إعداد الدولة من أشق وأضخم الأعمال الاستراتيجية التي تقوم بها الدول، ذلك لأنه يتطلب جهوداً واستعدادات وإمكانات جبارة ومستمرة، لا تتوقف عند حد معين، ولا تقتصر على قطاع بعينه من قطاعات الدولة، بل إنها تمتد لتشمل كل ما تملكه الدولة من قوات عسكرية، وقدرات اقتصادية، وقدرات بشرية، ورصيد علمي وتقاني، وقيادة سياسية قادرة على استنهاض الجبهة الداخلية - التي تعتبر الركيزة الأساسية لقوة الدولة وقدرتها - وحفز معنويات الشعب لمواجهة العدوان وخوض الحرب... ومن تضافر هذه العوامل مجتمعة تستطيع الدولة ردع العدوان في أية لحظة، وتحقيق النصر بأقل خسائر وفي أسرع وقت ممكن.
"وإذا كانت نظرية إعداد الدولة للحرب من نظريات العصر الحديث، فإن العقيدة العسكرية الإسلامية قد قررتها منذ أربعة عشر قرناً، ووضعت لها المبادئ والأساليب"(1) فهناك العديد من الآيات القرآنية الكريمة التي تحث المسلمين على الاستعداد الدائم لخوض الحرب، وتسخير كافة القدرات لردع العدوان؛ يقول الحق تبارك وتعالى في محكم تنزيله: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل تُرهبون به عدو الله وعدوكم) (2). وتحفل سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) بإعداد الدولة الإسلامية - منذ نشأتها في المدينة المنورة - لخوض الحروب جهاداً في سبيل الله.
لذلك فإن إعداد الدولة للحرب واجب شرعي على الأمة بأسرها وعلى جميع أجهزتها، ومن الخطورة أن تترك الأمور التي تمس كيان ومستقبل الدولة -وخاصة أمور الدفاع عنها - إلى المصادفة والقدر، فيجب أن تكون الدولة مستعدة حتى لا تفاجأ بتورطها في صراع مسلح دون إعداد جيد ومدروس. وإن كافة التدابير والإجراءات والجهود التي تتخذها الدولة في زمن السلم في سبيل الذود عن أراضيها وشعبها، تندرج تحت ما يعرف بإعداد الدولة للحرب. إن إعداد الدولة للحرب ليست عملية محددة، أو محدودة تتم وتنتهي في توقيت محدد ثم تتوقف، بل هي عملية مستمرة تساير التطور وتلاحق الأحداث، بل وتسبقها لتستعدَّ لها(3).
وحيث إن إعداد الدولة للحرب يشمل كافة الجوانب: العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والمعنوية، لأن كل جانب منها يؤثر على الآخر، لهذا سنتحدث في هذه الحلقة عن المقصود بالإعداد، والدولة، والحرب، ثم أربط ذلك بمفهوم إعداد الدولة، ثم أوضح أهمية إعداد الدولة للحرب، مع ربط ذلك بوجهة النظر الإسلامية، لأن التاريخ الإسلامي خير نبراس نستهدي منه كل أمورنا، ويكفينا توجيه رب العالمين في القرآن الكريم وسنة رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) لأنه المثل الذي يقتدى به ديناً ودنيا.
الإعداد
حتى نستطيع أن نصل إلى مفهوم وأهمية إعداد الدولة للحرب يجب أن نفهم ما هو المقصود من كلمة الإعداد. فالإعداد في اللغة يعني التحضير أو التهيؤ لأمر ما، ولكن خير من يوضح لنا الإعداد هو القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون(4) فهذه الآية توضح أن إعداد القوة ليس حالة طارئة في الدولة الإسلامية، بل حالة دائمة، وإلا كان ذلك مخالفة للوجوب الذي هو من مفهوم فعل الأمر "أعدّوا". (كما تتضمن هذه الآية الكريمة فرض الحرب وضرورة الإعداد لها، بأقصى جهد ممكن، والاهتمام بالجيش، سواء في زمن السلم والحرب، كما أنها تتضمن ذكر الأسباب من أجلها فرض الإعداد، وضرورة الإنفاق في سبيل الله من الفكر والعلم والجهد والمال، مع وعد من الله بالظفر والوفاء لهم بردِّ ما أنفقوا)(5). ويستلزم الإعداد الترقي والتقدم يوماً بعد يوم، سواء أكان ذلك من حيث الكمية أم من حيث الكيفية. فقد (أمر الله تعالى عباده بأن يجعلوا الاستعداد للحرب، لدفع العدوان والشر لحفظ النفس ورعاية الحق والعدل الفضيلة بأمرين:
أ . إعداد جميع أسباب القوة لها بقدر الاستطاعة.
ب. مرابطة فرسانهم في ثغور بلادهم وحدودها.
وهذان الأمران هما اللذان تعول عليهما جميع الدول المتحاربة -إلى هذا العهد- في الفنون العسكرية وعتاد الحرب)(6)، لذلك فالواجب على المسلمين في هذا العصر بنص القرآن: صنع كافة أنواع الأسلحة وتطويرها حسب العصر، وتعلم الفنون والصناعات. لذا (إن الإعداد يجب أن يبدأ بالإعداد العلمي بين رجال أمة، بلغ عددهم قرابة مليار مسلم، وقرابة مئة وأربعين مليون عربي)(7)، ونحن لا ينقصنا المال ولا ينقصنا الرجال، ولكن تنقصنا الإرادة على العمل. (لقد قال: جمال الدين القاسمي قبل ثمانٍ وتسعين سنة: وكيف لا يطمع العدو بالممالك الإسلامية ولا ترى فيها معامل للأسلحة وذخائر للحرب، بل كلها تشتري من بلاد العدو)(8). نعم لم يتغير شيء منذ أن كتب القاسمي هذا النداء عام (1322ه) حتى اليوم. لذلك يجب أن نعد القوة حتى يتحقق قوله تعالى: ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم. كما أنه يجب علينا أن نستعمل عقول علماء المسلمين، ونفتح باب الدراسات العلمية، ونخصص الميزانية التي تساعد على إنشاء مصانع لإعداد الأسلحة بمختلف أنواعها بأيد مسلمة، وليس بأيدي عدونا. ويجب أن يتصف الإعداد بالآتي(9):
أ - إن الإعداد هو أول قواعد القتال وأعظمها شأناً، وبدونه لا تقوم دعوة، ولا تصلح جماعة، ولا تكون أمة، ولا تدوم دولة.
ب- إن الإعداد شاق وعسير، ولكنه ميسر على أصحاب العزائم، وأولي الأبصار، ولا يتم إلا بالصبر على العمل المتواصل والمنتج، والبذل السخي والإيمان بالحق، والحكمة في التدابير، والثقة في النتيجة.
ج- إن الإعداد للحرب نوعان:
(1) إعداد فكري روحي، وهو اكتساب العلم والثقافة، ودراسة تاريخ الحروب وسير قادتها، والتشبع بالعقيدة السامية، واستمداد الشحنة النفسية القوية من الإيمان بعدالة الحرب وحتمية النصر والسعي إلى الشهادة، وتنمية الفضائل الحربية كالصبر، والشجاعة، وروح التعاون، وطاعة القادة، ومحبة رفاق السلاح، والتدريب على ضبط النفس وقهر الشهوات الذي اعتبره الرسول (صلى الله عليه وسلم) الجهاد الأكبر.
(2) إعداد مادي، ويتضمن تدريب الرجال على فنون القتال، وتقوية أجسامهم، وتعويدهم على شظف العيش، وإعداد الأسلحة ووسائل النقل وأدوات الحصار، وتكديس المؤن والذخائر ومتطلبات العلاج.
وهكذا يتضح لنا أن الإسلام دين سلام، يريد للمسلمين القوة لئلا يطمع فيهم أحد، وأن يكونوا مرهوبي الجانب، حتى لا يقتحم ديارهم أحد ولا يجرؤ على انتهاك حرمة أراضيهم أحد. وكما يتضح فإن الإعداد ليس المقصود به الإعداد العسكري فقط، بل يشمل الإعداد السياسي، والإعداد المعنوي للشعب والجيش، والإعداد المادي، والاجتماعي، والإعداد الاقتصادي وسيتم شرح ذلك بالتفصيل في الحلقات القادمة.
الدولة
إن الدولة بمقوماتها من أرض وشعب ومياه وسماء وثروات طبيعية، هي العنصر الأساسي المطلوب إعداده للحرب؛ لذا يجب أن يكون للدولة كيان مستقل، ولها أنظمة وأجهزة تسيطر على شئونها، ولها دستور تدير به كافة سياستها الداخلية والخارجية، ولها جيش قوي يذود عنها ويصون أراضيها. ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة في بنائه للدولة الإسلامية؛ حيث بدأ الرسول الدعوة بقلّة من المسلمين، وبدأ مرحلة جهاد تحمّل فيها البلاء من أجل نشر الدعوة، وقضى هو وأصحابه بضع عشرة سنة في مكة في حالٍ من الخوف والرجاء حتى جاءه الأمر بالهجرة إلى المدينة؛ ومن هناك بدأ في تنظيم أمور المسلمين في ميثاق جامع نظم فيه العلاقة بين المهاجرين والأنصار، وبين الأنصار بعضهم مع بعض، وعقد معاهدات مع اليهود، وتناول شئون السلم والحرب، ووضع القواعد، وأرسى المبادئ، فكان هذا الميثاق هو أول دستور في الإسلام. كما قام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتأسيس دولة بكافة أجهزتها وشئونها على أساس من العدل والاستقامة، وكان أفراد الشعب مجاهدين في سبيل الله لرفع كلمة (لا إله إلا الله)، ومن هذا المنطلق فقط اتسعت الدولة الإسلامية حتى شملت العالم، رغم أن المسلمين كانوا قلة في العدة والعتاد، وكانت الدولة الإسلامية دولة سلام، لا دولة حرب.
أ - مفهوم الدولة للسلام(10):
السلام يعني التمسك بالأهداف الوطنية والعربية والإسلامية لإدارة أي صراع، مع مراعاة الظروف الدولية، والهدف النهائي له هو احتواء الصراع العسكري، مع استغلال القوى الوطنية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والعقائدية، وليس القوة العسكرية وحدها.
ب- تؤسس النظرية الإسلامية في إعداد الشعب للمعركة على الأسس التالية(11):
(1) وحدة الأمة وتماسك الجبهة الداخلية.
(2) قوة معنويات الشعب وإرادته القتالية.
(3) الأمن ومقاومة الحرب النفسية.
(4) الدفاع الشعبي وحراسة المنشآت الحيوية.
(5) الإعلام والتوعية والنشاط السياسي والدبلوماسي.
ج- مفهوم المذهب العسكري للدولة:
للمذهب العسكري دور بارز في رسم سياسة الأمن، وذلك بالتعامل مع المنازعات الدولية بالطرق الدبلوماسية، أو باستخدام القوة وهذا بدوره يؤثر على إعداد القوات المسلحة (كما أن المذهب العسكري عرضة للتغير والتطور حسب النظام الاجتماعي للدولة، وسياستها الخارجية والداخلية، والمستوى الاقتصادي والمعنوي والثقافي؛ إضافة إلى تطور الأسلحة والعلوم والفنون العسكرية. وكذلك يتأثر بالمواقع الجغرافي للدولة ومدى علاقتها بجيرانها، وكذلك بتقاليد وتراث شعبها وخصائصه الدينية والقومية، لذلك فإن لكل دولة مذهبها العسكري الخاص بها، مهما تشابهت في بعض جوانبها مع مذاهب أخرى)(12).
د- إعداد أجهزة الدولة:
تعتبر أجهزة الدولة جزءاً أساسياً من الدولة، وهي التي تحدد الأنظمة والقوانين، الأمر الذي يوجب على الدولة إعداد هذه الأجهزة وتهيئتها لحالة الحرب، وتأمين كل متطلباتها، حيث لا يمكن عند مواجهة الصراع أن تكون القوات المسلحة فقط جاهزة لهذا الصراع، بينما يعيش باقي أجهزة الدولة في مناخ السلم، وبالتالي يجب إعداد هذه الأجهزة بما يضمن الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة زمن الحرب، بما يضمن استقرار السيطرة والعمل للنشاطات المختلفة للدولة ومؤسساتها الإنتاجية دون توقف أو تأثير كبير نتيجة للصراع الدائر.
ه- إعداد أراضي الدولة:
تشمل أراضي الدولة الجزء من المياه أو البحار المتاخم لها، ومجالها الجوي، اللذين يمكن أن تدور عليهما أعمال قتالية، ولذلك يجب اتخاذ كافة الإجراءات لحماية حدود الدول البرية والجوية والبحرية، ولذلك بتوافر شبكة من المطارات والموانى وطرق المواصلات، لمواجهة الأغراض العملياتية والاستراتيجية الهامة؛ مع الوضع في الاعتبار أن المناطق المتاخمة لحدودها هي الأكثر احتمالاً لاستخدام القوات المسلحة، وبالتالي تحتاج إلى تجهيز خاص يتسم -بصفة عامة- بالسمات العسكرية أساساً.
الحرب
إن الحرب قديمة قدم الإنسان. وهي في أبسط معانيها لجوء أحد طرفي النزاع إلى القوة المسلحة لحسم النزاع لصالحه. وستبقى الحرب -بما تحمله من آلام ومآسٍ- ما بقي الإنسان وابليس في الدنيا إلى أن يبعث الله عباده، وهي فترة الابتلاء والاختبار لبني آدم على الأرض التي استخلفهم الله سبحانه وتعالى فيها.
والحرب ترتبط بمجموعة أهداف، وهذه الأهداف هي التي تحدد هوية الحرب، وهل هي حرب عادلة أم حرب غير عادلة... وترتبط الحرب كذلك بالعقيدة التي تسود المجتمع في ظل الإسلام، فالحرب مرتبطة بالعقيدة وحدها، إذ لا تشن لأسباب ودوافع سياسية واقتصادية، وهذا هو الاختلاف بين الحرب عند المسلمين وعند من سواهم، إذاً فالحرب -قديماً وحديثاً- واحدة لا تتبدل في الجوهر والمضمون، وإنما تتبدل في الأهداف والوسائل لتكون انعكاساً للمدى الذي توصل إليه البشر من النضج والعلوم والتقدم(13).
أ - علاقة الإسلام بالحرب:
أقر الإسلام الحرب باعتبارها تجسيداً للصراع الدائم بين الخير والشر، ووضع لها الضوابط التي تخرجها عن دائرة العدوان والبطش، ف(الحرب ضرورة اجتماعية تقدر بقدرها، هكذا هي في نظر الإسلام، ولا بد من الحرب لردع المعتدي وكف الظالم ونصرة المظلوم)(14). يقول الله تعالى: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين(15)، وقد وردت كلمة "الحرب" في القرآن الكريم بمعنى القتال، وذلك في عدة مواضع، نذكر منها:
(1) قوله تعالى: كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله (16)، وهذه الآية وردت في سياق وصف اليهود وإثارتهم للفتن المستمرة وسعيهم للفساد في الأرض.
(2) قوله تعالى: فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون(17) وقد جاءت هذه الآية في سياق من يعاهدون المسلمين على السلم ثم يغدرون بهم ويشهرون الحرب.
(3) قوله تعالى: فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها(18) وكثيراً ما يورد القرآن الكريم قضية الحرب تحت كلمة الجهاد، حيث جاءت في أربعين موضعاً في القرآن الكريم، وغالباً ما تكون مقيدة بكونه في سبيل الله.
ب أهداف الحرب في الإسلام:
للحرب في الإسلام غايات نبيلة وسامية، منها(19):
1 رد العدوان والدفاع عن النفس والأهل والمال والوطن والدين.
2 تأمين حرية الدين والعقيدة للمؤمنين.
3 حماية الدعوة حتى تبلغ الناس جميعاًً.
4 تأديب ناكثي العهد من المعاهدين أو الفئة الباغية على جماعة المؤمنين.
5 إغاثة المظلومين من المؤمنين.
ج السلام في عقيدة الإسلام :
إن عقيدة الإسلام عقيدة سلم، لا عقيدة حرب، وإن كانت في بداية نشر الدعوة بدأت بالقتال كأمر من الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام، إلا أن كل من لم يدخل في الإسلام، وظل على دينه مع دفع الجزية، فإن الأمة الإسلامية توفر له الحماية وينعم بكل ما ينعم به المسلم وقد جعل القرآن الثمرة المرجوة من اتباع الإسلام هي الاهتداء إلى طريق السلام والنور، كما يفهم من قوله تعالى : قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم(20) والسلام اسم من أسماء الله عز وجل كما في قوله تعالى: هو الله الذي الا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون(21) كما أن الله فرض على المسلمين قتال الكفار سواء أبدأوا بالقتال أم يبدأوا، وهذا في قوله تعالى: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون(22) وهذه الآية تدل على قتال الكفار من أهل الكتاب حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية، والقول بغير هذا يؤدي إلى مواجهة الواقع بما لا يكافئه، وبالتكليف ما هو فوق الطاقة...(والجهاد اسم شامل لجميع العمليات الحربية يؤخذ من كل منها ما يمليه الموقف ويرتضيه الإسلام)(23).
د الإعداد للحرب :
لقد تطورت طرق الإعداد للحرب، فكان في أول الأمر لا يعدو تجهيز بعض المقاتلين المأجورين، ثم تطور إلى تجهيز الأمة بأسرها، ثم إلى تجهيز جيوش نظامية محترفة، حيث يتخذ الجنود من الحرب مهنة لهم. أما الإعداد للحرب في الإسلام فينطلق من قول الحق تبارك وتعالى : وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم، وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون(24)
مفهوم إعداد الدولة للحرب
يتناول كثير من المفكرين السياسيين والاستراتيجيين موضوع إعداد الدولة للحرب لتكون قادرة للدفاع عن نفسها، وقد دخل اصطلاح "إعداد الدولة للحرب" في مجال العقيدة والاستراتيجية العسكرية للدولة حديثاً، بعد أن أصبحت طبيعة الحرب الحديثة تعني أن الشعب وقواته المسلحة يخوضون الحرب، ويتحملون أعباءها ويواجهون مخاطرها معاً، بعد أن انتهى ذلك العهد الذي كانت فيه الحروب مقتصرة على تصارع الجيوش في ميادين القتال، وقد اتفق الاستراتيجيون على أن أعداد القوات المسلحة للحرب، ما هو إلا جانب واحد من عمل ضخم يحتوي على جوانب أخرى، مثل إعداد اقتصاد الدولة للحرب، وإعداد الشعب معنوياً ومادياً للحرب، وإعداد أراضي الدولة للحرب... وهذا العمل الضخم الذي يشمل هذه الجوانب يطلق عليه: (إعداد الدولة للحرب)، وهو عمل من أعمال الاستراتيجية العليا أو الشاملة، واسع المدى بحيث يشمل كل ما يمنح الدولة القدرة على ردع العدوان في أية لحظة، أو تحقيق النصر في أقل وقت ممكن، والصمود للحرب طويلة الأمد، والتقليل من الخسائر التي تسببها ضربات العدو، والمحافظة على مستوى عال من الروح المعنوية من إرادة القتال والصمود لدى الشعب. أي إنه عمل يتطلب حشد كل القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والعسكرية، في تخطيط منسق لتحقيق غاية قومية أو هدف استراتيجي واحد(25).
ومن البديهي أن قدرة وإمكانيات دولة ما تختلف عن الآخرين؛ فهناك دول تتميز بكثافة شعبها ولكن تنقصها الثروات؛ وهناك دول تتميز بثرواتها ولكن قدرتها البشرية ضعيفة؛ ودول تمتلك (التكنولوجيا) الحديثة، وأخرى تعتمد على استيراد كل شيء وتكون تحت سيطرة الدول التي تعتمد عليها، ولذلك يجب على كل دولة عندما تعد نفسها للحرب، أن تعرف ما تملكه من نقاط القوة والضعف، وتحاول علاج نقاط الضعف على المدى الطويل حتى تصل إلى مرحلة من القوة التي تعتمد فيها على نفسها وتمتلك القوة التي تجعلها في وضع قوي أمام الدول الأخرى، نظراً لاختلال التوازن على مستوى العالم في الوقت الحالي، حيث أصبحت هناك كتلة واحدة تتحكم في كل شيء ولا تضع اعتباراً لهيئة الأمم المتحدة، التي تمثل الهيئة الوحيدة التي من الواجب عليها أن تطبق العدالة وتردع المعتدي. ولكن نظراً لضعف كيان هذه الهيئة، أصبح الأمر يعتمد على قوة الدولة ذاتها للدفاع عن نفسها وحماية حدودها، وهذا لن يتأتّى إلا إذا أعدت الدولة نفسها. لذلك أرى أن الدولة التي لم تعد نفسها لامتلاك القوة التي تجعلها قادرة على صد العدوان وتأمين كيانها ومصالحها القومية، وتصبح لديها القدرة على تعبئة الموارد والإمكانيات للدفاع عن سيادتها واستقلالها وحماية حدودها، فإنها سوف تصبح في عالم اليوم ألعوبة في يد أعدائها، ولن تجد من يناصرها، وسترضخ حتماً إلى أي شروط تفرض عليها ويكون نهايتها الضعف؛ والامثلة في العالم حولنا خير دليل على هذا، ومن أجل ذلك على الدولة تطوير قدراتها الشاملة، والعمل على تحمل الضربات التي توجه إليها، مع صمودها لإدارة حرب طويلة إذا لزم الأمر.
ولا شك أن مقومات النجاح لإعداد الدولة للحرب تكمن أساساً في مدى قناعة الشعب بكل ما يتعلق بمسائل الدفاع عن الوطن، ويكون لديه الاستجابة لواجب الدفاع عن الوطن من منطلق تفهم واضح لجوهر استعداد الدولة لحماية كيانها وتحقيق أهدافها. ومن مقومات النجاح في موضوع إعداد الدولة للحرب، إدارة سياستها الخارجية بما يحقق للدولة قوتها ووزنها السياسي في علاقاتها الدولية وانتماءاتها الإقليمية مع الدول المجاورة، وبما يحقق آمال الشعب في تطوير وتنمية اقتصادية من خلال علاقاته الدولية، وبما ينعكس على مستوى المعيشة للفرد ورخاء المجتمع (26).
ومن المعلوم أن قادة المسلمين أيام حضارة الإسلام حيث كان الإسلام عزيزاً عظيماً، وحيث كان المصدر الرئيسي للتشريع هو (القرآن والسنة) تمكنوا من رفع راية (لا إله إلا الله) على العالم أجمع، وأصبحوا سادة الأمم، لأنهم باعوا الدنيا بالأخرة، وبالتالي نصرهم الله لأنهم حققوا مفهوم إعداد الدولة للحرب من جهة النظرالإسلامية. أما اليوم بعد أن تمكن الشيطان منهم، وجعل الدنيا فتنة لهم فقد أهملوا فرضاً من فروض الكفاية ألا وهو الجهاد، فأصبحت الأمة آثمة بترك هذا الفرض، ولذا نعاني من غصته اليوم ما نعاني. (وعلى من يدعي أنه يحارب للدين، أن يحيي الدعوة الإسلامية ويعد لها عدتها، من العلم والحجة، بحسب حال العصر وعلومه، ويقرن ذلك بالاستعداد التام لحمايتها من العدوان)(27).
أهمية إعداد الدولة للحرب
(لقد أصبحت قوة أي دولة وقدرتها على الدفاع عن نفسها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية لا تقاس بمدى قوتها العسكرية فحسب، بل بمتانة اقتصادها وقوة ومعنويات شعبها، وعلى رأسها عقيدتها وتقدمها العلمي والتقني، إلى غير ذلك من عناصر القوة المادية والمعنوية للجبهة الداخلية التي تشكل السند القوي للجيش)(28).
وإعداد الدولة للحرب عامل هام للحفاظ على هيبتها وثرواتها وثقتها وإرهاب أعدائها، وهو عمل ضخم يشمل كافة عناصر الدولة، ويمنح الأمه القدرات التالية:
1 القدرة على ردع العدوان في أية لحظة.
2 تحقيق النصر على العدو في أقل وقت ممكن.
3 الصمود للحرب طويلة الأمد.
4 التقليل من الخسائر التي تسببها ضربات العدو.
5 المحافظة على مستوى عالٍ من الروح المعنوية للشعب.
إن القوة التي يأمر بها الإسلام ليست مقتصرة على القوة العسكرية وحدها، بل هي القوة الشاملة التي تجمع كل عناصر القوة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمعنوية... إلخ، ومن أبرز مظاهر أهمية إعداد الدولة أن تكون مستعدة ومتيقظة لكل ما يخططه العدو، وتكون جاهزة للتصدي لأي مخططات وإفشالها، وتروي لنا كتب السيرة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد اهتم بالإعداد المادي، حيث اهتم بإعداد الفرد بدنياً، من حيث سلامة جسمه وتقويته ثم تدريبة على القتال (والأمة الإسلامية مأمورة بالإعداد للجهاد واتخاذ القرار في كل الأوقات والأماكن أكان ذلك وقت السلم أم الحرب؛ وإن كل سبب مباح يؤدي إلى زيادة قوة المسلمين وإرهاب أعدائهم هو من القوة المأمور بها شرعاً، والواجب على الأمة السعي لاتخاذها وإعدادها)(30).
وحتى يتحقق النصر على أعداء الإسلام، يجب الاهتمام بإعداد أنفسنا وإصلاحها، وألا نخاف أو نخشى من أعدائنا لأن أرزاقنا وأعمارنا بيد الله. ويجب أن نعلم أن السعي للإعداد للحرب بكل الوسائل والإمكانيات مطلوب، ولكن الأهم من ذلك أن يكون التوكل على الله بقلوب مؤمنة، لأنه (مهما بلغت القوة فالقوة عارضة، وكثرة الجنود لن تغني من الله شيئاً، والسلاح بغير نصر من الله مفلول، والتدريب بغير تأييد الله مهزوم، ولنعلم أن النصر من عند الله وأن العدد والعدة والتدريب والسلاح أسباب فقط أمرنا باتخاذها فأطعنا)(31)، قال تعالى: وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم (32).
نستطيع القول في نهاية هذا الفصل : (إن عقيدة التوحيد لا تنتهي حروبها إلا بعلو كلمة الله، وبنشر الإسلام في الأرض ينتشر السلام معه... فالسلام هو الإسلام كما وضحنا سابقاً حينئذ تنتهي الحرب وإلى الأبد... فالسلام قاعدة والحرب استثناء في ظل الشريعة الإسلامية)(33).
الهوامش:
(1) اللواء الركن- محمد جمال الدين محفوظ: المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الإسلامية (القاهرة: الهيئة المصرية للكتاب، الطبعة الثامنة، 1967) ص 345 .
(2) سورة الأنفال، الآية (60).
(3) إعداد الدولة للحرب عسكرياً: اللواء- عبدالرازق الدردري، مجلة الدفاع: العدد 63،1شوال 1406ه.
(4) سورة الأنفال: الآية(60).
(5) أحمد علي اسماعيل: التعبئة العسكرية في صدر الإسلام والعهد الأموي (بيروت: دار الشورى، الطبعة الأولى، 1981م) ص461 .
(6) ظافر القاسمي: الجهاد والحقوق الدولية العامة في الإسلام (بيروت: مكتبة الملك فيصل، الطبعة الأولى، 1982م) ص233 .
(7) المرجع السابق، ص 242 .
(8) المرجع السابق، ص 243 .
(9) أحمد علي اسماعيل: التعبئة العسكرية في صدر الإسلام والعهد الأموي، مرجع سابق، ص 46 .
(10) الفريق المتقاعد- محمد عيد العتيبي: محاضرة إعداد الدولة للدفاع، 1419ه.
(11) اللواء الركن- محمد جمال الدين محفوظ: المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الإسلامية، مرجع سابق، ص 249 .
(12) المذهب العسكري مفهومه ومحتواه: العميد الركن- مصطفى المنزولاي، مجلة كلية الملك خالد العسكرية، العدد 47، ربيع الأول 1416ه (بتصرف).
(13) العقيد الركن- محمد مهنا العلي: منهج الإسلام في السلم والحرب (الرياض: دار أمية، الطبعة الأولى، 1412ه)ص 29 (بتصريف).
(14) العميد- فيصل جعفر بلي: الإعداد المعنوي للقتال في الإسلام (الرياض: مكتبة فيصل، الطبعة الثانية، 1412) ص 21 .
(15) سورة البقرة: الآية (251).
(16) سورة المائدة: الآية (64).
(17) سورة الأنفال: الآية (57).
(18) سورة محمد: الآية (4).
(19) العميد-فيصل جعفر بالي: الإعداد المعنوي للقتال في الإسلام، مرجع سابق، ص28 30 (بتصرف) .
(20) سورة المائدة :الآيتان (15 16).
(21) سورة الحشر: الآية (23).
(22) سورة التوبة: الآية (29).
(23) الإسلام دين القوة والسلام : اللواء الركن- جمال الدين محفوظ، مجلة الحرس الوطني: العدد 129، ذو القعدة 1413ه.
(24) سورة الأنفال: الآية (60).
(25) اللواء الركن- جمال الدين محفوظ : المدخل إلى العقيدة الاستراتيجية العسكرية الإسلامية، مرجع سابق، ص344.
(26) إعداد الدولة للحرب : اللواء الركن - عثمان كامل، مجلة الحرس الوطني، العدد 53، رجب 1407ه.
(27) ظافر القاسمي : الجهاد والحقوق الدولية العامة في الإسلام، مرجع سابق، ص238 .
(28) إعداد الشباب للدفاع عن أمتهم: اللواء الركن-محمد جمال الدين محفوظ، المجلة العربية، مصر، العدد ،شعبان 1411ه، ص106.
(29) المرجع السابق.
(30) العميد- فيصل جعفر بالي : الإعداد المعنوي للقتال في الإسلام، مرجع سابق، ص21.
(31) الدكتور محمد السيد الوكيل : القيادة والجندية في الإسلام (مصر: دار الوفاء للنشر، الطبعة الثالثة، 1408ه)ص248.
(32) سورة الأنفال : الآية (10).
(33) العقيد الركن -محمد مهنا العلي : منهج الإسلام في السلم والحرب، مرجع سابق، ص41 (بتصرف).
(@) مساعد ركن الاستخبارات
لواء الأمير سعد بن عبدالرحمن الآلي
إن التخطيط لإعداد الدولة للحرب عملية مستمرة وغير محدودة، ويقوم به جميع أجهزة الدولة، إذ إنه ليس مسئولية جهة أو جهاز واحد في الدولة، بل هو مسئولية جميع الوزارات والمؤسسات، التي تعمل تحت قيادة سياسية عليا للإشراف والمتابعة. ويتم التخطيط لإعداد الدولة للحرب وفق خطة شاملة ومدروسة، وعلى أسس علمية سليمة تتماشى مع ما يحدث من تطور وتقدم على مستوى العالم، وبما يتناسب مع واقع الدولة وقدراتها وإمكانياتها، وبناءً على خطة زمنية قصيرة أو طويلة المدى، حسب الحرب التي ستخوضها أو التهديد المعرضة له ومدى إمكانية إيقافه، سواءً بالصراع أو الحل السياسي.
ويتحتم -وفقاً للمفهوم السابق- أن تكون هناك أجهزة للتخطيط والدراسة يمكنها تحديد النظرة المستقبلية العميقة والدقيقة للأحداث الدولية، وخاصةً ما قد يؤثر منها على الدولة أو يقع على أراضيها، ولهذا فإن التخطيط (يعتبر عنصراً من عناصر الإدارة؛ والكفاءة في الإدارة عنصر حيوي بالغ الأهمية عظيم الأثر... ويتطلب قدرات ومهارات قيادية واقتصادية وسياسية)(1).
والتخطيط عمل مستمر خلال فترة السلم، ويشمل التخطيط السياسي والاقتصادي والعسكري والمعنوي، بل قد يشمل دراسة وافية لمسرح العمليات للدولة جميعاً أو مناطق العمليات العسكرية، كما يشمل أيضاً إعداد الشعب وتنظيم إجراءات التعبئة ونظام الدفاع عن الجبهة الداخلية... وهذا كله لغرض إعداد الدولة للحرب، بحيث تحقق الصمود والثبات في مرحلة السلم وتحرز النصر في الحرب بأقل خسائر ممكنة في الأرواح والمعدات، وفي أقل وقت ممكن.
وسأتناول في هذه الحلقة توضيح المقصود بالتخطيط، وعناصره، ومسؤوليات أجهزة الدولة فيه، والتخطيط لإعداد الدولة للحرب الذي يمهد ليقظة واستعداد الدولة، وسرعة رفع درجة استعدادها لمواجهة أي تهديد من أي اتجاه كان، ويكوِّن للدولة كياناً صامداً على المسرح الدولي، كما يكسبها احترام ومهابة العدو والصديق.
التخطيط أساس الإعداد
يعتبر التخطيط عنصراً من عناصر العملية الإدارية، ويسبقه التحضير -وهو ما سبق أن أوضحناه في الحلقة الأولى، وأطلقنا عليه الإعداد- ثم يأتي بعد التخطيط لهذا الإعداد مرحلة التنفيذ، وهي التي من خلالها يظهر مدى نجاح أو فشل التخطيط. ويعتمد التخطيط أساساً على الهدف أو الغاية المطلوب الوصول إليها، وما هي الوسائل المطلوب توفيرها للوصول إلى تحقيق الهدف. (والتخطيط بهذا المفهوم هو النظر إلى المستقبل وإلى النتائج التي يرجى بلوغها، ثم تحديد الوسائل والأساليب والأعمال التي يؤدي تنفيذها إلى بلوغ الغاية المرجوة...
وهكذا فإن التخطيط -كما يعرفه علماء الإدارة- هو في حقيقته عملية تنبؤ بما سيكون عليه المستقبل، مع الاستعداد لهذا المستقبل)(2). لذلك يجب أن تمر عملية التخطيط بمراحل معينة، تبدأ بتحديد الغاية المطلوب تحقيقها أو الهدف المطلوب الوصول إليه، ثم دراسة كافة الجوانب والمعلومات، ثم تحديد أنسب الطرق للإنجاز؛ مع الوضع في المعضلات والعقبات التي قد تعترض تحقيق الهدف، ووضع كافة الاحتمالات لذلك، مع الإشراف والمتابعة حتى الوصول لأنسب قرار من القيادة السياسية المسؤولة عن الرقابة على كافة الأجهزة والمؤسسات والوزارات.
والجدير بالذكر أن عملية التخطيط تحتاج إلى عقول متطورة لديها الكفاءة والخبرة لمعرفة الحقائق الحالية والتوقعات المستقبلية، فضلاً عن إحاطتها الشاملة بإمكانيات وقدرات الدولة، وموقفها محلياً ودولياً؛ والإلمام بجميع المعضلات التي قد تعترض التخطيط؛ والتصوّر والاستنتاج المنطقي؛ وبعد النظر.
من ذلك يتضح لنا أن التخطيط لإعداد الدولة للحرب يعتبر مرحلة هامة ومستمرة وليست جامدة، كما أنها تبنى على أسس علمية، وتحتاج إلى تبادل الرأي والشورى بين كافة أجهزة الدولة المشتركة في عملية التخطيط، مع بعد النظر ودقة التوقع لكافة الاحتمالات التي يمكن أن تتعرض لها الدولة سواءً في الحاضر أو المستقبل؛ والأهم من ذلك أن يضع الجميع في اعتبارهم مايلي:
أ . المصلحة العامة للدولة.
ب. قوة الإيمان، وربط كل عمل بالقرآن والسنة.
ج. تحديد المسؤوليات وفقاً لخطة زمنية مدروسة قريبة وبعيدة المدى.
د. إشراك كافة مؤسسات الدولة في التخطيط.
ه. وضع الأولويات للتخطيط.
و. اعتماد الميزانيات التي تحقق تنفيذ الخطة بنجاح.
ز. مراعاة الواقعية والإمكانيات المتوافرة وقدرتها في خدمة القوات المسلحة وتوفير متطلباتها.
ح. الاستفادة من الخبرات السابقة والحالية، سواءً أكانت إسلامية أم عربية أم أجنبية، بشرط أَلاّ تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
ط. مراعاة الهدف الاستراتيجي.
ي. أي اعتبارات أخرى تؤثر في عملية التخطيط.
علماً بأن أي إخلال أو تقصير في عملية التخطيط قد يؤدي إلى فشل ذريع وإحباط وخسائر يصعب علاجها، بل إنه يؤدي إلى فقد الثقة بين الشعب وقياداته وبين الشعب وأجهزة الدولة المسؤولة عن ذلك، بما ينجم عن ذلك من البلبلة وعدم الاستقرار، الأمر الذي يمكّن العدو من بلوغ غاياته وبث سمومه وتحطيم الروح المعنوية للشعب وكذلك الجيش؛ ولهذا (يجب أن تراجع الخطط الموضوعة دورياً، أو كلما طرأت تطورات جذرية على الأحداث المحيطة بالدولة أو التي تؤثر فيها، وذلك حتى تتجاوب الخطط مع هذه التطورات وتؤمن مواجهتها بكفاءة)(3). وهكذا نرى أن التخطيط السليم وقت السلم سوف يؤدي إلى تحقيق النصر وقت الحرب؛ ونعلم أن قوة الدولة ومكانتها في الساحة الدولية تتوقفان على مدى إعدادها وقدرتها وقدرة ساستها وقيادتها على الاستعداد لمواجهة أي تحدٍ أو تهديد من منطلق القوة وليس الضعف.
عناصر التخطيط للدولة
تتمثل عناصر التخطيط في اتجاهات يلزم التخطيط لها لإعداد الدولة للحرب، كذلك مراحل أو توقيتات التخطيط لإعداد الدولة، ثم المبادئ أو الأسس التي يجب اتباعها عند التخطيط. وأستعرض هذه العناصر فيما يلي:
أ. اتجاهات التخطيط لإعداد الدولة للحرب:
إن كثيراً من الدول تعيش فترة سلام وأمن نتيجة اتخاذها إجراءات مختلفة توفر الأمن للدولة داخلياً وخارجياً وتجعلها جاهزة لتعبئة قواتها وشعبها عند حدوث الخطر. ولكن قوى الاستعمار العقائدي والعنصري والصهيوني، تسعى لعرقلة الدول الإسلامية والعربية، وتحرص على ألاّ يكون لها دور في المنطقة، حيث ترغب هذه القوى في إشغال هذه الدول بمشاكلها الداخلية فقط دون أن يكون لها صوت مسموع على مستوى العالم، حتى تنفرد هذه القوى بنفوذها في المنطقة من خلال تعاملها مع كل دولة على انفراد وحسب إمكانيات وقدرات كل دولة تتعامل معها، حتى تستغل ما يمكن استغلاله من ثرواتها، أو تجذبها إلى شباكها حتى تكون حليفة لها أو تحت سيطرتها. لذلك يجب على الدولة أن تعد نفسها بكل طاقاتها وأجهزتها لمواجهة أي دسائس أو عدوان، والتخطيط لذلك يحتاج إلى إلى خطط قصيرة المدى لمواجهة العدوان المحتمل، وخطط بعيدة المدى لمواجهة الأخطار في المستقبل؛ ويجب أن يتم ذلك بأسلوب متطور وشامل تراعى فيه الاتجاهات التالية(4):
(1) التخطيط لإعداد السياسة الخارجية.
(2) التخطيط لإعداد مؤسسات الدولة.
(3) التخطيط لإعداد اقتصاد الدولة.
(4) التخطيط لإعداد القوات المسلحة.
(5) التخطيط لإعداد الجبهة الداخلية.
(6) التخطيط لإعداد أراضي الدولة كمسرح للعمليات.
ولكي يتحقق ذلك يجب على كل أجهزة الدولة أن تقوم بالتنسيق والتعاون فيما بينها، وأن تحرص على تذليل كل الصعاب التي تقف في طريق التنفيذ.
ب. مراحل التخطيط لإعداد الدولة للحرب:
تخطيط إعداد الدولة للحرب عملية مستمرة قد تستغرق سنوات طويلة تتراكم فيها الأعمال وتتطور بأسلوب عملي منظم ومتكامل. ويعتبر التخطيط هو أهم مرحلة من مراحل الإعداد، فهو الأساس الذي يبنى عليه تنفيذ مراحل إعداد الدولة للحرب. وقد أصبح تخطيط إعداد الدولة للحرب ذا أهمية قصوى للدول النامية نظراً لمحدودية الموارد الاقتصادية، أو لعدم استغلالها استغلالاً كاملاً يعود على الدولة بدخل وطني كبير يفي بالتزامات الانفاق العسكري، ولهذا يجب أن تستغل كل الإمكانيات المتيسرة-بتنسيق وتعاون بين أجهزة الدولة والقوات المسلحة- لتحقيق الأهداف الوطنية بأقل خسائر ممكنة، مع ضمان استمرار وتيرة الحياة اليومية في كل مرافق الدولة -في حالة نشوب الحرب- على النحو الذي كانت عليه زمن السلم. ويتم التخطيط لإعداد الدولة للحرب عبر مراحل أساسية متتابعة على النحو التالي(5):
(1) المرحلة الأولى: تقوم وزارة الدفاع بإعداد الدراسات التي تحدد الاحتياجات المتعلقة بإعداد الدولة للحرب وتقديمها إلى الهيئة السياسية.
