يتطلب اكتشاف الأهداف الجوية على المسافات البعيدة توجية الأشعة الرادارية نحو هذة الأهداف وإضاءتها بطاقة كهرومغناطيسية كافية واستقبال الأشعة المنعكسة والصدى المرتد منها. وعلى قدر الطاقة النبضية المرسلة من جهاز الرادار وحساسية المستقبل لاكتشاف الإشارات المرتدة من الأهداف، يتحقق الكشف الراداري للأهداف الجوية ذات المقطع الراداري المعين على مسافات أكبر.
ولأكثر من عقد من الزمان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فإنه قد حدث تطور كبير في أجهزة الرادار وذلك بالزيادة المطّردة في استخدام نطاقات التردد الكهرومغناطيسي والقدرة المرسلة لمحطات الرادار وبحلول عام 1960 كان قد امكن استغلال واستثمار كافة نطاقات التردد المتاحة في الاستخدام العملي لأجهزة الرادار، كما وصلت القيمة العظمى والمتوسطة للقدرة المرسلة الى مستويات عالية جدا تقترب من القدرات العالية المتوفرة بالرادارات الحديثة الموجودة بالخدمة الآن.
وعلى الرغم من استخدام بعض التقنيات الحديثة مثل " تقنية ضغط النبضة " التى تقلل قدر الامكان من متطلبات وقيود تصميم أجزاء المرسل، فإنه على المدى البعيد هناك زيادة كبيرة في قدرة الخرج المرسلة من جهاز الرادار غير المرغوب فيها، فقدرة الخرج المتاحة من صمام الموجة الراحلة- وهو أكثر مصدر للقدرة شيوعا في الرادارات الحديثة- تعتبر محدودة القيمة بتأثير العوامل الطبيعية العملية مثل الحاجة الى مصادر قدرة ذات جهد عال ونظم تبريد بالسائل حتى يمكن للمرسل أن يعمل بطريقة أكثر استقرارا.
وعلى الجانب الآخر فإن جهاز مستقبِل الرادار الذي يتلقى الإشارات المرتدة يجب أن يكون قادرا على العمل في وجود الأشكال المختلفة من الضوضاء المصاحبة للإشارة المرتدة؛ ولذلك يجب أن يكون جهاز المستقبل قادرا على اكتشاف الإشارة المرتدة وفصلها عن الشوشرة المرتدة من التأثيرات الأرضية غير المفيدة، وبعض هذه الشوشرة تتولد في جهاز المستقبل ذاته أي تعتبر شوشرة داخلية أو تذوب وتتداخل في الإشارات غير المرغوب فيها التى تصل الى دخل هوائي الرادار والمستقبل.
وكمثال لذلك: الإشارات المرتدة من الأرض المجاورة أو الأهداف الثابتة، والسحب التى تتحرك بسرعة الرياح، وتداخل التشويش المتعمد...
ولكن بفضل استخدام التقنيات الحديثة في معالجة الإشارات والبيانات أمكن استخلاص الأشارات المفيدة للأهداف وعزل الإشارات غير المرغوب فيها والتخلص منها لأن الإشارات غير المرغوب فيها تعتبر عشوائية، بينما تصل الإشارات المرتدة الحقيقية بصورة تكرارية الى المستقبِل، وفي هذه الحالة يستطيع مستخلص الرصد الآلي للأهداف قبول الإشارات المرتدة من الأهداف الحقيقية فقط عند وصولها تكراريا لعدة مرات طبقا لمعدل تكرار النبضة.
ولتحقيق أفضل أداء لجهاز الرادار لاكتشاف الأهداف الجوية على أكبر مسافة ممكنة وفي ظل مستوى تكنولوجي معين لنظم الإرسال والاستقبال يستلزم ذلك عمليا استخدام هوائيات ذات حجم أكبر حيث كلما زاد حجم الهوائي زاد كسبه. ويعتبر الهوائي ذو الكسب العالي في حالة تركيز الطاقة المرسلة من الرادار في حزمة أشعة ضيقة أكثر فائدة حيث يؤدي ذلك الى مضاعفة القدرة التى تسقط على الهدف المراد كشفه مما يساعد على تعظيم قيمة الإشارات الضعيفة التى ترتد من الأهداف التى توجد على مسافات بعيدة وتصل الى مستقبل جهاز الرادار بحيث يستطيع الإحساس بها واكتشافها.
ومن المعروف أن الشعاع الضيق للهوائي، بجانب وصوله لمسافات أطول في كشف الأهداف الجوية، فإنه يحقق أيضا قدرة فصلٍ زاويّة كبيرة بين الأهداف ويؤدي هذا الى دقة أعلى في تحديد زاوية اتجاه الهدف الجوي وارتفاعه ويعطي قدرة أعلى في التمييز بين مجموعة من الأهداف التى تطير على مسافات قريبة بعضها من بعض في تشكيل جوي. وكلما كان الشعاع أضيق فإن من شأنه أن يقلل من كمية الشوشرة والتداخلات غير المرغوبة التى تصل الى المستقيل.
ومن المعروف أن كسب الهوائي وبالتالي عرض الشعاع الرئيسي لمجسم الإشعاع الراداري يتناسب طرديا مع أبعاد الهوائي، الا أنه، كما هو موضح في المراجع العلمية الخاصة بالرادار، فإن حساب كسب الهوائي يعتمد على أبعاد الهوائي التى يمكن التعبير عنها بعلاقة رياضية مع الطول الموجي، وحيث أن الطول الموجي يتناسب عكسيا مع التردد فإنه كلما استخدمت ترددات أعلى كان حجم الهوائي أصغر من الناحية العملية.
إن الكلمة الحاكمة هنا هي " التطبيق العملي " حيث يؤثر الغلاف الجوي المحيط بالأرض على انتشار الموجات الكهرومغناطيسية فليست الأمور مطلقة أمام مصمم جهاز الرادار لكى يستخدم الترددات الأعلى دون قيود. والمشكلة الرئيسية أمام المصمم ترجع الى امتصاص بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي لطاقة الموجات الرادارية قبل وصولها الى الأهداف الجوية المطلوب اكتشافها على المسافات المحددة، ومثل هذا الامتصاص يكون في حدة الأدنى عند الترددات الأقل من جيجا هرتز، ولكن الامتصاص يزيد مع زيادة التردد حتى يصل لذروته عند تردد 22.24 جيجا هرتز الذي يعتبر تردد الرنين الذي يحدث للموجات الرادارية.
وهذا بالطبع مثال لما يقابل المصمم من قيود ومحددات عند استخدام الترددات العالية التى تحقق له أصغر حجم ممكن للهوائي.
وهناك بلا شك دراسات مستفيضة حول هذا الموضوع وظهرت جداول ومنحنيات توضح مقدار الامتصاص للموجات الرادارية عند الترددات المختلفة.
ولقد اختار السوفيت، الذين يصممون رادارات الإنذار المبكر، نطاقات التردد المنخفضة مثل نطاق التردد " س " الذي يتراوح من 0.5 الى 1 جيجا هرتز ونطاق التردد " ب " الذي يتراوح بين 250 - 500 ميجا هرتز، أو نطاق التردد الأقل " أ " الذي يتراوح بين 100 - 250 ميجا هرتز ومثل هذه الترددات المنخفضة تم استخدامها أيضا في بعض رادارات البحث والإنذار الصينية.
وكانت النتيجة الطبيعية لتصميم هده الرادارات للعمل على ترددات منخفضة هي زيادة حجم الهوائيات زيادة هائلة في معظم الرادارات.
أما بالنسبة لأجهزة رادار البحث التكتيكي ورادارات التوجيه المستخدمة مع نظم الصواريخ أرض - جو، التي تقوم بالبحث والإنذار والتوجيه على مسافات أقل، فقد أصبحت مشكلة امتصاص طاقة الموجات الرادارية أقل تأثيرا على أداء هذا الرادار حيث أمكنها العمل على ترددات أعلى وبالتالي استخدام هوائيات أصغر حجما بكثير من هوائيات رادارات الإنذار المبكر.
ولكن بالنسبة لرادارات الإنذار المبكر في المستقبل التى تعمل على مسافات بعيدة فإنه لا يمكن تجنب امتصاص طاقة الرادار بواسطة بخار الماء العالق في الجو أو توهينها.
لذلك سوف يستمر التطوير باستخدام مكونات وعناصر إليكترونية حديثة صغيرة الحجم تؤدي وظائف متعددة حتى يمكن تقليل الحجم العام لجهاز الرادار.
التطور التكنولوحي
في تصميم هوائيات الرادارات الحديثة
يعتبر الشكل التقليدي للهوائيات المستخدمة في الرادارات الميكرووية هو العواكس الدائرية أو المستطيلة التى يتم إضاءتها بعنصر إشعاعي أو أكثر. وفي معظم رادارات الإنذار المبكر الكبيرة تم استخدام هوائيات المصفوفة التى تتكون من عدد كبير من العناصر الإشعاعية، وهذه العناصر قد تكون مشعات ثنائية القطب أو دليلاً موجياً ذا ثقوب ضيقة ( شقوق ) أو مشعات بوقية.
ولكي يتم تشكيل مجسم الإشعاعات الراداري بالصورة المطلوبة يتطلب ذلك ضبط زاوية الطور عند كل عنصر مشع بحيث يتم تجميع الطاقة المرسلة من الهوائي وتكون بينها علاقة رياضية تعتمد على زاوية الطور للإشارة الصادرة من كل عنصر مشع، لكى تكون مقدمةُ الموجة المشعة مستويةً وبهذا الشكل يتم تشكيل مجسم الإشعاعات المطلوب تحقيقه.
وزاوية الطور النسبية بين عناصر الإشعاع تحدد وضع مجسم الإشعاع والاتجاه الرئيسي له في الفراغ، ويتم ذلك بإعطاء كل عنصر إشعاعي في مصفوفة الهوائي قيمة زاوية الطور المطلوبة له من خلال وحدة صغيرة هى مزحزح الطور.
وبهده الطريقة يمكن تحريك مجسم الإشعاع بدون تحريك الهوائي وهذا ما يسمى بالمسح الألكتروني السلبي.
ولكن يعيب هذا الأسلوبَ فَقْدُ جزء كبير من الطاقة خلال مزحزحات الطور في هوائيات المصفوفات السلبية.
