إعداد العميد الركن (م): إبراهيم بن إسماعيل كاخيا
نصادف في حياتنا اليومية مصطلحات عديدة تتردد في وسائط الإعلام والمؤلفات والمراجع الدراسية مثل: السياسة الدفاعية politics defended والعقيدة العسكرية (أمر القتالية) Fighting ideology، والمذهب العسكري Military doctrine والواقع أن هذه المصطلحات الثلاثه تعبير عن مفهوم واحد يشمل قضايا الحرب بصفة عامة، وقضايا بناء وإعداد القوات المسلحة، وكذلك إعداد البلاد لخوض الحرب المحتملة مع كل ما يتفرع عن هذه المواضيع من مسائل ومعضلات. ولو أنه من المزعج علمياً أن نستخدم كلمة «مذهب» حيث يدل على المعنى، لأن «المذاهب» عربياً جزء من «العقيدة».
والمذاهب عموماً في فهمه الشائع هو منهج لفهم تعاليم معينة، يقول ابن منظور «المذهب أي المعتقد الذي يذهب إليه، ويذهب فلان لذهبه أي لمذهبه الذي يذهب فيه، وحكى اللحياني عن الكسائي:«وما يُدرى له أي مذهب، ولا يُدرى به ما مذهب أي لا يُدري أين أصله، ويقال ذهب فلان مذهباً حسناً» وكلمة «مذهب» وردت في علوم شتى، فقد وردت في علم الفقه وأصول الفقه، وفي علم الأخلاق، وفي الجيولوجيا، حتى في علم الموسيقا. وغيرها. لكنها على صعيد العلم العسكري انتشرت خلال الحرب العالمية الثانية.
وتصاغ أحكام المذهب العسكري من قبل القيادة السياسية والعسكرية للدولة إستناداً إلى تحليل موضوعي للظروف والموقف السياسي والعسكري في المنطقة المحيطة بالدولة المعنية، وبالأعداء المحتملين أو بالأحرى مصدر التهديد بشن الحرب على الدولة، وبإمكانيات ونوايا وأساليب عمل العدو المحتمل، وبشكل أساسي تحليل إمكانيات الدولة الاقتصادية والعسكرية واستناداً لذلك تتحدد الأهداف السياسية التي تتوخاها الدولة من خوض الحرب.
والأحكام الأساسية للمذهب العسكري هذه تنبثق من السياسة الداخليه والخارجية للدولة واستناداً لذلك، ونظراً لإختلاف السياسة والأنظمة الاقتصادية والاجتماعية من الدولة إلى أخرى فلا بد من وجود مذهب عسكري خاص لكل دولة من هذه الدول مهما بلغ شأنها، صغيرة كانت أم كبيرة، قوية كانت أم ضعيفة. والتاريخ عبر مراحله لم يعرف دولة أو مجموعة من الدول خاضت حرباً بدون أن يكون لها مذهب عسكري خاص بها، سواء كان هذا المذهب موضوعاً (مكتوباً) أو تحت عملية تطبيق أحكام ذلك المذهب «غير المكتوب» من قبل القيادة السياسية والعسكرية، خلال الإعداد للحرب أو أثناء خوضها. ولنا في ذلك مثال قريب، فاليهود خاضوا حرب 1948م ولهم مذهب عسكري إسرائيلي خاص بهم، والعرب خاضوها دون مذهب عسكري عربي موّحد.
أولاً: مضمون المذهب العسكري من الواجهة الواقعية
يعتبر المذهب العسكري لدولة ما- كما أسلفنا في المقدمة - ذلك الجزء من سياسة الدولة الذي يخطط وينظم الدفاع عنها، وبكلمة أخرى: خطط وأفكار الدولة حول كل المسائل المتعلقة بالحرب والسلم. ويعرف المذهب العسكري أو العقيدة العسكرية أو السياسية الدفاعية لدولة ما بشكل عام، على أنهجملة وجهات النظر والأفكار المعتمدة من قبل الدولة والقوات المسلحة في مرحلة تاريخية محدودة، والمتعلقة بطبيعة الحرب المحتملة وطرائق خوضها، وتدابير إعداد القوات والبلاد لتلك الحرب).
وتكون معظم أحكام المذهب العسكري لدولة من الدول، معلنة أو معروفة بشكل أو بآخر من خلال النصوص الدستوريه والقانونية التي تعالج مسائل الحرب والسلم ومهام القوات المسلحة، بالاضافة إلى التوجيهات والتصريحات التي تصدر عن المسؤولين في الدولة والقوات المسلحة بالإضافة إلى ما يرد في مقررات الأحزاب الحاكمة من وجهات نظر تتعلق بالمسائل الدفاعية وتحضير البلاد والمواطنين لمواجهة العدوان المحتمل، وتوضيح عدالة القضية التي يدافع عنها كل مواطن. وبث الحقد على العدو الذي ينوي الاعتداء على البلاد واحتلال جزء منها والمس بالكرامة الوطنية والمقدسات الدينية، وبالتالي حشد القوى المادية والمعنوية «الروحية» لمحاربته ودحره وتحقيق النصر في الحرب.
ونظراً لأن لكل بلد (أو دولة) ظروفاً سياسية وجغرافية خاصةً به، فإن المذهب العسكري لكل بلد ستكون له خصوصياته، وبالتالي فإن لكل بلد (أو دولة) مذهباً عسكرياً خاصاً به يتميز عن المذاهب العسكرية للدول الأخرى، ويمكن فهم ذلك بشكل أوضح إذا تعرضنا للمصادر SOURCES التي ينبع منها المذهب العسكري، وتحديداً أحكام المذهب العسكري، وتشمل هذه المصادر ما يلي : السياسه الخارجية للدولة، السياسه الداخلية تطور الإنتاج الزراعي والصناعي، إمكانيات البلاد الإقتصاديه بشكل عام، الخصائص الجغرافية، حالة و وضع القوات المسلحة، حالة وسائط خوض الحرب، وما هو متوفر منها ؟ من حيث الكمية والنوعية واحتمالات التطور؟ قوانين العلم العسكري، الفن الحربي للدولة وخبرات الحروب الحقيقية والمشاريع التدريبية.
وفي رأيي المتواضع فإن عقيدة «الجهاد في الإسلام»، وخبرات الحروب العربية - الإسلامية (الفتوحات) وخاصة الإيجابية منها، وما يمكن تطبيقه في الظروف الحالية وسائط الصراع المسلح الحديثة، وتجارب الحروب العربية الإسرائيلية المتتالية، تعتبر مرجعاً أساسياً لصياغة مذهب عسكري عربي موحد.
ثانياً: وجها المذهب العسكري السياسي والعسكري
يتألف المذهب العسكري من جزئين أو من مكونين أساسين يمثلان وجهي المذهب العسكري وهما:
1- الوجه السياسي: هو الوجه الأساسي والرائد للمذهب العسكري، ويشمل هذا الوجه البحث في القضايا التالية.
أ- كشف وتحديد الجوهر السياسي والاجتماعي للحرب.
ب- طبيعة الأهداف السياسية للدولة في الحرب.
ج- متطلبات البناء العسكري المستندة إلى الأهداف السياسية التي حددتها الدولة.
د- متطلبات إعداد البلاد (الدولة) للحرب.
2- الوجه العسكري: أو التقني - العسكري للمذهب، فإنه يعالج المسائل العسكرية المبنية على أحكام الوجه السياسي، ويشمل المسائل التالية:
أ- طبيعة الاستراتيجية العسكرية للحرب القادمة.
ب- طرق (وأساليب) خوض الحرب.
ج- مهام القوات المسلحة المنبثقة عن الأهداف السياسية للدولة في الحرب.
د- المحاور الأساسية لبناء القوات المسلحة، وسياسات التزويد بالإسلحة والأعتدة الحربية، الأساسية والمتممة.
هـ- اتجاهات إعداد القوات المسلحة للقتال وأساليب التدريب والتربية «التوجيه المعنوي».
و- طرق استخدام القوات المسلحة بأنواعها (بريه، جوية، بحرية، دفاع جوي) في الحرب.
ز- أسس تحضير البلاد للحرب من الناحية العسكرية وتشمل إعداد مسارح العمليات وإعداد والمواطنين وتدريبهم وغني عن البيان أن وجهي المذهب العسكري مرتبطان إرتباطاً وثيقاً فيما بينهما وأن بينهما علاقة ارتباط متبادل تتميز بالصفات التالية:
(1) لا يمكن فصل وجهي المذهب عن بعضهما لأنهما يمثلان وجهي العمله، والتي بدون أحدهما لا يمكن أن تدعي عملة قابلة للتداول، فالوجهان يمثلان باجتماعهما معاً، وبما يحويان من أحكام مجموعة وجهات النظر التي تمثل المذهب العسكري كاملاً.
(2) ضرورة وجود التطابق بين الأهداف السياسية التي تتوخاها الدولة من خوض الحرب وبين الإمكانيات القتالية لقواتها المسلحة، والطرق (الأساليب) التي ستستخدم في خوض الحرب لأنه بدون هذا التطابق فإن نتائج الحرب ستكون خاسرة، ولا بد أن تجسد أحكام المذهب العسكري هذا التطابق بشكل واقعي.
(3) بالرغم من التسليم فإن وجهات النظر والأحكام المعبر عنها في المذهب العسكري لدولة ما ليست ثابتة ودائمة بالضرورة، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب ذات الطابع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الخاضعة للتبديل والتغيير مع مرور الزمن واستناداً لما سبق ذكره فإن وجهات النظر والأحكام تلك خاضعة للتمحيص والتغيير من حين لآخر، حيث يمكن استبدال بعض الأحكام التي لم تعد تعبر عن الواقع الجديد بأحكام جديدة. تحل محلها وذلك بناءً على تحليل الظروف الراهنة.
(4) بالرغم من أولوية الوجه السياسي للمذهب العسكري وبأن أحكام الوجه السياسي لها صفة الريادة إلا أنه ينبغي التأكيد على العلاقة المتبادلة بين الوجه السياسي والوجه العسكري - التقني «التكنولوجي» ليست علاقة تبعية فقط، بل هي علاقة تأثير وتأثر بالاتجاهين حيث إن كلا الوجهين للمذهب العسكري يؤثران ويتأثران ببعضها بإستمرار.
وننوه هنا أن الاحكام التي تنتمي إلى الوجه السياسي للمذهب هي أقل تعرضاً التغيير، تتمتع باستقرار كبير بسبب طبيعتها المعبرة عن الأهداف السياسية العامة للدولة، والتي تتميز عادة بالثبات والاستقرار لفترة طويلة نسبياً، بعكس الأحكام التي تنتمي للوجه العسكري التقني فهي بحكم ارتباطها بدرجة كبيرة بتطور وسائط خوض الحرب تتبدل بوتائر أكبر من أحكام الوجه السياسي، لأن عصرنا الراهن يشهد تطوراً عاصفاً وثورياً وسريعاً لوسائط الصراع المسلح.
وهكذا فالمذهب العسكري هو نتاج للنظام الاجتماعي، ويمثل خلاصة الأفكار المتعلقة بحل المهام والمشاكل العسكرية التي تواجه الدولة في مرحلة تاريخية معينة، وتوضع هذه الأفكار بناءً على تحليل واقعي ودقيق للظروف التي تعيشها الدولة، بما في ذلك سياستها الخارجية الداخلية وخصائصها الاقتصادية والاجتماعية السياسية والجغرافية، وحالة ونوعية وسائط خوض الحرب.
يعتبر مضمون المذهب العسكري وأحكامه من المسائل الأساسية للاستراتيجية العسكرية للدولة.
Milatary Strategy، نظراً للترابط الموضوعي بين الاستراتجية العسكرية والمذهب العسكري وكان الروس يقولون -قبيل انهيار الإتحاد السوفيتي السابق- «إن الاستراتيجية العسكرية هي ابنة المذهب العسكري» أي أنها تسند في تخطيطها وخططها على أحكام المذهب العسكري، فعند بحث وتنفيذ المسائل المتعلقة بالتحضير للحرب وخوضها، ومسائل بناء القوات المسلحة لابد للاستراتيجية من الاعتماد كلية على أحكام المذهب العسكري والانطلاق من متطلباتها، مع مراعاة ظروف الموقف الراهن والإمكانات المادية والمعنوية للبلاد وهنا لابد من الإشارة أن المذاهب العسكرية الغربية تسمي فن العمليات «الاستراتيجية الصغرى» والاستراتيجية العسكرية «الاستراتيجية العليا أو الكبرى».
كما أن تطوير نظرية الاستراتيجية العسكرية يتم مع مراعاة متطلبات أحكام المذهب العسكري لأن هذه الأحكام تجسد قرارات الدولة والقوات المسلحة خاصةً في مجال جوهر الإعداد للحرب وطرق خوضها، وحيث أن هذه القرارات لها صفة الأوامر والقوانين (الملزمة) فهي واجبة التنفيذ وبالتالي ينبغي على الاستراتيجية العسكرية تركيز الجهود والبحوث لحل المسائل التي يطرحها المذهب العسكري، ولا يقتصر دور الاستراتيجية على تنفيذ الأحكام التي يقررها المذهب العسكري، وعلى إيجاد أفضل الحلول للمسائل التي يطرحها، بل أن الاستراتيجية تؤثر بشكل وبآخر على المذهب العسكري من خلال البحوث والتطبيقات المنفذة والنتائج التي يتم الوصول إليها، حيث تتم إضافة النتائج المعللة إلى أحكام المذهب العسكري.
ولنا في ذلك مثالاً قريباً، كيف انتقلت الولايات التحدة الأمريكية -من حيث العقيدة القتالية- من نظرية «المعركة الحديثة المشتركة» ثم إلى نظرية «العملية جو - أرضية» ثم إلى نظرية «تدمير الاحتياطات الثانية المعادية» على نطاق حلف الناتو. ثم إلى نظرية «الضربة الوقائية» في محاربتها للإرهاب ثم إلى نظرية «الضربه الإستباقية» في عملية إحتلال العراق الشقيق عام 2003م .
ومن هنا فإن الاستنتاجات والتوصيات المعللة التي تتوصل إليها الاستراتيجية العسكرية والتي تتناسب مع المتطلبات والأهداف السياسية، وتتجاوب مع الظروف الراهنة وإمكانيات الدول، هذه التوصيات وهذه الاستنتاجات يمكن إعتمادها من قبل القيادة السياسية - العسكرية العليا على أنها أحكام رسمية في المذهب العسكري، وهي جزء لا يتجزأ منه، وهكذا تمارس لاستراتيجية تأثيراً هاماً على تكوين أحكام الوجه العسكري للمذهب.
ثالثاً: المذهب العسكري للولايات المتحدة الأمريكية
يطلق الباحثون الأمريكيون على «المذهب العسكري» إصطلاحاً بديلاً هو:
«إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية» National Secvrity Strategy For United States OF Amarica ولا بأس أن نستعرض هذه الاستراتيجيات المطورة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتي الظروف المعاصرة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
1- التدرج التاريخي للمذهب العسكري الأمريكي حتى نهاية الثمانينات: يقوم المذهب العسكري الأمريكي على «إستراتيجية الرد الشامل» Prevalent Returning Strategy وقد جاء على لسان المسؤولين الأمريكيين إن الولايات المتحدة تكون جاهزة لتوجيه ضربة نووية شاملة في الزمان والمكان المناسبين وذلك خارج حدود أوربا هذا مع بداية الحرب الباردة مع استعراض هذه الاستراتيجيات المتعاقبة نلحظ ما يلي:
أ- في الخمسينيات كان المذاهب العسكري الأمريكي يعتمد على التهديد باشعال الحرب العالمية النووية من أجل تحقيق أهداف أمريكا الاستراتيجية السياسية والعسكرية.
ب- وفي الستينات: ظهرت في أمريكا استراتيجية جديدة، وهي أن الاستراتيجية يحب أن تكون مرنة وحاسمة في الوقت نفسه، وتلحظ الاستعداد لخوض حرب عالمية نووية، أو تقليدية كبيرة أو صغيرة، وبالتالي فإن «إستراتيجية الرد المرن» (Supple Returning Strategy) تناولت مجالاً واسعاً من الحروب، كما أنها تسمح بخوض ما يسمى بـ«الحرب المحدودة» مع إستخدام الوسائط النووية، وكانت تتجه كسابقتها إلى إحراز السيادة العالمية ومجابهه الانظمة الشيوعيه والثورات الأقليمية.
ج- وفي العام 1971م أعلنت واشنطن عن «إستراتيجية الردع الواقي» (Strategy Deterrence Protector)، حين صاغت القيادة السياسية - العسكرية الأمريكية.
وجهات نظر جديدة أرضتها في مذهبها العسكري، حول طبيعة الحرب وتصنيفها، حيث قسمت الحروب إلى أربعة أنواع، حسب الوسائط التي تُستَدعي للاشتراك ومقاييس التنفيذ وتناسب القوى على ساحة الصراع وهي: الحرب النووية الاستراتيجية الشاملة - الحرب النووية المحدودة على مسرح العمليات- الحرب التقليدية الشاملة - الحرب التقليدية المحدودة على مسرح العلميات.
د- ولوحظ على عتبة الثمانينات، انقلاب مفاجيء في الاستراتيجية الأمريكية وغدت «القوة» والقوة وحدها هي المؤثر في سياسة واشنطن الخارجية، وراح رجال الدولة «مينذاك» وكبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين يهددون بحرب نووية، ويعلنون عن مناطق هامة في العالم تقع على بعد آلاف الكيلو مترات من القارة الأمريكييه، أنها غدت مناطق مصالح حيوية لواشنطن، ووفقاً لمباديء المذهب العسكري الأمريكي التي تقترح وترسم الإعداد ومجرى الحروب المحتملة في أراضي ما وراء البحار.
فإن أربع قيادات موحدة في أصل خمسة ووسائط نشرة حتى في زمن السلم خارج الولايات المتحدة، في أوربا -وفي المحيط الأطلسي- والمحيط الهادي وفي القارة الأمريكية وذلك بناء على المهام العسكرية المطلوبة فقد قسمت القوات المسلحة الأمريكية إلى قوات استراتيجية، وقوات عامة وقوات ووسائط نقل القطاعات والتشكيلات وقوات تدخل سريع لتأمين التدخل العسكري المباشر للولايات المتحدة في منطقة «الشرق الأوسط» بصورة خاصة، وأية منطقة أخرى في العالم.
هذا بالإضافة إلى انتشار شبكة متطورة من القواعد العسكرية في جميع المناطق المهمة استراتيجياً في العالم، كي تحقق مرونة للانتقال إلى الأعمال القتالية، وتؤمن لهذه الغاية الوجود الدائم لتجمعات هامة من القوات العسكرية الأمريكية، على مسارح ما وراء البحار ولتردفها بالتعزيز اللوجيستي والتسليحي في حالة الأزمات.
والخلاصة أن فكرة العمل من موقع القوة The Action From Stronge Position
سيطرت على المذهب العسكري الأمريكي، وظهر كتاب «دليل ضابط الركن في القوات المسلحة الأمريكية» يُعرف الاستراتيجية العسكرية بأنها: فن استخدام القوة المسلحة وعلمها، بفرض تحقيق أهدافها السياسية القومية، عن طريق استخدام القوة أو التهديد به، ثم جاءت حرب الكويت عام 1991م وُطبقت فيها نظرية العملية الجوية - البرية.
2- نظرية العملية الجوية - البرية: في عام 1982م تبنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بصورة رسمية نظرية «العملية أو الموافقة الجوية - البرية» Theory OF Operoitions Air-land وقد تضمنت هذه النظرية وجهة نظر جديدة للقيادة العسكرية الأمريكية حول طبيعة وطرائق خوض الأعمال القتالية. زد على ذلك أنها تولي الأهمية الخاصة لتنفيذ المواقع والمعارك الجوية البرية، المشتركة بقوتي جحافل وتشكيلات القوات البرية والقوى الجوية كما أن الأعمال القتالية الجوية - البرية، الهجومية ستأخذ طابعاً متسارعاً وحاسماً، وتجمع بين المناورة الواسعة للقوات والاستعمال الكثيف للوسائط النارية والتدميرية العالية الدقة على عمق كبير.
أن جوهر نظرية «العملية (الموقعة) الجوية - البرية» من وجهة نظر الخبراء العسكريين الأمريكيين ينحصر في العمل على سحق العدو على كامل عمق البنية العملياتية للقوات المعادية، وذلك عن طريق التأثير عليه إلى أقصى حد ممكن بالأسلحة النووية والكيميائية والأسلحة العالمية.
أن القيام بالتأثير العميق الذي يقوم على أساس تزويد قادة التشكيلات المشتركة بالمعطيات الاستطلاعية (الاستخباراتية) في حينه، يقتضي القيام بالأعمال المنسقة تبعاً للأهداف والزمان والمكان، بين الطيران وقوى ووسائط جحافل وتشكيلات وقطعات القوات البرية، لتدمير وإعاقة العدو وشل أعمال الأنساق الثانية للعدو وإحتياطاته، أو لبعض أغراضه الهامة (مثل: وسائط الهجوم النووي، ومقرات القيادة والسيطرة، وعقد الاتصال، وأغراض المؤخرة العملياتية، والمعابر والممرات والجسور.. الخ)، وبالنتيجة فإن ذلك يؤدي إلى التفوق العملياتي أو التكتيكي، وفي النهاية تأمين سحق العدو على مراحل، وقد طبقت هذه النظرية -كما هو معلوم- في عملية «عاصفة الصحراء» فأدت إلى دحر القوات العراقية التي إحتلت الكويت حينذاك، وتحرير دولة الكويت وإعادة السيادة إليها.
3- نظرية «الحرب الإستباقية»: Preemptive War Theory
إن استراتيجية الحرب الإستباقية التي تينتها إدارة بوش الحالية لم تصبح كاملة البناء النظري ومحددة الأهداف إلا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وهي الهجمات التي فرضت على الولايات المتحدة الأمريكية إعادة النظر في عقيدتها الأمنية التقليدية السابقة والمتضمنة عنصري (الردع والإحتواء) حيث أن تلك الاستراتيجية القديمة نسبياً لم تعد قادرة على الاستجابة للتحديات الأمنية التي يفر منها هذا النوع من التهديدات الخطيرة وغير المألوفة - للأمن القومي الأمريكي.
على الرغم من أن السياسة الأمنية الأمريكية كانت تعيش مرحلة تحول قبل ايلول / سبتمبر 2001م إلا أن الصدقة الناجمة عن هذه الهجمات أضافت إليها بعداً جديداً، فقد واجهت الولايات المتحدة تهديداً جديداً ومتغيراً، في حين وجدت الحكومة الأمريكية نفسها من دون فكرة شاملة أو خطة عملاقية لحماية الوطن الأمريكي من أي هجمات إرهابية جديدة. وجرت صياغة الرد الأمريكي على الحاجة إلى سياسة أمنية جديدة في ثلاث وثائق نشرت في العام 2002م وهي «إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة» و «الاستراتيجية القومية لمكافحة أسلحة الدمار الشامل» و «الاستراتيجية القومية لأمن الوطن» وهذه الوثائق الثلاث تحدد مختلف أوجه الجواب الأمريكي الذي يفترض أن يحشد أدوات سياسة وعسكرية ودبلوماسية وقانونية (على الصعيدين المحلي والدولي) ضمن برنامج إجمالي لتعزيز الأمن الأمريكي. وكانت نظرية الحرب الاستباقية Preemptive War أو نظرية «بوش» الأمنية.
لقد حدد المذهب العسكري الأمريكي الجديد، هذا لاستراتيجية الحرب الاستباقية الأمريكية بضع أهداف إستراتيجية منهما اثنان رئيسيان هما: مكافحة الإرهاب، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل ولا يتسع معنا المجال لشرح هذه النظرية بشكل مفصل، ولكن يمكن القول إن الحربين الوقائية والأستباقية هما إحتمال آخر ذو طابع مختلف إلى حد ما، وقد إفترض عدد من العلماء الأمريكيين أن هذا النوع من الحروب يمكن أن يكون منطقياً إن كان على الصعيد التقليدي أو على الصعيد النووي، آخذين بعين الاعتبار حجم المغامرة الذي يرافق الحرب النووية، عندما يعمد الطرف الأول إلى إطلاق هجوم (مؤثر وفعال) ضد الطرف الآخر. معتقداً بإحتمال لجوء هذا الطرف إلى سبقه في الهجوم. وإن مثل هذه الحروب تعتبر من الحروب المقصودة ما دامت تسعى إلى تحقيق أهداف دفاعية.
وقد عرف نوعان من هذه الحروب: الحروب الاستباقية Preemptive War، والحروب الوقائية Preventive War حيث يشير النوع الأول إلى الأعمال العدائية التي تبدأ في ضوء القناعة بأن هجوم العدو متوقع بشكل حتمي، ويعتمد النوع الثاني (الوقائي) على الإفتراض بأن العدو سبيدأ الحرب في المستقبل القريب وأنها ستكون ملائمة جداً للطرق الذي يباشر العمليات الحربية والمثال على الحرب الإستباقية هو عدوان إسرائيل في حرب يونيو عام 1967م، والمثال على الحرب الوقائية، الغرو الأمريكي الأخير للعراق الشقيق عام 2003م، وفق وجهة نظر القيادة الأمريكية الحالية.
رابعاً: المذهب العسكري البريطاني وتطوره
لقد سيطر سعي الحكومات البريطانية المتعاقبة إلى تحقيق الانتصارات بواسطة الآخرين على مخططي المذهب العسكري، حيث أصبحت هذه الأهداف جوهر الاستراتيجة البريطانية، وتتخلص هذه الاستراتيجية في مشاركة غير فعالة في الحرب وغير مباشرة أيضاً. وقد بدا ذلك جلياً في الحرب العالمية الثانية، ولا سيما ضد ألمانيا الهتلرية حيث قامت بريطانيا بالضغط الأقتصادي والسياسي وتنفيذ الحصار البحري، كما عملت في مسارح الأعمال الحربية بهدف احتلال أراضي جديدة، والحصول على مركز إستراتيجي تتميز في المرحلة النهائية للحرب. وخير مثال على هذه الاستراتيجية البريطانية ما صرحه رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية حين قال: «سأحارب ألمانيا حتى آخر جندي سوفيتي».
ومما لا شك فيه إرتباط المذهب العسكري البريطاني إرتباطاً وثيقاً مع المذاهب العسكرية لدول حلف «الناتو» الأخرى، فهو يمثل التصور السياسي الرئيسي للبلاد الإنكليزية التي تنحو إلى بعث بريطانيا العظمى، لتعود كما كانت دولة عظمى فعلاً، إنطلاقاً من إمتلاكها قدرة صاروخية نووية كبيرة، وقوة إقتصادية كافية لتدعيم وتوسيع موقعها السياسي والعسكري عالمياً. وقد حافظت بريطانيا على سياستها في زيادة القوة النووية الاستراتيجية والتكتيكية للإستمرار في نهجها السياسي العالمي (موقع القوة)، كما سعت إلى تحديث القوات البرية الجوية وأعتدتها، وتحضيرها لخوض الحرب باستخدام الأسلحة النووية والتقليدية.
خامساً: المذهب العسكري الفرنسي وتطوره
بعد الحرب العالمية الأولى توجه المذهب العسكري الفرنسي الاستراتيجية الدفاعية، إنطلاقاً من سياسة فرنسا آنذاك، حيث كان الهدف الأول لفرنسا تثيت حدودها الشرقية التي تجددت بعد الحرب العالمية الأولى، وحماية فرنسا من عدوان ألماني مرتقب إضافة إلى سعيها للمحافظة على المستعمرات الفرنسية المستولى عليها، ولكن تعصب القيادة العسكرية الفرنسية لخبرات الحرب العالمية الأولى، وتمسكها باستنتاجات خاطئة غير معللة لفرضية تفوق الشكل الدفاعي للأعمال القتالية على الهجوم، أديا إلى تدعيم التوجهات الدفاعية في المذهب العسكري الفرنسي، (بناء خط ما جينو) حتى كانت الحرب العالمية الثانية فكانت نتائجها إثباتاً لإفلاس هذا المذهب.
بعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) تطور المذهب العسكري الفرنسي مثلة مثل المذاهب العسكرية في الدول الغربية، وارتبط بحلف الأطلسي (الناتو) ودخلت فيه تعاريف ومصطلحات عسكرية غيرتّ عن فن إستخدام الوسائط والوسائل التي بحوزة القوات الفرنسية لتحقيق الأهداف الموضوعة كلاستراتيجية الكلية والإستراتيجة العسكرية العامة، والاستراتيجية العملياتية العسكرية، والاستراتيجية التكوبنية. وكان للجنرال «ريفول» الفضل في ترجيح إستخدام القوات المدرعة كقوة ضاربة في الحرب الحديثة، وكانت له رؤية خاصة حصلت إستقلالية معينة في مجال القدرات وخاصة النووية، لتصبح لفرنسا قوة نووية خاصة بها مستقلة عن الجناح العسكري الأمريكي، مع الإلتزام الكامل بالعوامل السياسية المؤثرة وكان الهدف:
1- توفير الأمن بأعلى مستوى.
2- تأمين الدفاع الوطني.
3- تنفيذ مخطط عمل مرتبط بشكل ضيق بمنظومات الأسلحة الغربية «الأوربية» وبتوازن القوى وهكذا إلتزم المذهب العسكري الفرنسي ولزمن معين باستقلالية شبه كاملة ولكن ما لبثت فرنسا بعد ديفول أن إلتزامت بقرارات واشنطن وحلف الأطلسي في مجالات إستخدام القوة العسكرية، حيث تبين أن سياسات الحكومات الفرنسية المتعاقبة أصبحت مرتبطة بالولايات المتحدة على كافة الصعد، السياسية والعسكرية وبكل المفاهيم المعروفة في المذهب العسكري، وهذا ما ظهر بوضوح إبان أزمة الخليج عام 1990م .
سادساً: المذهب العسكري الروسي الجديد لروسيا الإتحادية
من الطبيعي أن تقوم الدول بإعادة النظر في مجال سياساتها الخارجية والداخلية والأقتصادية والعسكرية عندما تشهد هذه الدولة أو تلك تغيرات جذرية تطال بناها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يتبع ذلك بطبيعة الحال من تحولات تمس جميع مؤسسات هذه الدولة ومن ضمنها المؤسسة العسكرية والحال هذه تنطبق على جمهورية روسيا الإتحادية التي إستقلت وأسست قوات مسلحة خاصة بها بعد إنفراط عقد الإتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وتفكفكه إلى عدة دول.
فانهيار الاتحاد السوفيتي - الذي مثل أحد قطبي التوازن في السياسة الدولية بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع التسعينيات - وتفكفكه إلى عدة دول والتداعيات التي شهدتها دول كانت تسمى بالمعسكر الإشتراكي، وانتهاء عصر الحرب الباردة أدى إلى تغيير في منظومة العلاقات الدولية أضف إلى ذلك أن علاقات الدول التي استقلت عن الإتحاد السوفيتي (السابق) بعضها ببعض تغيرت جذرياً بعد أن جمعها إتحاد عام دام أكثر من سبعين سنة، فنشبت حروب بين بعض هذه الدول وشهد بعضها الآخر حروب أهلية وصراعات على السلطة فتعددت مصادر الخطر وتهديد الأمن لهذه الدول المستقله حديثاً.
وفي مثل هذه الظروف الدولية والداخلية والتغييرات التي طرأت وتطرأ على مجمل عملية البناء الداخلي في جمهورية روسيا الإتحادية أقرت السلطة فيها مذهباً عسكرياً خاصاً بها، يتضمن أفكاراً ومبادي جديدة تقلص موقف جمهورية روسيا الناشئة من الحروب والنزعات المسلحة وإستخدام قواتها ومهامها ووظائفها في السلم والحرب، وفي الثاني من تشرين الثاني 1993م صادق الرئيس الروسي بالمرسوم رقم /833/ على أهم وثيقة تحض القوات المسلحة الروسية، المتضمنه المبادئي الأساسية للمذهب العسكري الجديدة في روسيا الاتحادية.
لكن في البدء من الضروري أن نشير إلى التعريف المحدد للمذهب العسكري الروسي الجديد الذي يختلف عن ذلك التعريف العام الذي ورد آنفاً، كتعرف عام لمفهوم المذهب العسكري في أية دولة، فالمذهب العسكري الروسي هو جملة من منظومة الأفكار والمباديء ووجهات النظر التي إعتمدتها الدولة رسمياً وأقرتها، الموجهة للحيلولة دون وقوع الحروب والنزاعات المسلحة، والخاصة بالبناء العسكري وإعداد البلاد للدفاع وتنظيم الأعمال المضادة لتهديدات الأمن العسكري الروسي، وإستخدام القوات المسلحة وغيرها من أنواع القوات الأخرى، من أجل الدفاع عن المصالح الحيوية الروسية وحمايتها.. وهذا التعريف للمذهب العسكري لروسيا الإتحادية يشير إلى التوجه الدفاعي للسياسة العسكرية الروسية وإلى أولوية الطرائق السياسية والدبلوماسية في حل مسائل الخلاف.
كما أن المذهب العسكري الروسي الجديد ينطلق من إمكانات الدولة الروسية الاقتصادية والسياسية الحقيقية غير أن ما يميز البناء العسكري الروسي في الوقت الراهن، أن يتم في ظروف التحول الصعبة إلى إقتصاد السوق، وفي الوقت الذي تغير بشكل جذري دور وزارة الدفاع الروسية في تكوين السياسية العسكرية الفنية وتنفيذها، وللمذهب العسكري بصورة عامة عادة جانبان هما الجانب الأول: سياسي، والجانب الثاني العسكري الخاص (أو العسكري - الفني). إلا أن المذهب العسكري الحالي يملك ثلاثة جوانب (أجزاء) مرتبطة ببعضها البعض وهذه الجوانب هي: 1- الجانب السياسي. 2- الجانب العسكري الخاص 3- الجانب العسكري الفني والاقتصادي.
إن الأسس (الجوانب) السياسية للمذهب العسكري الروسي، فتمكن موقف روسيا الاتحادية حيال النزعات المسلحة واستخدام القوات المسلحة وغيرها من أنواع القوات، كما تحدد هذه الأسس مصادر الخطر العسكري والمبادى الأسياسية والاتجاهات الرئيسية للتأمين السياسي الاجتماعي لأمن روسيا إلى أن روسيا الإتحادية، كما تتجسد في هذه الأسس (الجوانب) مهام الدولة في السياسة العسكرية، ولأول مرة يشار إلى أن روسيا الأتحادية لا تعد أية دولة بمنزلة عدوها المحتمل (الكامن) جدير بالذكر أن هذه الفكرة قد لاقت قبولاً وإرتياحاً في الغرب.
أن إبرز الأسس (الجوانب) الاقتصادية والعسكرية الفنية في المذهب الروسي الجديد أملتها عملية التحول الصعبة والمعقدة إلى إقتصاد السوق، هذه العملية التي تترك بصمات واضحة على مجمل عملية بناء القوات المسلحة الروسية، فاليوم يجب أن ندرك أن مسائل التأمين المادي الفني (اللوجستي) الشاملة وذات النوعية العالمية، لم تعد كما كانت مضمونة «سابقاً» من قبل مؤسسات الدولة المختلفة، وهذا الأمر مرتبط وإلى درجة كبيرة بطبيعة علاقات التعاون المشتركة بين وزارة الدفاع وبين ما يعرف بـ «الشركات الخاصة» على أساس الإلتزام بالدفع مقابل أي نوع من أنواع التأمينات المختلفة.
أما بخصوص الفقرة التي تضمنها المذهب العسكري الروسي الجديد المتعلقة بـ«إمكانية إستخدام روسيا للسلاح النووي ضد دول غير نووية، في حال دخول هذه الدول إلى جانب دول نووية الحرب ضد روسيا الإتحادية وحلفائها، فقد قوبلت بحذر كبير في الخارج، وعلى سبيل المثال فإن كلا من بلجيكا وإيطاليا تريان هذه الفقرة تهديدا غير معلن (خفي) لدول حلف الناتو (في حال تدخل هذا الحلف في شؤون رابطة الدول المستقلة) بينما ترى رومانيا أن هذا الأمر هو بمنزلة تهديد لدول أوربا الشرقية في حال إشتراكها في أعمال قتالية ضد روسيا إلى جانب دول تملك أسلحة نووية.
لقد حدد المذهب العسكري الروسي، الهدف الرئيس لاستخدام القوات المسلحة الروسية في النزاعات المسلحة والحروب المحلية، ويتلخص هذا الهدف بـ«تضيق بؤر التوتر وحصرها، وإخماد (إنهاء) الأعمال القتالية في مراحلها الأولى بهدف حل النزاعات بالوسائل السلمية والسياسية وبالشروط التي تتفق مع المصالح الروسية».
كما حدد المذهب العسكري عدداً من المهام الجديدة للقوات المسلحة الروسية، التي أملتها هذه الظروف المعاصرة وهذه المهام -بإختصار- هي:
1- القيام بعمليات حفظ الأمن والسلام بقرار من مجلس الأمن أو أية هيئة دولية للأمن الجماعي.
2- تقديم المساعدة لأجهزة وزارة الداخلية الروسية وقواتها في تضييق رقعة الأعمال القتالية وإخمادها داخل روسيا.
كما تضمنت وثيقة المذهب العسكري الجديد مهام الدول الروسية في تأمين أمنها في زمن السلم، وفي مرحلة التهديد في بداية الحرب.
سابعاً: المذهب العسكري الإسرائيلي المعادي:
يتميز المذهب العسكري الإسرائيلي Israelet Military Doctrine عن معظم المذاهب العسكرية الأخرى بتبنيه الدين اليهودي ودروس التاريخ العسكري لليهود جنباً إلى جنب مع الدروس الحربية المستقاة من التاريخ العسكري العالمي القديم والحديث، والاعتماد المطلق على دعم الولايات المتحدة الأمريكية ومساندتها، ولم تنحصر هذه القيم في الجهاز السياسي والعسكري فحسب بل انتقلت إلى المجتمع الإسرائيلي ذاته لتوجد علاقات إجتماعية تقوم على خلق جيل فاشي (عنصري) جديد يعطي للقيم العسكرية النزعة العدوانية.
يتمحور المذهب العسكري الإسرائيلي حول فكرة «إسرائيل الكبرى» إذ تشكل هذه الفكرة جوهره وغايته الرئيسية في الوقت ذاته، وقد كانت العسكرية الإسرائيلية الوسيلة التي استعملتها إسرائيل في تحقيق أهدافها السياسية الإستراتيجة وخاصة مطامعها التوسعية. وإنطلاقاً من الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية المرسومة أنشأت إسرائيل لنفسها مذهباً عسكرياً خاصاً حتى قبل قيامها عام 1948م وإذا كانت معظم المذاهب العسكرية قديمها وحديثها قد تتضمن تعاليم في الدفاع والهجوم، فإن المذهب العسكري الإسرائيلي يعتمد على أن إسرائيل لن تهزم إلا مرة واحدة، فإما أن تنتصر وإلا فالهزيمة تعني الزوال النهائي من الوجود.
لقد إعتمد المذهب العسكري الإسرائيلي ركائز أساسية إشتقها المخططون اليهود من واقع إسرائيل السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والجغرافي والركائز هي: الحرب الوقائية، الردع، التفوق، نقل الأعمال القتالية إلى أرض الخصم، سياسة الأمر الواقع، استثمار الموقف الدولي، الانتقام السريع (الرد الثأري). لقد تركت الاستراتيجية العسكرية في المجتمع الإسرائيلي نزعة دائمة وعميقة من الحقد على العرب والمسلمين، وشجعت العنف، وكان تركيزها الدائم على الخطر الخارجي الذي طبع المذهب العسكري الإسرائيلي بالعنصرية والتفوق، والتعصب الأعمى.
وبعد حرب تشرين عام 1973م أعلنت إسرائيل -بشكل سافر- عن الخيار النووي، كما جاء في صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم 11/4/1976م على لسان «موشيه ديان» إن على إسرائيل الوصول إلى الخيار النووي حتى يعرف العرب أننا نستطيع تدميرهم فيما إذا نشأ وضع أصبحت بموجبه الدولة كوجود معرضة للخطر. لذا لم توقع إسرائيل حتى الآن على إتفاقية حظر التجارب النووية، وتملك حالياً وفق المصادر مايناهز الـ 200 رأس نووي صالحة للإستخدام، عدا تطويرها لأسلحة نووية تكتيكية، واختراقتها مجال الفضاء الخارجي بإطلاق أقمارصناعية تحسسية وغيرها.
هذا ويجمع المخططون الإسرائيليون على أن الشرط الأساسي لتحقيق أهداف الصهيونية هو الإستمرار بالتمسك بالمفاهيم الأمنية الاستراتيجية التي تعتبر أساساً للمذهب العسكري الإسرائيلي وتتمثل بالحفاظ على إسرائيل قوية ومتفوقة بشكل مطلق على الدول العربية تكنولوجياً عسكرياً، وننوه أخيراً بأن إسرائيل في صدد تطوير مذهبها العسكري القديم نتيجة للوضع الجديد الناشيء في دول الشرق الأوسط - وخاصة الدول المحيطة بالكيان الصهيوني - والتغيرات المتسارعة في الوضع الدولي.
نصادف في حياتنا اليومية مصطلحات عديدة تتردد في وسائط الإعلام والمؤلفات والمراجع الدراسية مثل: السياسة الدفاعية politics defended والعقيدة العسكرية (أمر القتالية) Fighting ideology، والمذهب العسكري Military doctrine والواقع أن هذه المصطلحات الثلاثه تعبير عن مفهوم واحد يشمل قضايا الحرب بصفة عامة، وقضايا بناء وإعداد القوات المسلحة، وكذلك إعداد البلاد لخوض الحرب المحتملة مع كل ما يتفرع عن هذه المواضيع من مسائل ومعضلات. ولو أنه من المزعج علمياً أن نستخدم كلمة «مذهب» حيث يدل على المعنى، لأن «المذاهب» عربياً جزء من «العقيدة».
والمذاهب عموماً في فهمه الشائع هو منهج لفهم تعاليم معينة، يقول ابن منظور «المذهب أي المعتقد الذي يذهب إليه، ويذهب فلان لذهبه أي لمذهبه الذي يذهب فيه، وحكى اللحياني عن الكسائي:«وما يُدرى له أي مذهب، ولا يُدرى به ما مذهب أي لا يُدري أين أصله، ويقال ذهب فلان مذهباً حسناً» وكلمة «مذهب» وردت في علوم شتى، فقد وردت في علم الفقه وأصول الفقه، وفي علم الأخلاق، وفي الجيولوجيا، حتى في علم الموسيقا. وغيرها. لكنها على صعيد العلم العسكري انتشرت خلال الحرب العالمية الثانية.
وتصاغ أحكام المذهب العسكري من قبل القيادة السياسية والعسكرية للدولة إستناداً إلى تحليل موضوعي للظروف والموقف السياسي والعسكري في المنطقة المحيطة بالدولة المعنية، وبالأعداء المحتملين أو بالأحرى مصدر التهديد بشن الحرب على الدولة، وبإمكانيات ونوايا وأساليب عمل العدو المحتمل، وبشكل أساسي تحليل إمكانيات الدولة الاقتصادية والعسكرية واستناداً لذلك تتحدد الأهداف السياسية التي تتوخاها الدولة من خوض الحرب.
والأحكام الأساسية للمذهب العسكري هذه تنبثق من السياسة الداخليه والخارجية للدولة واستناداً لذلك، ونظراً لإختلاف السياسة والأنظمة الاقتصادية والاجتماعية من الدولة إلى أخرى فلا بد من وجود مذهب عسكري خاص لكل دولة من هذه الدول مهما بلغ شأنها، صغيرة كانت أم كبيرة، قوية كانت أم ضعيفة. والتاريخ عبر مراحله لم يعرف دولة أو مجموعة من الدول خاضت حرباً بدون أن يكون لها مذهب عسكري خاص بها، سواء كان هذا المذهب موضوعاً (مكتوباً) أو تحت عملية تطبيق أحكام ذلك المذهب «غير المكتوب» من قبل القيادة السياسية والعسكرية، خلال الإعداد للحرب أو أثناء خوضها. ولنا في ذلك مثال قريب، فاليهود خاضوا حرب 1948م ولهم مذهب عسكري إسرائيلي خاص بهم، والعرب خاضوها دون مذهب عسكري عربي موّحد.
أولاً: مضمون المذهب العسكري من الواجهة الواقعية
يعتبر المذهب العسكري لدولة ما- كما أسلفنا في المقدمة - ذلك الجزء من سياسة الدولة الذي يخطط وينظم الدفاع عنها، وبكلمة أخرى: خطط وأفكار الدولة حول كل المسائل المتعلقة بالحرب والسلم. ويعرف المذهب العسكري أو العقيدة العسكرية أو السياسية الدفاعية لدولة ما بشكل عام، على أنهجملة وجهات النظر والأفكار المعتمدة من قبل الدولة والقوات المسلحة في مرحلة تاريخية محدودة، والمتعلقة بطبيعة الحرب المحتملة وطرائق خوضها، وتدابير إعداد القوات والبلاد لتلك الحرب).
وتكون معظم أحكام المذهب العسكري لدولة من الدول، معلنة أو معروفة بشكل أو بآخر من خلال النصوص الدستوريه والقانونية التي تعالج مسائل الحرب والسلم ومهام القوات المسلحة، بالاضافة إلى التوجيهات والتصريحات التي تصدر عن المسؤولين في الدولة والقوات المسلحة بالإضافة إلى ما يرد في مقررات الأحزاب الحاكمة من وجهات نظر تتعلق بالمسائل الدفاعية وتحضير البلاد والمواطنين لمواجهة العدوان المحتمل، وتوضيح عدالة القضية التي يدافع عنها كل مواطن. وبث الحقد على العدو الذي ينوي الاعتداء على البلاد واحتلال جزء منها والمس بالكرامة الوطنية والمقدسات الدينية، وبالتالي حشد القوى المادية والمعنوية «الروحية» لمحاربته ودحره وتحقيق النصر في الحرب.
ونظراً لأن لكل بلد (أو دولة) ظروفاً سياسية وجغرافية خاصةً به، فإن المذهب العسكري لكل بلد ستكون له خصوصياته، وبالتالي فإن لكل بلد (أو دولة) مذهباً عسكرياً خاصاً به يتميز عن المذاهب العسكرية للدول الأخرى، ويمكن فهم ذلك بشكل أوضح إذا تعرضنا للمصادر SOURCES التي ينبع منها المذهب العسكري، وتحديداً أحكام المذهب العسكري، وتشمل هذه المصادر ما يلي : السياسه الخارجية للدولة، السياسه الداخلية تطور الإنتاج الزراعي والصناعي، إمكانيات البلاد الإقتصاديه بشكل عام، الخصائص الجغرافية، حالة و وضع القوات المسلحة، حالة وسائط خوض الحرب، وما هو متوفر منها ؟ من حيث الكمية والنوعية واحتمالات التطور؟ قوانين العلم العسكري، الفن الحربي للدولة وخبرات الحروب الحقيقية والمشاريع التدريبية.
وفي رأيي المتواضع فإن عقيدة «الجهاد في الإسلام»، وخبرات الحروب العربية - الإسلامية (الفتوحات) وخاصة الإيجابية منها، وما يمكن تطبيقه في الظروف الحالية وسائط الصراع المسلح الحديثة، وتجارب الحروب العربية الإسرائيلية المتتالية، تعتبر مرجعاً أساسياً لصياغة مذهب عسكري عربي موحد.
ثانياً: وجها المذهب العسكري السياسي والعسكري
يتألف المذهب العسكري من جزئين أو من مكونين أساسين يمثلان وجهي المذهب العسكري وهما:
1- الوجه السياسي: هو الوجه الأساسي والرائد للمذهب العسكري، ويشمل هذا الوجه البحث في القضايا التالية.
أ- كشف وتحديد الجوهر السياسي والاجتماعي للحرب.
ب- طبيعة الأهداف السياسية للدولة في الحرب.
ج- متطلبات البناء العسكري المستندة إلى الأهداف السياسية التي حددتها الدولة.
د- متطلبات إعداد البلاد (الدولة) للحرب.
2- الوجه العسكري: أو التقني - العسكري للمذهب، فإنه يعالج المسائل العسكرية المبنية على أحكام الوجه السياسي، ويشمل المسائل التالية:
أ- طبيعة الاستراتيجية العسكرية للحرب القادمة.
ب- طرق (وأساليب) خوض الحرب.
ج- مهام القوات المسلحة المنبثقة عن الأهداف السياسية للدولة في الحرب.
د- المحاور الأساسية لبناء القوات المسلحة، وسياسات التزويد بالإسلحة والأعتدة الحربية، الأساسية والمتممة.
هـ- اتجاهات إعداد القوات المسلحة للقتال وأساليب التدريب والتربية «التوجيه المعنوي».
و- طرق استخدام القوات المسلحة بأنواعها (بريه، جوية، بحرية، دفاع جوي) في الحرب.
ز- أسس تحضير البلاد للحرب من الناحية العسكرية وتشمل إعداد مسارح العمليات وإعداد والمواطنين وتدريبهم وغني عن البيان أن وجهي المذهب العسكري مرتبطان إرتباطاً وثيقاً فيما بينهما وأن بينهما علاقة ارتباط متبادل تتميز بالصفات التالية:
(1) لا يمكن فصل وجهي المذهب عن بعضهما لأنهما يمثلان وجهي العمله، والتي بدون أحدهما لا يمكن أن تدعي عملة قابلة للتداول، فالوجهان يمثلان باجتماعهما معاً، وبما يحويان من أحكام مجموعة وجهات النظر التي تمثل المذهب العسكري كاملاً.
(2) ضرورة وجود التطابق بين الأهداف السياسية التي تتوخاها الدولة من خوض الحرب وبين الإمكانيات القتالية لقواتها المسلحة، والطرق (الأساليب) التي ستستخدم في خوض الحرب لأنه بدون هذا التطابق فإن نتائج الحرب ستكون خاسرة، ولا بد أن تجسد أحكام المذهب العسكري هذا التطابق بشكل واقعي.
(3) بالرغم من التسليم فإن وجهات النظر والأحكام المعبر عنها في المذهب العسكري لدولة ما ليست ثابتة ودائمة بالضرورة، ويعود ذلك إلى عدد من الأسباب ذات الطابع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الخاضعة للتبديل والتغيير مع مرور الزمن واستناداً لما سبق ذكره فإن وجهات النظر والأحكام تلك خاضعة للتمحيص والتغيير من حين لآخر، حيث يمكن استبدال بعض الأحكام التي لم تعد تعبر عن الواقع الجديد بأحكام جديدة. تحل محلها وذلك بناءً على تحليل الظروف الراهنة.
(4) بالرغم من أولوية الوجه السياسي للمذهب العسكري وبأن أحكام الوجه السياسي لها صفة الريادة إلا أنه ينبغي التأكيد على العلاقة المتبادلة بين الوجه السياسي والوجه العسكري - التقني «التكنولوجي» ليست علاقة تبعية فقط، بل هي علاقة تأثير وتأثر بالاتجاهين حيث إن كلا الوجهين للمذهب العسكري يؤثران ويتأثران ببعضها بإستمرار.
وننوه هنا أن الاحكام التي تنتمي إلى الوجه السياسي للمذهب هي أقل تعرضاً التغيير، تتمتع باستقرار كبير بسبب طبيعتها المعبرة عن الأهداف السياسية العامة للدولة، والتي تتميز عادة بالثبات والاستقرار لفترة طويلة نسبياً، بعكس الأحكام التي تنتمي للوجه العسكري التقني فهي بحكم ارتباطها بدرجة كبيرة بتطور وسائط خوض الحرب تتبدل بوتائر أكبر من أحكام الوجه السياسي، لأن عصرنا الراهن يشهد تطوراً عاصفاً وثورياً وسريعاً لوسائط الصراع المسلح.
وهكذا فالمذهب العسكري هو نتاج للنظام الاجتماعي، ويمثل خلاصة الأفكار المتعلقة بحل المهام والمشاكل العسكرية التي تواجه الدولة في مرحلة تاريخية معينة، وتوضع هذه الأفكار بناءً على تحليل واقعي ودقيق للظروف التي تعيشها الدولة، بما في ذلك سياستها الخارجية الداخلية وخصائصها الاقتصادية والاجتماعية السياسية والجغرافية، وحالة ونوعية وسائط خوض الحرب.
يعتبر مضمون المذهب العسكري وأحكامه من المسائل الأساسية للاستراتيجية العسكرية للدولة.
Milatary Strategy، نظراً للترابط الموضوعي بين الاستراتجية العسكرية والمذهب العسكري وكان الروس يقولون -قبيل انهيار الإتحاد السوفيتي السابق- «إن الاستراتيجية العسكرية هي ابنة المذهب العسكري» أي أنها تسند في تخطيطها وخططها على أحكام المذهب العسكري، فعند بحث وتنفيذ المسائل المتعلقة بالتحضير للحرب وخوضها، ومسائل بناء القوات المسلحة لابد للاستراتيجية من الاعتماد كلية على أحكام المذهب العسكري والانطلاق من متطلباتها، مع مراعاة ظروف الموقف الراهن والإمكانات المادية والمعنوية للبلاد وهنا لابد من الإشارة أن المذاهب العسكرية الغربية تسمي فن العمليات «الاستراتيجية الصغرى» والاستراتيجية العسكرية «الاستراتيجية العليا أو الكبرى».
كما أن تطوير نظرية الاستراتيجية العسكرية يتم مع مراعاة متطلبات أحكام المذهب العسكري لأن هذه الأحكام تجسد قرارات الدولة والقوات المسلحة خاصةً في مجال جوهر الإعداد للحرب وطرق خوضها، وحيث أن هذه القرارات لها صفة الأوامر والقوانين (الملزمة) فهي واجبة التنفيذ وبالتالي ينبغي على الاستراتيجية العسكرية تركيز الجهود والبحوث لحل المسائل التي يطرحها المذهب العسكري، ولا يقتصر دور الاستراتيجية على تنفيذ الأحكام التي يقررها المذهب العسكري، وعلى إيجاد أفضل الحلول للمسائل التي يطرحها، بل أن الاستراتيجية تؤثر بشكل وبآخر على المذهب العسكري من خلال البحوث والتطبيقات المنفذة والنتائج التي يتم الوصول إليها، حيث تتم إضافة النتائج المعللة إلى أحكام المذهب العسكري.
ولنا في ذلك مثالاً قريباً، كيف انتقلت الولايات التحدة الأمريكية -من حيث العقيدة القتالية- من نظرية «المعركة الحديثة المشتركة» ثم إلى نظرية «العملية جو - أرضية» ثم إلى نظرية «تدمير الاحتياطات الثانية المعادية» على نطاق حلف الناتو. ثم إلى نظرية «الضربة الوقائية» في محاربتها للإرهاب ثم إلى نظرية «الضربه الإستباقية» في عملية إحتلال العراق الشقيق عام 2003م .
ومن هنا فإن الاستنتاجات والتوصيات المعللة التي تتوصل إليها الاستراتيجية العسكرية والتي تتناسب مع المتطلبات والأهداف السياسية، وتتجاوب مع الظروف الراهنة وإمكانيات الدول، هذه التوصيات وهذه الاستنتاجات يمكن إعتمادها من قبل القيادة السياسية - العسكرية العليا على أنها أحكام رسمية في المذهب العسكري، وهي جزء لا يتجزأ منه، وهكذا تمارس لاستراتيجية تأثيراً هاماً على تكوين أحكام الوجه العسكري للمذهب.
ثالثاً: المذهب العسكري للولايات المتحدة الأمريكية
يطلق الباحثون الأمريكيون على «المذهب العسكري» إصطلاحاً بديلاً هو:
«إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية» National Secvrity Strategy For United States OF Amarica ولا بأس أن نستعرض هذه الاستراتيجيات المطورة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتي الظروف المعاصرة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
1- التدرج التاريخي للمذهب العسكري الأمريكي حتى نهاية الثمانينات: يقوم المذهب العسكري الأمريكي على «إستراتيجية الرد الشامل» Prevalent Returning Strategy وقد جاء على لسان المسؤولين الأمريكيين إن الولايات المتحدة تكون جاهزة لتوجيه ضربة نووية شاملة في الزمان والمكان المناسبين وذلك خارج حدود أوربا هذا مع بداية الحرب الباردة مع استعراض هذه الاستراتيجيات المتعاقبة نلحظ ما يلي:
أ- في الخمسينيات كان المذاهب العسكري الأمريكي يعتمد على التهديد باشعال الحرب العالمية النووية من أجل تحقيق أهداف أمريكا الاستراتيجية السياسية والعسكرية.
ب- وفي الستينات: ظهرت في أمريكا استراتيجية جديدة، وهي أن الاستراتيجية يحب أن تكون مرنة وحاسمة في الوقت نفسه، وتلحظ الاستعداد لخوض حرب عالمية نووية، أو تقليدية كبيرة أو صغيرة، وبالتالي فإن «إستراتيجية الرد المرن» (Supple Returning Strategy) تناولت مجالاً واسعاً من الحروب، كما أنها تسمح بخوض ما يسمى بـ«الحرب المحدودة» مع إستخدام الوسائط النووية، وكانت تتجه كسابقتها إلى إحراز السيادة العالمية ومجابهه الانظمة الشيوعيه والثورات الأقليمية.
ج- وفي العام 1971م أعلنت واشنطن عن «إستراتيجية الردع الواقي» (Strategy Deterrence Protector)، حين صاغت القيادة السياسية - العسكرية الأمريكية.
وجهات نظر جديدة أرضتها في مذهبها العسكري، حول طبيعة الحرب وتصنيفها، حيث قسمت الحروب إلى أربعة أنواع، حسب الوسائط التي تُستَدعي للاشتراك ومقاييس التنفيذ وتناسب القوى على ساحة الصراع وهي: الحرب النووية الاستراتيجية الشاملة - الحرب النووية المحدودة على مسرح العمليات- الحرب التقليدية الشاملة - الحرب التقليدية المحدودة على مسرح العلميات.
د- ولوحظ على عتبة الثمانينات، انقلاب مفاجيء في الاستراتيجية الأمريكية وغدت «القوة» والقوة وحدها هي المؤثر في سياسة واشنطن الخارجية، وراح رجال الدولة «مينذاك» وكبار المسؤولين العسكريين الأمريكيين يهددون بحرب نووية، ويعلنون عن مناطق هامة في العالم تقع على بعد آلاف الكيلو مترات من القارة الأمريكييه، أنها غدت مناطق مصالح حيوية لواشنطن، ووفقاً لمباديء المذهب العسكري الأمريكي التي تقترح وترسم الإعداد ومجرى الحروب المحتملة في أراضي ما وراء البحار.
فإن أربع قيادات موحدة في أصل خمسة ووسائط نشرة حتى في زمن السلم خارج الولايات المتحدة، في أوربا -وفي المحيط الأطلسي- والمحيط الهادي وفي القارة الأمريكية وذلك بناء على المهام العسكرية المطلوبة فقد قسمت القوات المسلحة الأمريكية إلى قوات استراتيجية، وقوات عامة وقوات ووسائط نقل القطاعات والتشكيلات وقوات تدخل سريع لتأمين التدخل العسكري المباشر للولايات المتحدة في منطقة «الشرق الأوسط» بصورة خاصة، وأية منطقة أخرى في العالم.
هذا بالإضافة إلى انتشار شبكة متطورة من القواعد العسكرية في جميع المناطق المهمة استراتيجياً في العالم، كي تحقق مرونة للانتقال إلى الأعمال القتالية، وتؤمن لهذه الغاية الوجود الدائم لتجمعات هامة من القوات العسكرية الأمريكية، على مسارح ما وراء البحار ولتردفها بالتعزيز اللوجيستي والتسليحي في حالة الأزمات.
والخلاصة أن فكرة العمل من موقع القوة The Action From Stronge Position
سيطرت على المذهب العسكري الأمريكي، وظهر كتاب «دليل ضابط الركن في القوات المسلحة الأمريكية» يُعرف الاستراتيجية العسكرية بأنها: فن استخدام القوة المسلحة وعلمها، بفرض تحقيق أهدافها السياسية القومية، عن طريق استخدام القوة أو التهديد به، ثم جاءت حرب الكويت عام 1991م وُطبقت فيها نظرية العملية الجوية - البرية.
2- نظرية العملية الجوية - البرية: في عام 1982م تبنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بصورة رسمية نظرية «العملية أو الموافقة الجوية - البرية» Theory OF Operoitions Air-land وقد تضمنت هذه النظرية وجهة نظر جديدة للقيادة العسكرية الأمريكية حول طبيعة وطرائق خوض الأعمال القتالية. زد على ذلك أنها تولي الأهمية الخاصة لتنفيذ المواقع والمعارك الجوية البرية، المشتركة بقوتي جحافل وتشكيلات القوات البرية والقوى الجوية كما أن الأعمال القتالية الجوية - البرية، الهجومية ستأخذ طابعاً متسارعاً وحاسماً، وتجمع بين المناورة الواسعة للقوات والاستعمال الكثيف للوسائط النارية والتدميرية العالية الدقة على عمق كبير.
أن جوهر نظرية «العملية (الموقعة) الجوية - البرية» من وجهة نظر الخبراء العسكريين الأمريكيين ينحصر في العمل على سحق العدو على كامل عمق البنية العملياتية للقوات المعادية، وذلك عن طريق التأثير عليه إلى أقصى حد ممكن بالأسلحة النووية والكيميائية والأسلحة العالمية.
أن القيام بالتأثير العميق الذي يقوم على أساس تزويد قادة التشكيلات المشتركة بالمعطيات الاستطلاعية (الاستخباراتية) في حينه، يقتضي القيام بالأعمال المنسقة تبعاً للأهداف والزمان والمكان، بين الطيران وقوى ووسائط جحافل وتشكيلات وقطعات القوات البرية، لتدمير وإعاقة العدو وشل أعمال الأنساق الثانية للعدو وإحتياطاته، أو لبعض أغراضه الهامة (مثل: وسائط الهجوم النووي، ومقرات القيادة والسيطرة، وعقد الاتصال، وأغراض المؤخرة العملياتية، والمعابر والممرات والجسور.. الخ)، وبالنتيجة فإن ذلك يؤدي إلى التفوق العملياتي أو التكتيكي، وفي النهاية تأمين سحق العدو على مراحل، وقد طبقت هذه النظرية -كما هو معلوم- في عملية «عاصفة الصحراء» فأدت إلى دحر القوات العراقية التي إحتلت الكويت حينذاك، وتحرير دولة الكويت وإعادة السيادة إليها.
3- نظرية «الحرب الإستباقية»: Preemptive War Theory
إن استراتيجية الحرب الإستباقية التي تينتها إدارة بوش الحالية لم تصبح كاملة البناء النظري ومحددة الأهداف إلا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م، وهي الهجمات التي فرضت على الولايات المتحدة الأمريكية إعادة النظر في عقيدتها الأمنية التقليدية السابقة والمتضمنة عنصري (الردع والإحتواء) حيث أن تلك الاستراتيجية القديمة نسبياً لم تعد قادرة على الاستجابة للتحديات الأمنية التي يفر منها هذا النوع من التهديدات الخطيرة وغير المألوفة - للأمن القومي الأمريكي.
على الرغم من أن السياسة الأمنية الأمريكية كانت تعيش مرحلة تحول قبل ايلول / سبتمبر 2001م إلا أن الصدقة الناجمة عن هذه الهجمات أضافت إليها بعداً جديداً، فقد واجهت الولايات المتحدة تهديداً جديداً ومتغيراً، في حين وجدت الحكومة الأمريكية نفسها من دون فكرة شاملة أو خطة عملاقية لحماية الوطن الأمريكي من أي هجمات إرهابية جديدة. وجرت صياغة الرد الأمريكي على الحاجة إلى سياسة أمنية جديدة في ثلاث وثائق نشرت في العام 2002م وهي «إستراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة» و «الاستراتيجية القومية لمكافحة أسلحة الدمار الشامل» و «الاستراتيجية القومية لأمن الوطن» وهذه الوثائق الثلاث تحدد مختلف أوجه الجواب الأمريكي الذي يفترض أن يحشد أدوات سياسة وعسكرية ودبلوماسية وقانونية (على الصعيدين المحلي والدولي) ضمن برنامج إجمالي لتعزيز الأمن الأمريكي. وكانت نظرية الحرب الاستباقية Preemptive War أو نظرية «بوش» الأمنية.
لقد حدد المذهب العسكري الأمريكي الجديد، هذا لاستراتيجية الحرب الاستباقية الأمريكية بضع أهداف إستراتيجية منهما اثنان رئيسيان هما: مكافحة الإرهاب، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل ولا يتسع معنا المجال لشرح هذه النظرية بشكل مفصل، ولكن يمكن القول إن الحربين الوقائية والأستباقية هما إحتمال آخر ذو طابع مختلف إلى حد ما، وقد إفترض عدد من العلماء الأمريكيين أن هذا النوع من الحروب يمكن أن يكون منطقياً إن كان على الصعيد التقليدي أو على الصعيد النووي، آخذين بعين الاعتبار حجم المغامرة الذي يرافق الحرب النووية، عندما يعمد الطرف الأول إلى إطلاق هجوم (مؤثر وفعال) ضد الطرف الآخر. معتقداً بإحتمال لجوء هذا الطرف إلى سبقه في الهجوم. وإن مثل هذه الحروب تعتبر من الحروب المقصودة ما دامت تسعى إلى تحقيق أهداف دفاعية.
وقد عرف نوعان من هذه الحروب: الحروب الاستباقية Preemptive War، والحروب الوقائية Preventive War حيث يشير النوع الأول إلى الأعمال العدائية التي تبدأ في ضوء القناعة بأن هجوم العدو متوقع بشكل حتمي، ويعتمد النوع الثاني (الوقائي) على الإفتراض بأن العدو سبيدأ الحرب في المستقبل القريب وأنها ستكون ملائمة جداً للطرق الذي يباشر العمليات الحربية والمثال على الحرب الإستباقية هو عدوان إسرائيل في حرب يونيو عام 1967م، والمثال على الحرب الوقائية، الغرو الأمريكي الأخير للعراق الشقيق عام 2003م، وفق وجهة نظر القيادة الأمريكية الحالية.
رابعاً: المذهب العسكري البريطاني وتطوره
لقد سيطر سعي الحكومات البريطانية المتعاقبة إلى تحقيق الانتصارات بواسطة الآخرين على مخططي المذهب العسكري، حيث أصبحت هذه الأهداف جوهر الاستراتيجة البريطانية، وتتخلص هذه الاستراتيجية في مشاركة غير فعالة في الحرب وغير مباشرة أيضاً. وقد بدا ذلك جلياً في الحرب العالمية الثانية، ولا سيما ضد ألمانيا الهتلرية حيث قامت بريطانيا بالضغط الأقتصادي والسياسي وتنفيذ الحصار البحري، كما عملت في مسارح الأعمال الحربية بهدف احتلال أراضي جديدة، والحصول على مركز إستراتيجي تتميز في المرحلة النهائية للحرب. وخير مثال على هذه الاستراتيجية البريطانية ما صرحه رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية حين قال: «سأحارب ألمانيا حتى آخر جندي سوفيتي».
ومما لا شك فيه إرتباط المذهب العسكري البريطاني إرتباطاً وثيقاً مع المذاهب العسكرية لدول حلف «الناتو» الأخرى، فهو يمثل التصور السياسي الرئيسي للبلاد الإنكليزية التي تنحو إلى بعث بريطانيا العظمى، لتعود كما كانت دولة عظمى فعلاً، إنطلاقاً من إمتلاكها قدرة صاروخية نووية كبيرة، وقوة إقتصادية كافية لتدعيم وتوسيع موقعها السياسي والعسكري عالمياً. وقد حافظت بريطانيا على سياستها في زيادة القوة النووية الاستراتيجية والتكتيكية للإستمرار في نهجها السياسي العالمي (موقع القوة)، كما سعت إلى تحديث القوات البرية الجوية وأعتدتها، وتحضيرها لخوض الحرب باستخدام الأسلحة النووية والتقليدية.
خامساً: المذهب العسكري الفرنسي وتطوره
بعد الحرب العالمية الأولى توجه المذهب العسكري الفرنسي الاستراتيجية الدفاعية، إنطلاقاً من سياسة فرنسا آنذاك، حيث كان الهدف الأول لفرنسا تثيت حدودها الشرقية التي تجددت بعد الحرب العالمية الأولى، وحماية فرنسا من عدوان ألماني مرتقب إضافة إلى سعيها للمحافظة على المستعمرات الفرنسية المستولى عليها، ولكن تعصب القيادة العسكرية الفرنسية لخبرات الحرب العالمية الأولى، وتمسكها باستنتاجات خاطئة غير معللة لفرضية تفوق الشكل الدفاعي للأعمال القتالية على الهجوم، أديا إلى تدعيم التوجهات الدفاعية في المذهب العسكري الفرنسي، (بناء خط ما جينو) حتى كانت الحرب العالمية الثانية فكانت نتائجها إثباتاً لإفلاس هذا المذهب.
بعد الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) تطور المذهب العسكري الفرنسي مثلة مثل المذاهب العسكرية في الدول الغربية، وارتبط بحلف الأطلسي (الناتو) ودخلت فيه تعاريف ومصطلحات عسكرية غيرتّ عن فن إستخدام الوسائط والوسائل التي بحوزة القوات الفرنسية لتحقيق الأهداف الموضوعة كلاستراتيجية الكلية والإستراتيجة العسكرية العامة، والاستراتيجية العملياتية العسكرية، والاستراتيجية التكوبنية. وكان للجنرال «ريفول» الفضل في ترجيح إستخدام القوات المدرعة كقوة ضاربة في الحرب الحديثة، وكانت له رؤية خاصة حصلت إستقلالية معينة في مجال القدرات وخاصة النووية، لتصبح لفرنسا قوة نووية خاصة بها مستقلة عن الجناح العسكري الأمريكي، مع الإلتزام الكامل بالعوامل السياسية المؤثرة وكان الهدف:
1- توفير الأمن بأعلى مستوى.
2- تأمين الدفاع الوطني.
3- تنفيذ مخطط عمل مرتبط بشكل ضيق بمنظومات الأسلحة الغربية «الأوربية» وبتوازن القوى وهكذا إلتزم المذهب العسكري الفرنسي ولزمن معين باستقلالية شبه كاملة ولكن ما لبثت فرنسا بعد ديفول أن إلتزامت بقرارات واشنطن وحلف الأطلسي في مجالات إستخدام القوة العسكرية، حيث تبين أن سياسات الحكومات الفرنسية المتعاقبة أصبحت مرتبطة بالولايات المتحدة على كافة الصعد، السياسية والعسكرية وبكل المفاهيم المعروفة في المذهب العسكري، وهذا ما ظهر بوضوح إبان أزمة الخليج عام 1990م .
سادساً: المذهب العسكري الروسي الجديد لروسيا الإتحادية
من الطبيعي أن تقوم الدول بإعادة النظر في مجال سياساتها الخارجية والداخلية والأقتصادية والعسكرية عندما تشهد هذه الدولة أو تلك تغيرات جذرية تطال بناها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يتبع ذلك بطبيعة الحال من تحولات تمس جميع مؤسسات هذه الدولة ومن ضمنها المؤسسة العسكرية والحال هذه تنطبق على جمهورية روسيا الإتحادية التي إستقلت وأسست قوات مسلحة خاصة بها بعد إنفراط عقد الإتحاد السوفيتي في مطلع التسعينيات من القرن الماضي وتفكفكه إلى عدة دول.
فانهيار الاتحاد السوفيتي - الذي مثل أحد قطبي التوازن في السياسة الدولية بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى مطلع التسعينيات - وتفكفكه إلى عدة دول والتداعيات التي شهدتها دول كانت تسمى بالمعسكر الإشتراكي، وانتهاء عصر الحرب الباردة أدى إلى تغيير في منظومة العلاقات الدولية أضف إلى ذلك أن علاقات الدول التي استقلت عن الإتحاد السوفيتي (السابق) بعضها ببعض تغيرت جذرياً بعد أن جمعها إتحاد عام دام أكثر من سبعين سنة، فنشبت حروب بين بعض هذه الدول وشهد بعضها الآخر حروب أهلية وصراعات على السلطة فتعددت مصادر الخطر وتهديد الأمن لهذه الدول المستقله حديثاً.
وفي مثل هذه الظروف الدولية والداخلية والتغييرات التي طرأت وتطرأ على مجمل عملية البناء الداخلي في جمهورية روسيا الإتحادية أقرت السلطة فيها مذهباً عسكرياً خاصاً بها، يتضمن أفكاراً ومبادي جديدة تقلص موقف جمهورية روسيا الناشئة من الحروب والنزعات المسلحة وإستخدام قواتها ومهامها ووظائفها في السلم والحرب، وفي الثاني من تشرين الثاني 1993م صادق الرئيس الروسي بالمرسوم رقم /833/ على أهم وثيقة تحض القوات المسلحة الروسية، المتضمنه المبادئي الأساسية للمذهب العسكري الجديدة في روسيا الاتحادية.
لكن في البدء من الضروري أن نشير إلى التعريف المحدد للمذهب العسكري الروسي الجديد الذي يختلف عن ذلك التعريف العام الذي ورد آنفاً، كتعرف عام لمفهوم المذهب العسكري في أية دولة، فالمذهب العسكري الروسي هو جملة من منظومة الأفكار والمباديء ووجهات النظر التي إعتمدتها الدولة رسمياً وأقرتها، الموجهة للحيلولة دون وقوع الحروب والنزاعات المسلحة، والخاصة بالبناء العسكري وإعداد البلاد للدفاع وتنظيم الأعمال المضادة لتهديدات الأمن العسكري الروسي، وإستخدام القوات المسلحة وغيرها من أنواع القوات الأخرى، من أجل الدفاع عن المصالح الحيوية الروسية وحمايتها.. وهذا التعريف للمذهب العسكري لروسيا الإتحادية يشير إلى التوجه الدفاعي للسياسة العسكرية الروسية وإلى أولوية الطرائق السياسية والدبلوماسية في حل مسائل الخلاف.
كما أن المذهب العسكري الروسي الجديد ينطلق من إمكانات الدولة الروسية الاقتصادية والسياسية الحقيقية غير أن ما يميز البناء العسكري الروسي في الوقت الراهن، أن يتم في ظروف التحول الصعبة إلى إقتصاد السوق، وفي الوقت الذي تغير بشكل جذري دور وزارة الدفاع الروسية في تكوين السياسية العسكرية الفنية وتنفيذها، وللمذهب العسكري بصورة عامة عادة جانبان هما الجانب الأول: سياسي، والجانب الثاني العسكري الخاص (أو العسكري - الفني). إلا أن المذهب العسكري الحالي يملك ثلاثة جوانب (أجزاء) مرتبطة ببعضها البعض وهذه الجوانب هي: 1- الجانب السياسي. 2- الجانب العسكري الخاص 3- الجانب العسكري الفني والاقتصادي.
إن الأسس (الجوانب) السياسية للمذهب العسكري الروسي، فتمكن موقف روسيا الاتحادية حيال النزعات المسلحة واستخدام القوات المسلحة وغيرها من أنواع القوات، كما تحدد هذه الأسس مصادر الخطر العسكري والمبادى الأسياسية والاتجاهات الرئيسية للتأمين السياسي الاجتماعي لأمن روسيا إلى أن روسيا الإتحادية، كما تتجسد في هذه الأسس (الجوانب) مهام الدولة في السياسة العسكرية، ولأول مرة يشار إلى أن روسيا الأتحادية لا تعد أية دولة بمنزلة عدوها المحتمل (الكامن) جدير بالذكر أن هذه الفكرة قد لاقت قبولاً وإرتياحاً في الغرب.
أن إبرز الأسس (الجوانب) الاقتصادية والعسكرية الفنية في المذهب الروسي الجديد أملتها عملية التحول الصعبة والمعقدة إلى إقتصاد السوق، هذه العملية التي تترك بصمات واضحة على مجمل عملية بناء القوات المسلحة الروسية، فاليوم يجب أن ندرك أن مسائل التأمين المادي الفني (اللوجستي) الشاملة وذات النوعية العالمية، لم تعد كما كانت مضمونة «سابقاً» من قبل مؤسسات الدولة المختلفة، وهذا الأمر مرتبط وإلى درجة كبيرة بطبيعة علاقات التعاون المشتركة بين وزارة الدفاع وبين ما يعرف بـ «الشركات الخاصة» على أساس الإلتزام بالدفع مقابل أي نوع من أنواع التأمينات المختلفة.
أما بخصوص الفقرة التي تضمنها المذهب العسكري الروسي الجديد المتعلقة بـ«إمكانية إستخدام روسيا للسلاح النووي ضد دول غير نووية، في حال دخول هذه الدول إلى جانب دول نووية الحرب ضد روسيا الإتحادية وحلفائها، فقد قوبلت بحذر كبير في الخارج، وعلى سبيل المثال فإن كلا من بلجيكا وإيطاليا تريان هذه الفقرة تهديدا غير معلن (خفي) لدول حلف الناتو (في حال تدخل هذا الحلف في شؤون رابطة الدول المستقلة) بينما ترى رومانيا أن هذا الأمر هو بمنزلة تهديد لدول أوربا الشرقية في حال إشتراكها في أعمال قتالية ضد روسيا إلى جانب دول تملك أسلحة نووية.
لقد حدد المذهب العسكري الروسي، الهدف الرئيس لاستخدام القوات المسلحة الروسية في النزاعات المسلحة والحروب المحلية، ويتلخص هذا الهدف بـ«تضيق بؤر التوتر وحصرها، وإخماد (إنهاء) الأعمال القتالية في مراحلها الأولى بهدف حل النزاعات بالوسائل السلمية والسياسية وبالشروط التي تتفق مع المصالح الروسية».
كما حدد المذهب العسكري عدداً من المهام الجديدة للقوات المسلحة الروسية، التي أملتها هذه الظروف المعاصرة وهذه المهام -بإختصار- هي:
1- القيام بعمليات حفظ الأمن والسلام بقرار من مجلس الأمن أو أية هيئة دولية للأمن الجماعي.
2- تقديم المساعدة لأجهزة وزارة الداخلية الروسية وقواتها في تضييق رقعة الأعمال القتالية وإخمادها داخل روسيا.
كما تضمنت وثيقة المذهب العسكري الجديد مهام الدول الروسية في تأمين أمنها في زمن السلم، وفي مرحلة التهديد في بداية الحرب.
سابعاً: المذهب العسكري الإسرائيلي المعادي:
يتميز المذهب العسكري الإسرائيلي Israelet Military Doctrine عن معظم المذاهب العسكرية الأخرى بتبنيه الدين اليهودي ودروس التاريخ العسكري لليهود جنباً إلى جنب مع الدروس الحربية المستقاة من التاريخ العسكري العالمي القديم والحديث، والاعتماد المطلق على دعم الولايات المتحدة الأمريكية ومساندتها، ولم تنحصر هذه القيم في الجهاز السياسي والعسكري فحسب بل انتقلت إلى المجتمع الإسرائيلي ذاته لتوجد علاقات إجتماعية تقوم على خلق جيل فاشي (عنصري) جديد يعطي للقيم العسكرية النزعة العدوانية.
يتمحور المذهب العسكري الإسرائيلي حول فكرة «إسرائيل الكبرى» إذ تشكل هذه الفكرة جوهره وغايته الرئيسية في الوقت ذاته، وقد كانت العسكرية الإسرائيلية الوسيلة التي استعملتها إسرائيل في تحقيق أهدافها السياسية الإستراتيجة وخاصة مطامعها التوسعية. وإنطلاقاً من الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية المرسومة أنشأت إسرائيل لنفسها مذهباً عسكرياً خاصاً حتى قبل قيامها عام 1948م وإذا كانت معظم المذاهب العسكرية قديمها وحديثها قد تتضمن تعاليم في الدفاع والهجوم، فإن المذهب العسكري الإسرائيلي يعتمد على أن إسرائيل لن تهزم إلا مرة واحدة، فإما أن تنتصر وإلا فالهزيمة تعني الزوال النهائي من الوجود.
لقد إعتمد المذهب العسكري الإسرائيلي ركائز أساسية إشتقها المخططون اليهود من واقع إسرائيل السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والجغرافي والركائز هي: الحرب الوقائية، الردع، التفوق، نقل الأعمال القتالية إلى أرض الخصم، سياسة الأمر الواقع، استثمار الموقف الدولي، الانتقام السريع (الرد الثأري). لقد تركت الاستراتيجية العسكرية في المجتمع الإسرائيلي نزعة دائمة وعميقة من الحقد على العرب والمسلمين، وشجعت العنف، وكان تركيزها الدائم على الخطر الخارجي الذي طبع المذهب العسكري الإسرائيلي بالعنصرية والتفوق، والتعصب الأعمى.
وبعد حرب تشرين عام 1973م أعلنت إسرائيل -بشكل سافر- عن الخيار النووي، كما جاء في صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوم 11/4/1976م على لسان «موشيه ديان» إن على إسرائيل الوصول إلى الخيار النووي حتى يعرف العرب أننا نستطيع تدميرهم فيما إذا نشأ وضع أصبحت بموجبه الدولة كوجود معرضة للخطر. لذا لم توقع إسرائيل حتى الآن على إتفاقية حظر التجارب النووية، وتملك حالياً وفق المصادر مايناهز الـ 200 رأس نووي صالحة للإستخدام، عدا تطويرها لأسلحة نووية تكتيكية، واختراقتها مجال الفضاء الخارجي بإطلاق أقمارصناعية تحسسية وغيرها.
هذا ويجمع المخططون الإسرائيليون على أن الشرط الأساسي لتحقيق أهداف الصهيونية هو الإستمرار بالتمسك بالمفاهيم الأمنية الاستراتيجية التي تعتبر أساساً للمذهب العسكري الإسرائيلي وتتمثل بالحفاظ على إسرائيل قوية ومتفوقة بشكل مطلق على الدول العربية تكنولوجياً عسكرياً، وننوه أخيراً بأن إسرائيل في صدد تطوير مذهبها العسكري القديم نتيجة للوضع الجديد الناشيء في دول الشرق الأوسط - وخاصة الدول المحيطة بالكيان الصهيوني - والتغيرات المتسارعة في الوضع الدولي.