(2) المرحلة الثانية: تقوم الهيئة السياسية -برئاسة القائد الأعلى للقوات المسلحة- بوضع التخطيط العام لإعداد الدولة للدفاع بناءً على الدراسات المقدمة من وزارة الدفاع.
(3) المرحلة الثالثة: تصدر الهيئة السياسية التوجيهات إلى مجلس الوزراء ووزارة الدفاع.
(4) المرحلة الرابعة: يصدر مجلس الوزراء التعليمات إلى الوزارات والمناطق والمحافظات -كل في مجال اختصاصه- لإعداد الدولة للحرب.
(5) المرحلة الخامسة: قيام أجهزة الدولة بالتنسيق التفصيلي والدقيق مع وزارة الدفاع.
ج. مبادئ التخطيط لإعداد الدولة للحرب:
تطورت وسائل الحرب الحديثة حتى أصبح تأثيرها ممتداً إلى الدولة كلها، حيث أصبح مسرح العمليات لا يقتصر على مناطق القتال فقط بل يصل إلى عمق الدولة، وبالتالي أصبحت جميع المرافق الحيوية والبنية التحتية معرضة للدمار، مما يؤثر على اقتصاد الدولة وعلى الحياة اليومية للمواطنين. وإذا لم تكن الدولة يقظة لكل هذه الأمور مع أخذ كافة الاحتياطات والاستعدادات، فإنها ستكون في موقع ضعف عند حدوث أية مواجهة عسكرية مع العدو، ولذلك يجب أن توضع المبادئ الآتية عند التخطيط(6):
(1) تطوير واستخدام القدرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة.
(2) استمرار تطوير القوات المسلحة.
(3) تدعيم الاقتصاد الوطني، وزيادة الدخل الوطني.
(4) استمرار تطوير البحث العلمي.
(5) إعداد المواطنين سياسياً وعسكرياً واجتماعياً وثقافياً.
(6) استمرار التنسيق مع الدول الحليفة والصديقة.
ومن خلال ما سبق نرى ضرورة وحتمية العمل على تأمين استمرار أداء الجهاز التخطيطي القادر على التخطيط الاستراتيجي الشامل، والتخطيط المرحلي، ورسم السياسات الاستراتيجية وتحديد أهدافها، وإصدار التوجيهات للأجهزة التنفيذية للدولة، ومتابعة عملية التنفيذ ومراقبتها سلماً وحرباً. كما تتضح لنا مدى أهمية أن تكون أجهزة التخطيط قادرة على سرعة التحول من حالة السلم إلى حالة الحرب، وقدرتها على السيطرة خلال الحرب؛ الأمر الذي يتطلب إنشاء مراكز للعمليات المزودة بأجهزة الاتصالات المناسبة، ليمكنها التنبؤ بالصراع المنتظر والتقدير الصحيح لمداه وتأثيره، ومن ثم وضع الخطط السليمة نتيجة لذلك.
مسؤوليات أجهزة الدولة
في التخطيط لإعداد الدولة للحرب
إن إعداد الدولة للحرب يحتاج إلى اشتراك كافة أجهزة الدولة وجميع القيادات السياسية والاقتصادية والعسكرية وجميع المنظمات الشعبية، كما يتطلب الإعداد أنشطة متعددة ومتنوعة، وبالتالي فإن مسؤولية إعداد الدولة تقع على الأجهزة التالية:
أ. مسؤولية القيادة السياسية:
تعتبر القيادة السياسية للدولة هي المسؤول الأول عن إعداد الدولة لمواجهة جميع الظروف، وتأتي في مقدمة هذه المسؤوليات مسؤولية إعداد الدولة لمواجهة أي صراع مسلح. والقيادة السياسية مسؤولة عن إقرار السياسة العامة وتوجيهها بشقيها الداخلي والخارجي)(7).
وتضطلع القيادة السياسية بمسؤوليتها من خلال قيامها بالموافقة على الخطط الموضوعة بواسطة مجلس الوزراء- حول مطالب إعداد الدولة للحرب، التي يشترك فيها مختلف الوزارات -كل فيما يخصه- وخصوصاً وزارة الدفاع، كما أنها تصدر التوجيهات المختلفة وتحدد المهام لأجهزة الدولة المختلفة بحيث تصل إلى خطة متكاملة لتغطية كل ما تحتاجه الدولة، كما تقوم أيضاً بالإشراف والتنسيق والمراقبة ثم متابعة التنفيذ والعمل على حل المشاكل.
وبصفة عامة يعتبر مستوى القيادة السياسية هو المستوى الذي يحدد الآتي(8):
(1) نوع الحرب أو الصراع المنتظر واستعداد الدولة.
(2) طرق تحقيق السياسة العسكرية للدولة.
(3) تحديد العدو الرئيسي للدولة.
(4) تحديد الهدف السياسي العسكري من الحرب.
(5) تحديد طبيعة الصراع وتوقيته المحتمل، ومدى الصراع ومراحله.
(6) تحديد مسرح العمليات المنتظر.
(7) تحديد الحلفاء المنتظرين والدور المطلوب من كلٍ منهم.
وانطلاقاً من هذه القرارات يبدأ التخطيط في إعداد الدولة للحرب.
ب. مسؤولية القيادة العسكرية:
رغم أن الحرب الحديثة لا تقتصر على القوات المسلحة للدولة أو على مناطق العمليات فحسب بل يمتد تأثيرها إلى كل أراضي الدولة ومرافقها، إلا إن القيادة العسكرية تلعب دوراً هاماً في التخطيط لإعداد الدولة للحرب، فهي وإن كانت تضطلع بالمسؤولية الرئيسية في إعداد القوات المسلحة إلا أنها تقوم بدور فعال ورئيس في إعداد القوات المسلحة إلا أنها تقوم بدور فعال ورئيس ومؤثر في إعداد باقي مجالات الإعداد، كإعداد الاقتصاد الوطني، وإعداد الشعب، وإعداد مسارح العمليات بما يتلاءم مع أهداف الصراع. ونحن نرى اليوم أن القوات المسلحة في دول عديدة أصبحت قوات منتجة، حيث تقوم بالزراعة والصناعة والعلاج، بما يعود بالنفع على الشعب، بل وتعمل على توفير الاكتفاء الذاتي لأفراد القوات المسلحة حتى تقلل عملية الاستهلاك الذي يؤثر على اقتصاد الدولة ككل.
وتشترك القيادة العسكرية في كل ما يتعلق بالتخطيط لمواجهة الصراع المسلح وتقديم المشورة والمقترحات لوضع الخطط السليمة التي تحقق الهدف (وبعد قيام القيادة العسكرية بحصر المطالب، تقوم بتقديمها إلى القيادة السياسية للدولة للتصديق عليها وإدخالها ضمن الخط العامة لإعداد الدولة للحرب، بحيث تعتبر هذه المطالب العمود الفقري لها، ثم تكلف الأجهزة التنفيذية بالالتزام بها وتنفيذها طبقاً لخطة تفصيلية موضوعة على ضوء المهام المحددة والنابعة من الخطة العامة الموحّدة لإعداد الدولة الحرب)(9).
ج . مسؤولية الحكومة:
(إن الحكومة عامل مشترك في التخطيط والتنفيذ، فالحكومة جزء القيادة السياسية، تشترك في بحث المشاكل الخاصة بسيادة الدولة وأمنها ومصيرها، وتشترك في التخطيط لرد أي عدوان عليها، وأخيراً فهي مسؤولة عن تنفيذ هذا التخطيط ومتابعته والإشراف عليه)(10)، والحكومة تتكون من مجموعة من الوزارات، بحيث تغطي كافة أجهزة الدولة، حيث تتحمل كل وزارة المسؤولية في إعداد دراسة متكاملة - وفقاً لما يخصها - وتحدد مطالبها في ذلك لعرضها على مجلس الوزراء لتأمينها، ولا يقتصر هذا العمل على وقت السلم بل يجب أن يشمل وقت الحرب أيضاً.
التخطيط لإعداد الشعب
تعتبر القوى البشرية هي أهم أسلحة الصراع، ومهما تبدلت الوسائل المادية للحرب فإن الإنسان يبقى السلاح الرئيسي، وهو الذي يحدد مصير الحرب ونتيجتها. وليس من الضروري أن ترتبط قدرة القوى البشرية للدولة بحجم تعداد سكانها نسبياً، بل ترتبط في الأغلب بنوعية الشعب والأسلوب السليم لاستخدام طاقاته وقدراته وإعداده الإعداد المناسب عسكريا ومعنوياً حتى يصبح قوة فعالة ومؤثرة على سير الصراع.
ويشمل إعداد القوة البشرية للحرب النشاطات التي تخدم الموقف العسكري مباشرة، منها(11):
أ. الإعداد المعنوي والسياسي لغرس المثل العليا والتوعية السياسية بالصراع المقبل وبالقضية التي سيقاتل من أجلها.
ب. إعداد الشعب عسكرياً للالتحاق بالخدمة عند الطلب.
ج. حماية الأهداف الحيوية في العمق.
د. إعداد قوى الدفاع المدني.
ويهدف إعداد الشعب للحرب إلى تحقيق مايلي(12):
(1) الاستخدام الأمثل للقوى البشرية في جميع المجالات، وإيجاد توازن بين الخدمة الوطنية وممارسة الحياة اليومية.
(2) زيادة الدخل القومي وتحقيق الوفر المادي أثناء السلم ليلبي احتياجات الحرب.
(3) حماية القوى البشرية ورفع الروح المعنوية أثناء الصراع.
(4) رفع القدرة العسكرية للقوات المسلحة بتعبئتها بالعناصر المؤهلة أثناء العمليات، دون إلحاق ضرر بالحياة العادية.
ومن هذا نرى أن الشعب هو مصدر الطاقة البشرية للدولة، وإذا أعِدّ إعداداً جيداً فسيكون له تأثير على باقي الاتجاهات الأخرى لإعداد الدولة، وبالتالي يجب تطوير كافة العوامل المحيطة بالعنصر البشري والارتفاع بمستوى الشعب باعتباره منبع القوة في الدولة، وكلما ارتفع المستوى النوعي للقوة البشرية ارتفعت معدلات الأداء والإنتاج وتطورت القدرات، لأن (الإنسان هو الذي يصنع ويصوغ النظريات السياسية، ويستطيع أن يكون منفذ الأساليب الدبلوماسية المختلفة، ويستطيع أن يخطط ويبني المشروعات في إطار النظريات الاقتصادية المتعددة، ويستطيع أن يكون العامل والصانع والفلاح والعالم والمدرس والقائد والجندي والمهندس والطبيب والإنسان هو صانع قرار الحرب والسلام)(13).
التخطيط للدفاع المدني
يعتبر التخطيط للدفاع المدني من أهم عناصر التخطيط لتوفير الحماية في الجبهة الداخلية حتى تتفرغ القوات المسلحة لمواجهة العدو على حدود الدولة. ومما يضاعف من أهمية تنظيم وتطوير الدفاع المدني، أن المهمة الرئيسية للدفاع المدني هي تأمين العمل لمختلف أجهزة الدولة بشكل طبيعي وفعال أثناء الحرب، كما أنه يوفر الدفاع عن المنشآت الحيوية ومصادر الإنتاج والتجمعات السكانية وطرق المواصلات، إلى جانب أعمال الإسعاف والإنفاق وإطفاء الحرائق وإزالة آثار التدمير (ويكفينا أن نعلم أن كل هذه الأعمال تدخل في إطار الجهاد والرباط، من قام بها فهو مجاهد، ومن مات وهو يؤديها فهو شهيد كما يشير قول النبي -صلى الله عليه وسلم-:"من قُتِل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد")(14). ومن هنا تبرز أهمية الدفاع المدني، حيث تتعلق مهماته بوقاية ممتلكات الشعب وحماية أرواح المواطنين.
ومن أهم الإجراءات التي يستهدفها الدفاع المدني(15):
أ. تدريب الشعب على أساليب العمل في حالة الهجمات الجوية وكيفية إزالة آثارها.
ب. إعداد أماكن الوقاية للسكان، كالملاجئ، والمخابئ، ومراكز الإسعاف، وأعمال الإنقاذ.
ج. إنشاء قوات ووسائل الدفاع المدني وإعدادها في المراكز الأهلية وداخل المؤسسات والمنشآت الاقتصادية.
د. حماية الأهداف الاقتصادية الهامة وضمان استمرار العمل فيها أثناء الحرب.
ه. إقامة شبكة إنذار مضمونة لتنبيه المواطنين.
وبالرغم من أن هذه الإجراءات تتطلب مجهودات ضخمة ونفقات باهظة، فإن على الدولة ألا تبخل على الدفاع المدني، وأن تنظمه تنظيما دقيقاً، وأن تشرف عليه وتوفر له كل الوسائل اللازمة ليستطيع القيام بعمله، لأن في ذلك حماية لأرواح المواطنين ورفعاً لمعنوياتهم ولمعنويات المقاتلين في الجبهة.
وبعد أن تم استعراض بعض أوجه التخطيط لإعداد الدولة للحرب، سنتابع بالتفصيل العناصر التي يجب الإعداد لها على مستوى الدولة، وذلك من خلال الحلقات القادمة. الهوامش:
(1) اللواء الركن- محمد جمال الدين محفوظ: المدخل إلى العقيدة الاستراتيجية الإسلامية، مرجع سابق، ص 104 (بتصرف).
(2) المرجع السابق، ص 106.
(3) العماد الدكتور- مصطفى طلاس: الاستراتيجية السياسية العسكرية (دمشق: طلاس، الطبعة الأولى، 1991) ص163.
(4) الفريق متقاعد- محمد عيد العتيبي: محاضرة إعداد الدولة للدفاع، 1419ه.
(5) المرجع السابق، ص 15 (بتصرف).
(6) المرجع السابق، ص 14.
(7) العماد الدكتور- مصطفى طلاس: الاستراتيجية السياسسية العسكرية، مرجع سابق، ص 200.
(8) المرجع السابق، ص 201.
(9) المرجع السابق، ص201.
(10) المرجع السابق، ص 203.
(11) المرجع السابق، ص179 (بتصرف).
(12) المرجع السابق، ص180.
(13) إعداد الدولة للحرب: اللواء الركن- عثمان كامل، مجلة الحرس الوطني، العدد53، رجب 1407ه.
(14) اللواء الركن- محمد جمال الدين محفوظ: المدخل إلى العقيدة الاستراتيجية الإسلامية، مرجع سابق، ص 361.
(15) العماد الدكتور- مصطفى طلاس: الاستراتيجية السياسية العسكرية، مرجع سابق، ص 182 (بتصرف).
(@) مساعد ركن الاستخبارات لواء الأمير سعد بن عبدالرحمن الآلي
يعتبر الإعداد السياسي جزءاً هاماً من إعداد الدولة للحرب، بل يعتبر العنصر الأساسي الذي يبنى عليه باقي عناصر إعداد الدولة للحرب، حيث لا يغيب عن أذهاننا أن للسياسة والسياسيين دوراً هاماً وأساسياً في الاستراتيجية العامة للدولة. والهيئة السياسية في الدولة هي أساس التخطيط والتنفيذ وإصدار التعليمات والتوجيهات لباقي العناصر، وهي المسؤولة عن وضع الدولة داخلياً وخارجياً سلماً وحرباً. بل إن السياسة تأتي غالباً قبل المدفع والطائرة والصاروخ، لكونها الموجه لاستخدامهم الاستخدام الأمثل أو بالعكس. وهي المنظم للعلاقات الدولية التي تلتزم بها الدولة، وبالتالي باقي أجهزتها.
والسياسة قديمة قدم الإنسان، وعليها اعتمد عقلاء كل جيل كوسيلة لفض النزاعات، والدعوة لتنظيم العلاقات على أساس ودي يسوده التفاهم وتدعمه الرغبة في إبعاد ويلات الحرب عن الأمم. وتعد السياسة الناجحة للدولة عاملاً رئيسياً لكسب تأييد وتحالف دول العالم معها، وجعل مكانتها مرموقة وسط أصدقائها وأعدائها. لذلك نتناول موضوع الإعداد السياسي من حيث السياسة الخارجية للدولة، والسياسة الداخلية، ثم التعبئة السياسية للدولة والوجه السياسي للعقيدة العسكرية. ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوةٌ حسنة لأنه أول من قام بوضع الأسس السليمة للإعداد السياسي للدولة الإسلامية، التي مكنتها من الاتساع بحيث شملت العالم كله، كما أن قادة الإسلام اتبعوا سياسة الرسول -صلى الله عليه وسلم- سواءً داخل الأمة الإسلامية أو خارجها (لأن سياسة الإسلام كانت سياسة مباشرة وهي الدعوة السليمة، سواءً ما كان منها بين المسلمين ومجاوريهم في جزيرة العرب أو فيما وراءها)(1).
إعداد السياسة الخارجية للدولة
(يعتبر إعداد السياسة الخارجية للدولة عاملاً أساسياً في دعم الإجراءات التي تتخذها الدولة في الداخل من الناحية الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية للدفاع عن الدولة)(2) والسياسة الخارجية هي تعبير عن وضع الدولة ومكانتها بالنسبة للدول الأخرى، وكلما كانت هذه السياسة ناجحة كسبت الدولة تأييد وتعاون واحترام دول العالم.
(ويشمل إعداد وإدارة السياسة الخارجية الإجراءات السياسية التي تتخذها الدولة قبل قيام الصراع المسلح، وأساليبها لإدارة المعركة السياسية والدبلوماسية أثناء الصراع المسلح للحصول على تأييد العالم للأهداف المشروعة للدولة)(3).
والسياسة الخارجية لها مظهرها منذ القدم، ويكفي أن نوضح أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يعقد المعاهدات مع الأقوام ليأمن شرهم وعدوانهم، ويرسل كتباً وسفراء إلى رؤساء الدول المجاورة على رأس بعثات سياسية ودينية، حيث أرسل إلى (قيصر) الروم، وإلى (كسرى) الفرس، وإلى (المقوقس) عظيم مصر، وإلى (النجاشي) ملك الحبشة، وإلى غيرهم من الملوك والأمراء؛ وكانت كتب النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم ذات مضمون واحد وهو الدعوة إلى الله ونبذ عوامل الفرقة والتقاتل، وكان -صلى الله عليه وسلم- يستهل كتبه بهذه الآية يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون(4).
وهذا يوضح أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومن بعده الخلفاء الراشدون، كانت سياستهم الخارجية هي الدعوة إلى الإسلام من وضع قوة وليس من وضع ضعف، لأن الأمة الإسلامية كانت في أوج عظمتها في ذلك الوقت، وكان لها المهابة والاحترام من جميع دول العالم، لأنهم نصروا الله فنصرهم الله. ولذلك يجب على الأنظمة والقيادات السياسية في الدول الإسلامية -حتى تسير في الإعداد السليم- أن تتمسك بكتاب الله وسنة رسوله ثم تتوكل على الله في الإعداد.
عناصر إعداد السياسة الخارجية
وهناك عناصر مختلفة يجب وضعها في الاعتبار عند إعداد السياسة الخارجية للدولة يمكن أن نختصرها فيما يلي:
@ عقد الاتفاقيات:
تقوم الدولة بصفة دائمة بالبحث عن نقاط الضعف لديها وعن التأثير والتهديدات الخارجي المعرضة له، وبناءً على ذلك تعقد الاتفاقيات المتنوعة، فمنها اتفاقيات سياسية، أو اقتصادية أو سياسية عسكرية. وهذه الاتفاقيات تساعد على دعم موقف الدولة وتجعل لها صوتاً مسموعاً في المحافل الدولية والمنظمات العالمية؛ كما تيسر لها إقامة مشروعات اقتصادية مشتركة تعود بالنفع على الدولة وتساعد على تحقيق التبادل التجاري وتوفير متطلبات القوات المسلحة واحتياجات الشعب في مختلف الجوانب.
@ عقد المعاهدات:
الغرض من المعاهدات هو الارتباط مع الدول الأخرى لكسب تأييدها في المواقف التي يمكن أن تتعرض لها الدولة، أو على الأقل حيادها، وخاصة لمنع العدو المواجه من الاستعانة بهذه الدول أو استغلال أراضيها ضد الدولة أو حتى التصريحات السياسية والاعلامية.
@ الإعداد الإعلامي الذي يخدم السياسة الخارجية:
للإعلام دور حيوي ومؤثر في إعداد السياسة الخارجية للدولة، حيث ينقل الصورة الداخلية عالمياً لكسب الرأي العام العالمي لتأييد الدولة إزاء ما تقوم به في مواجهة أي عدوان.
وللإعلام وسائل وأساليب كثيرة، منها: الندوات والمؤتمرات، والتصريحات؛ ويجب على القائمين بالإعلام -سواءً أكانوا سياسيين أم صحفيين- أن يتبعوا الأسلوب المعتدل في طرح القضايا، وأن يبتعدوا عن التهديد والتلويح بالقوة في حل المشاكل مع الدول.
@ وزارة الدفاع وإعداد السياسة الخارجية:
(لوزارة الدفاع دور هام في إعداد السياسة الخارجية فيما يخص الموضوعات العسكرية التي تتصل بمهام وزارة الخارجية، أو عند توقيع المعاهدات والاتفاقات الدولية... ومن ذلك يتضح أن وزارة الدفاع تعتبر المستشار العسكري للقيادة السياسية، وهي كذلك مسؤولة عن التفاوض بشأن الاتفاقيات العسكرية واتفاقيات التسليح؛ ولهذا تستعين بمستشارين من وزارة الخارجية لإعداد الاتفاقيات في صورها النهائية)(5).
@ نتائج الإعداد الجيد للسياسة الخارجية:
إعداد السياسة الخارجية للدولة يتم بطرق كثيرة، وأهمها الاتصالات المتعددة التي تجريها مع الدول الأخرى، حيث تتشابك الاتجاهات والوسائل لإدارة السياسة الخارجية، لذلك ينتج عنها تأثيرات كثيرة، أهمها(6):
- زيادة القدرة الاقتصادية التي تؤثر على القدرات العسكرية.
- التوسع في استخدام القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية والمعنوية للدول المتحالفة لتحقيق المصالح المشتركة.
- إحباط أي عدوان وشيك الوقوع بواحد- أو بعض أو كلٍ- الطرق الدبلوماسية -الضغط السياسي- توقيع العقوبات الاقتصادية- استخدام قوة الدول الحليفة- إيجاد رأي عام عالمي يدين الدولة المعتدية.
وهكذا نرى أن السياسة الخارجية الحكيمة للقيادة السياسية تجعل الدولة في أمان وموقف ثابت من التهديدات المحتملة وغير المحتملة، نظراً لاكتسابها أصدقاء من الدول المختلفة، واكتسابها تأييداً من الدول والمنظمات والهيئات العالمية، واكتساب سمعة واحترام علي المستوى الدولي.
إعداد السياسة الداخلية للدولة
إن لنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوةً حسنة، فلقد كان أول من وضع أسس السياسة الداخلية في الدولة الإسلامية، حيث عمد بعد الهجرة إلى المدينة إلى إقامة جبهة داخلية صلبة، ليعلمنا أن قوة الجبهة الداخلية ضرورةٌ حيوية لبناء قدرات الدولة للتصدي للعدوان؛ حيث آخى بين المهاجرين والأنصار أنفسهم من أوس وخزرج، وأزال ما بينهما من خلافات وعداوات، وعقد معاهدة بين المسلمين من جهة وبين اليهود والمشركين من أهل المدينة من جهة أخرى، لتنظيم الحياة الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية لمجتمع المدينة. وقد حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على التصدي لمحاولات تفتيت هذه الجبهة الداخلية التي أقامها من جانب اليهود والمنافقين، مثل أساليب التشكيك وإشاعة البلبلة وأساليب التفرقة والقضاء على وحدة الأمة؛ وبهذا العمل السياسي البارع حقق الرسول (صلى الله عليه وسلم) وحدة المدينة وتماسك الجبهة الداخلية فوقفت صامدة صلبة طول الصراع.
ومن المعروف أن الجبهة الداخلية تشكل خط الدفاع الثاني خلف القوات المسلحة، لذا يجب على الدولة أن تحرص على تماسكها، وتدريبها وأن تعطي أهمية كبيرة لذلك، ويجب الاهتمام ببناء المواطن متمتعاً بالصفات والقيم الإيجابية، وذلك من خلال الاهتمام بالآتي(7):
@ أن يتم بناء المواطن في مناخ تتوافر فيه القيم الروحية، وتشجع فيه الإيجابيات، وتوسع قاعدة الخدمات، ويرفع المستوى الاقتصادي، للتغلب على بعض السلبيات ويتحقق الأمن السياسي، وتضمن سيادة النظام والسيطرة والقيم في إطار من الشورى.
@ إن جوهر إعداد الجبهة الداخلية للطوارئ يبنى على تطوير العوامل المحيطة بها، وخاصةً: التعليم، الثقافة، الصحة.
@ إعداد الجبهة الداخلية للدفاع يجب أن يشمل العناصر الآتية: الاعداد المعنوي والسياسي، والإعداد الفني، والإعداد العسكري.
وجدير بالذكر أنه حتى يتم الإعداد السياسي للجبهة الداخلية بالطريقة السليمة يكون من الضروري أن تعرض أهداف السياسة على الجيش والشعب، بحيث تصل هذه الأهداف إلى كل مواطن وجندي وتحدد له واجباته ومهامه، لأن شرح الأهداف بهذه الصورة يولّد الحماس لتأدية الواجب بأمانة. بيد أن عرض أهداف الحرب وشرحها على الجيش والشعب لا يكفيان، ولابد بالإضافة إلى ذلك من عرض التدابير السياسية المعدة لبلوغ هذه الأهداف بوضوح؛ ويتم الوصول إلى ذلك ببرنامج سياسي متكامل يحدد الهدف، ويربطه بكل فرد من أفراد الجيش والشعب ، ويجعله واضحاً ومفهوماً يقبله الجميع وينفعلون به (8).
وهكذا، فإن وضع سياسة داخلية مدروسة يساعد على تكاتف كافة طبقات الشعب وتحملهم للمسؤولية بجانب الحكومة في الظروف الصعبة، ويكون لديهم ولاء كامل لبلدهم وثقة عالية في قيادتهم. والدعوة إلى وحدة الأمة من طبيعة الإسلام ومن مبادئه، لأنها وحدة قائمة على مبادئ ومثل كريمة، حيث قال الله تعالى: قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم(9).
وحتى تكون الجبهة الداخلية قوية، يجب أن نحميها من خطر الترف؛ وقد ذكر القرآن أحوال الأمم التي أهلكت بسبب الترف وطغيان الغنى، وهو بعض ما يفهم من قوله تعالى : وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا، وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا.(10).
إن الشعوب المجاهدة يجب أن ترضى بالقليل من العيش، وأن تتحمل ما تتعرض له في ظروف الحرب من تقشف في سبيل العزة والكرامة (كما يجب الاهتمام بالدفاع الشعبي وحراسة المنشآت الحيوية، حيث يقوم الشعب بدور حيوي خلف جبهة القتال لتأمين الدولة من الداخل والقيام بأعمال الإسعاف والإنقاذ وإطفاء الحرائق وإزالة آثار التدمير؛ وكل هذه الأعمال تدخل في إطار الجهاد والرباط)(11).
الإعداد السياسي والتعبئة
للسياسة دور رئيسي في التعبئة، كما أنه لا يمكن الفصل بين السياسة والحرب، وذلك لأنه عند تعذر تحقيق أهداف الدولة وإزالة العقبات التي تعترضها بالسياسة، فإنه يكون من الضروري اللجوء إلى الحرب حتى يتم إنجاز الهدف السياسي. وهذا يتطلب إعداد الشعب والجيش والبلاد إعداداً اقتصادياً لتحمل أعباء الحرب، وتزويد جبهات القتال بحاجاتها من التموينات والمعدات والأسلحة.
والتعبئة لا تنتهي في مرحلة واحدة وضمن فترة زمنية قصيرة، فهي عمل مستمر ومتصاعد، وإذا استخدم أحد الطرفين المتصارعين الوسائط المتوافرة لديه كلها دفعة واحدة لصالح نتيجةٍ حاسمة واحدة، تعذر عليه الدخول في عمل حاسم مرة ثانية. والحقيقة أن طبيعة القوات وإعدادها واستخدامها، تجعل من غير الممكن استخدامها دفعة واحدة. ويدخل في تحديد هذه الإمكانية عدة عوامل: كوضع القوات نفسها، والأرض، وتجمع السكان أو انتشارهم، وحالة الإعداد للحرب للحرب. يضاف إلى ذلك، حالة الدول المجاورة لكلا الخصمين، ومدى تأثيرها السلبي أو الإيجابي على الطرفين (12).
ويتطلب تحقيق الهدف السياسي تدمير القوة المعادية، ووضعها في ظروف تجعلها عاجزة عن متابعة القتال، والعمل على قهر إرادتها واستنزافها. (والحقيقة أنه كلما كان الهدف السياسي عاملاً مسيطراً، كان حاسماً؛ ومن الواجب أن يكون الهدف الحربي لخدمة الهدف السياسي وليس بديلاً عنه حتى لايتضاءل بصورة عامة ويفقد محتواه)(13).
(وإن التعبئة بمعناها الشامل تعني تحويل الدولة كلها من حالة السلم إلى حالة الحرب؛ وهي إما أن تكون عامة أو جزئية، سرية أو علنية؛ والتعبئة العامة تشمل تعبئة جميع مصادر الدولة، لذا فهي بطبيعة الحال ستكون علنية، أما التعبئة الجزئية، التي تشمل قطاعاً واحداً أو عدة قطاعات من الدولة، فيمكن إجراؤها بسرية، وخاصةً إذا اقتصرت على تعبئة القوات المسلحة فقط)(14) .
ويتضح مما ورد أن الحرب أداة السياسة، وأنها استمرار للعلاقات السياسية، كما يتضح أنه كلما كان الإعداد السياسي قوياً، فإنه قد يبعد خيار الحرب، وإذا كان ضعيفاً فإنه الحرب قد تكون أقرب. والحرب عمل سياسي بكل تأكيد، لأن الحرب لا يمكن أن تنشب لأجل الحرب والدمار فقط (ويتضح تعلق التعبئة العسكرية بالسياسة والهدف السياسي، وتؤثر طبيعة الحرب وشرعيتها تأثيراً كبيراً على التعبئة الحربية، فإذا كانت طبيعة الحرب عادلة كان بالإمكان الاعتماد على تعبئة الشعب بأكمله والحصول على تعاطفه مع أهداف الحرب)(15).
وتتبع التعبئة في حالة السلم للسياسة مباشرة. أما في حالة الحرب فإن مركز الثقل في الصراع ينتقل من أشكاله غير القتالية إلى القتالية، ويأخد السيف مكان القلم وتغدو التعبئة في خدمة الحرب. وفي هذه الحالة من واجب السياسة عدم مخالفة قوانين التعبئة العسكرية... ومن خلال الحرب تكون السياسة مجبرة أحياناً على تعديل بعض أعمالها بما يتناسب مع النتائج المحققة على مسارح القتال، ومن المؤكد أن الصراع السياسي والاقتصادي لايتوقفان زمن الحرب، ومن واجب السياسة -نتيجة تقديرها للموقف العسكري- اختيار أنسب الأوقات لبدء الحرب، مع الأخذ في الاعتبار وجهة نظر القادة العسكريين(16).
(إن من المتعذر فصل الحرب -وبالتالي التعبئة- عن السياسة، وكلما كانت السياسة قوية وعظيمة كانت التعبئة العسكرية كذلك. والسياسة عمل فكري، والحرب أداتها وليس العكس، ويمكن إلحاق وجهة النظر العسكرية بالسياسة؛ وما إدارة الحرب سوى سياسة تستخدم المدفع بدلاً عن الكلمة. لكن كون الحرب وسيلة من وسائل السياسة لا يمنعها من تطبيق قوانينها الخاصة التي لاتتطابق بالضرورة مع قوانين السياسة)(17).
وأرى أن على الهيئة السياسية -عند إعدادها للتعبئة على مستوى الدولة- مراعاة أن يتم الإعداد على مدى طويل، مع تكثيفه حسب الموقف وحسب التهديد المنتظر؛ مع الوضع في الاعتبار السرية التامة عند إجراء التحركات العسكرية، وخاصة ونحن في عصر التعبئة الحديثة التي تعتمد على الأجهزة المتطورة لاستطلاع كافة مساحة الدولة؛ كذلك لابد من اتباع السياسة الحكيمة المدروسة في إعداد تخطيط منسق مع الأجهزة المسؤولة عند التعبئة في كافة المجالات، بحيث لا يشعر العدو بأن الغرض من هذا الإعداد هو الاستعداد لشنّ حرب ضده، لأن ذلك قد يدفع العدو إلى الإسراع في شن ضربة إجهاض، أو يعمد إلى إثارة المجتمع الدولي ضد الدولة بما قد يترتب على ذلك من فرض حصار اقتصادي على الدولة؛ ولنا مثل واضح في الإعداد السياسي للتعبئة وذلك في حرب أكتوبر (1973م)، حيث تمّت التعبئة منذ عام (1968م) وحتى (1973م) وتمّ الإعداد السياسي بطريقة محكمة ودقيقة وسرية، حيث حشدت كافة الإمكانيات على مواجهة تصل إلى (160كم) بامتداد قناة السويس دون أن يشعر العدو -الذي يمتلك كل وسائل الاستطلاع والإنذار- بأن هناك حرباً وشيكة، ثم كانت المفاجأة.
الوجه السياسي للعقيدة العسكرية
يحسن بنا قبل الحديث عن العلاقة بين السياسة والعقيدة أن نوضح أن العقيدة العسكرية هي:
السياسة العسكرية المعبّرة عن وجهات النظر الرسمية لهذه الدولة، والمتعلقة بالمسائل والقواعد الأساسية "للصراع المسلح"، والمتضمنة لطبيعة الحرب من وجهة نظرها وطرق إدارتها والأسس الجوهرية لإعداد البلاد والقوات المسلحة لها. وهي نتاج مركب لأبحاث علمية ودراسات تاريخية تشمل كافة الأنشطة الحيوية للدول ككل، بغرض إيجاد وتطوير وجهات النظر الرسمية في الصراع المسلح. وتتأثر العقيدة العسكرية للدولة بأهدافها القومية وخطها السياسي العام ومواردها الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والعوامل الجغرافية؛ لذلك تختلف العقيدة العسكرية باختلاف الظروف لكل دولة، فلا يمكن القول بأن هناك عقيدة عسكرية واحدة لكل الدول.. وتحدد العقيدة العسكرية الأسس العامة والمبادئ الأساسية للاستراتيجية العسكرية، وقواعد إعداد الدول للحرب، وتنظيم وتطوير قواتها المسلحة، والأساليب الرئيسية لإدارة الصراع المسلح(18).
يتضح من ذلك أن القيادة السياسية العليا في الدولة هي التي تحدد المبادئ التي تنشأ فيها العقيدة العسكرية، حيث إن هذه القيادة هي التي تتحمل المسؤولية كاملة أمام الشعب، لذلك يجب تكون على وعي كامل وبصيرة تامة لتنسيق بناء العقيدة العسكرية مع كافة الأهداف السياسية والإمكانات الاقتصادية، وذلك لما للعقيدة العسكرية من تأثير على كافة أجهزة الدولة، بل على كيان الدولة بأكمله.
ونظراً لأن إعداد قواعد العقيدة العسكرية يتم وقت السلم، فإن اختبارها لا يظهر إلا وقت الحرب، وبالتالي يمكن علاج نقاط الضعف فيها، بل ويمكن تطويرها حسب أهداف كل حرب وحسب نوعية الخصم؛ ومن ثم يجب أن تتصف بالمرونة حتى تستجيب مع كل ما هو جديد، سواءً في العلم العسكري أو التطبيق القتالي أو ما يحدث من تغييرات في العلاقات السياسية بين الدولة والدول الأخرى وما يحدث على المستوى الدولي، خاصة أن عالم اليوم يختلف عن الأمس، حيث كثرة الأحلاف والتكتلات؛ ولاتستطيع دولة بمفردها أن تعتمد على نفسها اعتماداً كلياً لمواجهة دولة ضمن هذه الأحلاف أو التكتلات إلا إذا أعدتّ لنفسها سياسة وعقيدة تضمن من خلالها كسب الرأي العالمي وتأييد دول العالم لمواقفها لصد أي عدوان عليها، بل وإمدادها بكل ما تحتاجه.
لذلك يجب على القيادة السياسية أن تأخذ العبرة مما يحدث في عالم اليوم حتى تبني عقيدة عسكرية تحقق للدولة الصمود والقدرة على حماية حدودها من الخارج وتأمين الدولة من الداخل (والعقيدة العسكرية تحتوي على وجهين: أحدهما سياسي والآخر عسكري، إلا أنهما يشكلان تجانساً وترابطاً لغرض واحد هو تحقيق أهداف موحّدة ومحددة.
وسنكتفي هنا ببيان الوجه السياسي للعقيدة العسكرية، وهو مجموع المبادئ ذات الصبغة السياسية التي تعالج المسائل المتعلقة بالصراع المسلح والتطور العسري ككل، والتي تشكل الأساس السياسي للعقيدة وتشمل(19):
أ - الخواص السياسية المميزة للصراع المسلح، وتشمل انعكاسات السياسة العالمية والإقليمية والمحلية على طبيعة الصراع المسلح.
ب- المحتوى الاجتماعي والسياسي للصراع المسلح، ويشمل وجهة نظر الدولة تجاه آثار النظم الاجتماعية والسياسية القائمة لدى الطرفين علي الصراع المسلح.
ج- اتجاهات التحضير للحرب وإدارتها.
د - اتجاهات إعداد الدولة للحرب اقتصادياً ومعنوياً.
ه- احتمالات تجنب الحرب أو قيامها، وذلك بناءً على دراسة الأهداف السياسية القومية للجانبين، والعوامل السياسية التي تؤدي إلى احتمالات قيام الحرب أو تجنبها.
و- إمكانيات عقد معاهدات سياسية -عسكرية لتوحيد الجهود السياسية والعسكرية تجاه هدف سياسي عسكري.
ز- العوامل السياسية التي تحدد بداية الحرب وسيرها وتوقفها، وهي تعني دراسة للعوامل والشروط السياسية الإقليمية والعالمية التي تؤثر على تحديد بداية الحرب وسيرها وتوفقها.
وهكذا رأينا أن العقيدة العسكرية هي تعبير عن النظرة الرسمية للدولة للدولة تجاه "الحرب" لتحقيق سياسة الدولة وأهدافها القومية، وهي التي الأسس العامة والمبادئ الرئيسية اللازمة لبناء الاستراتيجية العسكرية وتكوينها، وبالتالي فالقيادة السياسية -عند إعدادها السياسي للعقيدة العسكرية- تربطها بتاريخ الدولة وكافة أنشطتها الحيوية، سواءً في المجال الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أو المعنوي أو كل ما يهم الدولة.
ونظراً للارتباط بين القيادة السياسية والعسكرية، فيجب أن يلتزم العسكريون بكل ماتتخذه القيادة السياسية -وخاصة في العلاقات الدولية- حيث هناك بنود متفق عليها، لذلك لا يجب الخروج عنها لأن ذلك يتعارض مع العرف والقانون الدولي الذي أصبح الآن يتحكم في مجريات الحروب. والعمل ضد ذلك يؤدي إلى عداء خارجي ويضعف موقف الدولة بشكل عام أمام العالم أجمع، لذلك فإن (كسب الرأي العام العالمي يكسب الاستراتيجية العسكرية والسياسية الدفاعية للدولة المحاربة قوة لا يستهان بها، قد تكون عاملاً أساسياً يدعم أسباب النصر، ومن هذا فإن الاستراتيجية الحربية للدولة يجب أن ترسم وتخطط بالتنسيق التام بين السياسيين والعسكريين في آن واحد)(20). الهوامش:
(1) الدكتور وهبة الزحيلي : آثار الحرب في الفقه الإسلامي (دمشق: دار الفكر، الطبعة الثالثة، 1401ه)، ص319 .
(2) الفريق محمد عيد العتيبي: إعداد الدولة للدفاع، مرجع سابق.
(3) المرجع السابق، ص22 .
(4) سورة آل عمران: الآية 64 .
(5) الفريق محمد عيد العتيبي: إعداد الدولة للدفاع، مرجع سابق.
(6) المرجع السابق.
(7) المرجع السابق
(8) أحمد علي اسماعيل: التعبئة العامة في ظل الإسلام والعهد الأموي، مرجع سابق، ص24 .
(9) سورة المائدة: الآيتان (15و 16).
(10) سورة الإسراء: الآيتان (16و 17).
(11) اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ: سلسلة نظريات الإسلام العسكرية، إعداد الدولة للحرب (القاهرة: دار العلوم، بدون طبعة. 1977م)ص48 .
(12) أحمد علي اسماعيل: التعبئة العامة في ظل الإسلام والعهد الأموي، مرجع سابق، ص25.
(13) المرجع السابق، ص26.
(14) العماد الدكتور مصطفى طلاس: الاستراتيجية السياسية العسكرية، مرجع سابق، ص165..
(15) أحمد علي اسماعيل: التعبئة العامة في ظل الإسلام والعهد الأموي، مرجع سابق، ص27.
(16) المرجع السابق، ص27 (بتصرفّ)
(17) المرجع السابق، ص28.
(18) اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ: المدخل إلى العقيدة والاستراتجية العسكرية الإسلامية، مرجع سابق، ص23 (بتصريف).
(19) المرجع السابق.
(20) الموقع الجغرافي وتأثيره في الاستراتيجية: المقدم عبدالله صالح ملافخ، مجلة الحرس الوطني، العدد62، ربيع الآخر 1408ه.
(@) مساعد ركن الاستخبارات لواء الأمير سعد بن عبدالرحمن الآلي.
إن قوة أية دولة وقدرتها على الدفاع عن نفسها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية، لا تُقاس بمدى قوتها العسكرية فحسب، بل بمتانة اقتصادها وقوة معنويات شعبها، وتقدمها العلمي والتقني.. إلى غير ذلك من عناصر القوة. وفي حالة ضعف اقتصاد الدولة، يصعب عليها أن تعدَّ قواتها المسلحة، وأن تكون لها مكانة سياسية مرموقة، وكذلك يفقد الشعب ثقته بقيادته؛ حيث إن اقتصاد الدولة هو العنصر الأساسي لإعداد كافة العناصر الأخرى. وعندما نتكلم عن الاقتصاد، فإننا نعني: الصناعة، والزراعة، والنقل، وبناء المدن، وإنشاء المستشفيات والمدارس، وتطوير الموانئ والمطارات وخطوط المواصلات بأنواعها، وشبكات الاتصالات... في إطار إعداد أراضي الدولة كمسرح للعمليات.
لذلك نجد أن إعداد الدولة اقتصادياً هو القاعدة الأساسية التي تبنى عليها كافة عناصر الإعداد الأخرى. (وليست عملية إعداد الدولة اقتصادياً للحرب، عملية محددة أو محدودة تتم وتنتهي في وقت محدد ثم تتوقف، بل هي عملية مستمرة ودائمة، بقدر ما هي عملية الدفاع عن الدولة مستمرة ودائمة. وتتصف عملية الاعداد الاقتصادي للحرب بأنها معقدة وشاملة، لأنها تدخل ضمن إطار شبكة واسعة ومعقدة من عمليات تأمين الدفاع عن الدولة، تلك العمليات التي تشترك فيها جميع أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع)(1).
(وتتوقف طبيعة الإعداد الاقتصادي للحرب على طبيعة الصراع المسلّح المتوقع، وعلى دروس الحروب والتجارب الماضية. ومثلما يأخذ المخططون الاستراتيجيون العسكريون الظروف والعوامل الدولية بعين الاعتبار حينما يرسمون خططهم، يأخذ المخططون الاقتصاديون هذه الظروف والعوامل -من وجهة النظر الاقتصادية- بعين الاعتبار عندما يضعون خططهم الاقتصادية لإعداد الدولة للحرب)(2).
وسأتناول في هذه الحلقة موضوع الإعداد الاقتصادي من خلال بعض العناصر، لإلقاء الضوء على مدى أهمية الإعداد الاقتصادي للحرب.
أهمية الإعداد الاقتصادي للحرب
على الرغم من قدم مفهوم الإعداد الاقتصادي للحرب، إلاّ أنه -كعنصر استراتيجي- لم يعرف إلا مؤخراً، حيث يشير أحد الباحثين إلى بدايات استخدام هذا المصطلح بقوله: (لقد ظهر مصطلح الإعداد الاقتصادي للحرب في ألمانيا في عهد الحكومة النازية؛ ويعني تعبئة جميع موارد الأمة البشرية والمادية والعلمية لتحقيق التفوق العسكري، وتقليل فعالية السياسات المعادية. وتستلزم التعبئة الاقتصادية تَدَخُّل الدولة- في صورة تشريعات وأنظمة- لتنفيذ السياسة الاقتصادية المرسومة، بقصد تحقيق الاستقرار الاقتصادي في ظروف السلم والحرب)(3).
والإعداد الاقتصادي للحرب ليس بالأمر السهل ولا العشوائي الذي يمكن معالجته في حينه، ولابا لأمر الذي يستطيع جهاز واحد من أجهزة الدولة أن يحققه، كما أنه ليس بالأمر الذي يحدث ذاتياً؛ وإنما هو عمل علمي دقيق يقوم على معطيات وإحصائيات علمية دقيقة، ويتعلق بالدولة جميعاً. ومن هنا تأتي أهمية الإعداد الاقتصادي للحرب، ويبرز أثره وتأثيره. والدولة التي لا تهتم بسياستها الاقتصادية الداخلية والخارجية، يصعب عليها الإعداد للحرب، لأن الاقتصاد يتعلق بمستوى معيشة الفرد في الدولة، كما أنه أساس لبناء القوات المسلحة وتوفير احتياجاتها من حيث: الملبس، والمأكل، والوقود، والسلاح والذخيرة التي هي عتاد المقاتل. وهذا لن يأتي من فراغ، بل من بناء الدولة لاقتصادها على أسس علمية سليمة، والاستفادة في ذلك من تجارب الآخرين، واستغلال كل ما يتوافر فيها من موارد وخامات، والعمل على تصنيعها محليا، حتى ولو تطلب ذلك إحضار خبرات أجنبية لفترة محددة، لتأهيل الكوادر الوطنية، وبالتالي يوفر عليها استيراد بعض المنتجات التي تساعد على رفع المستوى الاقتصادي.
كما يجب على الدولة وضع سياسة اقتصادية حكيمة عند الحصول على سلاح أو معدات عسكرية من الخارج، حيث يتعين عليها أن تتأكد من توافر قطع الغيار، وإمكانية الصيانة والإصلاح، بل تطوير هذه الأسلحة أيضاً بما يتناسب مع ما يحدث من تطور في العالم بواسطة كوادر وطنية، مما يتطلب الاهتمام بالخبرات الفنية المحلية، حتى تصل الدولة إلى مستوى التصنيع الذاتي، وبالتالي تصل إلى مستوى الكفاية في احتياجها، دون اللجوء إلى الخارج، وخاصةً في الظروف الحرجة التي يمرّ بها العالم في هذه الفترة، حيث أصبح البقاء فيه للأقوى اقتصادياً.
التخطيط الاقتصادي للإعداد للحرب
أشرنا فيما سبق إلى أن الإعداد الاقتصادي ليس أمراً عشوائياً، بل هو نتاج تخطيط طويل محكم تتداخل فيه عوامل كثيرة، وتعود أهمية التخطيط إلى أن (لكل دولة ظروفها وسياستها وأسلوبها في الحياة، ويعني هذا أن لكل دولة نظامها الاقتصادي الخاص بها، الذي يتماشى مع إنتاجها واستهلاكها وتصديرها ومطالبها وحاجاتها، ويعمل لاستمرارها وتقدمها)(4).
وفي مرحلة الإعداد للحرب تزداد أهمية التخطيط الاقتصادي، لأن نفقات الدولة تتزايد، مما يزيد الأعباء عليها اقتصادياً. وقد تجد الدولة الضعيفة اقتصادياً نفسها مضطرة إلى الاقتراض من الخارج، أو في حاجة ملحَّة إلى زيادة الضرائب على أفراد الشعب، حتى تصبح قادرة على استعادة توازنها الاقتصادي؛ ومن هنا يجب أن يكون التخطيط الاقتصادي مبكراً، وعلى فترات زمنية طويلة، ومبنياً على أسس قوية، بحيث تكون الدولة قادرة على مواجهة الأخطار المستقبلية.
(وللعامل البشري في مرحلة الإعداد للحرب -وفي أثنائها- أثر واضح في الموقف الاقتصادي للدولة؛ ففي ظروف الحرب تنشأ حالة قوامها ندرة العمال المخصصين للإنتاج الصناعي أو الزراعي والعاملين في قطاعات الخدمات العامة، سواءً في المجال العسكري أو المجال المدني، وذلك بسبب تعبئة قسم كبير من العمال للخدمة العسكرية)(5).
وهذا يوضح أن كافة قطاعات الإنتاج في الدولة ستتأثر بالإعداد للحرب، مما يؤدي إلى ظهور مشكلات وأزمات، الأمر الذي يحتاج إلى تخطيط دقيق من القيادة السياسية للعمل على إصلاح أي خلل، ومواجهة أي مخاطر، والعمل على رفع كفاءة الاقتصاد بصفة مستمرة.
ويجب أن يوضع في الاعتبار ما يحدث على مستوى العالم من الاحتكارات الصناعية العسكرية، التي تستفيد منها الدولة الصناعية في كسب المال من بيع الأسلحة إلى الأطراف المتحاربة. وهكذا (يؤدي التخطيط الاقتصادي دوراً جذرياً أساسياً في التنبؤ الصحيح والدقيق بمتطلبات الحرب وحاجاتها، والتوفيق بين مطالب الصراع المسلّح والقوات المسلحة والمجتمع في مرحلة الإعداد -وفي أثناء الصراع- دون مشكلات أو عثرات أو هزات عنيفة، ودون التسبب بأعباء ضخمة أو ارتباطات تثقل كاهل الدولة، وتؤثر في حياة الشعب تأثيراً شديداً سلبياً وقت الحرب وبعد انتهائها)(6).
والجدير بالذكر، أن الدولة التي ليس لديها القدرة على توفير الاكتفاء الذاتي في صنع الأسلحة والمعدات اللازمة للحرب، لن يكون أمامها إلاّ استيرادها من الخارج، والإنفاق للتدريب عليها، وتوفير قطع الغيار وورش الإصلاح، وهذا يشكّل عبأً ثقيلاً على كاهل الدولة، بل قد يؤثر على سيادتها وحريتها في التحرك السياسي.
أهداف الإعداد الاقتصادي للحرب
إن الهدف من الإعداد الاقتصادي للحرب هو بناء الدولة من حيث الآتي(7):
أ . إبقاء القوات المسلحة لتكون قوة رادعة يهابها الأعداء، وتكون الذراع القوية للردّ على نوايا العدوان المحتمل.
ب. إعداد مسارح العمليات المحتملة، وبناء التحصينات على خطوط المواجهة، وبناء قواعد الإمداد الخلفية بتعاون القطاع العسكري مع القطاع المدني لاستغلال الموارد المحلية في منطقة مسرح العمليات وما جاوره من الأقاليم، وتقليل الحاجة إلى الاعتماد على خطوط إمدادت بعيدة.
ج. إعداد مرافق الدولة وموارد الأمة للحرب، وهذا يستدعي تنسيق وإعداد الطاقة البشرية والإمكانات المادية والفنية. وهذا في الحقيقة هو العمق الاستراتيجي للقوات المسلحة، فلا بد من إعداده وصيانته وتحصينه ضد الغازات المعادية.
د. (توفير المخزون الاستراتيجي من الموارد وقطع الغيار، حتى تستمر الأسلحة بفعالية تامة في الميدان، وتبقى المصانع تنتج بطاقة كاملة خلال الحرب)(8).
المشاكل والحلول التي تؤثر في تنفيذ السياسة الاقتصادية للإعداد للحرب
من الطبيعي أن تواجه الدولة مشاكل اقتصادية عند تنفيذ سياستها الاقتصادية للإعداد للحرب؛ وتختلف هذه المشاكل من دولة إلى أخرى حسب إمكانياتها الطبيعية ومستوى التطور العلمي فيها؛ وبناءً عليه، فإن الحلول المطروحة لمعالجة المشاكل الطارئة تختلف أيضاً من دولة إلى أخرى.
ويمكن أن نحدد بعض المشاكل التي تعترض تنفيذ السياسة الاقتصادية للإعداد للحرب والحلول المطروحة لها بما يلي(9):
أ - المشاكل:
من أبرز المشاكل التي تواجه الدولة عند تنفيذ السياسة الاقتصادية للإعداد للحرب:
(1) عدم توافر جميع الموارد داخل الدولة، مما يزيد احتمالات النقص المفاجيء بسبب مقاطعة اقتصادية أو حصار أو قصور المورد عن تلبية الحاجات.
(2) الزيادة الهائلة في الإنتاج من أجل الحرب، وتوقف بعض الصناعات، مثل المباني وصناعة الأثاث وغير ذلك.
(3) ازدياد الطلب الكلي على الأيدي العاملة والسلع لسد احتياجات الحكومة، مما يؤدي إلى نقص المعروض من السلع لحاجة الاستهلاك المدني، فيتسبب هذا في ارتفاع الأسعار.
ب- الحلول:
من الحلول التي يمكن الاستناد إليها لمعالجة المشاكل السابقة:
(1) المحافظة على التوازن في أسواق السلع الضرورية بين زيادة الإنتاج الحربي ومقدار التضحية في الإنتاج للاستهلاك المدني، ويمكن زيادة الاستيراد وإنتاج السلع محلياً للمحافظة على الحد الأدنى للاستهلاك.
(2) الاحتفاظ بإمدادات استراتيجية كافية كمخزون استراتيجي لتغطية حاجة المجهود الحربي، بالإضافة إلى تلبية المطالب المدنية.
(3) إيجاد موارد مالية جديدة لتلبية حاجة الإنفاق المتزايدة؛ ويتم زيادة الموارد المالية بوسائل عديدة، منها(10):
(أ) فرض الضرائب غير المباشرة، أو زيادة معدلات الرسوم، مثل رسوم الإنتاج ورسوم الاستيراد.
(ب) فرض ضرائب شخصية (ادخار إجباري) من المرتبات، وهذا يصعب إحكام الرقابة في تنفيذه على أصحاب المهن الحرة.
(ج) اقتراض الحكومة من الممولين في الداخل والخارج.
(د) بيع سندات حكومية بفئات مختلفة ليتسنّى لأكبر عدد من الناس المساهمة فيها، مع ملاحظة أنه إذا كان بفائدة، فهو ربا محرم في الإسلام، وقد جاء الإسلام بخير من ذلك، وهو التبرعات التطوعية.
(ه) طلب المساعدات الخارجية من الدول الصديقة، بطريقة الإعارة أو التأجير، وقد طبقت الولايات المتحدة الأمريكية ذلك، حيث منحت حلفاءها في الحرب العالمية الثانية مساعدات بقيمة (40-50) مليار دولار. وقد طبّقت الدول الحديثة -خلال الحرب العالمية الأولى والثانية وما تلاها من حروب إقليمية- بعض الإجراءات الاقتصادية للإعداد للحرب، من أهمها: تكوين احتياجات الحرب، وإعادة تخصيص الموارد لخدمة المجهود الحربي، وتوجيه الإنتاج، وترشيد الاستهلاك، واستثمار الدافع الوطني للتبرع لدعم المجهود الحربي.
مطالب الإعداد الاقتصادي للحرب
إن معرفة المطالب والعمل على توفيرها حسب الخطة الموضوعة -سواءً كانت قصيرة الأجل أو طويلة الأجل- وذلك بناءً على تخطيط مدروس، يمكّن الدولة من وضع القرار السليم اعتماداً على ما تستطيع توفيره، وما هو خارج عن قدراتها، وبالتالي تحدّد أنسب وسيلة للحصول عليه؛ على ألاَّ يؤثر ذلك القرار على الشعب أو يحمّله ما لا يطيقه، حتى يتم الحفاظ على الجبهة الداخلية متماسكة لتعمل على تدعيم قيادتها والوقوف وراءها.
ويتطلب الإعداد الاقتصادي للحرب تحقيق مطالب تحددها خطط الإعداد الاقتصادي، التي تقوم على معطيات نذكر منها(1):
أ . حصر مطالب إعداد الدولة اقتصادياً للصراع المسلّح.
ب. حصر إمكانات الدولة وقدراتها، وأسلوب استخدامها لمصلحة الإعداد.
ج. حصر ما هو خارج عن إمكانات الدولة وقدراتها، وتدبير أمر الحصول عليه.
وبعد حصر هذه المطالب والإمكانات، تبدأ مرحلة التخطيط، ثم مرحلة التنفيذ التي تعني مجموعة من الجهود والأموال والفترات الزمنية. ولذلك يجب أن تتم دراسة دقيقة ومستقبلية ومشتركة بين كافة أجهزة الدولة، للوصول إلى ما هو مطلوب بناءً على الإمكانات والقدرات؛ وما هي الأعباء التي ستتحملها الدولة؛ وكيف يمكن مواجهة أية تغيّرات قد تحدث في المستقبل.
ويتألف حصر مطالب إعداد الدولة اقتصادياً للحرب من ثلاثة فروع رئيسية هي(12):
(1) مطالب إعداد القوات المسلحة.
(2) مطالب تجهيز مسارح العمليات.
(3) مطالب إعداد مرافق الدولة وأجهزتها.
وتجدر الإشارة إلى أن المطلبين الأول والثاني، يخصان الإعداد العسكري، وهو ما سيتم تناوله بالتفصيل في فصل مستقل، ولذلك نقصر الحديث هنا على مطالب إعداد مرافق الدولة وأجهزتها:
تشكّل أجهزة الدولة الاقتصادية ومرافقها عصب الدولة وجهازها الاقتصادي المفكر والمخطط والمنفذ... وما نقصده بالمرافق هي تلك المؤسسات والمنشآت التي تقوم على خدمة الشعب والقوات المسلحة: كشبكات الماء والكهرباء، والمواصلات، والاتصالات السلكية واللاسلكية، والمطارات، والموانيء، والطرق، والسكك الحديدية، والمستشفيات، والمستودعات، والمخازن... وما إلى ذلك من مؤسسات ومنشآت تؤمن الخدمات العامة. وإذا افترضنا أن المرافق العامة كافية لتأمين تلك الخدمات في وقت السلم، فهي ليست كذلك وقت الحرب، حيث يزداد الضغط عليها، كما يزداد الاستهلاك منها، فضلاً عن تعرضها للدمار أو التعطيل أو التخريب؛ لذلك فلابد لخطة الإعداد الاقتصادي من توسيع شبكات المرافق العامة، ووضع البدائل، وإنشاء ما يلزم من بعض الشبكات الاحتياطية، والتوسع في إنشاء المرافق، حتى تكون بمجموعها صالحة وملائمة لظروف الحرب(13).
ويتضح مما تمَّ عرضه أن هناك مطالبَ وإمكاناتٍ يمكن إنجازها في حدود إمكانات الدولة وحسب قدراتها الذاتية، وهناك مطالب لابد من الحصول عليها من الخارج، سواءً في شكل قروض أو منح -حسب ميزانية الدولة- وهذا يتطلب التخطيط المدروس بناءً على بيانات دقيقة وإحصائيات مصنّفة.
عوامل الإعداد الاقتصادي
يرتبط الإعداد الاقتصادي للحرب بعوامل عدة، أهمها(14):
أ . الهدف الاستراتيجي للدولة.
ب. العدو المنتظر مواجهته وقدراته.
ج. طبيعة الصراع المسلّح المتوقّع.
د. خطة استخدام القوات المسلحة في الصراع المتوقّع.
ه. حجم القوات المسلّحة المطلوب الاحتفاظ بها في وقت السلم، والحجم المطلوب أن تصل إليه هذه القوات في وقت الحرب.
و. نظام تعبئة القوات المسلحة عند توقّع الحرب أو التعرضّ للخطر.
ز. متطلبات الانتشار الاستراتيجي للقوات المسلحة، وبناء التجمعات الاستراتيجية في مسرح العمليات وعلى الاتجاهات الاستراتيجية المختلفة.
ح. خطة التدريب في مختلف المستويات.
ط. خطة إعداد مسرح العمليات وتجهيزه.
ي. التأمين الشامل للقوات المسلحة للشعب والدولة.
وتقع كافة هذه العوامل على عاتق القوات المسلحة والجهاز الاقتصادي للدولة عند التخطيط للإعداد للحرب، كما تقع على باقي الأجهزة بصفة عامة. كما أن هذه العوامل تتطلب تعبئة اقتصادية من حيث التوسّع في الصناعات المحلية، وتوفير الإنتاج الزراعي، والتوسع في قطاع النقل بأنواعه، والإعداد الفني والعسكري للمواطنين، وتدعيم الجبهة الداخلية.
وغني عن القول أن التأمين الشامل للدولة -بكافة قطاعاتها- يعتبر عاملاً هاماً لاستمرارية الحرب وتحقيق الهدف الاستراتيجي منها، فضلاً عمّا له من أثر فعّال في دعم قدرة الشعب على الصمود وقدرة الدولة على التماسك، والتفاعل بين مختلف أجهزتها ومؤسساتها في خدمة الهدف الاستراتيجي.
ويجب أن يوضع في الاعتبار التطورات المحتملة للموقف، وأسلوب مواجهة هذه التطورات، وهذا يستدعي إنشاء احتياطي استراتيجي اقتصادي للدولة بغرض خدمة الهدف الاستراتيجي للحرب، ودعم جبهات القتال في الداخل والخارج.
مما سبق يتضح لنا أن إعداد الدولة اقتصادياً للحرب يعتبر عملية شاملة، تهدف إلى تحويل النظام الاقتصادي للدولة من اقتصاد سلم إلى اقتصاد حرب، ومن ثم فمن الضروري أن تكون هناك خطة دقيقة للتحويل، تهدف إلى تعبئة جميع الموارد الاقتصادية للدولة، بحيث تشمل هذه الخطة: التعبئة الصناعية والزراعية والتجارية، وتعبئة وسائط النقل والمؤسسات المالية، وتعبئة كافة الأجهزة الاقتصادية المعنية؛ ولاشك أن دراسة تاريخ الحروب السابقة واستخراج الدروس المستفادة منها، تساعد القائمين على التخطيط في تغطية كافة العوامل التي تؤثر على الإعداد الاقتصادي.
آثار الإعداد الاقتصادي للحرب
على الدولة(15)
أ . يركز الإعداد الاقتصادي للدولة في فترة الإعداد للحرب على إعداد القوات المسلحة، وتأمين الجبهة الداخلية بتوفير كافة احتياجات الشعب، وتكديس مخزون احتياطي استراتيجي، وهذا يتطلب الآتي:
(1) تجهيز جزء هام من القوى العاملة والثروات الوطنية.
(2) وضع نسبة عالية من الثروات خارج الدورة الاقتصادية المنتجة، والاحتفاظ بها كاحتياطي أثناء الحرب.
ب. تختلف نتائج هذا الوضع حسب طبيعة الدولة التي تطبقه كالآتي:
(1) يؤدي إعداد الدولة الاقتصادي للحرب في الدول الصناعية إلى تنشيط صناعات التعدين والطائرات والآليات والسفن... إلخ، وذلك على حساب الصناعات الأخرى؛ كما يؤدي إلى تزايد فرص العمل وامتصاص البطالة وارتفاع الأجور؛ إضافة إلى تشجيع مبادرات الإبداع والاختراع.
(2) في الدول النامية -التي تستورد الأسلحة والمعدات ومعظم مواد المخزون الاستراتيجي- فإن إعداد الدولة اقتصادياً للحرب، بما يتطلبه من إنفاق مالي كبير وتجهيز غير منتج، يؤدي هذا الإعداد إلى إبطاء عجلة الإنماء، وقلة فرص العمل الإنتاجي، وزيادة نسبة البطالة، وتراكم الديون الخارجية، واقتطاع جزء كبير من الدخل القومي لتغطية نفقات الحرب.
ج. تسود في مرحلة العمليات الحربية حالة من الاستهلاك المتسارع لقوى المتحاربين البشرية والمادية مما يترتب عليه استنزاف المخزون من هذه القوى من أجل متابعة المجهود الحربي.
د . تأخذ الانعكاسات الاقتصادية الناجمة عن الحرب منحى عسيراً وصعباً ومعقداً، وخاصة إذا استمرت الأعمال القتالية فترة طويلة من الزمن، ويرجع ذلك إلى الأسباب الآتية:
(1) انشغال عدد كبير من الفلاحين -الذين يمثلون عماد الاقتصاد الزراعي في الدول النامية- بالمهام القتالية وشبه القتالية، مما يؤدي إلى انخفاض حجم الإنتاج الزراعي والحيواني.
(2) استخدام جزء من هذا الإنتاج المتناقص لسد العجز المتزايد في ميزان المدفوعات.
(3) تكديس نسبة عالية من الميزانية لاستيراد متطلبات القتال، وتجديد المخزون الاستراتيجي، بدلا من استيراد البضائع المستهلكة أو مستلزمات إصلاح المنشآت المدمّرة.
(4) تجميد المهنيين والحرفيين والأعداد المحدودة من العمال الفنيين في القوات المسلحة تحت متطلبات الإصلاح والصيانة في المعركة.
ه. في ظل هذه العوامل القاهرة، يزداد العجز في ميزان المدفوعات وتتراكم الديون الخارجية إلى الحدِّ الذي يتعذر سداده، وتتقلّص المنتجات الاستهلاكية (الزراعية والصناعية) وتتعرض إلى تقنين شديد، وتظهر السوق السوداء على نطاق واسع، وترتفع الأسعار، وتتعذر حركة المؤسسات العامة. وهناك حالات يصل فيها الوضع الاقتصادي إلى مستوى البؤس، وقد تتعرض كثير من المناطق وأقاليم الدولة إلى المجاعة والأوبئة. الهوامش:
(1) العماد الدكتور- مصطفى طلاس: الاستراتيجية السياسية العسكرية، مرجع سابق، ص205.
(2) المرجع السابق، ص206.
(3) العميد الدكتور- غازي سليم لافي: اقتصاديات الحرب في الإسلام (الرياض: مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، الطبعة الأولى، 1411ه)، ص328.
(4) العماد الدكتور- مصطفى طلاس: الاستراتيجية السياسية العسكرية، مرجع سابق، ص218.
(5) المرجع السابق، ص209.
(6) المرجع السابق، ص211.
(7) الإعداد الاقتصادي للحرب: هيثم الكيلاني، مجلة الدفاع السعودية، العدد (61)، 1406ه.
(8) الواقع العربي والنمط المنشود لاقتصاديات الحرب: د. نبيل سدرة محارب، الأهرام الاقتصادي، مجلد (68)، 1968م.
(9) ندوة عن: اقتصاديات الحرب: خلاصة مناقشات، الأهرام الاقتصادي، مجلد (68)، 1968م. (بتصرف)
(10) موارد الدولة في ظل اقتصاديات الحرب: د.علي لطفي، الأهرام الاقتصادي، مجلد (68)، 1968م.
(11) العماد الدكتور- مصطفى طلاس: الاستراتيجية السياسية العسكرية، مرجع سابق، ص212.
(12) المرجع السابق، ص213.
(13) المرجع السابق، ص213 (بتصرف).
(14) المرجع السابق، ص214.
(15) في إعداد الدولة للحرب: العميد الدكتور- هيثم الكيلاني، مرجع سابق.
يعتبر الإعداد المعنوي من أهم الدعائم لتحقيق النصر في المعركة، وإحراز التقدم والنمو في مجال التنمية على مستوى الدولة. والشعب الذي يتمتع بمعنويات عالية، يستطيع أن يتغلب على أي صعاب، ويتحمل المشاق، ويقدم التضحيات في سبيل ثبات الدولة في مواجهة الأعداء. وما من شك أن أساس الإعداد المعنوي للأمة الإسلامية يعتمد على القرآن الكريم وسنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث تمكنت الأمة الإسلامية في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وفي عهد الخلفاء الراشدين من بعده من قهر أعظم دولتين في الأرض حينذاك: (دولة الفرس) و(دولة الروم)، وذلك على الرغم من أنهم لم يعرفوا من شؤون الحرب إلا القليل، وكانوا قلة في العدد والعتاد، ولكن بقوة الإيمان انتصروا، لأن إعدادهم المعنوي كان مرتبطاً برفع كلمة لا إله إلا الله، ولأن القرآن كان يملأ نفوسهم ثباتاً وقلوبهم إيماناً.
فكانوا يقبلون على الجهاد وهم مطمئنون، لأنهم قد باعوا أنفسهم وأموالهم لله بالجنة، فالموت أحب إلى الصادقين منهم من الحياة، لأن نعيم الحياة زائل ونعيم الله باق خالد؛ كانت أرواح المؤمنين المجاهدين ترتفع عاليةً، وتندفع أجسامهم قوية وهي تسمع آيات الله تتلى: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم (1). والآيات والأحاديث التي جاءت في فضل القتال والمقاتلين، وفي منزلة الشهداء عند الله، وبيان ما أعده لهم من الفضل والتكريم، كلها تشحن القلوب وترفع المعنويات، بحيث يقدم المقاتل على المعركة بقوة إيمانية لا يبغي إلا النصر أو الشهادة، لأنه يعلم أن الشهادة هي في الحقيقة حياة وخلود ورزق من الله لمن يختاره من عباده الصالحين، ويكفي سماع قوله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما أتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون(2) وهم يعلمون بأن خروجهم وقتالهم لن يقدم آجالهم ولن يؤخرها، وإن مات أحدهم في سبيل الله أثناء خروجه، فإنه سينال الشهادة، وهي أعظم درجة في نعيم الآخرة، وإلا فسيموت على فراشه، وذلك في قوله تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون(3).
الروح المعنوية
تعرف الروح المعنوية في علم النفس بأنها: (الحالة العقلية للفرد في وقت معين، وتحت تأثير ظروف معينة. فالفرد في وقت معين وتحت تأثير ظروف معينة قد نجده شجاعاً قوياً ممتلئاً بالحماسة، وفي وقت آخر وتحت ظروف أخرى نجده متردداً متخاذلاً فاقد النشاط؛ فحالة الفرد العقلية التي تحركه في هذا الوقت أو ذاك تسمى (الروح المعنوية) (4). والروح المعنوية تعد من أهم دعائم النصر، ومن أجل ذلك فهي تحتل موقعاً بالغ الأهمية والخطورة في سياسة الدول عامة، وفي التخطيط الاستراتيجي خاصة، وتتضاعف أهمية الروح المعنوية في حالة امتداد وقت الحرب، حيث أصبح من المستحيل تحمل مشاق الحرب والصمود لويلاتها بدون روح معنوية عالية، ومن أجل ذلك تعتني الدول والجيوش أشد العناية بوضع النظم التي تستهدف (بناء) الروح المعنوية لرجالها، وأصبح التركيب التنظيمي للجيوش يضم أجهزة متخصصة في هذا المجال، يحشد فيها الخبراء العسكريون مع علماء النفس والاجتماع وأطباء الأمراض العصبية والنفسية وغيرهم، ويطلق على هذه الأجهزة اسم (التوجيه المعنوي) وفي ذلك قال المشير (مونتجمري): إن القوة الحقيقية للقوات المسلحة تكمن في الروح المعنوية والروح القتالية، كما تكمن أيضاً في الانضباط وروح الفريق (5).
وتشير خبرات الحروب إلى أن التفوق النوعي للقوات المقاتلة على أرض المعركة يعتمد بالدرجة الأولى على مستوى معنويات الأفراد وإصرارهم على القتال؛ وليست معدات القتال - من أسلحة ودبابات وطائرات- سوى مجرد آلات تؤدي وظيفتها، ولا يمكن استغلالها أحسن استغلال إلا عن طريق الطاقة البشرية التي تديرها وتحافظ عليها (إذاً الروح المعنوية، هي عامل نفسي يقود الأفراد - فرادى أو مجتمعين - إلى النجاح أو الفشل في أي موقف من المواقف الرئيسية التي تحتاج إلى جرأة وثبات وتضحية، في الوقت الذي تكون فيه بقية عوامل النجاح من خبرة وتنظيم متساوية)(6). وأرى أن الروح المعنوية يجب أن ترتبط بالعقيدة وقوة الإيمان للجندي المسلم في ميدان القتال، وكذلك بالنسبة للفرد المسلم الذي يعمل في الجبهة الداخلية لمساندة الجندي في الميدان.
النظرية الإسلامية في الإعداد المعنوي
اهتم الإسلام ببناء الروح المعنوية لأفراد الأمة، وكان هذا البناء يقوم على أسس ومبادئ نوجزها فيما يلي (7).
أ. تنمية الاتجاهات النفسية الصحيحة لدى الأفراد: ينمي الإسلام في المسلم الاتجاهات النفسية الإيجابية الصحيحة نحو فكرة إعداد القوة والقتال لإعلاء كلمة الله، اعتماداً على ما يلي:
بناء الشخصية الإسلامية على الإيمان والتوحيد في العقيدة والأخلاق والعمل.
تحرير الشخصية الإسلامية من خوف الموت وحب الدنيا.
توفير الصحة النفسية للمسلم ليكون ذا شخصية سوية. وعلى ذلك، يصبح إقبال المسلم على الوفاء بتكاليف الإسلام والجهاد في سبيل الله -عن إيمان واقتناع وفي شجاعة واستبسال - تعبيراً عملياً عن تلك الاتجاهات النفسية وعن إيجابياتها وقوتها.
ب. غرس عقيدة القتال: تعرف عقيدة القتال بأنها مجموعة المبادئ والأفكار والاتجاهات التي يعتنقها أفراد الجيش فيما يتعلق بالقضية التي يحاربون من أجلها؛ أي أن عقيدة القتال تتعلق بالجانب المذهبي أو المعنوي، ولذلك تسمى أحياناً بالعقيدة المعنوية.
ج. عدالة الحرب وشرف المهمة والهدف: من الحقائق المعروفة، أنه كلما أدرك الجندي أن الحرب التي يخوضها حرب عادلة، وأن الهدف الذي يقاتل من أجله يستحق التضحية بحياته، كان صادق العزم في القتال، قادراً على مواجهة أقسى تحدياته؛ يقول (مونتجمري): (إن التعب والخوف والرعب والحرمان وتحمل الموت، سوف يواجهها الجندي المقاتل بقلب جسور، إذا كان على علم وإيمان بالغرض الذي يقاتل من أجله، ويثق في ضابطه ورفاقه؛ وفي نفس الوقت يعلم أنه لن يطلب منه تحقيق ما لا يكون في استطاعته)، أما المجاهد في الإسلام، فهو يقاتل وهو مدرك تمام الإدراك أنه يخوض حرباً عادلة، شريفة المقاصد، وبذلك تتوافر له جميع الظروف الموضوعية لبعث الروح المعنوية العالية.
د. تنمية الإحساس بالخطر المحدق بالأمة: إن أخطر ما تتعرض له الأمم هو (الغفلة) عن الخطر المحدق بها من أعدائها، والاستهانة بهذا الخطر. وتهتم النظرية الإسلامية في بناء الروح المعنوية بهذا الجانب أشد الاهتمام، قال الله تعالى: ياأيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثباتا أو انفروا جميعا(8). والحذر يشمل إعداد النفوس وتهيئتها مادياً ومعنوياً، لتهب في أية لحظة للمقاومة والقتال والخروج في سبيل الله، وتقف صامدة في وجه العدو.
ه. تنمية الثقة بالنفس والسلاح والقائد والأمة: إن من أهم أركان الروح المعنوية ثقة المقاتل بنفسه وبسلاحه وبقائده وبأمته وأن هذه الثقة تبنى على أسس، ولا تأتي من فراغ ومن أهم هذه الأسس العلم، والتدريب، وكفاءة القادة وقوة الدولة عسكرياً واقتصادياً واستعدادها لمواجهة عدوها، كما يجب أن كون المقاتل على علم ومعرفة بقوة عدوه الحقيقية دونما تهوين أو تهويل.
فإذا كان العدو لديه نوع من التفوق في عنصر معين من عناصر القوة - كأن كان يملك سلاحاً أحدث أو أكفأ - فمن الواجب إعلام المقاتلين بذلك، وتهيئتهم لمواجهته والتصدي له رغم امتلاكه لمثل هذا السلاح؛ ويرى بعض قصار النظر من القادة، أنه من الأفضل إخفاء جوانب تفوق العدو عن جنودهم حتى لا تتأثر روحهم المعنوية، ولكن هذا يؤدي إلى مفاجأتهم، وبالتالي انهيار روحهم المعنوية. وقد ضرب لنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) المثل حيث إنه لم يخف على المسلمين تفوق (الفرس) في الرماية حين قال عنهم: (هم أقوى منكم رمية)، وبالتالي عمل على رفع مستوى المسلمين في الرماية، كما كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يهتم بتدريب المسلمين على الأسلحة الجديدة، مثل: الدبابة، والمنجنيق، وزيادة نسبة الفرسان في الجيش.
و. التحصين المعنوي ضد شدائد الحرب: وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يربي جند المسلمين على التحصين ضد شدائد الحرب، فلا يهون لهم من شأن الحرب، ولا يدعوهم إلى تمنيها، وإنما يحرضهم على الصبر والثبات فيها إذا اضطروا إليها، ومما يروي عنه في هذا الصدد: أنه في بعض أيامه التي لقي فيها العدو، انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس فقال: "أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو، وأسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" ثم قال: "اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم" (متفق عليه).
وتظهر قيمة الروح المعنوية -في أوضح صورها- في المواقف التي تتصف بالشدة والعنف وتنطوي على ضغوط نفسية قاسية، وقد أثبت التاريخ أن اللحظات الفاصلة بين الهزيمة والنصر تقررها قدرة أحد الجانبين على الصمود والثبات في مواجهة تلك المواقف أكثر من الجانب الآخر؛ لذلك تعنى الجيوش بما يسمى أساليب "التطعيم ضد المعركة"، التي تستهدف إشعار المقاتل أن الحرب ليست نزهة، وإنما هي معاناة قاسية شرسة تتطلب قدراً كبيراً من الثبات والصبر والتوازن النفسي.
بهذه المبادئ صمدت الأمة الإسلامية وانتصرت وفتحت العالم برجال شعارهم الشهادة أو النصر، حيث كانت قلوبهم مملوءة بالقوة والثبات، والإرادة الصلبة، والقدرة على تحمل مصاعب وأعباء الحرب، والصبر في الشدائد وحين البأس، والإقبال على بذل الأموال والأنفس، والاستهانة بالأضرار والمصاعب حتى يتم النصر، مهما طال الأمد وتضاعفت التضحيات؛ وتاريخ الأمة الإسلامية في صدر الإسلام خير شاهد على المعنويات العالية والروح القتالية للأمة الإسلامية شباباً وشيوخاً ونساءً.
التعبئة المعنوية
التعبئة المعنوية هي الرغبة الأكيدة لدى الجند في الصمود والثبات في ميدان القتال، وتحمل أعباء الحرب، والاستهانة بجميع ما يحدث من أضرار ويطرأ من شدائد. وتسمى هذه التعبئة في العصر الحاضر بالروح المعنوية، وهذه الروح من أهم عوامل تحقيق النصر، وهذا ما أيد الله تعالى رسوله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته (رضوان الله عليهم) به في غزوة بدر بقوله تعالى: إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور (9).
وهذا ما رآه الرسول (صلى الله عليه وسلم) في منامه من قلة عدد قريش، فأخبر تلك الرؤيا إلى صحابته وجنده الحاضرين معه، فكان ذلك شيئاً مهماً وتقليلاً من شأن عدوهم)(10). وهكذا فالروح المعنوية لا تخضع للقوانين النظرية، ولا تحسب بالأرقام، بل تظهر على شكل قوة دافعة، تعطي القوات المسلحة زخماً في الهجوم وصلابة في الدفاع، وتعطي أفراد الدولة الرغبة في البذل والعطاء وتحمل المكاره والصبر عند الشدائد. (ولقد برهن المقاتلون العرب في صدر الإسلام على روح معنوية عالية وإيمان عميق بالهدف الذي يقاتلون من أجله، وهذا ما يفسر انتصاراتهم المتتالية وسعة فتوحاتهم، على الرغم من اشتباكهم في القتال بعيداً عن قواعد انطلاقهم ومناطق إمدادهم، وفي مسارح يجهلون طبيعتها، وضد قوى متفوقة عدة وعتاداً) (11).
لهذا يجب عند تعبئة الجنود للقتال وعند إعدادهم معنوياً، أن يكون التركيز على غرس الإيمان في القلب، لأن القلب المؤمن يظل ثابتاً لا تهزه في الأرض أي قوة مادية، لأنه مسير بأمر الله وموعود بنصره، ومكلف بالثبات والصبر، وبالتالي لن يصل هذا الجندي في المعركة إلى حد الفرار وترك القتال إذا ما خالجه الشعور بالخوف، فإن أعظم سلاح يقاوم هذا الخوف هو ذكر الله والالتجاء إليه سبحانه، قال تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون(12) .إذاً، فإن المؤمن بالله هو الذي يحسب للفرار من المعركة ألف حساب، لأن القضية ليست فراراً ونجاة من المعركة في الدنيا، بل الأمر أعظم من ذلك، لأنه يفر وهو يحمل غضب الله معه وسيرافقه إلى مأواه الأخير، والنهاية جهنم وبئس المصير لقوله تعالى: فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير. وقد عني الإسلام بهذه التعبئة المعنوية عناية كبيرة، ووضع أسس بقائها حية متطورة.
وهذه الأسس يمكن حصرها في الآتي:
أ - إعداد النفوس المؤمنة المتخلقة بالاخلاق الاسلامية، الصابرة على الجهاد، والثانية عند لقاء العدو، وهم الملتزمون بالأوامر الصادرة لهم، قال تعالي: يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطو واتقوا الله لعلكم تفلحون.
ب - تبيان ما اعد الله تعالى للمجاهد من الأجر والغنيمة والرزق، فهو يأخذ من الدولة ما يكفيه وعياله؛ وقد أمرت الشريعة الإسلامية بالاعتناء بأبناء الشهداء، مع بيان الحوافز الروحية التي ينالها المجاهد بصدق جهاده، وأولها الحياة البرزخية بعد استشهاده، لقوله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لهم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ج - القضاء على الدعايات والإشاعات وغيرها من السلبيات التي تتنافى مع هذه الروح وهدمها من أساسها. ونستطيع حصرها في: الخوف من الموت والفقر والعدو، وانتشار الإشاعات بين صفوف المسلمين، وذلك من خلال التهويل، وتصوير قوة العدو بصورة هائلة، وتصوير قواتنا بالضعف، وأن النصر سيكون للعدو، ولا فائدة من المقاومة، مما يؤدي إلى الاستسلام. وترويج الإشاعات بين صفوف المقاتلين لاحباط معنوياتهم من الاساليب المتبعة منذ القدم، وقد عرفها الجيل الاسلامي الأول، حيث كان الكفار يروجون الاشاعات عن طريق المنافقين بين صفوف المسلمين، لذلك أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به(19).
وقد أرشد الله تعالى المسلمين إلى الطريق الصحيح لمكافحة الإشاعات وعدم تصديقها وترويجها، ووجوب نقلها إلى أولي الأمر لدراستها، قال تعالى: ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا(20). ولابد من تتبع مروجيها والأخذ على ايديهم لقوله تعالي: لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا. ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا(14).
د - يؤكد الله نصره ومؤازرته للمؤمنين الصادقين، بقوله تعالى وكان حقا علينا نصر المؤمنين(22) وبقوله تعالي: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز(23).
طرق ووسائل تهيئة وإعداد الأمة
يجب إعداد الأمة على أسس سليمة، وذلك بدءاً بتنشئة الأجيال في المدارس على روح الجهاد وحب الوطنية، وإدخال أنظمة التدريب التطوعي والإلزامي، مع اقامة المعسكرات التدريبية، وإدخال المواد الجهادية والوطنية ضمن المقرارت الدراسية؛ ومن أهم طرق تهيئة الأمة وإعدادها ما يلي15)
@ البذل : وذلك بالتبرع بالمال لدعم الدولة على إعداد جيش قوي، وعلى توفير كافة المطالب التي تحافظ على ثبات وصمود الدولة في الداخل والخارج.
@ التضحية : وهي عامل هام في تهيئة الأمة للمعركة ومواجهة أعدائها. والتضحية إما أن تكون تضحية بالمال أو تضحية بالنفس، أو بهما معا.
@ التحريض على القتال: قال الله تعالى: يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون.
ومن الأسس التي قامت عليها إعادة البناء المعنوي في حرب العاشر من رمضان (1973م) الآتي:
@ غرس العقيدة الإيمانية والاهتمام بالشعائر الدينية وإقامتها.
@ الالتزام التام بالحقائق دون تهويل أو تهوين.
@ اعتبار الروح المعنوية هدفاً استراتيجياً للقوات المسلحة.
@ اختيار القائد الجيد على أساس من الكفاءة الفنية والعسكرية.
@ الالتحام التام داخل الوحدات الصغرى بوجه خاص، والوحدات الكبرى بوجه عام.
@ غرس العقيدة القتالية الإسلامية "النصر أو الشهادة".
@ القضاء على حملات التشكيك والحرب النفسية المعادية، التي شككت في قدرة الجندي العربي.
@ وجود رجال الدين بالزي العسكري وسط الجنود في ميدان المعركة.
العوامل المؤثرة علي الإعداد المعنوي
- قوة الإيمان والعقيدة. وتعتبر ركناً أساسياً قوياً في صمود الأفراد وتحمل الشدائد والضغوط النفسية.
- إشباع الحاجات: من حيث المأكل والملبس والمسكن، حيث إنها أمور ضرورية لا يمكن للإنسان الاستغناء عنها، وعدم إشباع هذه الحاجات يترتب عليه الإحباط، وخاصة للأفراد الذين يواجهون مشاق الحرب.
- التدريب: يساعد التدريب على رفع الروح المعنوية لدى الأفراد من جوانب متعددة، حيث يكسبهم الثقة بأنفسهم وبأسلحتهم وبقادتهم.
- الانضباط: إن تعلم النظام والطاعة من أهم مقومات الروح المعنوية العالية، حيث يمكن الأفراد من مقاومة الضغوط التي يواجهونها في المعركة بإرادة صلبة.
الحرب النفسية وأثرها في الإعداد المعنوي
من أعظم الدروس التي تستخلص من تجارب الحروب أن (استخدام العامل النفسي في الصراع مع الأعداء ضرورة حيوية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، فالمعروف أن إرادة المقاومة وإرادة القتال هي أصلاً حالة ذهنية، تنشأ في عقل المقاتل فتولد لديه الدوافع ليصمد ويقاتل بصلابة وعزم إلى حد التضحية بروحه؛ وكل طرف من الأطراف المتحاربة يسعى بكل الوسائل نحو تغيير تلك الحالة الذهنية لدى خصمه، لكي يدفعه إلى التخلي عن صموده وعزمه، وبذلك تنهار إرادته القتالية ويهزم).
وقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يحرص علي رفع معنويات أتباعه ويحصنهم ضد التأثر بما قد يلجأ إليه الأعداء من حرب نفسية، ففي الوقت الذي يعمل فيه على تقوية الروح المعنوية لجنده، كان يعمل على تقويض روح أعدائه وزلزلتهم، حتى ينهاروا ويهزموا أو يفروا. وكان شعار المسلمين في كل معركة: (الله أكبر، الله أكبر) من أهم الأمور التي تحطم الروح المعنوية للعدو وتلقي بالرعب في قلبه.
والحرب النفسية قد تكون أقوى أثراً من القتال بالسلاح في تحقيق النصر بسرعة وبأقل خسائر، وذلك لأنها تستهدف في المقاتل عقله وتفكيره وعواطفه، لتجرده من أثمن ما لديه وهي "روحه المعنوية"، وقد قرر الرسول (صلى الله عليه وسلم) - في مجال الاستراتيجية العسكرية - مبادئ للحرب النفسية على نحو لا تتسامى إليها نظريات العصر، وهو ما نبينه باختصار فيما يلي:
أ. التأثر النفسي للقوة: قال عليه الصلاة والسلام: "نصرت بالرعب مسيرة شهر" (رواه البخاري)، فهو بذلك يقرر أن تدمير إرادة العدو القتالية يمكن أن تتحقق عن طريق إرهابه، وإيقاع الرعب في قلبه، وإخافته من عاقبة عدوانه.
ب. التفريق بين العدو وحلفائه: وحدث هذا في غزوة الخندق، حيث تم التفريق بن القوى التي تجمعت لقتال المسلمين من قريش وقبائل أخرى من اليهود؛ فقد كلف الرسول (صلى الله عليه وسلم) نعيم بن مسعود الغطفاني بالوقيعة بين المتحالفين، وبإزالة الثقة فيما بينهم، ونجح فعلاً في التفرقة بين قريش وبني قريظة؛ وهذا مبدأ اتخذه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو أن الحرب خدعة؛ ويجب علينا أن نستفيد من هذه الدروس عند الإعداد المعنوي، حتى يمكن قتال الأعداء بأقل خسائر في الأرواح.
ج. تحييد القوى الأخرى وحرمان العدو من محالفتها: (اتبع الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعد الهجرة سياسة تقوم على عقد الاتفاقات والمعاهدات مع مختلف القبائل لكفالة حرية الدعوة وحسن الجوار والمعاملة؛ وكانت النتيجة المباشرة لتلك المعاهدات هي حرمان قريش من قوى كان يمكنها أن تتحالف معها وتشد أزرها في صراعها مع المسلمين؛ وليس أقسى على نفس المحارب من أن يلتفت حوله باحثاً عن حليف يتقوى به فلا يجد).
د. زعزعة ثقة العدو في إحراز النصر: (وأبرز الأمثلة على تطبيق هذا المبدأ هو ما حدث في غزوة فتح مكة، فلقد أدى التخطيط الفذ الذي وضعه الرسول القائد (صلى الله عليه وسلم) - والذي استخدم فيه عامل المفاجآة وإظهار القوة والتقدم نحو مكة في أربعة أرتال لإرباك قريش وتشتيت قوتها وعقلها - إلى إحداث خلل في توازنها النفسي). وهكذا نرى أن الحرب النفسية من أقوى الأسلحة للقضاء على العدو وتفتيته قبل الدخول معه في قتال. وقد تكفي الحرب النفسية فقط في تحقيق النصر دون قتال، وسبق أن أوضحنا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) انتصر في غزوات كثيرة دونما قتال؛ ومما يجدر ذكره أن الجيش الإسلامي كان محصناً ضد الحرب النفسية، وذلك بالإيمان القوي بمكانة الشهداء في الآخرة، وكذلك بقوة العقيدة، حيث إن المؤمن القوي لا يخاف الوعيد ولا يرهب التهديد، وليس جباناً كأولئك الذين يقول الله فيهم: فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون اليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت.
كما يجب أن نعرف أهداف وأساليب العدو ضد الإسلام، لأن أعداء الإسلام يعملون دائماً على التفريق بين المسلمين باتباع سياسة (فرق تسد)؛ وهم يعلمون أن المسلمين إذا تمسكوا بدينهم حق التمسك، لأصبحوا قوة تجتاح العالم؛ لذلك يجب ألا نطيع أو نسير في ركب أعداء الإسلام لأنهم يكيدون لنا كيداً، ويكفي قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. ويجب أن نعلم أن الإعداد المعنوي للدولة يستند أساساً على التمسك بأصول العقيدة والاعتصمام بالدين، وأن نستعين بالصبر والصلاة في كل أمورنا، وألا نتأثر بأي ضغوط نفسية من أعداء الإسلام، وأن نواجه الشائعات بالحقائق، وألا نتأثر بها؛ كما يجب أن نتبع الشورى حتى يشعر كل فرد من الشعب بأنه عضو عامل له كلمته المسموعة، ويعلم قضايا دولته، فإذا واجهت الدولة الأعداء، يعلم أن القتال من أجل قضية عادلة وليس من أجل الاعتداء على الغير.
مقاومة الحرب النفسية
لتلافي تأثيرها على قواتنا
أ. إن النظرة الإسلامية تقر بأن العقيدة الراسخة القائمة على الإيمان الذي لا تزعزع هي الركيزة العظمى لتحقيق تحصين المجاهد ضد الحرب النفسية.
ب. إن الوعي بأهداف العدو وأساليبه في الحرب النفسية من أهم عناصر مقاومة تأثيرها، ولذلك نجد أن كل الجيوش تطالب كل جندي بأن يكون واعياً ومدركاً وعارفاً بما يلي حتى لا يخدعه العدو أو يضلله.
- ماذا يريد العدو ضد الوطن؟
- ما الهدف من دعايته؟
- ماذا يريد العدو منك أن تفعله؟
- ما أسلوب الحرب النفسية للعدو وما طبيعة دعايته؟
ج. إن توجيهات الإسلام تسد منافذ الحرب النفسية من خلال كتمان الأسرار بحيث لا تعطي لغير أهل العلم من قادة ورؤساء، ومنع ترويج الإشاعات والحديث عن كل ما يتعلق بأسرار الجيش والأمة إلا عن طريق المسئولين من قادة ورؤساء، لأنهم أدرى بما يصلح أن يقال وما لا يقال. الهوامش:
(1) التوبة "آية 111".
(2) آل عمران "آية 169- 170".
(3) التوبة "آية 51".
(4) اللواء الركن محمد جمال الدين محفوظ: المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الاسلامية.
(5) التوجيه المعنوي دعامة الكفاءة القتالية للقوات المسلحة: اللواء الركن- محمد جمال الدين محفوظ، مجلة الحرس الوطني: العدد (140): رمضان 1414ه، (بتصرف).
(6) د- عبداللطيف حسين فرج والدكتور- عز الدين جميل عطية: علم النفس العسكرية (جدة: دار الشروق، الطبعة الأولى، 1405ه)، ص 430.
(7) اللواء الركن- محمد جمال الدين محفوظ: المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الإسلامية، مرجع سابق، صص 252 - 258 (بتصرف).
(8) النساء "اية 7"".
(9) الانفال "آية 43 -44".
(10) الدكتور اسماعيل إبراهيم محمد ابو شريف: نظرية الحرب في الشريعة الاسلامية
(11) أحمد على اسماعيل: التعئبة العسكرية في ظل الاسلام والعهد الأموي.
(12) الانفال "آية 45".
(13) آل عمران "آية 83".
(14) الاحزاب "آية 60-61".
(5 1) العميد فيصل جعفر بالى الاعداد المعنوي للقتال في الاسلام.
يعتبر الإعداد العسكري أمراً حيوياً بالنسبة لكل دولة، لأن القوات المسلحة هي المسؤولة عن حماية حدود الدولة، وصيانة مبادئها ومعتقداتها ومصادرها الاقتصادية، وهي الحصن الذي تتقي به أعداءها، لذلك فإن إعداد القوات المسلحة يتطلب عناية فائقة من حيث التنظيم والإعداد والتدريب والتسليح، والعمل على مسايرة ما يحدث من تطور في جيوش العالم. ولا شك أن العناية بالفرد جسمياً وروحياً وأخلاقياً تعد من الأساسيات التي لاتقل أهمية عن التدريب والتسليح.
وقد اهتمت القيادة الإسلامية بذلك، مما أدى إلى تجهيزها لجيش لم تعرف الدنيا له نظيراً في الشجاعة والتضحية والبسالة والإقدام؛ والجدير بالذكر أن الله قد فرض الجهاد على هذه الأمة بعد أن ترسخ الإيمان العميق في قلوب المسلمين بإدراك وعد الله لمن يقاتل في سبيله ثم يقتل، حيث قال الله تعالى: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين.(1).
والإعداد العسكري يتطلب إعداد جيش يقظ وحريص وعلى درجة استعداد عالية ومتأهب لرد أي عدوان، وأن تعمل الأمة بكل فئاتها وأفرادها على رعاية جيشها بقلوبها، وإحاطته بعنايتها، وأن تمده بكل عون، وأن يكون هناك تعاون كامل بين الجيش والشعب؛ ذلك أنه كلما كان الجيش الدولة قوياً، عاد عليها ذلك بمكاسب لا حصر لها، حيث يهابها أعداؤها، وتكون لها كلمة مسموعة في المحيط الدولي، وتصبح ذات مكانةٍ مرموقة لها اعتبار في المحافل الدولية.
ولكل دولة استراتيجية عسكرية تستمد منها عقيدتها العسكرية، التي تعد على أساسها القوات المسلحة للدولة بكافة أفرعها، وكما يُعدُّ الشعب عسكرياً؛ واعتماداً على هذه العقيدة تتحدد أسس التعبئة العسكرية والتخطيط الاستراتيجي لإعداد القوات المسلحة من حيث الإعداد المادي والعسكري والتسليحي. كما يتطلب الإعداد العسكري، إعداد مسارح العمليات المحتملة لخوض الحرب مع الأعداء المتوقعين. ويتطلب الإعداد السليم إشراك كافة أجهزة الدولة فيه، ومن ثم تتحقق للدولة الجاهزية المطلوبة من الداخل وعلى حدود أعدائها. وسنعرف من خلال العناصر التالية تفاصيل الإعداد العسكري على مستوى الدولة حتى تكون جاهزة لردع العدوان وحماية حدودها.
إعداد الدولة عسكرياً
عنصر أساسي من عناصر الإعداد الشامل؛ ويتمثل الإعداد العسكري في القوة الظاهرة التي تتكون من الرجال والسلاح. وإعداد الرجال وتهيئتهم أمر يستلزم وجود السلاح والقدرة على استخدامه. ولقد حث الإسلام على الإعداد -بكل ما عنته كلمة الإعداد من معنى ليكون- المسلمون قوة ترهب أعداءهم، حيث قال الله تعالى: وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون(2). وهذا أمر بالإعداد العسكري، وهو واجب حتمي، فالقرآن الكريم وضع أصول النظم الحربية لما قبل المعركة وللمعركة ذاتها وما بعدها، ولم يترك طريقاً يؤدي إلى الانتصار والفوز إلا حث عليه وأمر به، لذلك يجب الاهتمام بالتعليم والتدريب وإقامة المصانع الحربية وإيجاد الخبرات العسكرية والكفايات الازمة.
ولابد أن يكون الإعداد العسكري صالحاً للزمان والمكان الذي ستخوض فيه الدولة معاركها المستقبلية، ففي كل يوم تطالعنا الدنيا بأخبار جديدة في الاختراع والابتكار وإنتاج الإسلحة المتطورة. وقد أشار القرآن الكريم -بصورة مجملة- إلى متطلبات القتال، كصناعة الأسلحة والذخائر حيث قال الله تعالىوتتخذون مصانع لعلكم تخلدون)(3)، وقال تعالىوعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون)(4). وإقامة المصانع الحربية في بلاد المسلمين أصبحت من أهم حاجات العصر، وفتح المدارس والكليات العسكرية والمعاهد الفنية من ضروريات الإعداد العسكري بل هي واجب من الواجبات التي لا يتحقق الإعداد إلا بها.
ويجب إعداد الدولة عسكرياً في وقت مبكر، وبناء على تخطيط دقيق بعيد المدى، وليس قبل نشوب الحرب، لأنه قد تتعرض الدولة لقطع الموارد عنها، وقد تضطر إلى شرائها بثمن أكبر، وقد يستعمل الأعداء السلاح الاقتصادي ضد الدولة. وفضلاً عن إعداد أجهزة الدولة ومؤسساتها فلا بد أيضاً من إعداد القوى البشرية لأنها تعد (من أهم عناصر إعداد الدولة عسكرياً للحرب. ويتضمن إعداد القوة البشرية للحرب كلاً من : القوات العاملة، والقوات التي تعبأ عند قيام الحرب. فيحدد حجم القوات العاملة التي تكفي لصد العدوان، ويحدد لها مناطق تمركزها وقت السلم، ومستويات اكتفائها الذاتي، وكفاءتها القتالية المطلوبة، وأساليب استكمالها، وخطط فتحها، واتخاذ أوضاعها الدفاعية أو الهجومية)(5).
وهذا يتطلب تأهيل الجبهة الداخلية عسكرياً، وهي التي تتمثل في أفراد الشعب لكونهم الخط الثاني الذي يقف وراء القوات المسلحة لدعمها ومساندتها. وتتضافر جميع أجهزة الدولة لتهيئة الشعب لتحمل مشاق الحرب.
الإعداد العسكري للشعب
إن إعداد الشعب عسكرياً، يتطلب في البداية إعداده سياسياً ومعنوياً - وهو ما سبق أن عرضناه في الحلقات السابقة - التي اتضح من خلالها أن الشعب إذا لم يكن مقتنعاً بأهمية معركته، وأهمية وقوفه صفاً وحداً خلف قيادته السياسية، وحساسية دوره في دعم العمل العسكري من خلال الارتفاع بمعدلات الإنتاج وتطويره للأحسن، وثقته التامة بقواته المسلحة وبعدالة قضيته، وأن المعركة ليست معركة جيش، إنما هي بالضرورة معركة شعب بأكمله ومعركة أمة بأسرها؛ فسيكون من الصعب إعداده عسكرياً.
ويعتمد الإعداد العسكري للشعب على العوامل التالية (6) :
أ. تدريب القوات الاحتياطية للحفاظ على كفاءتها القتالية، مع وضع نظام جيد وسريع لاستدعائها.
ب. تشجيع الشباب على القيام بالمناشط شبه العسكرية، مثل: المعسكرات الكشفية، والقيام ببعض أعمال الحراسة للمنشآت الحيوية، والدعوة إلى زيارة الوحدات والمواقع العسكرية، وحضور بعض المشروعات التكتيكية لوحدات القوات المسلحة؛ بهدف غرس حب الوطن والشجاعة والإقدام في قلوبهم، وتحبيب عمليات الفداء والبطولة إلى نفوسهم.
ج . تعديل المناهج الدراسية في المدارس لإدخال بعض الموضوعات العسكرية المناسبة لتدريب وتعويد الشباب على الانضباط والعمل الجماعي، والانصياع إلى أولى الأمر؛ فضلاً عن الإحساس بالوطنية، وتنمية المهارات الحسية والجسمانية لاكتساب القوة مع منح مزايا مادية وأدبية للمتفوقين.
د. إجراء بعض التمارين والتدريبات العسكرية في المؤسسات المختلفة المدنية، مع التدريبات على أعمال الحراسة والدفاع المدني.
ومن خلال إعداد الشعب عسكرياً، يمكن تكوين خطوط بشرية صالحة عسكرياً كاحتياطيات جاهزة لدعم القوات المسلحة أثناء عملياتها الحربية، حتى يمكن سد النقص لما يحدث من قتلى وإصابات، كما تؤدي إلى توفير العناصر اللازمة لتأمين المؤسسات والمنشآت الحيوية، وحماية الاقتصاد الوطني من أي تخريب أو تهديد داخلي.
ومن أهم عوامل الإعداد العسكري إعداد الشباب، وذلك بتربية الناشئة تربية إسلامية صحيحة وغرس الفضائل فيهم، وتنشئتهم على الاعتزاز بدنينهم وحب أوطانهم، وبغض كل مايرد عليهم من خارج بيئتهم مما ليس فيه فائدة، ونبذ العادات السيئة والتقاليد المستوردة المخالفة لدينهم وقيمهم. ولنعلم أنه بدون تنمية الجانب الديني والأخلاقي في شبابنا، سيكون من الصعب تأهيلهم وإعدادهم عسكرياً، ذلك أن تنمية سلوك الفرد وفقاً لما نشأ عليه أيسر بكثير من تغيير هذا السلوك أو تبديله .
التعبئة العسكرية أساس الإعداد العسكري
تعد التعبئة العسكرية عاملاً مهماً وحيوياً، حيث تتطلب تضافر جهود الدولة ككل وليس فقط القوات المسلحة، ولكن الكلمة العليا في شؤون الحرب تكون للقيادة السياسية لأن الذين يخوضون الحرب هم الأكثر علماً وخبرة بمطالبها. لذلك يجب على القيادة السياسية الاستجابة لمطالبهم وعدم عرقلة أعمالهم.
(ولا تستطيع أية دولة - مهما كانت قدراتها الاقتصادية مرتفعة - أن تحتفظ بقواتها المسلحة كاملة الحجم طيلة الوقت، إذ إن في ذلك عبئاً ضخماً على اقتصاد الدولة وتأثيراً كبيراً على سير الحياة فيها، لذلك تعمد أغلب الدول إلى الاحتفاظ زمن السلم بحجم من القوات قادر على مواجهة الأحداث المفاجئة، مع وضع نظام دقيق وسليم لتعبئة الحجم اللازم لاستكمال القوات المسلحة زمن الحرب. ولا شك أن لكل دولة ظروفها الخاصة التي تحدد حجم هذا الجزء أو ذلك، ذلك أن الأمر يحتاج إلى موازنة عدة أمور قبل إقرار حجم القوات المسلحة في السلم وحجمها أثناء الحرب)(7).
وتعتمد التعبئة العسكرية على الاستخدام الصحيح للعوامل العسكرية والسياسية والمعنوية، نظراً لأن إعداد القوات المسلحة إعداداً كاملاً يتطلب الاهتمام بالعوامل الاقتصادية وإعدادها لتأمين التموين والتسليح، وحساب العوامل المعنوية، وإعداد السكان عسكرياً واقتصادياً، وشرح هدف السياسة لهم حتى يصلوا لمرحلة تفوق حالة العدو.
هذا وإن حجم القوات المسلحة زمن السلم يجب أن يتضمن القوى القادرة على بدء العمليات الحربية مباشرة، دون الحاجة إلى وقت طويل للانتشار ورفع الجاهزية، وخاصة في القوة الجوية والدفاع الجوي وتشكيلات القوى البشرية الموجودة قرب حدود الدولة وفي مسرح العمليات الرئيسي والقادر على بدء العمل مباشرة وصد العدوان وإتاحة الوقت اللازم للتعبئة وانتشار باقي تشكيلات القوات المسلحة ودفعها إلى مسرح العمليات. وأما حجم القوات المسلحة زمن الحرب فيتحدد على ضوء الأهداف السياسية والعسكرية للدولة والمهام المطلوب تحقيقها بالحرب، وكذلك على ضوء حجم وقدرات العدو المنتظر ونسبة التفوق المطلوبة لمواجهته ومدة استمرار العمليات وحجم الخسائر المتوقعة(8).
وحيث إن الاحتفاظ بأحجام كبيرة من القوات المسلحة يؤثر على استنزاف موارد الدولة الاقتصادية والبشرية، لذلك يجب وضع نظام دقيق للتعبئة قادر على الانتقال بالقوات المسلحة من حالة السلم إلى حالة الحرب في أقل وقت وبأفضل طريقة. وتدخل خطة التعبئة للقوات المسلحة ضمن خطة التعبئة العامة للدولة، كما أنها تتمشى مع اتجاهاتها وأهدافها. ولضمان تنفيذ خطة التعبئة بسرعة وبدقة، يجب وضع خطة متكاملة للاستدعاء وتجهيز مناطق ومراكز لتعبئة الأفراد يسهل الوصول إليها، مع توفير وسائل المواصلات للانتقال، وإعداد المخازن والمستودعات للأسلحة والمعدات، وعمل أوقات خلال العام لإجراء التجارب على تنفيذ خطة التعبئة، حتى يمكن تلافي نقاط الضعف وتطوير الخطط وتحسينها. وتعد خطة التعبئة لرفع درجة استعداد القوات المسلحة من أهم الخطط التي تعدها قيادة القوات المسلحة خلال السلم، حتى تضمن سرعة التنفيذ ودقة الأداء عند إعلان التعبئة زمن الحرب أو في الظروف الطارئة.
التدريب والإعداد القتالي
للقوات المسلحة
التدريب عنصر أساسي من عناصر تحقيق النصر في المعركة، حيث إن الجيش الذي لا يتم إعداده وتدريبه جيداً لن يحقق نصراً، حتى ولو كان متفوقاً على عدوه في القوة والعتاد، لأن الفرد إذا لم يتدرب في ظروف تشبه ظروف المعركة الحقيقية، ويتحمل مشاقها أثناء التدريب، فلن يتحمل خوض معركة، وبقدر ما يبذل من عرق في التدريب أثناء السلم، يتوافر الدم وقت الحرب.
و(يعد التدريب القتالي من أهم واجبات السلم، وهو أساس إعدادها للحرب، فالتدريب الشاق الجيد، المبني على أسس سليمة، هو حجر الزاوية في تكوين قوات قادرة على الدخول في القتال أو مواجهة أي موقف، وبالتالي تحقيق حماية الدولة ضد أي عدوان؛ لذلك فإن من أهم الخطط السنوية للقوات المسلحة، خطة التدريب القتالي التي تهدف إلى تطوير الكفاءة القتالية والاستعداد القتالي لمختلف وحدات الفروع الرئيسية وتشكيلاتها، وكذا أجهزة القيادة العامة)(9).
ويجب التركيز في التدريب على العناية باللياقة البدنية لتقوية الأجسام، وتعويد الجنود على تحمل الشدائد، وكذا تأهيلهم عقلياً ليجيدوا التخطيط وحسن التصرف في مواجهة المواقف الطارئة، وإعدادهم روحياً لتتحسن صلتهم بالله وليعظم توكلهم عليه، ولنغرس في قلوبهم أن النصر من عند الله، وأن العدد والعتاد والتدريب والاستعداد... كلها وسائل فقط توصل إلى النصر بعد مشيئة الله وارادته.
ويجب أن تعد خطة التدريب متكاملة، وأن تراعى فيها الأسس التالية:
(1) مهام العمليات المتوقعة .
(2) العدو المحتمل وأساليبه القتالية .
(3) طبيعة مسرح العمليات.
يجب إعداد القادة للحرب، بحيث يكون لديهم القدرة على التوجيه والإشراف والتنسيق والقيادة والسيطرة، إذ (القيادة هي القدرة المتوافرة لدى الشخص "القائد" والدافعة للآخرين على تنفيذ أوامره، بعيداً عن أي أثر للسلطة وما يترتب عليها من إكراه. ولكي تؤدي القيادة دورها في تحقيق أهداف الجماعة، لابد من توافر شرطين مهمين فيمن يتولى قيادة الجماعة، هما:
(1) الكفاءة القيادية. وذلك من خلال توافر العديد من الصفات القيادية الموروثة والمكتسبة، التي تمنحه القدرة على التأثير على سلوك الآخرين.
(2) تمتعه بحب مرؤوسيه من خلال صفاته القيادية وقدرته على التأثير في سلوكهم)(10).
وجدير بالذكر أن النصر في المعركة يعتمد، بعد عون الله تعالى أولاً وأخيراً، على إعداد الجندي، وتأهيله على سلاحه، بحيث يمكنه استخدامه تلقائياً - إذا كان سلاحاً فردياً - أما إذا كان ضمن طاقم، فيجب أن يكون هناك تفاهم كامل بين أفراد الطاقم، وهذا يجري أثناء التدريب الفردي، ثم يأتي التدريب الجماعي - الذي يبدأ من مستوى الحضيرة حتى أعلى مستوى - للتدريب على العمل كفريق واحد ضمن مستوى التشكيلات؛ ثم يأتي بعد ذلك تدريب الأسلحة المشتركة بين القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي. ومن الضروري أن يتم هذا التدريب في ظروف تشابه ظروف الحرب الحقيقية؛ مع التركيز على التدريب في ظروف استخدام أسلحة التدريب الشامل.
الجاهزية القتالية والتأمين الشامل للقوات المسلحة
الجاهزية القتالية هي الوصول بالقوات المسلحة إلى قدرة قتالية محسوبة، بالمقارنة مع القوات المضادة، بحيث تستطيع أن تخوض الحرب ولديها الكفاية من الأفراد والأسلحة والمعدات التي تصل إلى نسبة (100%) أو أكثر، وتكون قادرة على استمرار المحافظة على هذه النسبة أثناء المعركة بعملية الإمداد المستمر للبقاء على درجة الجاهزية بأعلى معدلها، خصوصاً أنها عامل مهم يؤثر على الروح المعنوية إيجاباً وسلباً. (وقد عني الإسلام أشد العناية باتخاذ الحيطة والحذر، وهو ما يسمى في العلم العسكري بدرجة الاستعداد العالية لحرمان العدو من المفاجأة، ولوقاية المسلمين من آثار الحرب المدمرة)(11)، لذلك اهتم الإسلام بالجاهزية العالية للقوات وجعل قضية اليقظة والحذر قضية حياة أو موت، كما حذر من الاستهانة بالعدو ومن الاغترار بالقوة، لأن كل ذلك يؤدي إلى إهمال الحذر.
أ. وتقودنا النظرة العلمية والعملية للحذر إلى عدة جوانب إيجابية، هي مقومات الحذر ومتطلباته، وهي من صميم أركان العقيدة العسكرية الإسلامية، وهي كالتالي(12):
(1) وسائل الإنذار المبكر وإجراءات الاستخبارات والاستطلاع والأمن، التي توفر للمسلمين أمرين، هما:
- الحصول مبكراً على المعلومات عن العدو ونواياه واستعداداته العدوانية..
- حرمان العدو من الحصول على المعلومات عن الأمة وعن جيشها.
(2) الحراسة المستمرة لحدود البلاد ومواقع الجيش والمنشآت الحيوية في أنحاء البلاد. بهدف وقايتها من الأعمال العدوانية والتخريبية، ورد العدوان عنها حال وقوعه، حتى يصل الدعم من القوة الرئيسية.
(3) الاحتفاظ بصفة مستديمة بأجزاء من القوات المسلحة على درجة استعداد عالية جداً، للعمل الفوري دون أدنى حاجة إلى إجراءات أو وقت للاستعداد للقتال وهو مايسمى (بدرجة الاستعداد القصوى).
(4) وجود قوات مسلحة عاملة على درجة عالية من التنظيم والتدريب والتسلح وغيرها من مقومات الكفاءة القتالية العالية، وهذه هي القوة الأساسية التي تقاتل العدو المهاجم.
(5) وجود نظام دقيق يكفل التعبئة السريعة للقوات الاحتياطية التي هي الرصيد الرئيسي الذي يدعم القوات العاملة وقت الحرب.
(6) إعداد الأمة للحرب من جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ومن هنا (يعد تأمين الجاهزية القتالية للقوات المسلحة من أهم واجبات الاستراتيجية العسكرية؛ وجاهزية القوات هو وضعها في الحالة التي تمكنها من صد أي هجوم مفاجئ للعدو وإحباطه تحت أي نوع من الظروف ومن أي اتجاه... وتعد القوات المسلحة على درجة عالية من الجاهزية القتالية إذا كان مستوى تدريبها عالياً، وأسلحتها ومعداتها القتالية على درجة عالية من الصلاحية ... ونظام السيطرة والقيادة والقيادة فيها على مستوى عالٍ من الكفاءة، ومناطق عملياتها معدة مسبقاً)(13).
ويعد تنظيم درجات الاستعداد القتالي من أهم عوامل الجاهزية القتالية، ويجب أن تتوافر قوات جاهزة ليلاً ونهاراً، مع توافر نظام إنذار كامل يساعد بقية القوات التي في وقت الراحة على الدخول في القتال بطريقة منظمة وفي توقيتات محددة.
حالات الجاهزية القتالية (14):
(1) حالة الجاهزية القتالية العادية (اليومية).
(2) حالة الجاهزية القتالية العالية.
(3) حالة الجاهزية القتالية الكاملة .
ومن الواضح أن المعلومات الصحيحة التي تصل في الوقت المناسب، من أهم العوامل تأثيراً على رفع درجة جاهزية القوات، كما أن كفاءة وسائل الاتصال ومنظومة الإنذار تؤثر بشدة على التوقيت المناسب لرفع درجة الجاهزية .
كما (يعد التأمين الشامل للقوات المسلحة من المهام الرئيسية للاستراتيجية العسكرية، ويقع على وزارة الدفاع، وبعض أجهزة الدولة في سبيل تلبية المطالب الإدارية والفنية للقوات المسلحة. والعامل الرئيسي في تأمين مطالب القوات المسلحة من الاحتياجات، هو تحديد مطالبها بدقة. ويؤثر على هذه المطالب بعض العوامل، مثل... طبيعة الصراع المنتظر وشدته، والمدة المتوقعة لاستمراره، وقوة العدو، وطبيعة مسرح العمليات)(15).
إعداد مسرح العمليات وتجهيزه
تعد أرض الدولة كلها مسرح عمليات، نظراً للتطور في الأسلحة والمعدات؛ ولكن تختلف أهمية كل منطقة حسب تهديد العدو، وحسب مدى تأثير هذه المنطقة على الأهداف الحيوية في الدولة؛ ولذلك يقسم مسرح العمليات إلى اتجاهات رئيسية واتجاهات ثانوية، حتى يتم تركيز القوات حسب حجمها في الاتجاهات الأكثر تهديداً، مع الاحتفاظ باحتياطيات لتغطية الاتجاهات الأقل تهديداً عند حدوث مواقف طارئة.
ويحتاج مسرح العمليات إلى تجهيزات هندسية متعددة، تشمل: تجهيز المواقع والعوائق، مراكز القيادة، والطرق، والمطاردات، والقواعد البحرية، ومواقع أجهزة الإنذار ومواقع محصنة للدفاع الجوي.. وهذا كله يتطلب تضافر كافة جهود الدولة وتعاونها، والعمل على إعداد مسرح العمليات خلال السلم، حيث يحتاج إلى مدد زمنية طويلة وإمكانات مادية كثيرة، مع العمل على التعديل والتطوير حسب الموقف والأسلحة المستخدمة.
ب. (يعد مسرح العمليات أكثر العوامل تأثيراً على إعداد القوات المسلحة وأسلوب تنفيذها لمهامها القتالية؛ والهدف من تجهيز مسرح العمليات هو اتاحة الظروف المناسبة لسرعة وسرية انتشار القوات على الاتجاهات المختلفة، مع توفير أكبر قدر من الوقاية لها - وخاصة ضد تأثير أسلحة التدمير الشامل - كما يهدف إلى إتاحة أنسب الظروف للاستخدام المؤثر لجميع أسلحة ومعدات القتال، مع تحقيق إخفاء وتمويه القوات وإعاقة أعمال العدو)(16).
و(تتولى أجهزة الدولة المدنية - الاقتصادية والفنية والهندسية - القيام بإعداد سائر الأراضي للحرب بمعرفة القيادة العامة للقوات المسلحة، وبالاتفاق والتخطيط معها وبإشرافها. ويمكن بصورة عامة اعتبار النواحي الآتية هي النواحي الرئيسة لإعداد أرض الدولة للحرب)(17):
(1) شبكة المطارات .
(2) القواعد البحرية والموانيء .
(3) شبكة الطرق البرية .
(4) الجسور والأنفاق .
(5) شبكة المياه والوقود .
(6) المستودعات والمخازن الرئيسة .
وخير مثال نستطيع أن نستدل به على إعداد مسرح العمليات هو حرب شهر رمضان المبارك (أكتوبر 1973م)، حيث تم إعداده إعداداً مثالياً بناءً على دراسة دقيقة لإمكانات العدو، حيث كان العدو يتمتع بالسيادة الجوية والأسلحة بعيدة المدى، ولذلك تم التركيز على تحصين الطائرات في دشم، وتجهيز مناطق الهبوط والإقلاع وتمهيد ممرات احتياطية وبديلة، وتجهيز مواقع محصنة للدفاع الجوي على امتداد الجبهة مما قضى على التفوق الجوي للعدو. كذلك تم تجهيز طرق عديدة من الجبهة وإليها، بحيث تسهل عملية المناورة للقوات وتحريك الاحتياط. ولم يتم هذا العمل كله قبل الهجوم مباشرة، بل تم على أوقات - خلال خمس سنوات - مما كان له الأثر الأكبر في تحقيق النصر وعبور خط بارليف وتحطيم أسطورة العدو . الهوامش:
(1) سورة آل عمران، الآيات: (169 - 171).
(2) سورة الأنفال: الآية (60).
(3) سورة الشعراء، الآية (129).
(4) سورة الأنبياء، الآية (80).
(5) إعداد الدولة عسكرياً للحرب: العميد الركن- محمد سمير يوسف نجا، مجلة الحرس الوطني، العدد (92)، شوال 1410ه.
(6) إعداد الشعب للحرب: اللواء الركن- سعيد فاضل: مجلة الحرس الوطني، العدد (101)، رجب 1411ه.
(7) إعداد الدولة عسكرياً: اللواء عبدالرزاق الدردي: مجلة الدفاع، مرجع سابق.
(8) العماد الدكتور- مصطفى طلاس: الاستراتيجية السياسية العسكرية، مرجع سابق، ص164.
(9) المرجع السابق، ص 167.
(10) العقيد الركن- محمد مهنا العلي: منهج الإسلام في السلم والحرب، مرجع سابق، ص 410.
(11) اللواء الركن- محمد جمال الدين محفوظ: المدخل إلى العقيدة والاستراتيجية العسكرية الإسلامية، مرجع سابق، ص140.
(12) المرجع السابق، ص ص142-143.
(13) العماد الدكتور- مصطفى طلاس: الاستراتيجية السياسية العسكرية، مرجع سابق، ص168.
(14) المرجع السابق، ص ص168-169 (بتصرف).
(15) المرجع السابق، ص169.
(16) إعداد الدولة للحرب عسكرياً: اللواء- عبدالرزاق الدردي، مجلة الدفاع، مرجع سابق.
(17) في إعداد الدولة للحرب: العميد الدكتور- هيثم الكيلاني، مجلة الدفاع، العدد (61)، ذو الحجة 1405ه. (بتصرف).