وفي مقابل الهوائيات ذات المصفوفات السلبية هناك نوع حديث يعرف بالهوائيات ذات المصفوفات الايجابية، التي تحتوي على عدد كبير من العناصر المشعة وهي عبارة عن (موديلات) كل منها يشتمل على (مرسل- مستقبل) وفي هذه (الموديلات) يتم تجميع مكونات المرسل ومكونات المستقبل بحيث تكون قريبة جدا وملاصقة للعناصر المشعة ويتم ترتيبها بطريقة تسمح بتقليل مقدار الفقد في القدرة الميكرووية المرسلة من جهاز الرادار. وفي الهوائي النموذجي يتم تجميع عدة آلاف من (موديلات) (المرسل - المستقبل) التى يشع كل منها حوالي عشرة وات من طاقة الموجات الميكرووية.
ويستطيع مصممو الرادارات التى تستخدم هذة النوعية من الهوائيات اختيار أكثر الأشكال الموجية مناسبة لمتطلبات مجسم الاشعاع، الذي يسمح باستخلاص الأهداف المطلوبة من داخل ركام الشوشرة على الأمداء المطلوبة. ولقد أمكن باستغلال التقنيات الجديدة للهوائيات الإيجابية تغيير الأشكال الموجية للإرسال من نبضة الى أخرى أو هبة من عدة نبضات الى أخرى. ويتكون الرادار ذو هوائي المصفوفات الإيجابية من مقطورة الهوائي وواقٍ أو أي وسيلة أخرى لتجميع معدات وأجهزة المعالجة ومصادر القدرة وفي مثل هذه الهوائيات يتم إنتاج القدرة الميكرووية مع تقليل معدات وأجهزة الإرسال الضخمة التى كانت تستخدم في الرادارات التقليدية من الأجيال الأولى.
وكنتيجة طبيعية لهذه الهوائيات الإيجابية ظهرت تقنية جديدة تعرف باسم " التشكيل المهايئ الرقمي للإشعاع " الذي يسمح لمجسم إشعاع الهوائي أن يتغير طبقا لمطالب محددة. ويتم التطابق مع الهدف والظروف العملياتية التكتيكية مع تقليل احتمال تعرض جهاز الرادار للشوشرة. ولاشك أن هذه التقنية قد ساعدت في التغلب على عيوب الدوائر التقليدية لتقليل الفصوص الجانبية لمجسم الإشعاع الراداري، كما أن هذه التقنية قد أتاحت حصر مصادر الشوشرة المتعددة مع إمكانية الوصول في نفس الوقت الى أقصى درجة ممكنة من إخمادها.
وهذه التقنية أيضا تسمح لجهاز رادار واحد أن يقوم بعدة مهام وذلك بتفصيل شكل مجسم الإشعاع وتوظيف أسلوب المسح الراداري طبقا للمطلوب.
ويفضل مستخدمو الرادار العسكريون أجهزة الرادارات ذات المصفوفات الايجابية لأن هذه التقنية أصبحت تتحكم في تطوير الرادارات العسكرية في الوقت الحالي وحتى عام 2010م على الأقل.
وما يمنع زيادة انتشار هذه النوعية من رادارات المصفوفات الايجابية في الأسواق العالمية الآن وحالة التطوير المستمر فيها وأيضا ارتفاع أسعارها.
العدائيات التقليدية
لرادارات الانذار المبكر
ان رادار البحث والإنذار، مهما كان نوعه، يمكن إسكاته وتدميره، فمنذ حرب فيتنام والتهديد الأكثر خطرا على مواقع الرادار هو الصواريخ المضادة للاشعاع الراداري التى يتم تزويدها برأس ذات باحث سلبي تم تصميمها لاكتشاف الاشارات الرادارية وتوجيه الصاروخ نحو الرادار الباعث لهذه الاشارات لتدميره.
ولهذا فإن هذه الصواريخ تجبر أجهزة الرادار على أن تغلق إشعاعها الكهرومغناطيسي أو أن تستمر في العمل تحت خطر التدمير.
وعلى الرغم من أن باحث الصاروخ المضاد للإشعاع الراداري يعتبر ذا قطر صغير نسبيا، حيث يقلل هذا من حجم هوائي الباحث، إلا أنه يستطيع التقاط الإشارات الرادارية واكتشاف الهوائي الذي قام ببثها، وبالتالي تحديد الرادار الهدف المطلوب تدميره. وعلى الرغم من أن الشعاع الرئيسي لمجسم الإشعاع الراداري لا يتم توجيهه مباشرة الى الصاروخ المهاجم فإن البواحث الخاصة بالصواريخ الحديثة المضادة للإشعاع الراداري (مثل الصاروخ "إس88) أصبحت حساسة جدا لدرجة أنها توجه نفسها على أقل مستوى من الطاقة يتم الحصول عليه من الفصوص الجانبية والفصوص الخلفية للرادار. وسواء تم الإشعاع من رادار ذي مصفوفة إيجابية أو من رادار تقليدي آخر فإن الفصوص الجانبية الصغرى لمجسم الإشعاع الراداري تساعد على جعل هذا الرادار واضحا أمام باحث الصاروخ، وقد أنتجت شركة لوكهيد مارتن هوائي رادار ذا فصوص جانبية صغيرة جدا مثل هوائي الرادار " 75 إن- ت بي إس ". وطبقا لتقرير الشركة المنتجة فإن هذا الهوائي يقلل إشعاع الفصوص الجانبية بنسبة أكبر من 50% وبالتالي تقلل من احتمال تعرض جهاز الرادار لخطر مداهمة الصواريخ راكبة الشعاع الراداري.
