عمر بن الخطاب؛ حِصْنٌ للمسلمين من الفتن
الحمد لله وحده، والصلاة
والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم
الدين، وبعد:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا عند عمر رضي الله عنه فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟
قلت: أنا؛ كما قاله. قال: إنك عليه - أو عليها - لجريء، قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي، قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، قال: أيكسر أم يُفتح؟
قال: يكسر، قال:
إذن لا يغلق أبدًا، قلنا: أكان عمر يعلم الباب؟
قال: نعم كما أن دون الغد الليلة، إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط،
قال: شقيق- الراوي عن حذيفة- فهبنا أن نسأل حذيفة، فأمَرْنا مسروقًا فسأله فقال: الباب عمر.
هذا الحديث أخرجه الإمام
البخاري في صحيحه في خمسة مواضع؛ في الصلاة برقم (525)، وفي الزكاة برقم
(1435)، وفي الصوم برقم (1895)، وفي المناقب برقم (3586)، وفي الفتن برقم
(7096) كما أخرجه الإمام مسلم (144)، والترمذي (2258)، وابن ماجه (3955)، وأحمد
(5/401، 402).
أولا: التعريف بعمر بن الخطاب رضي الله عنه
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بكسر الراء بعدها تحتانية، ابن عبد الله
بن قرط بن رزاح بفتح الراء بعدها زاي وآخره مهملة، ابن عدي بن كعب بن لؤي بن
غالب، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب، وعدد ما بينهما من الآباء إلى
كعب متفاوت بواحد فعدد ما بين النبي صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة آباء، وما
بين عمر وكعب ثمانية آباء، بخلاف أبي بكر رضي الله عنه فعدد آبائه متساو مع
عدد آباء الرسول صلى الله عليه وسلم،
وأم عمر هي: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة،
ابنة عم أبي جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة، ووقع عند ابن منده أنها بنت
هشام أخت أبي جهل وهو تصحيف، نبه عليه ابن عبد البر وغيره.
وهو أبو حفص القرشي العدوي،
قال الحافظ في الفتح:
أما كنيته فجاء في السيرة لابن إسحاق أن النبي
صلى الله عليه وسلم كناه بها، وكانت حفصة رضي الله عنها أكبر أولاده،
وأما لقبه
فهو الفاروق باتفاق،
فقيل: أول من لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه عن ابن عباس عن عمر، ورواه ابن سعد من حديث عائشة،
وقيل: أهل الكتاب، أخرجه ابن سعد عن الزهري، وقيل جبريل رواه البغوي، وهو ثاني
الخلفاء الراشدين، وأول من لقب بأمير المؤمنين.
ولد رضي الله عنه
بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة (قبل الهجرة بأربعين سنة)، كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم وكانت إليه السفارة فيهم، وكان عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم
شديدا على الإسلام والمسلمين، ثم دخل في الإسلام قبل الهجرة بخمس سنين،
فكان إسلامه عزا وقوة للمسلمين، وفرجا من الضيق كما قال ابن مسعود رضي الله عنه:
«ما عبدنا الله جهرة حتى أسلم عمر».
وهاجر وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله
عليه وسلم، وبويع له بالخلافة يوم وفاة أبي بكر رضي الله عنهما سنة 13 هجرية
بعهد منه، فكان يضرب به المثل في العدل،
وفي أيامه تم فتح الشام والعراق والقدس والمدائن ومصر،
وهو أول من أرخ بالتاريخ الهجري، وكانوا يؤرخون من قبل بالوقائع، وهو أول من دون الدواوين،
وكان يطوف في الأسواق منفردا، ويعس بالليل،
استشهد رضي الله عنه بيد أبي لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة، قتله غيلة في صلاة الصبح سنة 23 من الهجرة رضي الله عنه وأرضاه، فكانت مدة خلافته عشر سنين.
ثانيا: بعض مناقب الفاروق عمر
أما مناقب الفاروق رضي الله عنه فهي كثيرة، حفلت بها الصحاح والمسانيد من كتب السنن، ونحن لا نستطيع حصرها في هذا المقال، ولذا فإننا سنتقصر على بعضها، ولا سيما الصحيح منها، فمن ذلك:
1- من بشارات النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «افتح له وبشره بالجنة»، ففتحت له فإذا
هو أبو بكر فبشرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم جاء
رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «افتح له وبشره بالجنة»، ففتحت له
فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم استفتح رجل فقال لي: «افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه»،
فإذا هو عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم قال: «الله المستعان».
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد في المسند]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: «بينا أنا نائم
رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا:
لعمر، فذكرت غيرته فوليت مدبرا». فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول
الله.
[أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد في المسند]
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيتني دخلت الجنة فإذا
أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا
بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله
فأنظر إليه فذكرت غيرتك». فقال عمر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أعليك
أغار.
[أخرجه البخاري ومسلم وأحمد في المسند]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم
فضربه برجله، وقال: اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان».
[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وأحمد في المسند]
2 عمر العبقري رضي الله عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن».
[متفق عليه]. وفي الصحيحين ومسند أحمد مثله عن ابن عمر
رضي الله عنهما.
3 دين عمر رضي الله عنه السابغ:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره» قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: «الدين».
4 علم عمر رضي الله عنه الغزير:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو في أظفاري ثم ناولت عمر» قالوا: فما أولته
يا رسول الله؟ قال: «العلم».
[أخرجه الشيخان والترمذي وأحمد في المسند]
قال الحافظ في الفتح:
والمراد بالعلم هنا
العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر، واتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان، فمدة أبي بكر كانت قصيرة لم تكثر فيها الفتوح التي هي أعظم أسباب الاختلاف، ومع ذلك ساس عمر فيها الناس- مع طول مدته- لم يخالفه أحد، ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء فنشأت من ثم الفتن، إلى أن أفضى الأمر إلى قتله رضي الله عنه، واستخلف علي رضي الله عنه فما ازداد الأمر إلا اختلافا والفتن إلا انتشارا، والله المستعان. اه. بتصرف.
5- عمر رضي الله عنه الملهم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر». [أخرجه البخاري، وأخرجه مسلم من
حديث عائشة رضي الله عنها]هذا، وقد روى الترمذي في معنى هذا الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه».
وقال عقبه:
وفي الباب عن الفضل بن عباس وأبي ذر وأبي
هريرة. وهذا حديث حسن صحيح غريب.
6- من موافقات عمر رضي الله عنه لربه عز وجل:
عن أنس قال: قال عمر: الله،
«وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا رسول لو
اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلى<<، وآية الحجاب.
قلت: يا رسول الله لو أمرت نساءك أن
يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى
الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن
أن يبدله أزواجا خيرا منكن<<. فنزلت هذه الآية.
[أخرجه البخاري، وأخرجه الترمذي مختصرا، وكذا ابن ماجه، وأخرجه الإمام أحمد]
قال الحافظ في الفتح:
وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها؛ لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غيرها، من مشهورها قصة أسرى بدر،
وقصة الصلاة على المنافقين وهما في الصحيح،
وقد صحح الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:
ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر. وهذا دال على كثرة موافقته.
7- هيبة عمر رضي الله عنه:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:
استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما
استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل
عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحضك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا
رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبت من هؤلاء اللائي كن
عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب».
قال عمر: فأنت أحق أن يهبن يا رسول
الله، ثم قال عمر: يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ فقلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «إيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك
الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك». [متفق عليه]
8- رضا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم عن عمر:
عن المسور بن مخرمة قال:
لما طعن عمر رضي الله عنه جعل يألم فقال له ابن عباس - وكأنه يجزعه-: يا أمير المؤمنين، ولا كان ذلك، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقت وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقت وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون،
قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإن ذلك من من الله تعالى من به علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذلك من من الله جل ذكره من به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك ومن أجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه.
[أخرجه البخاري]
وقوله: «يجزعه» أي: يزيل عنه الجزع، مثل
يمرضه أي يحاول إزالة المرض عنه،
وقوله: «طلاع الأرض» أي ملء الأرض.
والمراد هنا: ما يطلع عليها ويشرف فوقها من المال.
9- ثناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إني لواقف
في قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب - وقد وضع على سريره - فإذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول: يرحمك الله، إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو الله أن يجعلك معهما، فالتفت فإذا علي بن أبي طالب». [متفق عليه]
10- فضل إسلام عمر على المسلمين:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. [أخرجه البخاري]
11- التزام عمر رضي الله عنه كتاب الله وعدم مجاوزته إياه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة
على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا،
فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر،
فلما دخل عيينة عليه قال: هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين<<،
وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله تعالى.
[أخرجه البخاري]
12- شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر بمشاركتهما إياه في الإيمان بالغيب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت: لم أخلق لهذا، خلقت للحراثة- قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر- وأخذ الذئب شاة فتبعها الراعي فقال له الذئب: من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري؟ قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر».
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن - الراوي عن أبي هريرة - وما هما يومئذ في القوم.
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد]
13- الصحابة يعدون حب أبي بكر وعمر من حب الله ورسوله ويتمنون صحبتهما في الجنة:
عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله
عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها؟» قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله، قال: «أنت مع من أحببت». قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت».
قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.
[متفق عليه، وأخرجه أحمد في المسند مختصرا]
هذه بعض النصوص الصحيحة الصريحة في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرها كثير جدا،
لا يمكن أن تجمع في مقال كما قدمنا، هذا مع دخوله رضي الله عنه في الآيات الكثيرات التي تحدثنا عن فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وأن الله تعالى وعدهم الجنة، فإن لم يكونوا أهل الجنة بصحبتهم نبيهم وجهادهم معه ومن بعده لنشر الإسلام في الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا فمن يكونون
أهلا لجنة الله تعالى التي أعدت للمتقين؟ وإن لم يكونوا هم المتقون، فمن
المتقون؟ هل من جاء بعدهم، أو المتقون هم الذين يتنقصونهم من متاعيس الروافض؟
كيف وقد قال الله تعالى:
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم<< [التوبة: 100].
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم». [متفق عليه]
وهذه النصوص العامة في فضائل الصحابة، والخاصة في كل واحد منهم على حدة لا ينكرها إلا من كان في قلبه مرض وحقد على الإسلام وأهله- كالروافض الذين اتخذوا - بغض الصحابة وسبهم - ولا سيما خيارهم دينا.
ثالثا: شرح الحديث (حديث سؤال عمر عن الفتن)
قوله: «التي تموج كموج البحر» أي الفتنة التي تضطرب مثل اضطراب البحر عند هيجانه، وكنى بذلك عن شدة المنازعة وكثرة المخاصمة وما ينشأ عن ذلك.
قوله: «يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها».
قال الحافظ في الفتح:
زاد في رواية ربعي: «تعرض الفتن على القلوب فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة، وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوادء حتى يصير أسود كالكوز منكوسا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، وحدثته أن بينها وبينه بابا مغلقا».
قوله: «إن بينك وبينها بابا مغلقا» أي لا يخرج منها شيء في حياتك.
قوله: «قال: يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر، قال ذلك أحرى أن لا يغلق».
زاد في الصيام:
«ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة»، وإنما قال ذلك عمر رضي الله عنه اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة.
قال الحافظ في الفتح: وقد وافق حذيفة على معنى
روايته هذه أبو ذر، فروى الطبري بسند رجاله ثقات أنه:
لقي عمر فأخذ بيده فغمزها، فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتنة. إلخ الحديث، وفيه أن أبا ذر قال: لا يصيبكم فتنة ما دام فيكم. وأشار إلى عمر رضي الله عنهم،وروى البزار من حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر:
يا غلق الفتنة، فسأله عن ذلك فقال: مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش.فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني على عمر بأنه باب مغلق بين المسلمين وبين الفتن، أو أن بين عمر
وبين الفتن بابا، وأن هذا الباب يكسر بقتل عمر فما أعظمها من تزكية، وما أجله من فضل لعمر.
رضي الله عنهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله وحده، والصلاة
والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم
الدين، وبعد:
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كنا جلوسًا عند عمر رضي الله عنه فقال: أيكم يحفظ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟
قلت: أنا؛ كما قاله. قال: إنك عليه - أو عليها - لجريء، قلت: فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي، قال: ليس هذا أريد، ولكن الفتنة التي تموج كما يموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، قال: أيكسر أم يُفتح؟
قال: يكسر، قال:
إذن لا يغلق أبدًا، قلنا: أكان عمر يعلم الباب؟
قال: نعم كما أن دون الغد الليلة، إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط،
قال: شقيق- الراوي عن حذيفة- فهبنا أن نسأل حذيفة، فأمَرْنا مسروقًا فسأله فقال: الباب عمر.
هذا الحديث أخرجه الإمام
البخاري في صحيحه في خمسة مواضع؛ في الصلاة برقم (525)، وفي الزكاة برقم
(1435)، وفي الصوم برقم (1895)، وفي المناقب برقم (3586)، وفي الفتن برقم
(7096) كما أخرجه الإمام مسلم (144)، والترمذي (2258)، وابن ماجه (3955)، وأحمد
(5/401، 402).
أولا: التعريف بعمر بن الخطاب رضي الله عنه
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بكسر الراء بعدها تحتانية، ابن عبد الله
بن قرط بن رزاح بفتح الراء بعدها زاي وآخره مهملة، ابن عدي بن كعب بن لؤي بن
غالب، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كعب، وعدد ما بينهما من الآباء إلى
كعب متفاوت بواحد فعدد ما بين النبي صلى الله عليه وسلم وكعب سبعة آباء، وما
بين عمر وكعب ثمانية آباء، بخلاف أبي بكر رضي الله عنه فعدد آبائه متساو مع
عدد آباء الرسول صلى الله عليه وسلم،
وأم عمر هي: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة،
ابنة عم أبي جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة، ووقع عند ابن منده أنها بنت
هشام أخت أبي جهل وهو تصحيف، نبه عليه ابن عبد البر وغيره.
وهو أبو حفص القرشي العدوي،
قال الحافظ في الفتح:
أما كنيته فجاء في السيرة لابن إسحاق أن النبي
صلى الله عليه وسلم كناه بها، وكانت حفصة رضي الله عنها أكبر أولاده،
وأما لقبه
فهو الفاروق باتفاق،
فقيل: أول من لقبه به النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه أبو جعفر بن أبي شيبة في تاريخه عن ابن عباس عن عمر، ورواه ابن سعد من حديث عائشة،
وقيل: أهل الكتاب، أخرجه ابن سعد عن الزهري، وقيل جبريل رواه البغوي، وهو ثاني
الخلفاء الراشدين، وأول من لقب بأمير المؤمنين.
ولد رضي الله عنه
بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة (قبل الهجرة بأربعين سنة)، كان في الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم وكانت إليه السفارة فيهم، وكان عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم
شديدا على الإسلام والمسلمين، ثم دخل في الإسلام قبل الهجرة بخمس سنين،
فكان إسلامه عزا وقوة للمسلمين، وفرجا من الضيق كما قال ابن مسعود رضي الله عنه:
«ما عبدنا الله جهرة حتى أسلم عمر».
وهاجر وشهد المشاهد كلها مع النبي صلى الله
عليه وسلم، وبويع له بالخلافة يوم وفاة أبي بكر رضي الله عنهما سنة 13 هجرية
بعهد منه، فكان يضرب به المثل في العدل،
وفي أيامه تم فتح الشام والعراق والقدس والمدائن ومصر،
وهو أول من أرخ بالتاريخ الهجري، وكانوا يؤرخون من قبل بالوقائع، وهو أول من دون الدواوين،
وكان يطوف في الأسواق منفردا، ويعس بالليل،
استشهد رضي الله عنه بيد أبي لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة، قتله غيلة في صلاة الصبح سنة 23 من الهجرة رضي الله عنه وأرضاه، فكانت مدة خلافته عشر سنين.
ثانيا: بعض مناقب الفاروق عمر
أما مناقب الفاروق رضي الله عنه فهي كثيرة، حفلت بها الصحاح والمسانيد من كتب السنن، ونحن لا نستطيع حصرها في هذا المقال، ولذا فإننا سنتقصر على بعضها، ولا سيما الصحيح منها، فمن ذلك:
1- من بشارات النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه:
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة فجاء رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «افتح له وبشره بالجنة»، ففتحت له فإذا
هو أبو بكر فبشرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم جاء
رجل فاستفتح فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «افتح له وبشره بالجنة»، ففتحت له
فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله، ثم استفتح رجل فقال لي: «افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه»،
فإذا هو عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم قال: «الله المستعان».
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد في المسند]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:بينا نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: «بينا أنا نائم
رأيتني في الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا:
لعمر، فذكرت غيرته فوليت مدبرا». فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول
الله.
[أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه وأحمد في المسند]
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأيتني دخلت الجنة فإذا
أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفة فقلت: من هذا؟ فقال: هذا
بلال، ورأيت قصرا بفنائه جارية، فقلت: لمن هذا؟ فقال: لعمر، فأردت أن أدخله
فأنظر إليه فذكرت غيرتك». فقال عمر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، أعليك
أغار.
[أخرجه البخاري ومسلم وأحمد في المسند]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه
قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أحدا ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم
فضربه برجله، وقال: اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيدان».
[أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي وأحمد في المسند]
2 عمر العبقري رضي الله عنه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم رأيتني على قليب عليها دلو فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة فنزع بها ذنوبا أو ذنوبين وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه، ثم استحالت غربا فأخذها ابن الخطاب فلم أر عبقريا من الناس ينزع نزع عمر بن الخطاب حتى ضرب الناس بعطن».
[متفق عليه]. وفي الصحيحين ومسند أحمد مثله عن ابن عمر
رضي الله عنهما.
3 دين عمر رضي الله عنه السابغ:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«بينا أنا نائم رأيت الناس عرضوا علي وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض علي عمر وعليه قميص اجتره» قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: «الدين».
4 علم عمر رضي الله عنه الغزير:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو في أظفاري ثم ناولت عمر» قالوا: فما أولته
يا رسول الله؟ قال: «العلم».
[أخرجه الشيخان والترمذي وأحمد في المسند]
قال الحافظ في الفتح:
والمراد بالعلم هنا
العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر، واتفاق الناس على طاعته بالنسبة إلى عثمان، فمدة أبي بكر كانت قصيرة لم تكثر فيها الفتوح التي هي أعظم أسباب الاختلاف، ومع ذلك ساس عمر فيها الناس- مع طول مدته- لم يخالفه أحد، ثم ازدادت اتساعا في خلافة عثمان فانتشرت الأقوال واختلفت الآراء فنشأت من ثم الفتن، إلى أن أفضى الأمر إلى قتله رضي الله عنه، واستخلف علي رضي الله عنه فما ازداد الأمر إلا اختلافا والفتن إلا انتشارا، والله المستعان. اه. بتصرف.
5- عمر رضي الله عنه الملهم:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون فإن يك في أمتي أحد فإنه عمر». [أخرجه البخاري، وأخرجه مسلم من
حديث عائشة رضي الله عنها]هذا، وقد روى الترمذي في معنى هذا الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه».
وقال عقبه:
وفي الباب عن الفضل بن عباس وأبي ذر وأبي
هريرة. وهذا حديث حسن صحيح غريب.
6- من موافقات عمر رضي الله عنه لربه عز وجل:
عن أنس قال: قال عمر: الله،
«وافقت ربي في ثلاث: فقلت: يا رسول لو
اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: واتخذوا من مقام
إبراهيم مصلى<<، وآية الحجاب.
قلت: يا رسول الله لو أمرت نساءك أن
يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى
الله عليه وسلم في الغيرة عليه فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن
أن يبدله أزواجا خيرا منكن<<. فنزلت هذه الآية.
[أخرجه البخاري، وأخرجه الترمذي مختصرا، وكذا ابن ماجه، وأخرجه الإمام أحمد]
قال الحافظ في الفتح:
وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما ينفي الزيادة عليها؛ لأنه حصلت له الموافقة في أشياء غيرها، من مشهورها قصة أسرى بدر،
وقصة الصلاة على المنافقين وهما في الصحيح،
وقد صحح الترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال:
ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل القرآن فيه على نحو ما قال عمر. وهذا دال على كثرة موافقته.
7- هيبة عمر رضي الله عنه:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:
استأذن عمر بن الخطاب على رسول الله صلى الله
عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما
استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل
عمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يحضك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا
رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبت من هؤلاء اللائي كن
عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب».
قال عمر: فأنت أحق أن يهبن يا رسول
الله، ثم قال عمر: يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ فقلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «إيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده ما لقيك
الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غير فجك». [متفق عليه]
8- رضا الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم عن عمر:
عن المسور بن مخرمة قال:
لما طعن عمر رضي الله عنه جعل يألم فقال له ابن عباس - وكأنه يجزعه-: يا أمير المؤمنين، ولا كان ذلك، لقد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسنت صحبته، ثم فارقت وهو عنك راض، ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته، ثم فارقت وهو عنك راض، ثم صحبت صحبتهم فأحسنت صحبتهم، ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون،
قال: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضاه فإن ذلك من من الله تعالى من به علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذلك من من الله جل ذكره من به علي، وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك ومن أجل أصحابك، والله لو أن لي طلاع الأرض ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه.
[أخرجه البخاري]
وقوله: «يجزعه» أي: يزيل عنه الجزع، مثل
يمرضه أي يحاول إزالة المرض عنه،
وقوله: «طلاع الأرض» أي ملء الأرض.
والمراد هنا: ما يطلع عليها ويشرف فوقها من المال.
9- ثناء علي بن أبي طالب رضي الله عنه على عمر رضي الله عنه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إني لواقف
في قوم فدعوا الله لعمر بن الخطاب - وقد وضع على سريره - فإذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على منكبي يقول: يرحمك الله، إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كنت وأبو بكر وعمر، وفعلت وأبو بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر، فإن كنت لأرجو الله أن يجعلك معهما، فالتفت فإذا علي بن أبي طالب». [متفق عليه]
10- فضل إسلام عمر على المسلمين:
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. [أخرجه البخاري]
11- التزام عمر رضي الله عنه كتاب الله وعدم مجاوزته إياه:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن بن حذيفة
على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبانا،
فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة فأذن له عمر،
فلما دخل عيينة عليه قال: هي يا ابن الخطاب فوالله ما تعطينا الجزل ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى هم به، فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين<<،
وإن هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند كتاب الله تعالى.
[أخرجه البخاري]
12- شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر بمشاركتهما إياه في الإيمان بالغيب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه فقالت: لم أخلق لهذا، خلقت للحراثة- قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر- وأخذ الذئب شاة فتبعها الراعي فقال له الذئب: من لها يوم السبع يوم لا راعي لها غيري؟ قال: آمنت به أنا وأبو بكر وعمر».
قال أبو سلمة بن عبد الرحمن - الراوي عن أبي هريرة - وما هما يومئذ في القوم.
[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد]
13- الصحابة يعدون حب أبي بكر وعمر من حب الله ورسوله ويتمنون صحبتهما في الجنة:
عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله
عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: «وماذا أعددت لها؟» قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله، قال: «أنت مع من أحببت». قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت مع من أحببت».
قال أنس: فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم.
[متفق عليه، وأخرجه أحمد في المسند مختصرا]
هذه بعض النصوص الصحيحة الصريحة في فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وغيرها كثير جدا،
لا يمكن أن تجمع في مقال كما قدمنا، هذا مع دخوله رضي الله عنه في الآيات الكثيرات التي تحدثنا عن فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم، وأن الله تعالى وعدهم الجنة، فإن لم يكونوا أهل الجنة بصحبتهم نبيهم وجهادهم معه ومن بعده لنشر الإسلام في الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا فمن يكونون
أهلا لجنة الله تعالى التي أعدت للمتقين؟ وإن لم يكونوا هم المتقون، فمن
المتقون؟ هل من جاء بعدهم، أو المتقون هم الذين يتنقصونهم من متاعيس الروافض؟
كيف وقد قال الله تعالى:
والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم<< [التوبة: 100].
إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة،
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم». [متفق عليه]
وهذه النصوص العامة في فضائل الصحابة، والخاصة في كل واحد منهم على حدة لا ينكرها إلا من كان في قلبه مرض وحقد على الإسلام وأهله- كالروافض الذين اتخذوا - بغض الصحابة وسبهم - ولا سيما خيارهم دينا.
ثالثا: شرح الحديث (حديث سؤال عمر عن الفتن)
قوله: «التي تموج كموج البحر» أي الفتنة التي تضطرب مثل اضطراب البحر عند هيجانه، وكنى بذلك عن شدة المنازعة وكثرة المخاصمة وما ينشأ عن ذلك.
قوله: «يا أمير المؤمنين، لا بأس عليك منها».
قال الحافظ في الفتح:
زاد في رواية ربعي: «تعرض الفتن على القلوب فأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة، وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوادء حتى يصير أسود كالكوز منكوسا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا، وحدثته أن بينها وبينه بابا مغلقا».
قوله: «إن بينك وبينها بابا مغلقا» أي لا يخرج منها شيء في حياتك.
قوله: «قال: يفتح الباب أو يكسر؟ قال: لا، بل يكسر، قال ذلك أحرى أن لا يغلق».
زاد في الصيام:
«ذاك أجدر أن لا يغلق إلى يوم القيامة»، وإنما قال ذلك عمر رضي الله عنه اعتمادا على ما عنده من النصوص الصريحة في وقوع الفتن في هذه الأمة ووقوع البأس بينهم إلى يوم القيامة.
قال الحافظ في الفتح: وقد وافق حذيفة على معنى
روايته هذه أبو ذر، فروى الطبري بسند رجاله ثقات أنه:
لقي عمر فأخذ بيده فغمزها، فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتنة. إلخ الحديث، وفيه أن أبا ذر قال: لا يصيبكم فتنة ما دام فيكم. وأشار إلى عمر رضي الله عنهم،وروى البزار من حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر:
يا غلق الفتنة، فسأله عن ذلك فقال: مررت ونحن جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذا غلق الفتنة، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش.فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني على عمر بأنه باب مغلق بين المسلمين وبين الفتن، أو أن بين عمر
وبين الفتن بابا، وأن هذا الباب يكسر بقتل عمر فما أعظمها من تزكية، وما أجله من فضل لعمر.
رضي الله عنهم أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.
التعديل الأخير: