أصدر الصحفي وليد حسني زهرة كتابا بعنوان، " وصايا الذبيح.. التقي والشيطان في رسائل صدام حسين"، يؤكد فيه تحول صدام إلى إسلامي جيد أكثر منه علمانيا جيدا.
ويتزامن صدور الكتاب – المؤلف من 590 صفحة من القطع الكبير - مع الذكرى السنوية الثالثة لإعدام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
وفي الكتاب الصادر حديثا عن دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، يلاحق الصحفي وليد حسني زهرة الافكار والمخططات الامريكية والبريطانية التي وضعت مبكرا وقبل هجمات 11 ايلول سبتمبر على مبنيي التجارة العالمية عام 2001 لاحتلال العراق والقضاء على نظام الحكم فيه ورمزه الرئيس الراحل صدام حسين.
ويحاول المؤلف في كتابه الذي يحمل عنوان" وصايا الذبيح ، التقي والشيطان في رسائل صدام حسين" وضع دراسة مقارنة بين الافكار الاحتلالية الانجلوامريكية التي استهدفت العراق مبكرا، وبين الافكار والتحذيرات التي كان صدام حسين يطلقها في رسائله مخاطبا فيها الشعب العراقي اولا، والامة العربية ثانيا.
الا ان اهم ما تتميز به تلك الدراسة الرائدة والجديدة والوافية في افكار صدام حسين تلك التي يلجا المؤلف فيها للحديث بالتفصيل وعبر فصول الكتاب التسعة حول مجمل المخططات الامريكية والافكار التي قادت واشنطن ولندن وحلفائها للانقضاض على العراق، وجملة الاكاذيب الكبرى التي حاولت ادارة بوش الابن في واشنطن وتوني بلير في داوننغ ستريت في لندن ترويجها وتسويقها على العالم لتتكشف جملة تلك الاكاذيب تباعا، وتاثيراتها بالغة الخطورة التي لم تمنح امريكا اية فرصة لانقاذ نصرها السريع في العراق بعد ان غرقت تماما في مستنقع القتل والدم في ارض الرافدين وهو ما دفع ثمنه في النهاية ــ ولا يزال يدفعه ــ الشعب العراقي نفسه بكل مكوناته العرقية والطائفية.
ويتناول المؤلف في كتابه ومن خلال الفصل الاول"كيف نقضم العراق.. افكار ما قبل الحرب لاعادة رسم الخرائط" مجموع الخطط الامريكية التي وضعت مبكرا للانقضاض على العراق حتى قبل ان يدخل الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن البيت الابيض كرئيس للولايات المتحدة، وحمله مشروعا في غاية الخطورة يستهدف اعادة بناء قوة امريكا من جديد، والذي يجب ان يبدا بتعرض احد رموز امريكا الاقتصادية لهجوم ارهابي تم تنفيذه بعد حوالي تسعة اشهر فيما عرف بهجمات 11 ايلول سبتمبر لتكون ذريعة لاعادة بناء التحالف الامريكي الدولي ضد العراق الذي تعرض للانهيار بعد حرب الخليج الاولى وتحرير الكويت سنة 1991 .
ويتناول الصحفي وليد حسني في الفصل الثاني من"وصايا الذبيح" الذي حمل عنوان"الى الحقول النائمة.. ذاهبون للنفط" الخطط الامريكية التي تم وضعها في ستينيات القرن الماضي لاحتلال ابار النفط الخليجية وتحديدا الابار السعودية في المنطقة الشرقية، ليتم تطوير تلك الخطط بعد حرب 1973 في تقرير صدر عن لجنة الطاقة في الكونغرس في العام التالي، ثم تم تطوير تلك الخطة الاستراتيجية الاحتلالية في عام 1975، وصولا الى اعلان الرئيس الامريكي جيمي كارتر منطقة الخليج كمنطقة مصالح حيوية للامن القومي الامريكي وتاسيس ما عرف لاحقا بقوة التدخل السريع.
ويعقد المؤلف مقارنة بين ما صدر عن الرئيس صدام حسين من تحذيرات وتحليلات في رسائله حول الاطماع الانجلوامريكية في العراق وفي اقطار العالم العربي، مؤكدا على وعي صدام حسين على تلك الاهداف الاستراتيجية بعيدة المدى التي لم تكن غائبة عن عقله وافكاره وهو يخاطب العراقيين والعرب محذرا من مخاطر احتلال العراق، وما سيجره على العالم العربي من استحقاقات اكثر من خطيرة.
ولا ينكر مؤلف "وصايا الذبيح" ما للنفط والطاقة من تاثيرات دافعة باتجاه احتلال العراق وافغانستان، اذ ان تحديات الطاقة اصبحت الهم الرئيس والاستراتيجي لكل الادارات الامريكية، وستكون في السنوات المقبلة احدى اهم التحديات الاستراتيجية التي تواجه الادارات الامريكية المقبلة، ومن هنا كان لا بد من العمل على تطبيق خطة احتلال ابار النفط العراقية لتامين النفط الرخيص لعجلة الاقتصاد الامريكي وحلفائها، مشيرا في هذا السياق الى ما يمكن ان ينسب من صراعات مستقبلية على الطاقة بين امريكا والاتحاد الاوروبي من جهة، وبينها وبين المارد الصيني من جهة اخرى.
وبالرغم من الاهمية الاستراتيجية الكبرى لدوافع تامين الطاقة لامريكا عبر احتلال العراق فان صدام حسين في رسائله ــ حسب المؤلف ــ لم يركز كثيرا على ذلك موليا جل اهتمامه في رسائله لقضايا كان يعتقد انها اهم بكثير بالنسبة له وللعراقيين تتعلق بمقاومة الاحتلال، وان المقاومة وحدها كفيلة بإفشال الاطماع الامريكية في بغداد.
ويتوقف "وصايا الذبيح" عند مناقشة تاثيرات الميديا والاعلام الامريكي في الحرب على العراق واحتلاله وجره بالكامل الى حرب طائفية، موضحا بالدلائل حجم ما اقترفه الاعلام ووسائله المختلفة في تسويق الاكاذيب والاختلاقات ليس على شخص صدام حسين فقط، وانما على العراق الدولة والشعب بهدف تحشيد العالم خلف واشنطن ولندن لكسب حربهما غير المشروعة في العراق، كما يناقش تاثيرات الصورة في حياة صدام حسين، خاصة في مرحلة ما بعد احتلال بغداد في التاسع من نيسان 2003 وصولا الى تاثيراتها اثناء اعتقاله، ثم وهو يمثل امام المحكمة، واخيرا اثناء الاحتفال باعدامه وذبحه فجر عيد الاضحى في الثلاثين من شهر كانون الاول عام 2006 .
ان الفصل الذي يحمل عنوان"قتل الحقائق وصراع الفضائل" مليء بالشواهد التي اوردها المؤلف لتاكيد النتائج التي توصل اليها والتي اكد فيها على ان الصورة خدمت صدام حسين اكثر مما اساءت اليه، وعلى غير رغبة المحتلين وجلادي الشعب العراقي وملوكه الجدد ــ على حد قوله ــ.
ويتوقف الزميل حسني في فصل" الفجر الاحمر في حفرة العنكبوت" لمناقشة الروايات التي صدرت عن تفاصيل اعتقال صدام حسين في العملية التي اسماها البنتاغون" الفجر الاحمر" فيما اطلق اسم" حفرة العنكبوت" على الخندق الذي قالت ادارة بريمر والبنتاغون انهم وجدوا صدام مختبئا فيه، حيث يؤكد المؤلف على اننا لا نملك عن تلك الحادثة غير اربع روايات مجزوءة وغير مكتملة عن لحظة الاعتقال، ليصل الى التشكيك في كل الروايات التي تم تداولها بما فيها الرواية الامريكية الرسمية والتي تم تسويقها على الحاكم المدني للعراق انذاك بول بريمر وعاد لتثبيتها في مذكراته"عام عشته في العراق".
ويناقش المؤلف في هذا الفصل جملة الروايات ويوثقها، الا انه يعلن عدم ايمانه بها كلها لكونها غير مكتملة اولا، ولكونها لم تصدر رسميا عن صدام حسين الذي كان يلتقي محاميه ولم ينقل عنه رسميا ما يؤكد او ينفي تفاصيل رواية اعتقاله، متسائلا عن الاسباب التي دعت صدام نفسه لالتزام الصمت تجاه حادثة اعتقاله بالرغم من انها كانت ولا تزال احدى ابرز الاسرار المحيطة بعملية احتلال العراق.
وينفي مؤلف "وصايا الذبيح" بشدة ان يكون صدام حسين قد التقى او حاور وزير الدفاع الامريكي انذاك دونالد رامسفيلد في الفصل الذي يحمل عنوان"حوارات السجن.. من سيقدمني لهؤلاء القادة العظام للعراق "، وهي الجملة الشهيرة التي قالها صدام حسين اثناء التقائه في سجنه بعدد من قادة العراق الجديد بعد ساعات من الاعلان رسميا عن اعتقاله.
ويؤكد المؤلف على كذب تلك الرواية ويناقشها بالتفصيل، في الوقت الذي يناقش فيه جميع الحوارات التي اجريت مع صدام في سجنه، وتحدث عن بعضها في رسائله خاصة رسالته الشهيرة الى شعوب امريكا.
وفي الفصل الذي يحمل عنوان" المحاكمة بالثأر.. رسائل من حجرة القضاة" يناقش الصحفي وليد حسني الرسائل السياسية التي كان صدام حسين يمررها اثناء جلسات المحاكمة في قضية الدجيل، ويتطرق بالدراسة التحليلية والتوثيقية لجميع جلسات المحاكمة وما قاله صدام حسين فيها، وما تعرض له من مضايقات وتعذيب هو ورفاقه في السجن، موضحا وباسهاب التفاصيل الدقيقة الخفية لتاسيس المحكمة، والاهداف الثارية من وراء تاسيسها مؤكدا على انها جاءت بهدف ادانة فترة حكم حزب البعث بالكامل وهو ما اكدت عليه وثائق تاسيس المحكمة، الى جانب اهدافها الطائفية والعرقية الاخرى التي عملت على تعميق حالة الثار الطائفي والعرقي في العراق، سواء باتجاه حصول الشيعة العراقيين على ثارهم من العراقيين السنة، او حصول الاكراد الانفصاليين على حقوقهم العرقية والقومية بالانفصال عن الوطن الام، وهو ما جرى تاكيده وتطبيقه على الارض فور احتلال بغداد وسقوط نظام الحكم.
ويناقش المؤلف في فصل" الوصية الاخيرة .. قبل الاستشهاد بدقائق" التفاصيل التي رافقت اعدام صدام حسين والثار منه بالذبح والاحتفاء بالرقص الطائفي حول جثته، وفي هذا الفصل يناقش المؤلف المواقف الدينية والفتاوى التي اصدرها البعض تجاه جوازية الصلاة على صدام ام لا، الى جانب تاثيرات صور حفلة الذبح الطائفية الشهيرة مؤكدا على انها اساءت لقتلته بدلا من ان تسيء اليه، وجعلت من صدام حسين بطلا وشهيدا في عيون البعض وهو ما لم يكن في وارد من روّج للصورة ودفع بها للنشر سريعا.
ويسهب المؤلف في فصل" التقي والشيطان.. من الخطاب الديني الى اسلمة الدولة" في تتبع مراحل تطور الفكر الديني والعقيدة الاسلامية لصدام حسين، وهو من اهم فصول الكتاب لكونه الدراسة الاولى من نوعها التي تدرس بالتحليل الخطاب الديني عند صدام حسين وتطوراته التي وصلت قبل احتلال العراق بسنوات الى التوجه الكلي نحو اسلمة الدولة بالتدريج.
ويخلص المؤلف في هذا الفصل للتاكيد على ان صدام حسين تحول في سنوات الحصار الى اسلامي جيد اكثر من كونه علمانيا جيدا، مشيرا الى ان فكر صدام حسين وعقيدته الدينية شهدت تطورات نوعية كبرى باتجاه الدين وتطبيقاته ، متتبعا في ذلك ما كان قد صدر عن صدام قبل وصوله للسلطة عام 1979 وما تلا ذلك من افكار وصولا الى الاعلان عن انحياز حزبه الحاكم"حزب البعث" للخط الايماني في الحزب"، وهو ما دفعه تاليا لاتخاذ قرارات متعددة باتجاه اسلمة الحزب اولا تمهيدا الى اسلمة الدولة الا ان الاحتلال الانجلوامريكي لم يسعفه بالذهاب بعيدا في مشروعه الديني هذا.
ويختم المؤلف كتابه في هذا الفصل بدراسة عن مكانة المقاومة في فكر الرئيس الراحل صدام حسين، ووصاياه التي ضمنها رسائله والتي حذر فيها من الفتنة الطائفية الداخلية وعدم الانحياز لاهداف الاحتلال، ومحذرا وبتكرار متواصل من اطماع ايران التوسعية والاستراتيجية في العراق، مطالبا العراقيين بكل فئاتهم التنبه لعدم الانجرار خلف تلك الاطماع الايرانية التي تصب جميعها في مصلحة الاحتلال وتكريس سلطته على ارض الرافدين.
ويورد المؤلف في هذا الفصل العديد من وصايا صدام حسين لشعبه ولامته، حيث يؤكد المؤلف على انها جميعها تستهدف تعميق الشعور بالوطنية العراقية وباسلامية المعركة في مواجهة دينية المحافظين الجدد، ويشدد على المثل الاخلاقية والدينية الراسخة في المجتمع العراقي محاولا استثارتها والنهوض بها في اجواء احتلالية استهدفت بالدرجة الاولى القضاء كليا على المجتمع العراقي ومثله وقيمه النبيله.
وألحق المؤلف في نهاية كتابه ملحقا توثيقيا بكل الرسائل التي صدرت عن صدام حسين الى جانب ملاحق اخرى تضمنت البرامج السياسية للمقاومة العراقية والتي كانت جميعها محور دراسة وتقييم في جميع صفحات الكتاب.
ان كتاب"وصايا الذبيح" جاء في وقته، ففيه قراءة غير مسبوقة لافكار الرئيس صدام حسين التي كان يواجه بها ما وضعه استراتيجيو البيت الابيض والبنتاغون من خطط وافكار، وقد تولى وليد حسني زهرة في كتابه تسليط الاضواء عليها واستثارتها، الى جانب اعتماده الواسع جدا على مخرجات الافكار والخطط الامريكية والبريطانية تجاه العراق والمنطقة، وهي الخطط التي تؤكد على انها لن تتوقف عند حدود العراق فقط.
ولعل اهم ما يثيره كتاب "وصايا الذبيح" من افكار تلك التي تتعلق بضرورة اعادة تقييم ما ينتظر المنطقة العربية والاقليم من خطط ناجزة قد لا تسمح لبعضنا لاحقا بفسحة من الوقت للتأمل فيها وقراءتها، وان موضوع الكتاب الذي يصعب تلخيصه يتكفل بتلك المهمة وبجدارة.
ويجيء كتاب "وصايا الذبيح.." في الوقت الذي تمر فيه الذكرى الثالثة على اعدام صدام حسين والتي تصادف في الثلاثين من شهر كانون الاول الجاري.