لقد كان للضربات الجوية الأمريكية يوم 16 فبراير 2001 ضد رادارات الإنذار المبكر العراقية طراز " تول كينج " الروسية الصنع، والرادارات " فولكس " الفرنسية الصنع -كان لها مدخل جديد لعدائيات مستحدثة حيث استخدمت القنابل الموجهة طراز " جي سو " وعلى الرغم من أن تأثير هذه القنابل كان ضعيفا نتيجة الأخطاء في التصويب الا أنها أظهرت أن هذا النوع من الصواريخ سوف يكون مؤثرا في المستقبل عند الاستخدام ضد الرادارات التى يكون قد تم تحديد مواقعها جغرافياً من قبل بكل دقة، حيث أن نموذج هذه القنابل الموجهة كان عريضا لدرجة أن القنابل التى فقدت نقط التصويب المخططة لها كانت لاتزال قادرة على إحداث بعض التدمير في أجهزة الرادار التى سقطت قريبة منها.
كيفية إخفاء أجهزة رادار الإنذار المبكر
كانت التقنية الأقدم لمنع الهجوم الجوي بالصواريخ على محطات الرادار هي التحكم الصارم والدقيق في بث الاشعاع الراداري وكان هذا يعني تشغيل المرسل الراداري لفترات محددة بدقة والإشعاع فقط في قطاعات معينة وإغلاق البث الإشعاعي نهائيا في حالة إطلاق صاروخ مضاد في اتجاه محطة الرادار. إلا أن معظم القوات العسكرية لم تكن مدربة تدريبا جيدا على هذا الاستخدام غير المتجانس لعمل أجهزة الرادار. مثال ذلك: القوات العراقية في الأيام الأولى لحرب الخليج عام 1991، فبمجرد أن بدأت العاصفة الالكترونية بالتشويش على أجهزة الرادار والانذار تم عزل هذه الأجهزة عن أداء عملها في شبكة الدفاع الجوي استعدادا لتدميرها وتدمير مواقع الصواريخ أرض-جو، وكانت محطات الرادار غير قادرة على العمل نهائيا وحاولت الاختفاء أو التحرك الى أقرب الأماكن وأكثرها أمانا حتى لا يتم تدميرها بعد أن تم رصدها وتحديد مواقعها.
وقد اطلعت أنا شخصيا على العدد الصادر لنشرة الكونجرس الأمريكي عن الحرب الألكترونية عند زيارتي للولايات المتحدة الأمريكية في شهر يناير 2001م، والتقرير بعنوان " الاستراتيجية المكثفة لإخماد قوات الدفاع الجوى المعادي "، وقد جاء في هذا التقرير أن كلا الجانبين قد واجه بعض المشاكل أثناء عمليات القوات المتحالفة في يوغسلافيا 1999 فلقد واجهت طائرة الإخماد الأمريكية مقاومة عنيفة لاختراق قوات الدفاع الجوي المتكامل اليوغسلافية التى كان لديها خبرة عالية وبذلت مجهودا كبيرا وقائيا لمقاومة اختراق شبكة الدفاع الجوى، وقد ساعدت هذه الجهود الوقائية في صد واعتراض العديد من الهجمات الجوية، ولكنها في نفس الوقت أثرت بالسلب على عمل قوات الدفاع الجوي اليوغسلافي في عدم البث الراداري في بعض الأوقات، وعدم القدرة أيضا على تحقيق الاتصال فيما بينها أثناء فرض فترات الصمت اللاسلكي على وسائل القيادة والسيطرة والاتصال.
وإذا تم تدريب قوات الدفاع الجوي جيدا على التحكم الجيد في البث الإشعاعي فسوف تظل هذه القوات مؤثرة وفعالة أثناء القتال ولكن يستلزم أن يعمل كل رادار أو مركز قيادة داخل شبكة قيادة وسيطرة واتصالات محكمة. وحيثما يكون موقع جهاز الرادار فإنه يجب تزويده بمستشعرات أخرى للعمل معه، مثل المتتبعات السلبية. وهذا التحكم في شبكة الدفاع الجوي وزيادة عدد المستشعرات يصبح أمرا حتميا الآن حتى تصبح قوات الدفاع الجوي قادرة على مقاومة التدمير.
خاتمة :
إن الصراع بين نظم التسليح المختلفة سيظل قائما ما اضطر الإنسان للدفاع عن نفسه فهكذا طبيعة الأشياء، فمثلا لكل فعل رد فعل، فكل سلاح له ما يبطله ولكن الحكمة تستدعي تطوير أسلوب الاستخدام وتطوير الأداء بشكل يبطل التقنيات التى يتمتع بها كل نظام وتؤكد بقاءه في المعركة.
والرادار، كنظام إنذار مبكر، له أيضا ما يبطله فهو بحجمه الكبير ولكي يحقق الإنذار على المدى الطويل يستلزم وجود هوائي ضخم وبالتالي يصبح هدفا سهلا للتدمير سواء من قريب أو من على بعد بوسائل القذف الحديثة.
ولقد أثبتت الحروب المختلفة، منذ نشأة أنظمة الرادار وحتى اليوم، مدى التأثير الكبير الذي تتعرض له هذه الرادارات في المراحل الأولى من العمليات الحربية. ولقد لعبت التكنولوجيا، على مر العقود السابقة، دورا كبيرا في سبيل تقليص حجم أجهزة الرادار، وقد حدث بالفعل ولكن ليس بالصورة التى قد يُعتقد أنها ستكون متاحة ومناسبة وستوقف الصراع الأبدي.
ولأكثر من عقد من الزمان بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فإنه قد حدث تطور كبير في أجهزة الرادار وذلك بالزيادة المطّردة في استخدام نطاقات التردد الكهرومغناطيسي والقدرة المرسلة لمحطات الرادار وبحلول عام 1960 كان قد امكن استغلال واستثمار كافة نطاقات التردد المتاحة في الاستخدام العملي لأجهزة الرادار، كما وصلت القيمة العظمى والمتوسطة للقدرة المرسلة الى مستويات عالية جدا تقترب من القدرات العالية المتوفرة بالرادارات الحديثة الموجودة بالخدمة الآن.
وعلى الرغم من استخدام بعض التقنيات الحديثة مثل " تقنية ضغط النبضة " التى تقلل قدر الامكان من متطلبات وقيود تصميم أجزاء المرسل، فإنه على المدى البعيد هناك زيادة كبيرة في قدرة الخرج المرسلة من جهاز الرادار غير المرغوب فيها، فقدرة الخرج المتاحة من صمام الموجة الراحلة- وهو أكثر مصدر للقدرة شيوعا في الرادارات الحديثة- تعتبر محدودة القيمة بتأثير العوامل الطبيعية العملية مثل الحاجة الى مصادر قدرة ذات جهد عال ونظم تبريد بالسائل حتى يمكن للمرسل أن يعمل بطريقة أكثر استقرارا.
وعلى الجانب الآخر فإن جهاز مستقبِل الرادار الذي يتلقى الإشارات المرتدة يجب أن يكون قادرا على العمل في وجود الأشكال المختلفة من الضوضاء المصاحبة للإشارة المرتدة؛ ولذلك يجب أن يكون جهاز المستقبل قادرا على اكتشاف الإشارة المرتدة وفصلها عن الشوشرة المرتدة من التأثيرات الأرضية غير المفيدة، وبعض هذه الشوشرة تتولد في جهاز المستقبل ذاته أي تعتبر شوشرة داخلية أو تذوب وتتداخل في الإشارات غير المرغوب فيها التى تصل الى دخل هوائي الرادار والمستقبل.
وكمثال لذلك: الإشارات المرتدة من الأرض المجاورة أو الأهداف الثابتة، والسحب التى تتحرك بسرعة الرياح، وتداخل التشويش المتعمد...
ولكن بفضل استخدام التقنيات الحديثة في معالجة الإشارات والبيانات أمكن استخلاص الأشارات المفيدة للأهداف وعزل الإشارات غير المرغوب فيها والتخلص منها لأن الإشارات غير المرغوب فيها تعتبر عشوائية، بينما تصل الإشارات المرتدة الحقيقية بصورة تكرارية الى المستقبِل، وفي هذه الحالة يستطيع مستخلص الرصد الآلي للأهداف قبول الإشارات المرتدة من الأهداف الحقيقية فقط عند وصولها تكراريا لعدة مرات طبقا لمعدل تكرار النبضة.
ولتحقيق أفضل أداء لجهاز الرادار لاكتشاف الأهداف الجوية على أكبر مسافة ممكنة وفي ظل مستوى تكنولوجي معين لنظم الإرسال والاستقبال يستلزم ذلك عمليا استخدام هوائيات ذات حجم أكبر حيث كلما زاد حجم الهوائي زاد كسبه. ويعتبر الهوائي ذو الكسب العالي في حالة تركيز الطاقة المرسلة من الرادار في حزمة أشعة ضيقة أكثر فائدة حيث يؤدي ذلك الى مضاعفة القدرة التى تسقط على الهدف المراد كشفه مما يساعد على تعظيم قيمة الإشارات الضعيفة التى ترتد من الأهداف التى توجد على مسافات بعيدة وتصل الى مستقبل جهاز الرادار بحيث يستطيع الإحساس بها واكتشافها.
ومن المعروف أن الشعاع الضيق للهوائي، بجانب وصوله لمسافات أطول في كشف الأهداف الجوية، فإنه يحقق أيضا قدرة فصلٍ زاويّة كبيرة بين الأهداف ويؤدي هذا الى دقة أعلى في تحديد زاوية اتجاه الهدف الجوي وارتفاعه ويعطي قدرة أعلى في التمييز بين مجموعة من الأهداف التى تطير على مسافات قريبة بعضها من بعض في تشكيل جوي. وكلما كان الشعاع أضيق فإن من شأنه أن يقلل من كمية الشوشرة والتداخلات غير المرغوبة التى تصل الى المستقيل.
ومن المعروف أن كسب الهوائي وبالتالي عرض الشعاع الرئيسي لمجسم الإشعاع الراداري يتناسب طرديا مع أبعاد الهوائي، الا أنه، كما هو موضح في المراجع العلمية الخاصة بالرادار، فإن حساب كسب الهوائي يعتمد على أبعاد الهوائي التى يمكن التعبير عنها بعلاقة رياضية مع الطول الموجي، وحيث أن الطول الموجي يتناسب عكسيا مع التردد فإنه كلما استخدمت ترددات أعلى كان حجم الهوائي أصغر من الناحية العملية.
إن الكلمة الحاكمة هنا هي " التطبيق العملي " حيث يؤثر الغلاف الجوي المحيط بالأرض على انتشار الموجات الكهرومغناطيسية فليست الأمور مطلقة أمام مصمم جهاز الرادار لكى يستخدم الترددات الأعلى دون قيود. والمشكلة الرئيسية أمام المصمم ترجع الى امتصاص بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي لطاقة الموجات الرادارية قبل وصولها الى الأهداف الجوية المطلوب اكتشافها على المسافات المحددة، ومثل هذا الامتصاص يكون في حدة الأدنى عند الترددات الأقل من جيجا هرتز، ولكن الامتصاص يزيد مع زيادة التردد حتى يصل لذروته عند تردد 22.24 جيجا هرتز الذي يعتبر تردد الرنين الذي يحدث للموجات الرادارية.
وهذا بالطبع مثال لما يقابل المصمم من قيود ومحددات عند استخدام الترددات العالية التى تحقق له أصغر حجم ممكن للهوائي.
وهناك بلا شك دراسات مستفيضة حول هذا الموضوع وظهرت جداول ومنحنيات توضح مقدار الامتصاص للموجات الرادارية عند الترددات المختلفة.
ولقد اختار السوفيت، الذين يصممون رادارات الإنذار المبكر، نطاقات التردد المنخفضة مثل نطاق التردد " س " الذي يتراوح من 0.5 الى 1 جيجا هرتز ونطاق التردد " ب " الذي يتراوح بين 250 - 500 ميجا هرتز، أو نطاق التردد الأقل " أ " الذي يتراوح بين 100 - 250 ميجا هرتز ومثل هذه الترددات المنخفضة تم استخدامها أيضا في بعض رادارات البحث والإنذار الصينية.
وكانت النتيجة الطبيعية لتصميم هده الرادارات للعمل على ترددات منخفضة هي زيادة حجم الهوائيات زيادة هائلة في معظم الرادارات.
أما بالنسبة لأجهزة رادار البحث التكتيكي ورادارات التوجيه المستخدمة مع نظم الصواريخ أرض - جو، التي تقوم بالبحث والإنذار والتوجيه على مسافات أقل، فقد أصبحت مشكلة امتصاص طاقة الموجات الرادارية أقل تأثيرا على أداء هذا الرادار حيث أمكنها العمل على ترددات أعلى وبالتالي استخدام هوائيات أصغر حجما بكثير من هوائيات رادارات الإنذار المبكر.
ولكن بالنسبة لرادارات الإنذار المبكر في المستقبل التى تعمل على مسافات بعيدة فإنه لا يمكن تجنب امتصاص طاقة الرادار بواسطة بخار الماء العالق في الجو أو توهينها.
لذلك سوف يستمر التطوير باستخدام مكونات وعناصر إليكترونية حديثة صغيرة الحجم تؤدي وظائف متعددة حتى يمكن تقليل الحجم العام لجهاز الرادار.
التطور التكنولوحي
في تصميم هوائيات الرادارات الحديثة
يعتبر الشكل التقليدي للهوائيات المستخدمة في الرادارات الميكرووية هو العواكس الدائرية أو المستطيلة التى يتم إضاءتها بعنصر إشعاعي أو أكثر. وفي معظم رادارات الإنذار المبكر الكبيرة تم استخدام هوائيات المصفوفة التى تتكون من عدد كبير من العناصر الإشعاعية، وهذه العناصر قد تكون مشعات ثنائية القطب أو دليلاً موجياً ذا ثقوب ضيقة ( شقوق ) أو مشعات بوقية.
ولكي يتم تشكيل مجسم الإشعاعات الراداري بالصورة المطلوبة يتطلب ذلك ضبط زاوية الطور عند كل عنصر مشع بحيث يتم تجميع الطاقة المرسلة من الهوائي وتكون بينها علاقة رياضية تعتمد على زاوية الطور للإشارة الصادرة من كل عنصر مشع، لكى تكون مقدمةُ الموجة المشعة مستويةً وبهذا الشكل يتم تشكيل مجسم الإشعاعات المطلوب تحقيقه.
وزاوية الطور النسبية بين عناصر الإشعاع تحدد وضع مجسم الإشعاع والاتجاه الرئيسي له في الفراغ، ويتم ذلك بإعطاء كل عنصر إشعاعي في مصفوفة الهوائي قيمة زاوية الطور المطلوبة له من خلال وحدة صغيرة هى مزحزح الطور.
وبهده الطريقة يمكن تحريك مجسم الإشعاع بدون تحريك الهوائي وهذا ما يسمى بالمسح الألكتروني السلبي.
ولكن يعيب هذا الأسلوبَ فَقْدُ جزء كبير من الطاقة خلال مزحزحات الطور في هوائيات المصفوفات السلبية.
وفي مقابل الهوائيات ذات المصفوفات السلبية هناك نوع حديث يعرف بالهوائيات ذات المصفوفات الايجابية، التي تحتوي على عدد كبير من العناصر المشعة وهي عبارة عن (موديلات) كل منها يشتمل على (مرسل- مستقبل) وفي هذه (الموديلات) يتم تجميع مكونات المرسل ومكونات المستقبل بحيث تكون قريبة جدا وملاصقة للعناصر المشعة ويتم ترتيبها بطريقة تسمح بتقليل مقدار الفقد في القدرة الميكرووية المرسلة من جهاز الرادار. وفي الهوائي النموذجي يتم تجميع عدة آلاف من (موديلات) (المرسل - المستقبل) التى يشع كل منها حوالي عشرة وات من طاقة الموجات الميكرووية.
ويستطيع مصممو الرادارات التى تستخدم هذة النوعية من الهوائيات اختيار أكثر الأشكال الموجية مناسبة لمتطلبات مجسم الاشعاع، الذي يسمح باستخلاص الأهداف المطلوبة من داخل ركام الشوشرة على الأمداء المطلوبة. ولقد أمكن باستغلال التقنيات الجديدة للهوائيات الإيجابية تغيير الأشكال الموجية للإرسال من نبضة الى أخرى أو هبة من عدة نبضات الى أخرى. ويتكون الرادار ذو هوائي المصفوفات الإيجابية من مقطورة الهوائي وواقٍ أو أي وسيلة أخرى لتجميع معدات وأجهزة المعالجة ومصادر القدرة وفي مثل هذه الهوائيات يتم إنتاج القدرة الميكرووية مع تقليل معدات وأجهزة الإرسال الضخمة التى كانت تستخدم في الرادارات التقليدية من الأجيال الأولى.
وكنتيجة طبيعية لهذه الهوائيات الإيجابية ظهرت تقنية جديدة تعرف باسم " التشكيل المهايئ الرقمي للإشعاع " الذي يسمح لمجسم إشعاع الهوائي أن يتغير طبقا لمطالب محددة. ويتم التطابق مع الهدف والظروف العملياتية التكتيكية مع تقليل احتمال تعرض جهاز الرادار للشوشرة. ولاشك أن هذه التقنية قد ساعدت في التغلب على عيوب الدوائر التقليدية لتقليل الفصوص الجانبية لمجسم الإشعاع الراداري، كما أن هذه التقنية قد أتاحت حصر مصادر الشوشرة المتعددة مع إمكانية الوصول في نفس الوقت الى أقصى درجة ممكنة من إخمادها.
وهذه التقنية أيضا تسمح لجهاز رادار واحد أن يقوم بعدة مهام وذلك بتفصيل شكل مجسم الإشعاع وتوظيف أسلوب المسح الراداري طبقا للمطلوب.
ويفضل مستخدمو الرادار العسكريون أجهزة الرادارات ذات المصفوفات الايجابية لأن هذه التقنية أصبحت تتحكم في تطوير الرادارات العسكرية في الوقت الحالي وحتى عام 2010م على الأقل.
وما يمنع زيادة انتشار هذه النوعية من رادارات المصفوفات الايجابية في الأسواق العالمية الآن وحالة التطوير المستمر فيها وأيضا ارتفاع أسعارها.
العدائيات التقليدية
لرادارات الانذار المبكر
ان رادار البحث والإنذار، مهما كان نوعه، يمكن إسكاته وتدميره، فمنذ حرب فيتنام والتهديد الأكثر خطرا على مواقع الرادار هو الصواريخ المضادة للاشعاع الراداري التى يتم تزويدها برأس ذات باحث سلبي تم تصميمها لاكتشاف الاشارات الرادارية وتوجيه الصاروخ نحو الرادار الباعث لهذه الاشارات لتدميره.
ولهذا فإن هذه الصواريخ تجبر أجهزة الرادار على أن تغلق إشعاعها الكهرومغناطيسي أو أن تستمر في العمل تحت خطر التدمير.
وعلى الرغم من أن باحث الصاروخ المضاد للإشعاع الراداري يعتبر ذا قطر صغير نسبيا، حيث يقلل هذا من حجم هوائي الباحث، إلا أنه يستطيع التقاط الإشارات الرادارية واكتشاف الهوائي الذي قام ببثها، وبالتالي تحديد الرادار الهدف المطلوب تدميره. وعلى الرغم من أن الشعاع الرئيسي لمجسم الإشعاع الراداري لا يتم توجيهه مباشرة الى الصاروخ المهاجم فإن البواحث الخاصة بالصواريخ الحديثة المضادة للإشعاع الراداري (مثل الصاروخ "إس88) أصبحت حساسة جدا لدرجة أنها توجه نفسها على أقل مستوى من الطاقة يتم الحصول عليه من الفصوص الجانبية والفصوص الخلفية للرادار. وسواء تم الإشعاع من رادار ذي مصفوفة إيجابية أو من رادار تقليدي آخر فإن الفصوص الجانبية الصغرى لمجسم الإشعاع الراداري تساعد على جعل هذا الرادار واضحا أمام باحث الصاروخ، وقد أنتجت شركة لوكهيد مارتن هوائي رادار ذا فصوص جانبية صغيرة جدا مثل هوائي الرادار " 75 إن- ت بي إس ". وطبقا لتقرير الشركة المنتجة فإن هذا الهوائي يقلل إشعاع الفصوص الجانبية بنسبة أكبر من 50% وبالتالي تقلل من احتمال تعرض جهاز الرادار لخطر مداهمة الصواريخ راكبة الشعاع الراداري.
لقد كان للضربات الجوية الأمريكية يوم 16 فبراير 2001 ضد رادارات الإنذار المبكر العراقية طراز " تول كينج " الروسية الصنع، والرادارات " فولكس " الفرنسية الصنع -كان لها مدخل جديد لعدائيات مستحدثة حيث استخدمت القنابل الموجهة طراز " جي سو " وعلى الرغم من أن تأثير هذه القنابل كان ضعيفا نتيجة الأخطاء في التصويب الا أنها أظهرت أن هذا النوع من الصواريخ سوف يكون مؤثرا في المستقبل عند الاستخدام ضد الرادارات التى يكون قد تم تحديد مواقعها جغرافياً من قبل بكل دقة، حيث أن نموذج هذه القنابل الموجهة كان عريضا لدرجة أن القنابل التى فقدت نقط التصويب المخططة لها كانت لاتزال قادرة على إحداث بعض التدمير في أجهزة الرادار التى سقطت قريبة منها.
كيفية إخفاء أجهزة رادار الإنذار المبكر
كانت التقنية الأقدم لمنع الهجوم الجوي بالصواريخ على محطات الرادار هي التحكم الصارم والدقيق في بث الاشعاع الراداري وكان هذا يعني تشغيل المرسل الراداري لفترات محددة بدقة والإشعاع فقط في قطاعات معينة وإغلاق البث الإشعاعي نهائيا في حالة إطلاق صاروخ مضاد في اتجاه محطة الرادار. إلا أن معظم القوات العسكرية لم تكن مدربة تدريبا جيدا على هذا الاستخدام غير المتجانس لعمل أجهزة الرادار. مثال ذلك: القوات العراقية في الأيام الأولى لحرب الخليج عام 1991، فبمجرد أن بدأت العاصفة الالكترونية بالتشويش على أجهزة الرادار والانذار تم عزل هذه الأجهزة عن أداء عملها في شبكة الدفاع الجوي استعدادا لتدميرها وتدمير مواقع الصواريخ أرض-جو، وكانت محطات الرادار غير قادرة على العمل نهائيا وحاولت الاختفاء أو التحرك الى أقرب الأماكن وأكثرها أمانا حتى لا يتم تدميرها بعد أن تم رصدها وتحديد مواقعها.
وقد اطلعت أنا شخصيا على العدد الصادر لنشرة الكونجرس الأمريكي عن الحرب الألكترونية عند زيارتي للولايات المتحدة الأمريكية في شهر يناير 2001م، والتقرير بعنوان " الاستراتيجية المكثفة لإخماد قوات الدفاع الجوى المعادي "، وقد جاء في هذا التقرير أن كلا الجانبين قد واجه بعض المشاكل أثناء عمليات القوات المتحالفة في يوغسلافيا 1999 فلقد واجهت طائرة الإخماد الأمريكية مقاومة عنيفة لاختراق قوات الدفاع الجوي المتكامل اليوغسلافية التى كان لديها خبرة عالية وبذلت مجهودا كبيرا وقائيا لمقاومة اختراق شبكة الدفاع الجوى، وقد ساعدت هذه الجهود الوقائية في صد واعتراض العديد من الهجمات الجوية، ولكنها في نفس الوقت أثرت بالسلب على عمل قوات الدفاع الجوي اليوغسلافي في عدم البث الراداري في بعض الأوقات، وعدم القدرة أيضا على تحقيق الاتصال فيما بينها أثناء فرض فترات الصمت اللاسلكي على وسائل القيادة والسيطرة والاتصال.
وإذا تم تدريب قوات الدفاع الجوي جيدا على التحكم الجيد في البث الإشعاعي فسوف تظل هذه القوات مؤثرة وفعالة أثناء القتال ولكن يستلزم أن يعمل كل رادار أو مركز قيادة داخل شبكة قيادة وسيطرة واتصالات محكمة. وحيثما يكون موقع جهاز الرادار فإنه يجب تزويده بمستشعرات أخرى للعمل معه، مثل المتتبعات السلبية. وهذا التحكم في شبكة الدفاع الجوي وزيادة عدد المستشعرات يصبح أمرا حتميا الآن حتى تصبح قوات الدفاع الجوي قادرة على مقاومة التدمير.
خاتمة :
إن الصراع بين نظم التسليح المختلفة سيظل قائما ما اضطر الإنسان للدفاع عن نفسه فهكذا طبيعة الأشياء، فمثلا لكل فعل رد فعل، فكل سلاح له ما يبطله ولكن الحكمة تستدعي تطوير أسلوب الاستخدام وتطوير الأداء بشكل يبطل التقنيات التى يتمتع بها كل نظام وتؤكد بقاءه في المعركة.
والرادار، كنظام إنذار مبكر، له أيضا ما يبطله فهو بحجمه الكبير ولكي يحقق الإنذار على المدى الطويل يستلزم وجود هوائي ضخم وبالتالي يصبح هدفا سهلا للتدمير سواء من قريب أو من على بعد بوسائل القذف الحديثة.
ولقد أثبتت الحروب المختلفة، منذ نشأة أنظمة الرادار وحتى اليوم، مدى التأثير الكبير الذي تتعرض له هذه الرادارات في المراحل الأولى من العمليات الحربية. ولقد لعبت التكنولوجيا، على مر العقود السابقة، دورا كبيرا في سبيل تقليص حجم أجهزة الرادار، وقد حدث بالفعل ولكن ليس بالصورة التى قد يُعتقد أنها ستكون متاحة ومناسبة وستوقف الصراع الأبدي.