاعية ما يتناسب مع الموقف، وعلى الجانب الاستراتيجي كانت إجراءات التنسيق العربي – العربي ضعيفة، وكانت إجراءات التنسيق مع الدول الصديقة قاصرة، وبواسطة شخصيات لا ترتقي مستوياتها مع الموقف.
ستدخل الرابطة
القوات البحرية المصرية والبرية
وقد تقرر، عقب مشاورات تمت بمركز قيادة القوات البحرية المصرية، إبحار غواصتين ومدمرة وأربعة زوارق صواريخ من قاعدتها في البحر الأبيض لاعتراض سبيل السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر.
وفي 20 مايو وصلت إلى شرم الشيخ قوة مصرية تتألف من كتيبة مظلات، ولواء مشاة، كما وضعت مدفعية سوفيتية الصنع بعيدة المدى عيار 130مم. وسحبت عدة ألوية مصرية من اليمن ونقلت إلى سيناء. ووصل العدد الإجمالي للقوات المصرية بسيناء إلى ثمانين ألفا وكانت عبارة عن فرقتين مدرعتين، وخمس فرق مشاة، ووحدات مشاة آلية، ووحدات مدفعية.
ستدخل الرابطة
وقد قال المشير "عامر" لجريدة الأهرام، ( وهو الذي انتحر أو اغتيل فيما بعد الهزيمة العربية ): "لقد أخذت قواتنا المواقع التي تمكنها من الرد والردع. فقد حان الوقت لأن نضع نهاية لسياسة الغطرسة والتبجح التي يتبعها عدونا، وهي سياسة تقوم على التعاون بين القوى الرجعية الغربية والإمبريالية وعلى الدعم الأمريكي المتزايد وعلى اعتقاد مخطئ بأن انشغال القوات المصرية في اليمن يحد من قدرة الرئيس "عبدالناصر" على المناورة. ففي الفترة الأخيرة، جاوز العدو كل الحدود في تهديداته واستعداداته للقيام بعدوان مسلح ضد سورية. إن قواتنا المسلحة على استعداد الآن لتوجيه ضربات قاصمة للعدو الصهيوني. وسوف تقوم القوات المحتشدة الآن ضد العدو الصهيوني بسحق أي غزو معاد على أية جبهة وفي أي اتجاه، وسوف نضرب بشجاعة".
أحمد الشقيري.... "سنلقيهم فى البحر"
وفي 21 مايو أعلن "أحمد الشقيري" أن ثمانية آلاف مقاتل فلسطيني قد وضعوا تحت قيادة مصر وسورية والعراق. وفي مصر استدعي الاحتياط. وأعلنت القاهرة في 22 مايو أن الرئيس قبل عرضاً من الجيش العراقي والقوات الجوية العراقية بمساعدته في الحرب. وأعلن "الملك فيصل" ملك المملكة العربية السعودية بلندن في 23 مايو أنه أصدر أوامره للقوات السعودية للتعاون في الحرب ضد العدوان الإسرائيلي. وأعلن الأردن في 24 مايو أن التعبئة العامة قد استكملت وأن الحكومة سمحت للجيشين العراقي والسعودي بدخول الأردن. وأخذ عشرون ألفاً من القوات السعودية مواقع على طول الحدود الأردنية السعودية. وفي 26 مايو أعلن "عبدالناصر" في القاهرة أن إسرائيل سوف تسحق تماماً إذا ما اندلعت الحرب. وقال أن العرب مستعدون وقادرون على تحقيق النصر.
في الأمم المتحدة: و "منظمة فتح".
أصدر "أوثانت" السكرتير العام للأمم المتحدة تصريحاً يلقي فيه اللوم على "منظمة فتح" لأن عملياتها تؤدي إلى إشعـال الموقف بين سورية وإسرائيل.وطلب المندوب السوري اجتماع المجموعة العربية في الأمم المتحدة للتباحث في الإجراء الذي يمكن أن يتخذ.
