زاهر . . . وابن مسعود
الدكتور عثمان قدري مكانسي
ـ رجل من أهل البادية اسمه زاهر . . ولكل من اسمه نصيب ، فهو ذو روح طيبة وأخلاق رائعة تفوح منه كرائحة الزهر الأخَّادة .
ـ كان إذا جاء المدينة حمل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من باديته خيرها ، لبنها ، سمنها ، زبدتها ، ويقول : يا رسول الله هذه هدية زاهر إليك ، فاقبلها منه تجبرْ خاطره ، وتسعدْ قلبه .
ـ كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبتسم له ويأخذها منه قائلاً : قد قبلناها منك يا زاهر ، جزاك الله عن نبيّه خيراً ، وأجزل لك المثوبة ، فإذا ما عاد إلى أهله جهزه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الطـُّرَف والمستحسنات المدنيَّة ما يقر بها عينه ، جزاءً وفاقاً ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : إن زاهراً باديتنا ، ونحن حاضره ، وكأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول للناس : تهادَوا تحابُّوا . . ومهما كانت الهديّة صغيرة فإن أثرها في النفس كبير . .
ـ رآه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في السوق مرّة فجاءه من خلفه ، واحتضنه ـ وكان زاهر دميماً ـ إلا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحبه لحسن أخلاقه ورفعة شمائله . . وحاول زاهر أن يعرف محتضنه فالتفت قائلاً : دعني يا من احتضنني ، فلما عرفه جعل ظهره إلى صدر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تيمّناً وتباركاً ، واجتهد أن يظل ظهره ملتصقاً بصدر المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فجعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( من يشتري العبد ، من يشتريه ؟ )) .
قيقول زاهر : إذن ـ والله ـ تجدني كاسداً ، من يشتري دميماً يا رسول الله ؟ !!
فيقول الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
(( ولكنّك عند الله لست بكاسد ، أنت عند الله غال . إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ، إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )) . . إلى محل التقوى ، والخلق الرفيع ، والعمل الصالح . . .
وقيمةُ الإنسان بمخبره لا بمظهره .
*********************
وقد كان عبدالله بن مسعود حين أسلم أبى إلا أن يعلن بالقرآن عند الكعبة فحذره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المشركين أن يؤذوه فقال : ومالي أن ألقى في سبيل الله ما ألقى !!
وصدح بالقرآن الكريم والمشركون يسمعون ويكرهون . فما كان من أبي جهل إلا أن شدّه من أذنه شدَّة قطعتها ، فرماها إليه وهو يضحك شامتاً .
أخذ الألم من ابن مسعود مأخذه ، وحمل أذنه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشكو ظلم الظالمين ، وفجور المستكبرين . فما كان من الطبيب الرحيم إلا أن أعادها إلى مكانها ، ودعا الله له بالشفاء ، فعادت كما هي كأنها لم تقطع ..... يد مباركة رحيمة ، خصَّ الله صاحبها ـ صلى الله عليه وسلم ـ باليمن ، بالخير والبركات .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : لهي أقوى من أختها وأسمع ، ولأختـُها أشدُّ حاجة إلى ما حصل للأولى ، وهمَّ أن يعود إلى المشركين ليسمعهم القرآن الكريم ويغيظهم ، فيقول له المعلم الأول : حسبك الآن يا ابن مسعود فلقد كان ما فعلته اليوم شديداً عليهم . .
هذا الصحابي الجليل كان قصيراً نحيفاً . . صعد مرة إلى شجرة ، فرأى الصحابة دقة ساقيه فضحكوا لذلك ، فما كان من الهادي العظيم وأستاذ الأساتيذ إلا أن نبههم إلى أن كرامة الإنسان ومكانته بعمله لا بقوله فقط ، وبفعله لا بمظهره فقال : إن ساقه لأثقل عند الله من جبل أحد . . نعم من جبل أحد .
ليـس الإنـسان بـمظهـره وبــمــسـكـنـه وبـمـا يـمـلـك
فـإذا مـا ظـنّ بـهـا يعـلـو في الدركِ هوى ، وبه يهلِكْ
ـــــــ ـــــــ ـــــــــ
إن الإنـســـان بــتــقــواهُ يـعــلـو ويــبــارك مــسـعـاه
والـعـمل الصالح يرفعه فـي الـنـاس ، ويـكـرمـه الله
ــــــ ـــــ ــــــ
فاعمل خيراً تلقً الأجرا تـُرفـعْ عـنـد الـمـولـى ذكـرا
وتـعـاهد إخـوانـك دوماً فـإذا عسـرْك يصـبحُ يُسرا(1)
(1) الأبيات للمؤلف
الدكتور عثمان قدري مكانسي
ـ رجل من أهل البادية اسمه زاهر . . ولكل من اسمه نصيب ، فهو ذو روح طيبة وأخلاق رائعة تفوح منه كرائحة الزهر الأخَّادة .
ـ كان إذا جاء المدينة حمل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من باديته خيرها ، لبنها ، سمنها ، زبدتها ، ويقول : يا رسول الله هذه هدية زاهر إليك ، فاقبلها منه تجبرْ خاطره ، وتسعدْ قلبه .
ـ كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبتسم له ويأخذها منه قائلاً : قد قبلناها منك يا زاهر ، جزاك الله عن نبيّه خيراً ، وأجزل لك المثوبة ، فإذا ما عاد إلى أهله جهزه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الطـُّرَف والمستحسنات المدنيَّة ما يقر بها عينه ، جزاءً وفاقاً ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : إن زاهراً باديتنا ، ونحن حاضره ، وكأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول للناس : تهادَوا تحابُّوا . . ومهما كانت الهديّة صغيرة فإن أثرها في النفس كبير . .
ـ رآه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في السوق مرّة فجاءه من خلفه ، واحتضنه ـ وكان زاهر دميماً ـ إلا أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحبه لحسن أخلاقه ورفعة شمائله . . وحاول زاهر أن يعرف محتضنه فالتفت قائلاً : دعني يا من احتضنني ، فلما عرفه جعل ظهره إلى صدر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تيمّناً وتباركاً ، واجتهد أن يظل ظهره ملتصقاً بصدر المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فجعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : (( من يشتري العبد ، من يشتريه ؟ )) .
قيقول زاهر : إذن ـ والله ـ تجدني كاسداً ، من يشتري دميماً يا رسول الله ؟ !!
فيقول الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
(( ولكنّك عند الله لست بكاسد ، أنت عند الله غال . إن الله لا ينظر إلى صوركم وأجسادكم ، إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )) . . إلى محل التقوى ، والخلق الرفيع ، والعمل الصالح . . .
وقيمةُ الإنسان بمخبره لا بمظهره .
*********************
وقد كان عبدالله بن مسعود حين أسلم أبى إلا أن يعلن بالقرآن عند الكعبة فحذره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المشركين أن يؤذوه فقال : ومالي أن ألقى في سبيل الله ما ألقى !!
وصدح بالقرآن الكريم والمشركون يسمعون ويكرهون . فما كان من أبي جهل إلا أن شدّه من أذنه شدَّة قطعتها ، فرماها إليه وهو يضحك شامتاً .
أخذ الألم من ابن مسعود مأخذه ، وحمل أذنه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشكو ظلم الظالمين ، وفجور المستكبرين . فما كان من الطبيب الرحيم إلا أن أعادها إلى مكانها ، ودعا الله له بالشفاء ، فعادت كما هي كأنها لم تقطع ..... يد مباركة رحيمة ، خصَّ الله صاحبها ـ صلى الله عليه وسلم ـ باليمن ، بالخير والبركات .
قال ابن مسعود رضي الله عنه : لهي أقوى من أختها وأسمع ، ولأختـُها أشدُّ حاجة إلى ما حصل للأولى ، وهمَّ أن يعود إلى المشركين ليسمعهم القرآن الكريم ويغيظهم ، فيقول له المعلم الأول : حسبك الآن يا ابن مسعود فلقد كان ما فعلته اليوم شديداً عليهم . .
هذا الصحابي الجليل كان قصيراً نحيفاً . . صعد مرة إلى شجرة ، فرأى الصحابة دقة ساقيه فضحكوا لذلك ، فما كان من الهادي العظيم وأستاذ الأساتيذ إلا أن نبههم إلى أن كرامة الإنسان ومكانته بعمله لا بقوله فقط ، وبفعله لا بمظهره فقال : إن ساقه لأثقل عند الله من جبل أحد . . نعم من جبل أحد .
ليـس الإنـسان بـمظهـره وبــمــسـكـنـه وبـمـا يـمـلـك
فـإذا مـا ظـنّ بـهـا يعـلـو في الدركِ هوى ، وبه يهلِكْ
ـــــــ ـــــــ ـــــــــ
إن الإنـســـان بــتــقــواهُ يـعــلـو ويــبــارك مــسـعـاه
والـعـمل الصالح يرفعه فـي الـنـاس ، ويـكـرمـه الله
ــــــ ـــــ ــــــ
فاعمل خيراً تلقً الأجرا تـُرفـعْ عـنـد الـمـولـى ذكـرا
وتـعـاهد إخـوانـك دوماً فـإذا عسـرْك يصـبحُ يُسرا(1)
(1) الأبيات للمؤلف