أبو طلحة وسعد ـ رضي الله عنهما ـ
الدكتور عثمان قدري مكانسي
نحن الآن قرب جبل أحد ، بينه وبين جبل الرماة ، والمشركون يحيطون بالمسلمين بعد أن كان المسلمين يحيطون بهم ، فلماذا انقلب نصرهم إلى هزيمة ؟!! وهل يعقل أن ينهزم المسلمون وفيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟! .
الهزيمةُ : شعور بالضعف ، يتبعه استخذاء ويأس ، ثم إحساس بفتور العزيمة ، ثم رغبة في التخلّي عن القتال ، وهذا يؤدي إلى خوف يتنامى حتى يُلجِئَ صاحبه إلى الهروب من أرض المعركة ، والفرار بالنفس مخافة الموت أو الأسر .
ويترك الفارُّ كلَّ شيء طمعاً بالنجاة وينسى أنه مقاتل فيكون جلُّ همه منصباً على مجانبة النزال . . . ثم يطلق ساقيه أو فرسه للريح . . غير مبالٍ بما يصيب الآخرين من قتل أو أسرٍ ، وتنحلُّ عقدة الجيش وينفرط جمعه ، ويلحق العدوُّ بهم ليجهز عليهم إن استطاع .
فهل حدث هذا للمسلمين يوم أحد ؟ ..
1 ـ أصدر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمسلمين أمراً أن يجتمعوا ، فقد تفرَّقوا أوّل الأمر وراء المنهزمين من مشركي قريش ، ونزل الرماة عن الجبل فدهمهم خالد مغتنماً الفرصةَ فصار من ورائهم بفرسانه ففاجأهم فبغتوا إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومَنْ معه . .
2 ـ قتل عدد من المسلمين كانوا يجالدون المشركين مهيئين الفرصة للآخرين أن يجتمعوا حول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيكونوا قريبين من القائد ، فيدافعون عنه وعن أنفسهم ، وليؤكدوا لهم أن الإشاعة بقتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي أطلقها المشركين لتوهين عزائم المسلمين ليس لها ذرةٌ من الصحة ، فيثوبوا إلى رشدهم ويعودوا للقتال ، ولكي يذكروهم أن القتال الدائر ليس للدفاع عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فحسب بل لتثبيت دعائم دين الله سبحانه وتعالى ، وليموتوا على ما مات عليه محمد عليه الصلاة والسلام ، ولينبهوهم إلى أن الموت في سبيل الله خير من الهروب والفرار والعودة إلى الجاهلية .
هذه المجالدة والمصابرة مكّنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من اللجوء إلى سفح جبل أحد فأمّنت لهم العَطاء الظهريّ وباتوا أحسنَ حالاً ، فقاموا بهجوم مضادٍّ أوقف تقدُّم المشركين وأقنعهم بالتوقف عن مهاجمتهم ، فاحتجز الفريقان كلٌّ منهما يهابُ الالتحام بالآخر . . إذاً . . . فهذه ليست هزيمةً بالمعنى الذي يفهمه الناس ، فالمسلمون في أرض المعركة ، وجهاً لوجه أمام العدو الذي أمسك عن ملاحقتهم لقناعته بأنه لا يقدر على ذلك ، ولو كان يظنّ إمكانيّة استئصالهم لفعل ، وما جاء إلا لذلك ، ولحدَّثته نفسه باحتلال المدينة المنورة واستباحتها ، والقضاء التام على نور الإيمان . . .
فهذه جولة ينتصر الباطل فيها انتصاراً لا يوازي خسارته الشنيعة أمام المسلمين في بدر ، لكنّه رضي بما نال المسلمين من جهد وضعضعة .
والرسول عليه الصلاة والسلام يصوّر هذا أحسن تصوير فيقول :
(( رأيت في رؤياي أنّي هززت سيفاً ، فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى ، فعاد أحسنَ ما كان ، فإذا هو ما جاء به الله من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيتُ بقراً - واللهُ خيرٌ - فإذا هم المؤمنين يوم أحد )) . رواه البخاري .
في أحد كان أبو طلحة رضي الله عنه ثابتاً مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، يحوطه بترس من جلد ، يحميه من نبال المشركين ، فإذا أشرف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خلفه ينظر إلى القوم خاف عليه أبو طلحة ، وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم . . نحْري دون نحْرك يا رسول الله .
وكان أبو طلحة نبّالاً شديد الرمي شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة ، فكلما مرَّ مُسْلِمٌ بهما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم له ـ : (( انثر ما فيها لأبي طلحة )) .
وكان سعد بن أبي وقاص إلى جانبهما يرمي السهام ، وكان رميه دقيقاً سريعاً صائباً ، أوقع في العدوّ وخلخله ، فكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشجعه ويحفز همته قائلاً : ارمِ سعد ، ارمِ ، فداك أبي وأمي )) ..
وكان سعدٌ رضي الله عنه يسمع هذا فيزداد نشاطاً .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو على المشركين فيقول :
(( اشتد غضب الله على مَنْ قتله النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ )) .
(( اشتدَّ غضبُ الله على قوم دمَّوْا وجه نبي الله )) .
وقد كُسِرَت رَباعيتُه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودخلت بعض حلقات المغفر في وجهه الكريم ، وشُجَّ وجهه وكُسِرَت البيضة على رأسه ، والبيضة غطاء الرأس .
ـ ولما وقف المشركون والمسلمون وجهاً لوجه قال أبو سفيان قائد المشركين أنشدكم الله أفيكم محمدٌ ؟ يريد أن يعرف أحيُّ هو أو ميتٌ ، فأمرهم الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يجيبوه ، فيظن أبو سفيان أن رسول الله قتل ، وهذه أدعى إلى تسكين همة المشركين . . فلم يجيبوه .
ونادى مرَّة أخرى : أفيكم أبو بكر بن أبي قحافة ؟ فما أجابوه . ونادى ثالثة : أفيكم عمر بن الخطاب ؟ . . . .
لم يستطع عمر رضي الله عنه السكوت لأكثر من سبب .
الأوّل : أن طبيعته تميل إلى ردّة الفعل وقد كان مغتاظاً من المشركين . .
الثاني : أنه أراد إغاظة المشركين بوجود الرسول الكريم ووزيريه أحياء ، فكأن مسيرة الدعوة ستستمر بحياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الرغم من كيد الكائدين وحقد الحاقدين .
الثالث : ليريهم أن المسلمين قادرون وهم على هذه الحال أن يتابعوا القتال . . وقد تبسّم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين سمع عمر رضي الله عنه يقول : أخزاك الله يا ابن حرب فها هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيٌّ وإلى جانبه الصديق ، وأنا عمر . .
فتوقف أبو سفيان عن تعداد من كان يظن أنهم قتلوا ثم صاح بأعلى صوت :
اُعلُ هبل اُعلُ هبل ، والمسلمون ساكتون ، فقال الرسول المعلّم : (( ألا تجيبونه ؟ )) قالوا : وماذا نقول ؟ قال : (( الله أعلى وأجل )) فارتفعت صيحات المسلمين بتحدٍّ وإصرار تملأ أرجاء المكان :
الله أعلى وأجلُّ ، الله أعلى وأجل . . .
فما كان من شيطان أبي سفيان إلا أن وسوس له فقال : لنا عزّى ، ولا عزّى لكم . .
دعوةٌ عجيبة ، غريبةٌ ، تدلُّ على سفاهة قائلها ، ومَنْ عُزَّى هذه ؟! إنها صنم يعبده المشركون كان بوادي نخلة ، هدمه خالد رضي الله عنه وقتل شيطانته وسادِنَها .
والتفت الرسول الكريم إلى اصحابه قائلاً : (( ألا تجيبون ؟ )) قالوا : وبم نجيب يا رسول الله ؟ قال : (( قولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم )) فارتج المكان بصيحات المسلمين .
الله مولانا ، ولا مولى لكم . . . الله مولانا ، ولا مولى لكم . .
وعاد المشركون راضين بما حصلوا عليه من المعركة ، إلى مكة ، ورجع المسلمون بجراحاتهم إلى المدينة ،
لكنَّ الله تعالى أراد أن يُري المشركين قوَّة المسلمين فلا يفكرون بالهجوم على المدينة ، وليبلغهم أن هذه المعركة لم توهن المسلمين ، فخرج رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمسلمين المقاتلين أنفسهم دون غيرهم بجراحاتهم إلى حمراء الأسد جنوب المدينة باثني عشر كيلو متر فأقام فيها ثلاثة أيام ينتظرون فيها المشركين الذين قرروا ملاحقة المسلمين إلى المدينة ، قائلين : أصبنا حدَّ أصحابه ، وأشرفهم ، وقادتهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم ؟! لنكرَّن على بقيّتهم فلنفرغَنّ منهم . . فلما علموا انتظار المسلمين لهم أوقع الله الرعب في قلوبهم فثنَوا رواحلهم وانطلقوا إلى مكة . .
وعاد المسلمون إلى مدينة رسول الله ، وعين الله ترعاهم .
الدكتور عثمان قدري مكانسي
نحن الآن قرب جبل أحد ، بينه وبين جبل الرماة ، والمشركون يحيطون بالمسلمين بعد أن كان المسلمين يحيطون بهم ، فلماذا انقلب نصرهم إلى هزيمة ؟!! وهل يعقل أن ينهزم المسلمون وفيهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟! .
الهزيمةُ : شعور بالضعف ، يتبعه استخذاء ويأس ، ثم إحساس بفتور العزيمة ، ثم رغبة في التخلّي عن القتال ، وهذا يؤدي إلى خوف يتنامى حتى يُلجِئَ صاحبه إلى الهروب من أرض المعركة ، والفرار بالنفس مخافة الموت أو الأسر .
ويترك الفارُّ كلَّ شيء طمعاً بالنجاة وينسى أنه مقاتل فيكون جلُّ همه منصباً على مجانبة النزال . . . ثم يطلق ساقيه أو فرسه للريح . . غير مبالٍ بما يصيب الآخرين من قتل أو أسرٍ ، وتنحلُّ عقدة الجيش وينفرط جمعه ، ويلحق العدوُّ بهم ليجهز عليهم إن استطاع .
فهل حدث هذا للمسلمين يوم أحد ؟ ..
1 ـ أصدر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للمسلمين أمراً أن يجتمعوا ، فقد تفرَّقوا أوّل الأمر وراء المنهزمين من مشركي قريش ، ونزل الرماة عن الجبل فدهمهم خالد مغتنماً الفرصةَ فصار من ورائهم بفرسانه ففاجأهم فبغتوا إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومَنْ معه . .
2 ـ قتل عدد من المسلمين كانوا يجالدون المشركين مهيئين الفرصة للآخرين أن يجتمعوا حول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيكونوا قريبين من القائد ، فيدافعون عنه وعن أنفسهم ، وليؤكدوا لهم أن الإشاعة بقتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي أطلقها المشركين لتوهين عزائم المسلمين ليس لها ذرةٌ من الصحة ، فيثوبوا إلى رشدهم ويعودوا للقتال ، ولكي يذكروهم أن القتال الدائر ليس للدفاع عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فحسب بل لتثبيت دعائم دين الله سبحانه وتعالى ، وليموتوا على ما مات عليه محمد عليه الصلاة والسلام ، ولينبهوهم إلى أن الموت في سبيل الله خير من الهروب والفرار والعودة إلى الجاهلية .
هذه المجالدة والمصابرة مكّنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من اللجوء إلى سفح جبل أحد فأمّنت لهم العَطاء الظهريّ وباتوا أحسنَ حالاً ، فقاموا بهجوم مضادٍّ أوقف تقدُّم المشركين وأقنعهم بالتوقف عن مهاجمتهم ، فاحتجز الفريقان كلٌّ منهما يهابُ الالتحام بالآخر . . إذاً . . . فهذه ليست هزيمةً بالمعنى الذي يفهمه الناس ، فالمسلمون في أرض المعركة ، وجهاً لوجه أمام العدو الذي أمسك عن ملاحقتهم لقناعته بأنه لا يقدر على ذلك ، ولو كان يظنّ إمكانيّة استئصالهم لفعل ، وما جاء إلا لذلك ، ولحدَّثته نفسه باحتلال المدينة المنورة واستباحتها ، والقضاء التام على نور الإيمان . . .
فهذه جولة ينتصر الباطل فيها انتصاراً لا يوازي خسارته الشنيعة أمام المسلمين في بدر ، لكنّه رضي بما نال المسلمين من جهد وضعضعة .
والرسول عليه الصلاة والسلام يصوّر هذا أحسن تصوير فيقول :
(( رأيت في رؤياي أنّي هززت سيفاً ، فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى ، فعاد أحسنَ ما كان ، فإذا هو ما جاء به الله من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيتُ بقراً - واللهُ خيرٌ - فإذا هم المؤمنين يوم أحد )) . رواه البخاري .
في أحد كان أبو طلحة رضي الله عنه ثابتاً مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، يحوطه بترس من جلد ، يحميه من نبال المشركين ، فإذا أشرف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خلفه ينظر إلى القوم خاف عليه أبو طلحة ، وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لا تشرف يصبك سهم من سهام القوم . . نحْري دون نحْرك يا رسول الله .
وكان أبو طلحة نبّالاً شديد الرمي شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة ، فكلما مرَّ مُسْلِمٌ بهما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم له ـ : (( انثر ما فيها لأبي طلحة )) .
وكان سعد بن أبي وقاص إلى جانبهما يرمي السهام ، وكان رميه دقيقاً سريعاً صائباً ، أوقع في العدوّ وخلخله ، فكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشجعه ويحفز همته قائلاً : ارمِ سعد ، ارمِ ، فداك أبي وأمي )) ..
وكان سعدٌ رضي الله عنه يسمع هذا فيزداد نشاطاً .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو على المشركين فيقول :
(( اشتد غضب الله على مَنْ قتله النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ )) .
(( اشتدَّ غضبُ الله على قوم دمَّوْا وجه نبي الله )) .
وقد كُسِرَت رَباعيتُه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودخلت بعض حلقات المغفر في وجهه الكريم ، وشُجَّ وجهه وكُسِرَت البيضة على رأسه ، والبيضة غطاء الرأس .
ـ ولما وقف المشركون والمسلمون وجهاً لوجه قال أبو سفيان قائد المشركين أنشدكم الله أفيكم محمدٌ ؟ يريد أن يعرف أحيُّ هو أو ميتٌ ، فأمرهم الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يجيبوه ، فيظن أبو سفيان أن رسول الله قتل ، وهذه أدعى إلى تسكين همة المشركين . . فلم يجيبوه .
ونادى مرَّة أخرى : أفيكم أبو بكر بن أبي قحافة ؟ فما أجابوه . ونادى ثالثة : أفيكم عمر بن الخطاب ؟ . . . .
لم يستطع عمر رضي الله عنه السكوت لأكثر من سبب .
الأوّل : أن طبيعته تميل إلى ردّة الفعل وقد كان مغتاظاً من المشركين . .
الثاني : أنه أراد إغاظة المشركين بوجود الرسول الكريم ووزيريه أحياء ، فكأن مسيرة الدعوة ستستمر بحياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الرغم من كيد الكائدين وحقد الحاقدين .
الثالث : ليريهم أن المسلمين قادرون وهم على هذه الحال أن يتابعوا القتال . . وقد تبسّم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين سمع عمر رضي الله عنه يقول : أخزاك الله يا ابن حرب فها هو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيٌّ وإلى جانبه الصديق ، وأنا عمر . .
فتوقف أبو سفيان عن تعداد من كان يظن أنهم قتلوا ثم صاح بأعلى صوت :
اُعلُ هبل اُعلُ هبل ، والمسلمون ساكتون ، فقال الرسول المعلّم : (( ألا تجيبونه ؟ )) قالوا : وماذا نقول ؟ قال : (( الله أعلى وأجل )) فارتفعت صيحات المسلمين بتحدٍّ وإصرار تملأ أرجاء المكان :
الله أعلى وأجلُّ ، الله أعلى وأجل . . .
فما كان من شيطان أبي سفيان إلا أن وسوس له فقال : لنا عزّى ، ولا عزّى لكم . .
دعوةٌ عجيبة ، غريبةٌ ، تدلُّ على سفاهة قائلها ، ومَنْ عُزَّى هذه ؟! إنها صنم يعبده المشركون كان بوادي نخلة ، هدمه خالد رضي الله عنه وقتل شيطانته وسادِنَها .
والتفت الرسول الكريم إلى اصحابه قائلاً : (( ألا تجيبون ؟ )) قالوا : وبم نجيب يا رسول الله ؟ قال : (( قولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم )) فارتج المكان بصيحات المسلمين .
الله مولانا ، ولا مولى لكم . . . الله مولانا ، ولا مولى لكم . .
وعاد المشركون راضين بما حصلوا عليه من المعركة ، إلى مكة ، ورجع المسلمون بجراحاتهم إلى المدينة ،
لكنَّ الله تعالى أراد أن يُري المشركين قوَّة المسلمين فلا يفكرون بالهجوم على المدينة ، وليبلغهم أن هذه المعركة لم توهن المسلمين ، فخرج رسوله الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمسلمين المقاتلين أنفسهم دون غيرهم بجراحاتهم إلى حمراء الأسد جنوب المدينة باثني عشر كيلو متر فأقام فيها ثلاثة أيام ينتظرون فيها المشركين الذين قرروا ملاحقة المسلمين إلى المدينة ، قائلين : أصبنا حدَّ أصحابه ، وأشرفهم ، وقادتهم ثم نرجع قبل أن نستأصلهم ؟! لنكرَّن على بقيّتهم فلنفرغَنّ منهم . . فلما علموا انتظار المسلمين لهم أوقع الله الرعب في قلوبهم فثنَوا رواحلهم وانطلقوا إلى مكة . .
وعاد المسلمون إلى مدينة رسول الله ، وعين الله ترعاهم .