ستدخل الرابطة
وفي 28 مايو أعلنت حالة التعبئة العامة في السودان، وأعلنت الجزائر في 29 مايو أن وحدات من جيشها قد نقلت إلى الشرق الأوسط للوقوف إلى جانب مصر. وفي 30 مايو وقعت مصر والأردن ميثاقاً عسكرياً. وفي 31 مايو تحركت القوات الجوية العراقية من قاعدتها في الحبانية إلى قاعدتها في أقصى الطرف الغربي من العراق وهي ليست بعيدة عن إسرائيل. وفي 3 يونيه أصدر "الفريق مرتجي" القائد المصري الأمر اليومي التالي للقوات في سيناء:
"لقد جرى حشد قواتنا طبقاً لخطة محددة تماماً. ونحن مستعدون تماماً لنقل الحرب إلى ما وراء حدود مصر. وستكون نتيجة هذه الخطة العظيمة ذات أهمية تاريخية لأمتنا العربية وللحرب المقدسة. لقد انتظرنا هذا اليوم طويلاً لنعيد الأرض المغتصبة إلى أصحابها الشرعيين. ولقد سئلت: متى سيحين الوقت للجهاد ( الحرب المقدسة ) ؟ وكان ردي: الآن" .
وفي 4 يونيه 1967 وقعت مصر معاهدة عسكرية مع العراق. وأوضح راديو القاهرة في الساعة 10:15 مساء أهمية تلك المعاهدة قائلاً: "أن الجيوش العربية تحيط الآن بإسرائيل بكل معنى الكلمة. ولو أضفنا إلى ذلك معاهدة الدفاع المشترك بين مصر وسورية، فسوف نرى تماماً كيف أن إسرائيل محاصرة".
ستدخل الرابطة
أرسلت الحكومة الأمريكية "تشارلز يوست" مبعوثاً خاصاً إلى مصر، والجدير بالذكر أن الحكومة الأمريكية كانت قد تعهدت في سنة 1957 بضمان حرية الملاحة في مضايق إيلات. لم يستقبله "عبدالناصر"، إنما التقى فقط "بمحمود رياض" وزير الخارجية دون أن يسفر ذلك اللقاء عن أية نتائج. وفشلت محاولات تعبئة الدول البحرية التي تعهدت بضمان حرية الملاحة في سنة 1957، بل أن فرنسا أعلنت أنها لا تعتبر نفسها ملتزمة بأي شئ تجاه أي طرف من أطراف النزاع. أما بريطانيا فلم ترغب في تضمين الإعلان المشترك النص على أن الدول الموقعة عليه مستعدة لضمان حق المرور".
اجتماع القيادة السياسية:.
في نفس توقيت اجتماع القيادة العسكرية، كانت هناك اجتماعات هامة على المستوى السياسي. حيث تدارس الرئيس "عبدالناصر" الموقف مع المجموعة السياسية (نائب رئيس الجمهورية السيد/ "زكريا محي الدين"، ورئيس الوزراء السيد / "صدقي سليمان"، ووزير الخـارجيـة الدكتور / "محمود فوزي"، وأمين عام الاتحاد الاشتراكي السيد / "علي صبري" .. ومعه عدد من أعضاء اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي).
وكان اتجاه التحليل السياسي العسكري قومياً أكثر منه محلياً – حيث توجهت الأنظار إلى أنه في حالة انهيار الجبهة السورية، فسيؤثر ذلك على العراق – وبالتالي فسيتم عزل مصر .. ولكن للأسف (لم يتوصل أحد في تقديره أن مصر هي المستهدفة).
الفريق محمد فوزي إلى سورية :. "رواية الفريق محمد فوزي":
"سافرت فعلاً إلى دمشق في اليوم نفسه، ومكثت 24 ساعة تفقدت فيها قيادة جبهة سورية، كما سألت المسؤولين العسكريين في قيادة الأركان والجبهة، عن صحة المعلومات الخاصة بحشد القوات الإسرائيلية على الحدود السورية. وكانت النتيجة أنني لم أحصل على أي دليل مادي يؤكد صحة المعلومات بل كان العكس صحيحاً، إذ أنني شاهدت صوراً فوتوغرافية جوية عن الجبهـة الإسرائيلية، التقطت بمعرفة الطيران السوري يومي 12، 13 مايو 1967، فلم ألاحظ أي تغيير للموقف العسكري العادي.
وأثنـاء وجودي في دمشق أخطرت رئيس الأركان السوري اللواء "أحمد سويدان" بالإجراءات العسكرية التي اتخذت في مصر (ج.ع.م) وأكدت عليه للمرة الأخيرة ضرورة تنفيذ ما تم الاتفاق معه من تنسيق بيننا للخطط العسكرية، وتبادلت معه وثائق الاتصال الكودي لجميع النداءات اللاسلكية والمترجمة، لخطط وإجراءات اتفق عليها مسبقاً.
وعندما عدت للقاهرة يوم 15/5/1967 .. قدمت تقريري إلى المشير "عبدالحكيم عامر"، وهو التقرير الذي ينفي وجود أية حشود على الجبهة السورية، فلم ألاحظ أي ردود فعل لديه عن سلبية الوضع على الحدود السورية الإسرائيلية .. مما دعا إلى الاعتقاد أن الحشد على سورية لم يكن هو السبب الـوحيد في إجراءات الحشد من وجهة نظر المشير .. وكان هذا يعني وجود انفصام بين الفكر السياسي والعسكري، والتي يجب أن يكون الرباط بينهما متيناً في مثل هذه الظروف، ولا يجب أن تحجب القيادة السياسية أسرار عن القيادة العسكرية إلا في "حدود أدنى" لأن الحرب هي عمل سياسي يدار بوسائل عسكرية، وحجب الفكر السياسي عن رئيس أركان القوات المسلحة، وهو أكبر رتبة عسكرية يؤدي إلى فقدان فكر القيادة العامة للقوات المسلحة بالكامل لاتخاذ قرار يتناسب مع الفكر السياسي. لأن العسكريين هم أقدر على اتخاذ مثل هذا القرار لإدراكهم بإمكانياتهم والعمل العسكري المناسب في الوقت المناسب.
المخابرات المصرية تشكك في المعلومات التي وصلتها (يوم 14 مايو 1967).
الغريب هنا أن المخابرات المصرية شعرت أنها وقعت في خطأ كبير لذلك بدأت "تتحول من حالة اليقين والتأكد إلى حالة التشكك وعدم الاطمئنان ولم يمر بعد بضعة ساعات بين الحالتين.
ففي حوالي ظهر يوم 14 مايو – تم حديث تليفوني بين مدير المخابرات الحربية وقائد المنطقة العسكرية الشرقية، تلخص في أن العدو الإسرائيلي حشد سبعة ألوية تجاه الجبهة السورية ويحتمل أن يزيدها إلى خمسة عشر، وأن العدو قد يبدأ عملياته الحربية فيما بين 15 ـ 17 مايو أو بين 17 ـ 21 مايو.
وبحلول مساء هذا اليوم أرسلت إدارة المخابرات الحربية المصرية تحليلاً للموقف إلى القيادة العليا، نوهت فيه باحتمال أن تكون الأزمة وليدة خطة مفتعلة ونصحت بالتريث انتظاراً لمعلومات مؤكدة.
أي أن المخابرات الحربية بدأ الشعور ينتابها بأن العملية كلها لا تخرج عن أن تكون فخاً لإيقاع مصر فيه، وهو ما حدث فعلاً.
في إسرائيل:.
كانت إسرائيل تتابع الموقف عن كثب، وتستعد قياداتها وشعبها للاحتفال في اليوم التالي بذكرى إعلان قيام دولة إسرائيل .. ولكن الجنرال "أهارون ياريف" مدير الاستخبارات كانت عيناه تركزان على جبهة سيناء لمتابعة الموقف أولاً بأول.
ردود فعل أمر العمليات على القوات المسلحة:.
كان الأمر مفاجأة كاملة لقيادات القوات المسلحة وللوحدات المقاتلة والهيئات والإدارات، والتي كان عليها أن تتخذ إجراءات عديدة لتنفيذ التعليمات. ودارت تساؤلات عديدة عن أسباب ذلك. وما هي المهمة؟ وهل هذا للتظاهر أم الضغط على إسرائيل .. أم هناك حرب فعلية؟؟.
وبدأت طلائع القوات تعبر إلى سيناء لاتخاذ أوضاعها في الخطة "قاهر". وهي خطة العمليات المحددة والمصدق عليها في تلك الفترة.
التعديل الأخير: