نظرات بيانية في الآيتين 35 و58 من سورة البقرة/د.عثمان قدري مكانسي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,783
التفاعل
17,901 114 0

نظرات بيانية في الآيتين 35 و58 من سورة البقرة



الدكتور عثمان قدري مكانسي


هذه اجتهادات بيانية قد تصيب وقد تخطئ، وقد تدنو أو تبعد، وأرجو الله أن يسدد قلبي وعقلي للصواب، إنه الميسر للخير سبحانه وتعالى:
قال تعالى في سورة البقرة : " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ " (35)
وقال سبحانه في السورة نفسها : "وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ " (58)

فعن ابن كثير رحمه الله - في الآية الخامسة والثلاثين من سورة البقرة – أن الله تعالى أمر مَن في السماء من ملائكة بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيس أبى – وهو من الجن – وَأَنَّه تعالى أَبَاحَ لآدم الْجَنَّة يَسْكُن مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء وَيَأْكُل مِنْهَا مَا شَاءَ رَغَدًا هَنِيئًا وَاسِعًا طَيِّبًا. وَرَوَى الْحَافِظ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ عَنْ أَبِي ذرّ قَالَ قُلْت يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْتَ آدَم أَنَبِيًّا كَانَ قَالَ " نَعَمْ نَبِيًّا رَسُولاً يُكَلِّمهُ اللَّه قَبِيلاً" - يَعْنِي عِيَانًا - فَقَالَ " اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة" وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْجَنَّة الَّتِي أُسْكِنهَا آدَم أَهِيَ فِي السَّمَاء أَوْ فِي الأرْض فالأكثرون على القول الأول ، وَسِيَاق الآية يَقْتَضِي أَنَّ حَوَّاء خُلِقَتْ قَبْل دُخُول آدَم الْجَنَّة ،فَسَوَّاهَا اِمْرَأَة من ضِلَعه لِيَسْكُن إِلَيْهَا ، فَلَمَّا زَوَّجَهُ اللَّه إياها وَجَعَلَ لَهُ سَكَنًا مِنْ نَفْسه قَالَ لَهُ " يَا آدَم اُسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجك الْجَنَّة ، وكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ " وَيُقَال إِنَّ خَلْق حَوَّاء كَانَ بَعد دُخُول الْجَنَّة ، وأَخْرَجَ إِبْلِيس مِنْ الْجَنَّة ، وَأَسْكَنَ آدَم الْجَنَّة فَكَانَ يَمْشِي فِيهَا وَحِيشًا لَيْسَ لَهُ زَوْج يَسْكُن إِلَيْهِ فَنَامَ نَوْمَة فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْد رَأْسه اِمْرَأَة قَاعِدَة خَلَقَهَا اللَّه مِنْ ضِلْعه فَسَأَلَهَا مَا أَنْتِ ؟ قَالَتْ اِمْرَأَة قَالَ وَلِمَ خُلِقْتِ ؟ قَالَتْ لِتَسْكُنَ إِلَيَّ . قَالَتْ لَهُ الملائكة يَنْظُرُونَ مَا بَلَغَ مِنْ عِلْمه مَا اِسْمُهَا يَا آدَم ؟ قَالَ حَوَّاء قَالُوا وَلِمَ حَوَّاء ؟ قَالَ إِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ شَيْء حَيّ . وَأَمَّا قَوْله " وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة " فَهُوَ إِخْبَار مِنْ اللَّه تَعَالَى وَامْتِحَان لآدم. واختلفوا في نوع الشجرة . وَذَلِكَ عِلْم إِذَا عُلِمَ لَمْ يَنْفَع الْعَالِمَ بِهِ عِلْمُه وَإِنْ جَهِلَهُ جَاهِل لَمْ يَضُرّهُ جَهلـُه بِهِ وَاَللَّه أَعْلَم . وَكَذَلِكَ رَجَّحَ الإبهامَ الرَّازِيّ فِي تَفْسِيره وَهُوَ الصَّوَاب .

وعن ابن كثيراً كذلك – في الآية الثامنة والخمسين من سورةالبقرة نفسها – أن الله تعالى يلوم بني إسرائيل عَلَى نُكُولهمْ عَنْ الْجِهَاد وَدُخُولهمْ الأرْض الْمُقَدَّسَة لَمَّا قَدِمُوا مِنْ بَرّ مِصْر صُحْبَة مُوسَى عَلَيْهِ السَّلام - وهِيَ مِيرَاث لَهُمْ عَنْ أَبِيهِمْ إِسْرَائِيل – وَعدم قِتَال مَنْ فِيهَا مِنْ الْعَمَالِيق الْكَفَرَة فضعُفوا واستخزَوا فَرَمَاهُمْ اللَّه فِي التِّيه عُقوبَة لَهُمْ كَمَا ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي سُورَة الْمَائِدَة وَقَد قَالَ اللَّه تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى " يَا قَوْم اُدْخُلُوا الأرْض الْمُقَدَّسَة الَّتِي كَتَبَ اللَّه لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا... . ثمّ خَرَجُوا مِنْ التِّيه بَعْد أَرْبَعِينَ سَنَة مَعَ يُوشَع بْن نُون عَلَيْهِ السَّلام وَفَتَحَهَا اللَّه عَلَيْهِمْ عَشِيَّة جُمْعَة وَقَدْ حُبِسَتْ لَهُمُ الشَّمْسُ يَوْمَئِذٍ قَلِيلا حَتَّى أَمْكَنَ الفتح وَلَمَّا فَتَحُوهَا أَقَرُّوا أَنْ يَدْخُلُوا بَاب الْبَلَد " سُجَّدًا " أَيْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ الفتح وَالنَّصْر وَرَدَّ بَلَدهمْ عَلَيْهِمْ وَأنقذهمْ مِن التِّيه والضلال ، وكانوا قبل ذالك يأبَون القتال خوفاً من العدوّ وبعداً عن الدين ، فلما مات السلف المستكبر الجاهل ، ورُبّي الخلف تربية صالحة استقام الأمر فكان جهادٌ وطاعة ، فرزقهم الله تعالى النصر والعلوّ على عدوّهم .

نلحظ في الآية الخامسة والثلاثين من سورة البقرة أن كلمة " رغداً " جاءت قبل " حيث شئتما " لكنها جاءت بعد " حيث شئتم" في الآية الثامنة والخمسين . فلماذا يا ترى ؟
كنا في المدينة المنورة الصيف الماضي في الشهر السابع من عام تسع بعد الألف الثانية نزور بعض الأصدقاء ، وكانت وقفة متأنية عند هاتين الآيتين الكريمتين ، فآدم وزوجه عليهما السلام داخل الجنة ، وكل شيء لهما مباح ، ولا تعب في الجنة ولا نصب ، وكان لهما ما يطلبان دون عناء عدا الأكل من الشجرة المحرّمة التي امتُحنا بها ، فإذا التزما النهي كانا من الخالدين في الجنة ، وإلا ظلما نفسيهما وخرجا منها إلى حيث العمل والجهد والشقاء ثم الموت والبِلى . فالرغَدُ بين يديهما حاصل وسينقطع إذا خالفا . ولأن الهناء والسعادة حاصل ابتداء قُدّم الرغد على قوله " حيث شئتما" .
أما في الحديث عن بني إسرائيل في الآية الثامنة والخمسين من السورة نفسها ، فلن يكون الرغد حاصلاً إلا حين يقاتلون العدوّ ويدخلون المدينة فاتحين . وما الرغد إلا نتيجة لقتال العدو وفتح المدينة ، فتأخرت كلمة الرغد عن قوله تعالى " حيث شئتم "
والله أعلم .
 
التعديل الأخير:
رد: نظرات بيانية في الآيتين 35 و58 من سورة البقرة/د.عثمان قدري مكانسي

page00258.gif

page00259.gif

page00260.gif

page00261.gif

page00262.gif

page00263.gif

page00264.gif

page00265.gif
 
رد: نظرات بيانية في الآيتين 35 و58 من سورة البقرة/د.عثمان قدري مكانسي

page00352.gif

page00353.gif

page00354.gif
 
رد: نظرات بيانية في الآيتين 35 و58 من سورة البقرة/د.عثمان قدري مكانسي

بارك الله فيك و فى عملك الدؤوب و المستمر
 
عودة
أعلى