تطور الفن العسكري في الحروب اللاتماسية
تُشير البحوث والدراسات الى ان القفزات الثورية في فن الحرب، هي ظاهرة متعددة الاشكال، ووفقا للظروف المرافقة كانت تلك القفزات تجري بصورة عاصفة او تظهر بشكل حاد او هادئ نسبيا، وكانت التطورات القفزات النوعية في العديد من الحالات تحمل طابعا خاصا من حيث تناولها احد المجالات في فن الحرب الاستراتيجية، فن العمليات، التكتيك وفي حالات اخرى كانت تشمل مجالاته كافة محطمة بشكل مثير وجذري الاشكال والطرائق القديمة للصراع المسلح.
ان اهم قانون لتطور فن الحرب مرتبط بتغيير الاشكال وطرق الاعمال القتالية وهو يكمن في الادخال الكثيف لوسائط الصراع المسلح الجديدة، واتقانها هو الشيء الوحيد الذي يعطي نتائج ملموسة ويؤدي الى قفزة في فن الحرب. ولم يكن مجرد ظهور سلاح جديد شرطا كافيا لاحداث تغيير جذري في فن الحرب، بل كان لا بد من انتاج كميات كبيرة منه واتقان استخدامه من قبل القوات، وهذا يعني زيادة التدريب القتالي للافراد وتطوير البنية التنظيمية للقوات والاجهزة واساليب قيادة القوات، ولم يكن ذلك كله يتم بشكل فوري وانما بصورة تدريجية.
يحمل تطور فن الحرب طابعا تصاعديا من الادنى الى الاعلى ومن البسيط الى المقعد ومن طرائق واشكال الصراع المسلح الاقل فعالية الى الاكثر فعالية. ان خبرة القرون الكثيرة للتاريخ العسكري تشهد ان فن الحرب هو القدرة على اختيار الطرق والاساليب الفعالة للوصول الى الهدف من اجل تحقيق النصر في الصراع المسلح.
وتؤكد الحروب والنزاعات المسلحة التي جرت في السنوات الخمس عشرة الماضية على ولادة جيل جديد هو حروب الجيل السادس التي تتميز بطبيعتها عن الحروب التي سبقتها، حيث ينتمي اليها الشكل الجديد من الحروب وهو الحروب اللاتماسية التي استخدمت فيها اسلحة الدقة العالية التقليدية. وقد توصل العلماء الى هذه النتيجة على اساس نتائج الحروب التي دارت خلال ١٠ - ١٥ سنة ماضية مثل الحروب ضد العراق عام ١٩٩١ وعام ٢٠٠٣، والحرب في يوغوسلافيا عام ١٩٩٩. وتشير تنبوءات العلماء الى ان المعلوماتية تحولت الى سلاح مثلها مثل الصاروخ والقنبلة والطوربيد. واصبح واضحا - الان - ان الصراع المعلوماتي اصبح عاملا مؤثرا بشكل جدي في حروب المستقبل من حيث بدايتها وسيرها وصيرورتها.
يمكن ان تنسب الى الخصائص العامة الاكثر اهمية للحروب اللاتماسية ما يلي:
١ - المجال الواسع الذي يشمل مستوى كوكب الارض، مع تركيز الاعمال القتالية في المجال: الجوي - الفضائي.
٢ - استخدام المنظومات الاستطلاعية الضاربة في عمليات جوية، فضائية وبحرية.
٣ - استخدام منظومات احداثيات ملاحة موحدة على مستوى كوكب الارض في العمليات الضاربة والدفاعية.
٤ - استخدام منظومة قيادة واحدة للمنظومات القتالية والقوى والوسائط كافة.
٥ - استخدام وسائط التأثير السلاح المعلوماتي ذات الامدية المتنوعة والمتموضعة على الارض او في البحر او في الجو، وفي الفضاء، والتي تستخدم منظومة ملاحة موحدة لتوجيه الضربات الى اي غرض معاد في المنطقة على كوكبنا الارضي.
٦ - وقف استخدام الرادارات الفعالة في القوى الضاربة او القوى الدفاعية للدولة.
٧ - تنفيذ الصراع المعلوماتي الشامل.
تنفرد بعض الدول مثل: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واسرائيل واليابان بتوفير الامكانيات المادية والتكنولوجية التي تؤهلها للقيام بالاعداد والتحضير لحروب الجيل الجديد.
التعديلات الطارئة على قوانين وآليات الصراع المسلح:
يتوقع الخبراء العسكريون المختصون، ان حروب الجيل الجديد سوف تدخل على قوانين وآليات الصراع المسلح تعديلات كبيرة، فسوف تتغير منظومة الاحداثيات للحرب من الجيل الجديد، فاذا كانت في حروب الاجيال السابقة بما فيها الجيل الخامس، احداثيات الجهود الرئيسية للصراع بشكل اساسي ثنائية الابعاد وتوصفت على سطح الكرة الارضية العرض وعمق الهجوم او الدفاع، فان الارتفاع الجوي بشكل رئيسي، يستخدم فقط كعنصر مساعد يؤمن عمل القوات الارضية.
اما في حروب الجيل السادس الجديدة سيكون الامر مختلفا، ان حروب المستقبل سوف لا تصبح لاتماسية فقط، وانما ستكون حجمية وثلاثية الابعاد، ان الجهود الرئيسية للصراع سوف تتركز بالارتفاع وعلى بعدين افقيين فضائيين من الاحداثيات، اما الاحداثيات الارضية ذات النطاق الواسع فسوف تكون في حالات قليلة فقط ذات امكانية تأمين.
سوف تتغير وبشكل كبير بنية القوات المسلحة للدول التي تستعد لحروب الجيل الجديد، حيث ستتوجه هذه الدولة نحو الحرب غير النووية، على الرغم من ان السلاح النووي في المرحلة الحالية على المدى المنظور باق في تسليح عدد من الدول، وتستمر جاهزيتها لشن حرب نووية، ان القوات المسلحة في الدول المستعدة لشن حرب لاتماسية سوف تكون على الاغلب مشكلة من نوعين وظيفيين، قوات استراتيجية دفاعية، وقوات استراتيجية ضاربة بما فيها النووية، كما يمكن ان تضم في قوامها قوات محمولة جوا غير كبيرة ومنظومة قيادة موحدة.
ومن المتوقع ان يزداد وبشكل حاد عدد القوات الاستراتيجية الضاربة والدفاعية غير النووية حيث تضم في تسليحها اسلحة دقة عالية واسلحة على مبادىء فيزيائية جديدة. كما يزداد الى حد كبير دور الدفاع الجوي الفضائي المضاد للصواريخ المجنحة كروز والمضاد للصواريخ والعتاد الفضائي وكذلك دور قوات قوى ووسائط الحرب الالكترونية. من الواضح تماماً ان بعض المفاهيم الوظيفية في النظرية الحالية للاستراتيجية سوف تفقد او تغير معناها مثل الانتشار الاستراتيجي انهاء التعبئة، النشر العملاني، اعادة تجميع القوات، والاحتياط الهجوم الاستراتيجي او الدفاع الاستراتيجي لمجموعات الجبهة على المسارح القارية للعمليات العسكرية: اعادة تجميع القوات استراتيجياً، والمناورة الاستراتيجية، والاحتياطات الاستراتيجية، وغيرها.
في المرحلة الانتقالية الى حر وب الجيل الجديد يبدأ بتغير دور الصفوف الحالية للقوات، ففي جميع حروب الاجيال السابقة دون استثناء كان العبء الرئيسي للصراع على عاتق القوات البرية، وذلك لأن هذه القوات، وكما اشير سابقاً كانت معدة لتدمير القوات المسلحة المعادية من اجل تحقيق النصر مع تخريب قدراته الاقتصادية والاطاحة بالنظام السياسي. وهذا غير ممكن التحقيق دون احتلال اراضي العدو. في حروب المستقبل، وفي اغلب الحالات لن تكون هناك حاجة للاحتلال. فيكفي القيام بواسطة القوات الاستراتيجية غير النووية الضاربة واسلحة الدقة العالية المتوفرة، وبأسلوب لا تماسي لتخريب القدرات الاقتصادية للعدو وبنيته التحتية الاقتصادية، وأنظمة التزويد بالطاقة والمواصلات.
اما المنظومة السياسية للعدو فسوف تنهار ذاتياً على الاغلب. ان القوات المسلحة المعدة لشن حروب من الجيل السابق الرابع او الخامس مثلاً والتي تفتقر للقاعدة الاقتصادية سوف تفقد قدرتها القتالية. ولا يستبعد ان يتم في بداية الحرب من الجيل الجديد الجيل السادس تخريب قيادة قوات العدو نتيجة لتوجيه ضربات نارية كثيفة مفاجئة وذات دقة عالية على اجهزة ووسائط القيادة، وبالتالي فان القوات المسلحة المشكلة على مبادىء قديمة، وتعتمد على السلاح النووي والقوات البرية سوف تفقد معنوياتها وقدرتها على القيام بأي نوع من الصراع المسلح حتى دون تأثير مباشر عليها.
وفي هذا الموقف المعقد والخطر يستبعد ان تتخذ القيادة العسكرية والسياسية، في هذه الدولة التي تتعرض للاعتداء، قراراً باستخدام السلاح النووي المتوفر لديها، كون المعتدي على الأغلب يمتلك ايضاً هذا السلاح من اسلحة التدمير الشامل.
وكما اشير سابقاً، فان الدول المستعدة لشن حروب لاتماسية لن تحتاج الى تدمير المجموعات الكبيرة من القوى البرية للعدو غير المستعد لمثل هذه الحرب. ان المستجد الرئيسي في فن الحرب اللاتماسية سوف يكون على الأغلب وبالدرجة الأولى هو النزعة نحو استبعاد الانسان من منطقة الصراع، وثانياً هو ان السلاح النووي لدى الاطراف المتحاربة لن يكون له اي تأثير على تحقيق الاهداف السياسية والاستراتيجية للحرب، ولا على تحقيق نتائج استراتيجية. عدا عن ذلك يجب ان نتوقع بعد عام ٢٠١٠ - ٢٠١٥ وتحت ضغط "النادي النووي" والدول النووية الأخرى ان يتم التوصل الى اتفاقية دولية حول النزع الكامل للسلاح النووي التكتيكي. وعلى الرغم من ان جميع الاتفاقات تسري عادة فقط حتى بداية الحرب، ولكن يمكن التنبؤ بأن السلاح النووي لن يستخدم نهائياً، ولن تتعدي وظيفته اطار الردع الذاتي.
واذا كانت الاهداف والمواقع الرئيسية المستهدفة للتدمير في الحروب التماسية من الاجيال السابقة تتواجد على ارض المعركة في المنطقة التكتيكية، فان الأهداف في حروب المستقبل اللاتماسية سوف تكون تكتيكية عملانية، استراتيجية، اي تكامل عمق مسرح الحرب، وتدميرها يتطلب كمية كبيرة مع الوسائط المسيرة ذات الدقة العالية من مختلف الامدية واسلحة على مبادىء فيزيائية جديدة من وسائط ايصالها، ذات تمركز ارضي وجوي وبحري، وفيما بعد فضائي، وفي الحقيقة سيكون الحديث ليس عن صبيب ناري من جميع انواع الاسلحة بل عن عمليات جراحية لاتماسية دقيقة. لتدمير العديد من المواقع الاقتصادية المهمة بواسطة "منظومات سلاح ذات دقة عالية".
وسائط وقوى الصراع المسلح، المشتركة في الحرب اللاتماسية
في بداية الحرب سوف يطال التدمير بالدرجة الأولى وبواسطة الوسائط ذات الدقة العالية، والأجهزة الطائرة المسيرة "دون طيار"، المواقع الخاصة بالدفاع الجوي ومقرات القيادة وعقد الاتصال والقواعد الهامة والمطارات ووسائط عمليات الرد، والتي يتم اكتشافها من واقع الاشعال الراداري والراديوي، في هذه الحالة هناك اهمية خاصة، وتكون على الأغلب في الظروف الحرجة لعدم تبادل ضربات بالأسلحة النووية من قبل الاطراف المتحاربة.
ان جميع الضربات التالية سوف تكون موجهة او بالأحرى مخصصة بشكل رئيسي لتنفيذ تدمير حتمي للمواقع الاقتصادية والبنى التحتية والطاقة والاتصالات الخ... ولكامل عمق اراضي العدو وفي اي مكان في العالم خلافاً لما هو متبع في الحروب التماسية السابقة "الجيل الرابع"، فان الاستخدام الكثيف ولفترة طويلة للصواريخ المجنحة ذات الدقة العالية من مختلف مواقع التمركز في الحروب اللاتماسية. سوف يتبع من قبل الجهة المهاجمة وبآن واحد مع استخدام كمية كبيرة من الاجهزة الطائرة المسيرة دون طيار ذات الوظائف المختلفة، حيث تستخدم هذه الاجهزة بآن واحد من عدة اتجاهات استراتيجية جوية - فضائية. اي دون تركيز الجهود الرئيسية على اتجاه واحد، مما يشكل موقفاً جوياً فضائياً معقداً في منطقة عمل الدفاع الجوي للطرف المدافع.
ان القدرات القتالية للقوات المسلحة في الدول المستعدة لشن حرب وصراع مسلح من الجيل الجديد سوف يكون في المستقبل المنظور عبارة عن مجموعة منظومات حديثة لأسلحة ذات دقة عالية ضاربة واسلحة دفاعية، وقادرة دون الاعتماد على السلاح النووي ودون استخدام القوى الحية على تنفيذ المهام المكلفة بها. ولذلك ستكون في المرحلة الانتقالية الى هذه الحروب حتى ٢٠٠٧ - ٢٠١٠ وفي المقدمة تلك الصنوف من القوات المسلحة، التي تمتلك في تسليحها اسلحة دقة عالية، الضاربة منها اي الهجومية والدفاعية، والأسلحة المصممة على مبادىء فيزيائية جديدة الصوتية والاشعاعية والطاقة الحرارية، والكهرطيسية وسلاح الذبذبات وغيرها.
وسيكون جديداً من حيث المبدأ في الفن العسكري في حروب الجيل الجديد تحول وظيفة الردع الاستراتيجي النووي الى الردع الاستراتيجي غير النووي لأي عدد محتمل وضد القيام بعمليات عسكرية بوسائط نووية او تقليدية ذات دقة عالية. ويمتاز الردع غير النووي عن الردع النووي ليس فقط بالقدرة على التهديد بتكبيد العدو خسائر فادحة حتمية وفي مواقع اقتصادية حساسة يتم اختيارها بشكل خاص لدولة معادية. بل ويمكن القيام بضربة تحذيرية على العدو بهدف استعراض الردع ومصداقيته.
ان استراتيجية الردع ستكون خلال الفترة القادمة حتى ٢٠١٠ - ٢٠١٥ على ما يبدو ذات طبيعة مختلطة، فالدول القوية عسكريا سوف تقوم بردع العدوان بواسطة اسلحة الدقة العالية، اما الدول الضعيفة فسوف تستخدم الردع بواسطة السلاح النووي او الانواع الاخرى من اسلحة التدمير الشامل، ولتحقيق منهجية الردع الاستراتيجي غير النووي.
ويمكن ان يتم في بعض الدول الاكثر تطورا وبعد ٢٠١٥ - ٢٠٢٠ انشاء منظومات قتالية استطلاعية ضاربة تتضمن:
آ - وسائط استطلاع وانذار استراتيجي عن بدء استعداد العدو للهجوم، ومدى جاهزيته لتوجيه ضربة لاتماسية باسلحة الدقة العالية في الوقت القريب اشهر، اسابيع، ساعات، دقائق وعن بداية عملية جوية فضائية بحرية ضاربة باستخدام انواع من الاسلحة والقوات.
ب - الكمية المطلوبة من القوات والوسائط الاستراتيجية ذات الدقة العالية وغير النووية من مختلف اماكن التمركز.
ج - منظومة مؤتمتة لقيادة جميع القوى والوسائط الاستراتيجية للردع غير النووي.
د - قوى ووسائط التأمين الفني "اللوجستي".
اساليب تحقيق الاهداف العسكرية والسياسية في حروب الجيل الجديد:
في حال قيام دولة مستعدة لشن حرب من الجيل الجديد فان اهدافها العسكرية والسياسية في هذه الحرب يمكن ان تتحقق حصرا بتوجيه ضربات لاتماسية مكثفة بصواريخ ذات دقة عالية ووسائط راديوية الكترونية ومعلوماتية، حيث يمكن ان لا يتبعها اية خطط لعمليات ما. ان طبيعة مثل هذه الحرب سوف تتحدد بحجوم استخدام الاسلحة الضاربة والدفاعية ذات الدقة العالية، والتي تدخل في قوام منظومات الاستطلاع المعلوماتية القتالية ومنظومات الحرب الالكترونية.
ويتوقع ان يكون هناك تعميم حقيقي لهذه العناصر في منظومة قتالية موحدة تجمع بين المجال المعلوماتي الفضائي والجوي والبحري والبري، وكذلك قوى ووسائط اسلحة الدقة العالية. ومنظومات القيادة القادرة اساسا وفي المدى المنظور على تغيير طبيعة العمليات العسكرية.
في الحروب اللاتماسية سوف تكون هناك على الاغلب تفيدالكثير من التصورات ليس في مجال الاستراتيجية فحسب، وانما في مجال الفن العملاني والتكتيك بالنسبة للدول التي تشارك في الصراع المسلح. وان مثل هذه الحرب سوف يكون لها دائما مجال واسع الابعاد. لن يكون هناك وضوح بتحديد اتجاه الضربة الرئيسية، لان الضربات سوف توجه بآن واحد ومن جميع الاتجاهات لمسرح الحرب مسرح العمليات العسكرية.
في الاعوام ١٥ - ٢٠ عاما التالية سوف تفقد اهميتها حتى احدث اشكال واساليب شن الحرب للضغط والاضعاف. اما احدث الاسلحة والاعتدة الحربية من الجيل السابق من الحروب فتفقد اهميتها، ولا تعود صالحة للاستخدام.
ومع الاخذ بالاعتبار انه في جميع الاجيال السابقة من الحروب كانت الاشكال الاساسية للعمليات القتالية هي: الضربة، والمعركة، والعملية، والتي تشكل الفئات الاساسية في العلم العسكري والفن العسكري. فان الصراع المسلح مستقبلا سوف يدخل تغييرات كبيرة على ذلك. من المعروف انه في جميع اجيال الحرب السابقة كان التكتيك يعلب الدور الرئيسي في التدمير المنهجي لتجمعات العدو، اما في حروب المستقبل فان الدور الرئيسي لتدمير العدو بآن واحد سوف يكون مناطا بالاستراتيجية. ان العمليات العسكرية الحاسمة وكما ذكر سابقا سوف تجري في المجال الجوي الفضائي، وهو المسرح الرئيسي للحرب، ويتم تهديد سيادة الدولة المتعرضة للهجوم دون اختراق اراضيها.
ان الهجوم والدفاع بواسطة وحدات وقطعات وتشكيلات مختلف الصنوف ووحدات القوات البرية سوف يكون في عداد الماضي، وعلى ما يبدو فان حروب المستقبل لن يكون فيها مجموعات قوات برية من جانب الطرف المهاجم والمستعد لمثل هذه الحروب ولذلك فسوف تختفي الخطوط والمجنبات التكتيكية وحتى الاستراتيجية. ان تعابير الصراع التماسي مثل جبهة، مؤخرة، خط امامي سوف تفقد اهميتها ومفهومها التقليدي وتحل محلها مفاهيم: يتطلب التدمير او لا يتطلب التدمير باسلوب لاتماسي. سوف توجه الضربات بآن واحد للمواقع على كامل مساهمة البلاد التي تتعرض للهجوم، سوف يكون من الصعوبة بمكان التمييز بين الاستراتيجية والفن العملاني.
ان قيادة المنظومات القتالية الاستطلاعية الضاربة من قبل المهاجم في مثل هذه الحرب وسوف يتلخص بالنهاية بعدة ايعازات: اكتشاف اتخاذ قرار، تدمير، وتوثيق نتائج التدمير. سوف يختلف تماما او جذريا مفهوم النصر في حروب الجيل الجديد، وكما اوضحنا سابقا ففي جميع الحروب التماسية السابقة كان تحقيق النصر يتطلب ان يتم اولا تدمير القوات المسلحة للعدو، وعادة على اراضيه، وبعد ذلك تخريب قدراته الاقتصادية، ومن ثم القضاء تغيير على النظام السياسي.
وهذا لم يكن قابلا للتحقيق دون احتلال اراضي العدو. التي كان يتوجب الدخول بالحذاء العسكري الى اراضي العدو، وفي بعض الاحيان كان هذا الاحتلال يمتد لسنوات عديدة بل لعشرات السنين، كما يجري الآن في افغانستان والعراق الشقيق، مما يتطلب نفقات كبيرة على القوات والمحافظة عليها بجاهزية قتالية وعسكرية عالية على الاراضي المحتلة، والتاريخ يعرف الكثير من هذه الامثلة في الماضي. في الحروب اللاتماسية يمكن تحقيق النصر فقط نتيجة لتدمير اقتصاد العدو، حيث ان قواته المسلحة وبعد فقدانها للقاعدة الاقتصادية سوف تنهار ذاتيا، والنظام السياسي سوف يتم القضاء عليه من قبل شعب البلد ذاته.
المبادىء الجديدة للفن العسكري في الحروب اللاتماسية والصراع المسلح
سوف يكون هناك مضمون جديد ومفهوم جديد لمبادىء الفن العسكري، واذا حاولنا - كما يقول الباحثون الاستراتيجيون الروس - صياغة بعض المبادىء الجديدة للفن العسكري في الحروب اللاتماسية والصراع المسلح من الجيل الجديد، والتي سوف تجري او تظهر الى الوجود بعد عام ٢٠١٠، كما يقترح هؤلاء، فيمكن تصورها بشكل مختصر وفق ما يلي:
١ - سوف يكون الاهم في هذه الحروب العمليات المضغوطة والجارية، المستمرة، بآن واحد والموضوعة خصيصا لتخريب اقتصاد العدو، والمنظومات القتالية الاستطلاعية الضاربة حيث تشكل وسائط التدمير ذات الدقة العالية من مختلف مواقع التمركز، الوسائط التدميرية الاساسية فيها، كما ان حوامل وسائط التدمير في غالبيتها سوف لن تكون في تماس مباشر مع العدو. كما جرى في عملية "عاصفة الصحراء" حيث قصفت القطع البحرية الاميركية، الاهداف العراقية وهي رابضة في البحر الاحمر.
٢ - سوف ينخفض وبشكل حاد وممكن ان يختفي تماما تأثير السلاح النووي في تحقيق الاهداف الاستراتيجية والسياسية، فالسلاح النووي يحتفظ به في التسليح عدد من الدول، ولكن استخدامه لن يكون من قبل احد، وفي اية ظروف حرجة.
٣ - نظرا للطبيعة اللاتماسية للحروب فلن تكون هناك ضرورة لمجموعات القوى البرية والقوى والوسائط والاسلحة في الميدان، اي ميدان المعركة.
٤ - تنسيق جهود صفوف القوات المسلحة وانواع الاسلحة سوف يكون باتجاهين مترابطين ومتعارضين: وهما تحركات القوى والوسائط الاستراتيجية الضاربة غير النووية والاستراتيجية الدفاعية.
٥ - من العناصر الثلاثة المعروفة في الجيل السابق الرابع من الحرب، وهي: المعركة والاشتباك، النار والضربة، والمناورة. تبقى فقط الضربة بقوى ووسائط الدقة العالية، والتي يتم اطلاقها من مناطق متواجدة خارج مدى وسائط تدمير الطرف المدافع.
وتجدر الاشارة مرة اخرى الى ان النصر في الحروب اللاتماسية يمكن تحقيقه وبشكل اساسي بتدمير القدرات الاقتصادية للعدو، ان الحديث يجري فعليا عن التنفيذ العملي لقانون "القوة القاتلة" حيث تقوم دولة بتنمية سريعة لقدراتها العسكرية الضاربة ذات الدقة العالية من جهة وتنخفض القدرات الاقتصادية لدولة اخرى من جهة ثانية. عدا عن ذلك، اذا لم يكن المدافع مستعدا لمثل هذه الحرب، حيث اعتمد - كما هو الحال سابقا - على السلاح النووي وقواته البرية ودفاعه الجوي.
خلاصته لن يكون المهاجم مضطرا لتدمير قوات الخصم المسلحة. ان هذه القوات باستثناء وسائط الضربة المعاكسة، لن تشكل اي تهديد للمهاجم، والمتمركز بعيدا جدا عن المدافع وفي ظروف الاقتصاد المدمر فان هذه القوات ستفقد حتما قدرتها القتالية اولا، ثم تنهار بشكل كامل.
ومن الخطأ الامل باستخدام السلاح النووي اثناء مثل هذه الحرب عدا عن حالة الانتحار، او بامكانية اقامة مواقع عسكرية اقتصادية جديدة في ا ماكن غامضة، وبالتالي اصلاح الوضع. من غير الممكن في الحروب اللاتماسية الحفاظ على الاقتصاد باستخدام قوى ووسائط دفاع حروب الجيل الرابع او الخامس.
هذا ويمكن استخلاص نتيجة تصنيفية، ولكنها مهمة جدا، وهي ان النصر في الحرب اللاتماسية والتي ستجري بعد اعوام ٢٠١٠ - ٢٠١٥ يمكن ان يحققه المهاجم دون احتلال، بل ودون اي تماس مع الخصم. اعتمادا على العملية الجوية والفضائية والبحرية الضاربة والعديدة. وعملية "الحرب الالكترونية"، والسبق في الصراع المعلوماتي.
ويجب الاشارة الى ان بعض المنظرين العسكريين وخاصة الذين شاركوا في الحروب التماسية من الجيل السابق، وفي اطار محاولتهم لوعي واستيعاب حروب المستقبل، لم يستطيعوا للاسف، ان يتخلصوا من عبء الماضي، فهم لا يستطيعون تصور الحرب حتى في المستقبل البعيد، دون تلك الاشياء والخبرات التي تعلموها وعاشوها في الماضي، اي بدون عمليات القوات على ارض المعركة، ودون احتياطي استراتيجي والمناورة به خلال الحرب. وعلى الاغلب فان رويتهم للمستقبل لا تتعدى افق اعوام ٢٠٠٧ - ٢٠١٠ وهذه مرحلة انتقالية من الحروب وليست جيلا جديدا.
و الحرب اللاتماسية هي تعبير او اجتهاد من قبل بعض المنظرين العسكريين، وخاصة الشرقيون منهم، حيث ما زال الغرب يُعتم على خفايا واسرار وتداعيات حروب عام ١٩٩١ "عملية تحرير الكويت" والحرب في يوغوسلافيا عام ١٩٩٩. والاحتلال الاميركي للقطر العراقي الشقيق منذ عام ٢٠٠٣ وحتى يومنا هذا، وعمليات قوات حلف ناتو في افغانستان في وقتنا الحاضر، مما لم يُكوّن نظرية الحرب اللاتماسية بصورة متكاملة، وانما من بعض النواحي والزوايا الاستراتيجية ومظاهر هذه الحرب. وان ما قيل عن الحرب اللاتماسية حتى الآن من باب التنبؤات والسيناريوات المحتملة والمرجحة. وكل آت قريب
ان اهم قانون لتطور فن الحرب مرتبط بتغيير الاشكال وطرق الاعمال القتالية وهو يكمن في الادخال الكثيف لوسائط الصراع المسلح الجديدة، واتقانها هو الشيء الوحيد الذي يعطي نتائج ملموسة ويؤدي الى قفزة في فن الحرب. ولم يكن مجرد ظهور سلاح جديد شرطا كافيا لاحداث تغيير جذري في فن الحرب، بل كان لا بد من انتاج كميات كبيرة منه واتقان استخدامه من قبل القوات، وهذا يعني زيادة التدريب القتالي للافراد وتطوير البنية التنظيمية للقوات والاجهزة واساليب قيادة القوات، ولم يكن ذلك كله يتم بشكل فوري وانما بصورة تدريجية.
يحمل تطور فن الحرب طابعا تصاعديا من الادنى الى الاعلى ومن البسيط الى المقعد ومن طرائق واشكال الصراع المسلح الاقل فعالية الى الاكثر فعالية. ان خبرة القرون الكثيرة للتاريخ العسكري تشهد ان فن الحرب هو القدرة على اختيار الطرق والاساليب الفعالة للوصول الى الهدف من اجل تحقيق النصر في الصراع المسلح.
وتؤكد الحروب والنزاعات المسلحة التي جرت في السنوات الخمس عشرة الماضية على ولادة جيل جديد هو حروب الجيل السادس التي تتميز بطبيعتها عن الحروب التي سبقتها، حيث ينتمي اليها الشكل الجديد من الحروب وهو الحروب اللاتماسية التي استخدمت فيها اسلحة الدقة العالية التقليدية. وقد توصل العلماء الى هذه النتيجة على اساس نتائج الحروب التي دارت خلال ١٠ - ١٥ سنة ماضية مثل الحروب ضد العراق عام ١٩٩١ وعام ٢٠٠٣، والحرب في يوغوسلافيا عام ١٩٩٩. وتشير تنبوءات العلماء الى ان المعلوماتية تحولت الى سلاح مثلها مثل الصاروخ والقنبلة والطوربيد. واصبح واضحا - الان - ان الصراع المعلوماتي اصبح عاملا مؤثرا بشكل جدي في حروب المستقبل من حيث بدايتها وسيرها وصيرورتها.
يمكن ان تنسب الى الخصائص العامة الاكثر اهمية للحروب اللاتماسية ما يلي:
١ - المجال الواسع الذي يشمل مستوى كوكب الارض، مع تركيز الاعمال القتالية في المجال: الجوي - الفضائي.
٢ - استخدام المنظومات الاستطلاعية الضاربة في عمليات جوية، فضائية وبحرية.
٣ - استخدام منظومات احداثيات ملاحة موحدة على مستوى كوكب الارض في العمليات الضاربة والدفاعية.
٤ - استخدام منظومة قيادة واحدة للمنظومات القتالية والقوى والوسائط كافة.
٥ - استخدام وسائط التأثير السلاح المعلوماتي ذات الامدية المتنوعة والمتموضعة على الارض او في البحر او في الجو، وفي الفضاء، والتي تستخدم منظومة ملاحة موحدة لتوجيه الضربات الى اي غرض معاد في المنطقة على كوكبنا الارضي.
٦ - وقف استخدام الرادارات الفعالة في القوى الضاربة او القوى الدفاعية للدولة.
٧ - تنفيذ الصراع المعلوماتي الشامل.
تنفرد بعض الدول مثل: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا واسرائيل واليابان بتوفير الامكانيات المادية والتكنولوجية التي تؤهلها للقيام بالاعداد والتحضير لحروب الجيل الجديد.
التعديلات الطارئة على قوانين وآليات الصراع المسلح:
يتوقع الخبراء العسكريون المختصون، ان حروب الجيل الجديد سوف تدخل على قوانين وآليات الصراع المسلح تعديلات كبيرة، فسوف تتغير منظومة الاحداثيات للحرب من الجيل الجديد، فاذا كانت في حروب الاجيال السابقة بما فيها الجيل الخامس، احداثيات الجهود الرئيسية للصراع بشكل اساسي ثنائية الابعاد وتوصفت على سطح الكرة الارضية العرض وعمق الهجوم او الدفاع، فان الارتفاع الجوي بشكل رئيسي، يستخدم فقط كعنصر مساعد يؤمن عمل القوات الارضية.
اما في حروب الجيل السادس الجديدة سيكون الامر مختلفا، ان حروب المستقبل سوف لا تصبح لاتماسية فقط، وانما ستكون حجمية وثلاثية الابعاد، ان الجهود الرئيسية للصراع سوف تتركز بالارتفاع وعلى بعدين افقيين فضائيين من الاحداثيات، اما الاحداثيات الارضية ذات النطاق الواسع فسوف تكون في حالات قليلة فقط ذات امكانية تأمين.
سوف تتغير وبشكل كبير بنية القوات المسلحة للدول التي تستعد لحروب الجيل الجديد، حيث ستتوجه هذه الدولة نحو الحرب غير النووية، على الرغم من ان السلاح النووي في المرحلة الحالية على المدى المنظور باق في تسليح عدد من الدول، وتستمر جاهزيتها لشن حرب نووية، ان القوات المسلحة في الدول المستعدة لشن حرب لاتماسية سوف تكون على الاغلب مشكلة من نوعين وظيفيين، قوات استراتيجية دفاعية، وقوات استراتيجية ضاربة بما فيها النووية، كما يمكن ان تضم في قوامها قوات محمولة جوا غير كبيرة ومنظومة قيادة موحدة.
ومن المتوقع ان يزداد وبشكل حاد عدد القوات الاستراتيجية الضاربة والدفاعية غير النووية حيث تضم في تسليحها اسلحة دقة عالية واسلحة على مبادىء فيزيائية جديدة. كما يزداد الى حد كبير دور الدفاع الجوي الفضائي المضاد للصواريخ المجنحة كروز والمضاد للصواريخ والعتاد الفضائي وكذلك دور قوات قوى ووسائط الحرب الالكترونية. من الواضح تماماً ان بعض المفاهيم الوظيفية في النظرية الحالية للاستراتيجية سوف تفقد او تغير معناها مثل الانتشار الاستراتيجي انهاء التعبئة، النشر العملاني، اعادة تجميع القوات، والاحتياط الهجوم الاستراتيجي او الدفاع الاستراتيجي لمجموعات الجبهة على المسارح القارية للعمليات العسكرية: اعادة تجميع القوات استراتيجياً، والمناورة الاستراتيجية، والاحتياطات الاستراتيجية، وغيرها.
في المرحلة الانتقالية الى حر وب الجيل الجديد يبدأ بتغير دور الصفوف الحالية للقوات، ففي جميع حروب الاجيال السابقة دون استثناء كان العبء الرئيسي للصراع على عاتق القوات البرية، وذلك لأن هذه القوات، وكما اشير سابقاً كانت معدة لتدمير القوات المسلحة المعادية من اجل تحقيق النصر مع تخريب قدراته الاقتصادية والاطاحة بالنظام السياسي. وهذا غير ممكن التحقيق دون احتلال اراضي العدو. في حروب المستقبل، وفي اغلب الحالات لن تكون هناك حاجة للاحتلال. فيكفي القيام بواسطة القوات الاستراتيجية غير النووية الضاربة واسلحة الدقة العالية المتوفرة، وبأسلوب لا تماسي لتخريب القدرات الاقتصادية للعدو وبنيته التحتية الاقتصادية، وأنظمة التزويد بالطاقة والمواصلات.
اما المنظومة السياسية للعدو فسوف تنهار ذاتياً على الاغلب. ان القوات المسلحة المعدة لشن حروب من الجيل السابق الرابع او الخامس مثلاً والتي تفتقر للقاعدة الاقتصادية سوف تفقد قدرتها القتالية. ولا يستبعد ان يتم في بداية الحرب من الجيل الجديد الجيل السادس تخريب قيادة قوات العدو نتيجة لتوجيه ضربات نارية كثيفة مفاجئة وذات دقة عالية على اجهزة ووسائط القيادة، وبالتالي فان القوات المسلحة المشكلة على مبادىء قديمة، وتعتمد على السلاح النووي والقوات البرية سوف تفقد معنوياتها وقدرتها على القيام بأي نوع من الصراع المسلح حتى دون تأثير مباشر عليها.
وفي هذا الموقف المعقد والخطر يستبعد ان تتخذ القيادة العسكرية والسياسية، في هذه الدولة التي تتعرض للاعتداء، قراراً باستخدام السلاح النووي المتوفر لديها، كون المعتدي على الأغلب يمتلك ايضاً هذا السلاح من اسلحة التدمير الشامل.
وكما اشير سابقاً، فان الدول المستعدة لشن حروب لاتماسية لن تحتاج الى تدمير المجموعات الكبيرة من القوى البرية للعدو غير المستعد لمثل هذه الحرب. ان المستجد الرئيسي في فن الحرب اللاتماسية سوف يكون على الأغلب وبالدرجة الأولى هو النزعة نحو استبعاد الانسان من منطقة الصراع، وثانياً هو ان السلاح النووي لدى الاطراف المتحاربة لن يكون له اي تأثير على تحقيق الاهداف السياسية والاستراتيجية للحرب، ولا على تحقيق نتائج استراتيجية. عدا عن ذلك يجب ان نتوقع بعد عام ٢٠١٠ - ٢٠١٥ وتحت ضغط "النادي النووي" والدول النووية الأخرى ان يتم التوصل الى اتفاقية دولية حول النزع الكامل للسلاح النووي التكتيكي. وعلى الرغم من ان جميع الاتفاقات تسري عادة فقط حتى بداية الحرب، ولكن يمكن التنبؤ بأن السلاح النووي لن يستخدم نهائياً، ولن تتعدي وظيفته اطار الردع الذاتي.
واذا كانت الاهداف والمواقع الرئيسية المستهدفة للتدمير في الحروب التماسية من الاجيال السابقة تتواجد على ارض المعركة في المنطقة التكتيكية، فان الأهداف في حروب المستقبل اللاتماسية سوف تكون تكتيكية عملانية، استراتيجية، اي تكامل عمق مسرح الحرب، وتدميرها يتطلب كمية كبيرة مع الوسائط المسيرة ذات الدقة العالية من مختلف الامدية واسلحة على مبادىء فيزيائية جديدة من وسائط ايصالها، ذات تمركز ارضي وجوي وبحري، وفيما بعد فضائي، وفي الحقيقة سيكون الحديث ليس عن صبيب ناري من جميع انواع الاسلحة بل عن عمليات جراحية لاتماسية دقيقة. لتدمير العديد من المواقع الاقتصادية المهمة بواسطة "منظومات سلاح ذات دقة عالية".
وسائط وقوى الصراع المسلح، المشتركة في الحرب اللاتماسية
في بداية الحرب سوف يطال التدمير بالدرجة الأولى وبواسطة الوسائط ذات الدقة العالية، والأجهزة الطائرة المسيرة "دون طيار"، المواقع الخاصة بالدفاع الجوي ومقرات القيادة وعقد الاتصال والقواعد الهامة والمطارات ووسائط عمليات الرد، والتي يتم اكتشافها من واقع الاشعال الراداري والراديوي، في هذه الحالة هناك اهمية خاصة، وتكون على الأغلب في الظروف الحرجة لعدم تبادل ضربات بالأسلحة النووية من قبل الاطراف المتحاربة.
ان جميع الضربات التالية سوف تكون موجهة او بالأحرى مخصصة بشكل رئيسي لتنفيذ تدمير حتمي للمواقع الاقتصادية والبنى التحتية والطاقة والاتصالات الخ... ولكامل عمق اراضي العدو وفي اي مكان في العالم خلافاً لما هو متبع في الحروب التماسية السابقة "الجيل الرابع"، فان الاستخدام الكثيف ولفترة طويلة للصواريخ المجنحة ذات الدقة العالية من مختلف مواقع التمركز في الحروب اللاتماسية. سوف يتبع من قبل الجهة المهاجمة وبآن واحد مع استخدام كمية كبيرة من الاجهزة الطائرة المسيرة دون طيار ذات الوظائف المختلفة، حيث تستخدم هذه الاجهزة بآن واحد من عدة اتجاهات استراتيجية جوية - فضائية. اي دون تركيز الجهود الرئيسية على اتجاه واحد، مما يشكل موقفاً جوياً فضائياً معقداً في منطقة عمل الدفاع الجوي للطرف المدافع.
ان القدرات القتالية للقوات المسلحة في الدول المستعدة لشن حرب وصراع مسلح من الجيل الجديد سوف يكون في المستقبل المنظور عبارة عن مجموعة منظومات حديثة لأسلحة ذات دقة عالية ضاربة واسلحة دفاعية، وقادرة دون الاعتماد على السلاح النووي ودون استخدام القوى الحية على تنفيذ المهام المكلفة بها. ولذلك ستكون في المرحلة الانتقالية الى هذه الحروب حتى ٢٠٠٧ - ٢٠١٠ وفي المقدمة تلك الصنوف من القوات المسلحة، التي تمتلك في تسليحها اسلحة دقة عالية، الضاربة منها اي الهجومية والدفاعية، والأسلحة المصممة على مبادىء فيزيائية جديدة الصوتية والاشعاعية والطاقة الحرارية، والكهرطيسية وسلاح الذبذبات وغيرها.
وسيكون جديداً من حيث المبدأ في الفن العسكري في حروب الجيل الجديد تحول وظيفة الردع الاستراتيجي النووي الى الردع الاستراتيجي غير النووي لأي عدد محتمل وضد القيام بعمليات عسكرية بوسائط نووية او تقليدية ذات دقة عالية. ويمتاز الردع غير النووي عن الردع النووي ليس فقط بالقدرة على التهديد بتكبيد العدو خسائر فادحة حتمية وفي مواقع اقتصادية حساسة يتم اختيارها بشكل خاص لدولة معادية. بل ويمكن القيام بضربة تحذيرية على العدو بهدف استعراض الردع ومصداقيته.
ان استراتيجية الردع ستكون خلال الفترة القادمة حتى ٢٠١٠ - ٢٠١٥ على ما يبدو ذات طبيعة مختلطة، فالدول القوية عسكريا سوف تقوم بردع العدوان بواسطة اسلحة الدقة العالية، اما الدول الضعيفة فسوف تستخدم الردع بواسطة السلاح النووي او الانواع الاخرى من اسلحة التدمير الشامل، ولتحقيق منهجية الردع الاستراتيجي غير النووي.
ويمكن ان يتم في بعض الدول الاكثر تطورا وبعد ٢٠١٥ - ٢٠٢٠ انشاء منظومات قتالية استطلاعية ضاربة تتضمن:
آ - وسائط استطلاع وانذار استراتيجي عن بدء استعداد العدو للهجوم، ومدى جاهزيته لتوجيه ضربة لاتماسية باسلحة الدقة العالية في الوقت القريب اشهر، اسابيع، ساعات، دقائق وعن بداية عملية جوية فضائية بحرية ضاربة باستخدام انواع من الاسلحة والقوات.
ب - الكمية المطلوبة من القوات والوسائط الاستراتيجية ذات الدقة العالية وغير النووية من مختلف اماكن التمركز.
ج - منظومة مؤتمتة لقيادة جميع القوى والوسائط الاستراتيجية للردع غير النووي.
د - قوى ووسائط التأمين الفني "اللوجستي".
اساليب تحقيق الاهداف العسكرية والسياسية في حروب الجيل الجديد:
في حال قيام دولة مستعدة لشن حرب من الجيل الجديد فان اهدافها العسكرية والسياسية في هذه الحرب يمكن ان تتحقق حصرا بتوجيه ضربات لاتماسية مكثفة بصواريخ ذات دقة عالية ووسائط راديوية الكترونية ومعلوماتية، حيث يمكن ان لا يتبعها اية خطط لعمليات ما. ان طبيعة مثل هذه الحرب سوف تتحدد بحجوم استخدام الاسلحة الضاربة والدفاعية ذات الدقة العالية، والتي تدخل في قوام منظومات الاستطلاع المعلوماتية القتالية ومنظومات الحرب الالكترونية.
ويتوقع ان يكون هناك تعميم حقيقي لهذه العناصر في منظومة قتالية موحدة تجمع بين المجال المعلوماتي الفضائي والجوي والبحري والبري، وكذلك قوى ووسائط اسلحة الدقة العالية. ومنظومات القيادة القادرة اساسا وفي المدى المنظور على تغيير طبيعة العمليات العسكرية.
في الحروب اللاتماسية سوف تكون هناك على الاغلب تفيدالكثير من التصورات ليس في مجال الاستراتيجية فحسب، وانما في مجال الفن العملاني والتكتيك بالنسبة للدول التي تشارك في الصراع المسلح. وان مثل هذه الحرب سوف يكون لها دائما مجال واسع الابعاد. لن يكون هناك وضوح بتحديد اتجاه الضربة الرئيسية، لان الضربات سوف توجه بآن واحد ومن جميع الاتجاهات لمسرح الحرب مسرح العمليات العسكرية.
في الاعوام ١٥ - ٢٠ عاما التالية سوف تفقد اهميتها حتى احدث اشكال واساليب شن الحرب للضغط والاضعاف. اما احدث الاسلحة والاعتدة الحربية من الجيل السابق من الحروب فتفقد اهميتها، ولا تعود صالحة للاستخدام.
ومع الاخذ بالاعتبار انه في جميع الاجيال السابقة من الحروب كانت الاشكال الاساسية للعمليات القتالية هي: الضربة، والمعركة، والعملية، والتي تشكل الفئات الاساسية في العلم العسكري والفن العسكري. فان الصراع المسلح مستقبلا سوف يدخل تغييرات كبيرة على ذلك. من المعروف انه في جميع اجيال الحرب السابقة كان التكتيك يعلب الدور الرئيسي في التدمير المنهجي لتجمعات العدو، اما في حروب المستقبل فان الدور الرئيسي لتدمير العدو بآن واحد سوف يكون مناطا بالاستراتيجية. ان العمليات العسكرية الحاسمة وكما ذكر سابقا سوف تجري في المجال الجوي الفضائي، وهو المسرح الرئيسي للحرب، ويتم تهديد سيادة الدولة المتعرضة للهجوم دون اختراق اراضيها.
ان الهجوم والدفاع بواسطة وحدات وقطعات وتشكيلات مختلف الصنوف ووحدات القوات البرية سوف يكون في عداد الماضي، وعلى ما يبدو فان حروب المستقبل لن يكون فيها مجموعات قوات برية من جانب الطرف المهاجم والمستعد لمثل هذه الحروب ولذلك فسوف تختفي الخطوط والمجنبات التكتيكية وحتى الاستراتيجية. ان تعابير الصراع التماسي مثل جبهة، مؤخرة، خط امامي سوف تفقد اهميتها ومفهومها التقليدي وتحل محلها مفاهيم: يتطلب التدمير او لا يتطلب التدمير باسلوب لاتماسي. سوف توجه الضربات بآن واحد للمواقع على كامل مساهمة البلاد التي تتعرض للهجوم، سوف يكون من الصعوبة بمكان التمييز بين الاستراتيجية والفن العملاني.
ان قيادة المنظومات القتالية الاستطلاعية الضاربة من قبل المهاجم في مثل هذه الحرب وسوف يتلخص بالنهاية بعدة ايعازات: اكتشاف اتخاذ قرار، تدمير، وتوثيق نتائج التدمير. سوف يختلف تماما او جذريا مفهوم النصر في حروب الجيل الجديد، وكما اوضحنا سابقا ففي جميع الحروب التماسية السابقة كان تحقيق النصر يتطلب ان يتم اولا تدمير القوات المسلحة للعدو، وعادة على اراضيه، وبعد ذلك تخريب قدراته الاقتصادية، ومن ثم القضاء تغيير على النظام السياسي.
وهذا لم يكن قابلا للتحقيق دون احتلال اراضي العدو. التي كان يتوجب الدخول بالحذاء العسكري الى اراضي العدو، وفي بعض الاحيان كان هذا الاحتلال يمتد لسنوات عديدة بل لعشرات السنين، كما يجري الآن في افغانستان والعراق الشقيق، مما يتطلب نفقات كبيرة على القوات والمحافظة عليها بجاهزية قتالية وعسكرية عالية على الاراضي المحتلة، والتاريخ يعرف الكثير من هذه الامثلة في الماضي. في الحروب اللاتماسية يمكن تحقيق النصر فقط نتيجة لتدمير اقتصاد العدو، حيث ان قواته المسلحة وبعد فقدانها للقاعدة الاقتصادية سوف تنهار ذاتيا، والنظام السياسي سوف يتم القضاء عليه من قبل شعب البلد ذاته.
المبادىء الجديدة للفن العسكري في الحروب اللاتماسية والصراع المسلح
سوف يكون هناك مضمون جديد ومفهوم جديد لمبادىء الفن العسكري، واذا حاولنا - كما يقول الباحثون الاستراتيجيون الروس - صياغة بعض المبادىء الجديدة للفن العسكري في الحروب اللاتماسية والصراع المسلح من الجيل الجديد، والتي سوف تجري او تظهر الى الوجود بعد عام ٢٠١٠، كما يقترح هؤلاء، فيمكن تصورها بشكل مختصر وفق ما يلي:
١ - سوف يكون الاهم في هذه الحروب العمليات المضغوطة والجارية، المستمرة، بآن واحد والموضوعة خصيصا لتخريب اقتصاد العدو، والمنظومات القتالية الاستطلاعية الضاربة حيث تشكل وسائط التدمير ذات الدقة العالية من مختلف مواقع التمركز، الوسائط التدميرية الاساسية فيها، كما ان حوامل وسائط التدمير في غالبيتها سوف لن تكون في تماس مباشر مع العدو. كما جرى في عملية "عاصفة الصحراء" حيث قصفت القطع البحرية الاميركية، الاهداف العراقية وهي رابضة في البحر الاحمر.
٢ - سوف ينخفض وبشكل حاد وممكن ان يختفي تماما تأثير السلاح النووي في تحقيق الاهداف الاستراتيجية والسياسية، فالسلاح النووي يحتفظ به في التسليح عدد من الدول، ولكن استخدامه لن يكون من قبل احد، وفي اية ظروف حرجة.
٣ - نظرا للطبيعة اللاتماسية للحروب فلن تكون هناك ضرورة لمجموعات القوى البرية والقوى والوسائط والاسلحة في الميدان، اي ميدان المعركة.
٤ - تنسيق جهود صفوف القوات المسلحة وانواع الاسلحة سوف يكون باتجاهين مترابطين ومتعارضين: وهما تحركات القوى والوسائط الاستراتيجية الضاربة غير النووية والاستراتيجية الدفاعية.
٥ - من العناصر الثلاثة المعروفة في الجيل السابق الرابع من الحرب، وهي: المعركة والاشتباك، النار والضربة، والمناورة. تبقى فقط الضربة بقوى ووسائط الدقة العالية، والتي يتم اطلاقها من مناطق متواجدة خارج مدى وسائط تدمير الطرف المدافع.
وتجدر الاشارة مرة اخرى الى ان النصر في الحروب اللاتماسية يمكن تحقيقه وبشكل اساسي بتدمير القدرات الاقتصادية للعدو، ان الحديث يجري فعليا عن التنفيذ العملي لقانون "القوة القاتلة" حيث تقوم دولة بتنمية سريعة لقدراتها العسكرية الضاربة ذات الدقة العالية من جهة وتنخفض القدرات الاقتصادية لدولة اخرى من جهة ثانية. عدا عن ذلك، اذا لم يكن المدافع مستعدا لمثل هذه الحرب، حيث اعتمد - كما هو الحال سابقا - على السلاح النووي وقواته البرية ودفاعه الجوي.
خلاصته لن يكون المهاجم مضطرا لتدمير قوات الخصم المسلحة. ان هذه القوات باستثناء وسائط الضربة المعاكسة، لن تشكل اي تهديد للمهاجم، والمتمركز بعيدا جدا عن المدافع وفي ظروف الاقتصاد المدمر فان هذه القوات ستفقد حتما قدرتها القتالية اولا، ثم تنهار بشكل كامل.
ومن الخطأ الامل باستخدام السلاح النووي اثناء مثل هذه الحرب عدا عن حالة الانتحار، او بامكانية اقامة مواقع عسكرية اقتصادية جديدة في ا ماكن غامضة، وبالتالي اصلاح الوضع. من غير الممكن في الحروب اللاتماسية الحفاظ على الاقتصاد باستخدام قوى ووسائط دفاع حروب الجيل الرابع او الخامس.
هذا ويمكن استخلاص نتيجة تصنيفية، ولكنها مهمة جدا، وهي ان النصر في الحرب اللاتماسية والتي ستجري بعد اعوام ٢٠١٠ - ٢٠١٥ يمكن ان يحققه المهاجم دون احتلال، بل ودون اي تماس مع الخصم. اعتمادا على العملية الجوية والفضائية والبحرية الضاربة والعديدة. وعملية "الحرب الالكترونية"، والسبق في الصراع المعلوماتي.
ويجب الاشارة الى ان بعض المنظرين العسكريين وخاصة الذين شاركوا في الحروب التماسية من الجيل السابق، وفي اطار محاولتهم لوعي واستيعاب حروب المستقبل، لم يستطيعوا للاسف، ان يتخلصوا من عبء الماضي، فهم لا يستطيعون تصور الحرب حتى في المستقبل البعيد، دون تلك الاشياء والخبرات التي تعلموها وعاشوها في الماضي، اي بدون عمليات القوات على ارض المعركة، ودون احتياطي استراتيجي والمناورة به خلال الحرب. وعلى الاغلب فان رويتهم للمستقبل لا تتعدى افق اعوام ٢٠٠٧ - ٢٠١٠ وهذه مرحلة انتقالية من الحروب وليست جيلا جديدا.
و الحرب اللاتماسية هي تعبير او اجتهاد من قبل بعض المنظرين العسكريين، وخاصة الشرقيون منهم، حيث ما زال الغرب يُعتم على خفايا واسرار وتداعيات حروب عام ١٩٩١ "عملية تحرير الكويت" والحرب في يوغوسلافيا عام ١٩٩٩. والاحتلال الاميركي للقطر العراقي الشقيق منذ عام ٢٠٠٣ وحتى يومنا هذا، وعمليات قوات حلف ناتو في افغانستان في وقتنا الحاضر، مما لم يُكوّن نظرية الحرب اللاتماسية بصورة متكاملة، وانما من بعض النواحي والزوايا الاستراتيجية ومظاهر هذه الحرب. وان ما قيل عن الحرب اللاتماسية حتى الآن من باب التنبؤات والسيناريوات المحتملة والمرجحة. وكل آت قريب
التعديل الأخير: