معركة عين جالوت 25/ رمضان سنة 658هـ
بقلم: د. محمد موسى الشريف
في اليوم الخامس والعشرين من رمضان -وكان يوم جمعة- من سنة 658 جرت معركة عظيمة فاصلة في تاريخ البشرية بين المسلمين والتتار، وكان فيها النصر حليفاً لجند الله الأطهار.
ولا بد قبل الخوض في أحداث المعركة من الحديث عن التتار واجتياحهم ديار الإسلام بإيجاز مناسب للمقام، فقد خرج التتار في أوائل القرن السابع الهجري كالجراد المنتشر يكتسحون كل ما أمامهم، وقتلوا الملايين من المسلمين في بلاد ما وراء النهر فيما يعرف اليوم بالجمهوريات الإسلامية التركستانية وخربوا عواصم تلك الديار مثل سمرقند وبخارى، واتجهوا صوب خراسان وأوسعوا أهلها قتلاً والديار تخريباً، وكانت مدة تغلبهم على البلاد بقدر مرورهم فيها.
وقد ذكر ابن الأثير في كتابه الجليل "الكامل في التاريخ" حوادث التتار، وذكر أنهم كانوا أكبر بلية على مدار تاريخ البشرية، ثم ذكر خروجهم وما صنعوا، وقد ذكر رحمه الله تعالى أنه ظل سنوات معرضاً عن ذكر هذه الحادثة مستفظعاً لها، يقدم رجلاً ويؤخر أخرى في كتابة تفاصيلها، ثم قال: "من ذا الذي يسهل عليه كتابة نعي المسلمين، فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني كنت نسياً منسياً"، فإذا علمنا أنه توفي رحمه الله تعالى سنة 620 أي قبل دخول التتار بغداد بستة وثلاثين عاماً فسيطول عجبنا، إذ كيف لو رأى ما حل ببغداد والديار الشامية؟!
وأقبل التتار على بغداد وقتلوا من أهلها مليونين على ما قيل في كتب التواريخ، وغرّقوا مئات الآلاف من الكتب في نهر دجلة حتى صار أسود من المداد، ثم اتجهوا صوب حلب فأحرقوها، وإلى دمشق فأخذوها، ولم يبق أمامهم قوة معتبرة إلا قوة المصريين فأرسلوا إلى مصر رسلاً أربعة يحذرون وينذرون، وكانت مصر محكومة من قبل المماليك وأول سلاطينهم المظفر قطز، فماذا صنع قطز لما جاءه الرسل الأربعة، لقد صنع شيئاً غريباً خارجاً على العرف والمألوف، فقد أمر بضرب أعناق الرسل الأربعة وتعليقهم منكوسين على باب زويلة في القاهرة، وإنما صنع ذلك لإرهاب التتار وتثبيت المسلمين، فلما وصل الخبر إلى التتار اشتد غضبهم وقرروا التوجه نحو الديار المصرية ليقضوا على المماليك، وعقد المظفر قطز مجلساً حربياً حضره قادة المماليك الكبار، وأدخلوا معهم سلطان العلماء الشيخ الكبير العالم العامل عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي ثم المصري لاستشارته وكان ذلك قبل موته بسنتين تقريباً، وكان في الثمانين من عمره تقريباً، وكان هذا في زمن كان للعلماء فيه عز وسلطان ومكانة وجاه، فاستشاروه في فرض ضرائب على الشعب المصري لتجهيز الجيش فرفض رحمه الله أن يفتيهم بجواز ذلك حتى يأتوه بجميع أموالهم وحليّ نسائهم فإن لم يكف أفتى بحل أخذ الضرائب، فما استطاعوا أن يخالفوه لعظم هيبته، وأتوا بما طلبه، فلما رأوا أنه لا يكفي أفتى بأخذ دينارين من كل مصريّ، ثم استشاروه في الخروج إلى التتار فقال لهم قولاً عجيباً لا يستطيع أن يقوله إلا نبي أو رسول؛ إذ قال لهم: اخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النصر!! فكيف قال ذلك العز بن عبد السلام، إنه قد عرف أنه من سنة الله في عباده أنهم إذا وصلوا حد الاضطرار أنجدهم الله تعالى وأمدّهم بمدد من عنده، وأنهم إذا قدّموا كل ما عندهم أكمل الله تعالى نقصهم وسد ثغرتهم، وقد قال تعالى:
{ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ } وقد قال تعالى:
{ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ }
فقال لهم العز ما قاله بناء على ذلك، والله أعلم؛ إذ لم يبق أمام التتار إلا القوة المصرية آنذاك.
وخرج المماليك من مصر يصاحبهم العربان والفلاحون والمتطوعون المجاهدون، واتجهوا صوب الشام، وخرج التتار من الشام متجهين صوب مصر، فالتقى الجمعان واصطدم الجبلان في أرض فلسطين بالقرب من بيسان في سهل عين جالوت، وكأن الله تعالى أراد أن تكون فلسطين على مدار الزمان هي أرض الحسم العظيم سواء أمام الصليبيين أو التتار أو اليهود في هذا الزمان، ونُصح قطز أن يبدأ المعركة بعد الظهر فتكون الجمعة قد صُليت، والناس قد دعت، والرياح قد أقبلت، فاستجاب قطز -رحمه الله تعالى- لهذه النصيحة، والتقى الجيشان العظيمان، وكان على التتار قائد يسمى كَتْبُغانُوَيْن، وذلك لأن هولاكو قد سار إلى بلاده قبل المعركة لحاجة اقتضت وجوده هنالك.
وفي بداية المعركة كانت الدائرة على المسلمين، وذلك لأمور منها الهيبة الهائلة التي كانت للتتار، وللسمعة الحربية الكبيرة التي كانت لهم؛ إذ لم يهزموا في معركة قط أمام المسلمين منذ خمسين سنة تقريباً، هذا عدا عن وجوههم المخيفة وطرائقهم الغريبة، إذ أن التتار لا يتنـزهون عن شيء ولا يتورعون عن شيء، فهم يأكلون كل الدواب والحشرات وربما أكلوها نيئة، وكانوا يقعون على أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم فهم أشبه شيء بالبهائم بل هم أخس وأسوأ وأضل، فلما رأى قطز رحمه الله تعالى ما نـزل بالمسلمين نـزل عن جواده وألقى خوذته على الأرض ونادى بأعلى صوته ثلاث مرات: واإسلاماه، واإسلاماه، واإسلاماه، فلما رأى الجند شجاعة قائدهم وثباته وحماسته ثابوا إليه، ورجعوا مجتمعين عليه، وهنا حَوّل الله تعالى الريح لتهب في وجوه التتار، وتسفي التراب في أعينهم، وأقبل المسلمون يقتلونهم كيف شاؤوا، وأنـزل الله تعالى نصره العظيم، وهرب التتار في كل اتجاه، وتعقبهم جند الله الأطهار وعلى رأسهم الظاهر بيبرس الذين تعقبوهم إلى العراق، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولله الحمد والمنة، وهرب التتار من دمشق وحلب، فلما سمع هولاكو بالهزيمة مات حزناً وهماً وغماً ولله الحمد والمنة، فكانت عين جالوت معركة فاصلة في التاريخ الإسلامي بل في التاريخ البشري.
وهذه المعركة فيها عبر وعظات كثيرة، فمن ذلك:
أولاً: إن العبرة في الجيوش ليست بالكم لكن بالكيف، وفي مدى التربية الإيمانية لهذا الجيش، وإقباله على الله تعالى، واستعداده للتضحية والفداء.
ثانياً: إن للعلماء أثراً عظيماً في تثبيت المجاهدين والشعوب في أوقات الأزمات، بل في تثبيت الحكام، وإن من السعادة والإقبال أن يتفق الحكام والعلماء على ما يرضي الله تعالى، وقد رأينا كيف كان للعز بن عبد السلام الأثر العظيم في إنجاح تلك المعركة.
ثالثاً: إن هذه الأمة لا يمكن أن تُستأصل، فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه –عز وجل- ألا يسلط عليهم عدواً من غيرهم يستبيح بيضتهم فاستجاب الله تعالى له، ولقد رأينا كيف انتفضت هذه الأمة على الصليبيين وطردوهم من الشام، وكيف انتصروا على التتار، وسينتصرون في هذا الزمان على اليهود وأعوانهم إن شاء الله تعالى.
رابعاً: إن هذا الدين دين عظيم جليل يجذب إليه القلوب والعقول، فهؤلاء التتار الذين كانوا أعداء وقتلوا من المسلمين الملايين، ثم هزمهم المسلمون، حصل لهم تحول تاريخي مدهش جداً ولافت للأنظار ألا وهو إسلامهم بعد هزيمتهم، فقد دخلت القبيلة الذهبية في دين الله تعالى وتبعها من تبعها من التتار، وصاروا من جند الله تعالى، وهذا لنعلم أن هذا الدين العظيم لم ينتشر بالسيف كما يدعي المبغضون والشانئون لهذا الدين، وكما يتخرص المستشرقون والكنسيون، إنما هو دين الله تعالى يلج القلوب والعقول بدون استئذان، ويضيء الدرب للملايين بعد طول ظلم وظلام.
خامساً: إن أعداء الإسلام لا بد أن يواجهوا بزعامة قوية؛ فقد كان الأيوبيون يحكمون مصر، وآل أمر مصر إلى طفل يدعى علي بن أيبك، فرأى المماليك أنه لا يمكن مواجهة التتار وعلى رأس الهرم في مصر حاكم ضعيف غر فأزاحوه وأنهوا دولة الأيوبيين، وأقاموا المظفر قطز سلطاناً على مصر، وابتدأت دولة المماليك القوية التي هزمت التتار، وأخرجت الصليبيين من آخر معاقلهم في عكا على يد الأشرف خليل سنة 690هـ.
وفي هذه الأيام أعداء الإسلام يتداعون على هذه الأمة، ولا نجاة لنا إلا بطاعة الله تعالى ثم بحكومات قوية مخلصة أمينة إسلامية تقف في وجه أعداء الإسلام بصلابة وقوة وإيمان وثبات.
وختاماً: فإني أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالنصر والتمكين كما نصرنا في عين جالوت وغيرها ، وأن يعيدنا إلى ديننا عوداً جميلاً، وأن يثبتنا على الإسلام ويجعلنا من جنده العاملين، آمين.
عن موقع التاريخ
بقلم: د. محمد موسى الشريف
في اليوم الخامس والعشرين من رمضان -وكان يوم جمعة- من سنة 658 جرت معركة عظيمة فاصلة في تاريخ البشرية بين المسلمين والتتار، وكان فيها النصر حليفاً لجند الله الأطهار.
ولا بد قبل الخوض في أحداث المعركة من الحديث عن التتار واجتياحهم ديار الإسلام بإيجاز مناسب للمقام، فقد خرج التتار في أوائل القرن السابع الهجري كالجراد المنتشر يكتسحون كل ما أمامهم، وقتلوا الملايين من المسلمين في بلاد ما وراء النهر فيما يعرف اليوم بالجمهوريات الإسلامية التركستانية وخربوا عواصم تلك الديار مثل سمرقند وبخارى، واتجهوا صوب خراسان وأوسعوا أهلها قتلاً والديار تخريباً، وكانت مدة تغلبهم على البلاد بقدر مرورهم فيها.
وقد ذكر ابن الأثير في كتابه الجليل "الكامل في التاريخ" حوادث التتار، وذكر أنهم كانوا أكبر بلية على مدار تاريخ البشرية، ثم ذكر خروجهم وما صنعوا، وقد ذكر رحمه الله تعالى أنه ظل سنوات معرضاً عن ذكر هذه الحادثة مستفظعاً لها، يقدم رجلاً ويؤخر أخرى في كتابة تفاصيلها، ثم قال: "من ذا الذي يسهل عليه كتابة نعي المسلمين، فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني كنت نسياً منسياً"، فإذا علمنا أنه توفي رحمه الله تعالى سنة 620 أي قبل دخول التتار بغداد بستة وثلاثين عاماً فسيطول عجبنا، إذ كيف لو رأى ما حل ببغداد والديار الشامية؟!
وأقبل التتار على بغداد وقتلوا من أهلها مليونين على ما قيل في كتب التواريخ، وغرّقوا مئات الآلاف من الكتب في نهر دجلة حتى صار أسود من المداد، ثم اتجهوا صوب حلب فأحرقوها، وإلى دمشق فأخذوها، ولم يبق أمامهم قوة معتبرة إلا قوة المصريين فأرسلوا إلى مصر رسلاً أربعة يحذرون وينذرون، وكانت مصر محكومة من قبل المماليك وأول سلاطينهم المظفر قطز، فماذا صنع قطز لما جاءه الرسل الأربعة، لقد صنع شيئاً غريباً خارجاً على العرف والمألوف، فقد أمر بضرب أعناق الرسل الأربعة وتعليقهم منكوسين على باب زويلة في القاهرة، وإنما صنع ذلك لإرهاب التتار وتثبيت المسلمين، فلما وصل الخبر إلى التتار اشتد غضبهم وقرروا التوجه نحو الديار المصرية ليقضوا على المماليك، وعقد المظفر قطز مجلساً حربياً حضره قادة المماليك الكبار، وأدخلوا معهم سلطان العلماء الشيخ الكبير العالم العامل عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي ثم المصري لاستشارته وكان ذلك قبل موته بسنتين تقريباً، وكان في الثمانين من عمره تقريباً، وكان هذا في زمن كان للعلماء فيه عز وسلطان ومكانة وجاه، فاستشاروه في فرض ضرائب على الشعب المصري لتجهيز الجيش فرفض رحمه الله أن يفتيهم بجواز ذلك حتى يأتوه بجميع أموالهم وحليّ نسائهم فإن لم يكف أفتى بحل أخذ الضرائب، فما استطاعوا أن يخالفوه لعظم هيبته، وأتوا بما طلبه، فلما رأوا أنه لا يكفي أفتى بأخذ دينارين من كل مصريّ، ثم استشاروه في الخروج إلى التتار فقال لهم قولاً عجيباً لا يستطيع أن يقوله إلا نبي أو رسول؛ إذ قال لهم: اخرجوا وأنا أضمن لكم على الله النصر!! فكيف قال ذلك العز بن عبد السلام، إنه قد عرف أنه من سنة الله في عباده أنهم إذا وصلوا حد الاضطرار أنجدهم الله تعالى وأمدّهم بمدد من عنده، وأنهم إذا قدّموا كل ما عندهم أكمل الله تعالى نقصهم وسد ثغرتهم، وقد قال تعالى:
{ أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ } وقد قال تعالى:
{ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ }
فقال لهم العز ما قاله بناء على ذلك، والله أعلم؛ إذ لم يبق أمام التتار إلا القوة المصرية آنذاك.
وخرج المماليك من مصر يصاحبهم العربان والفلاحون والمتطوعون المجاهدون، واتجهوا صوب الشام، وخرج التتار من الشام متجهين صوب مصر، فالتقى الجمعان واصطدم الجبلان في أرض فلسطين بالقرب من بيسان في سهل عين جالوت، وكأن الله تعالى أراد أن تكون فلسطين على مدار الزمان هي أرض الحسم العظيم سواء أمام الصليبيين أو التتار أو اليهود في هذا الزمان، ونُصح قطز أن يبدأ المعركة بعد الظهر فتكون الجمعة قد صُليت، والناس قد دعت، والرياح قد أقبلت، فاستجاب قطز -رحمه الله تعالى- لهذه النصيحة، والتقى الجيشان العظيمان، وكان على التتار قائد يسمى كَتْبُغانُوَيْن، وذلك لأن هولاكو قد سار إلى بلاده قبل المعركة لحاجة اقتضت وجوده هنالك.
وفي بداية المعركة كانت الدائرة على المسلمين، وذلك لأمور منها الهيبة الهائلة التي كانت للتتار، وللسمعة الحربية الكبيرة التي كانت لهم؛ إذ لم يهزموا في معركة قط أمام المسلمين منذ خمسين سنة تقريباً، هذا عدا عن وجوههم المخيفة وطرائقهم الغريبة، إذ أن التتار لا يتنـزهون عن شيء ولا يتورعون عن شيء، فهم يأكلون كل الدواب والحشرات وربما أكلوها نيئة، وكانوا يقعون على أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم فهم أشبه شيء بالبهائم بل هم أخس وأسوأ وأضل، فلما رأى قطز رحمه الله تعالى ما نـزل بالمسلمين نـزل عن جواده وألقى خوذته على الأرض ونادى بأعلى صوته ثلاث مرات: واإسلاماه، واإسلاماه، واإسلاماه، فلما رأى الجند شجاعة قائدهم وثباته وحماسته ثابوا إليه، ورجعوا مجتمعين عليه، وهنا حَوّل الله تعالى الريح لتهب في وجوه التتار، وتسفي التراب في أعينهم، وأقبل المسلمون يقتلونهم كيف شاؤوا، وأنـزل الله تعالى نصره العظيم، وهرب التتار في كل اتجاه، وتعقبهم جند الله الأطهار وعلى رأسهم الظاهر بيبرس الذين تعقبوهم إلى العراق، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولله الحمد والمنة، وهرب التتار من دمشق وحلب، فلما سمع هولاكو بالهزيمة مات حزناً وهماً وغماً ولله الحمد والمنة، فكانت عين جالوت معركة فاصلة في التاريخ الإسلامي بل في التاريخ البشري.
وهذه المعركة فيها عبر وعظات كثيرة، فمن ذلك:
أولاً: إن العبرة في الجيوش ليست بالكم لكن بالكيف، وفي مدى التربية الإيمانية لهذا الجيش، وإقباله على الله تعالى، واستعداده للتضحية والفداء.
ثانياً: إن للعلماء أثراً عظيماً في تثبيت المجاهدين والشعوب في أوقات الأزمات، بل في تثبيت الحكام، وإن من السعادة والإقبال أن يتفق الحكام والعلماء على ما يرضي الله تعالى، وقد رأينا كيف كان للعز بن عبد السلام الأثر العظيم في إنجاح تلك المعركة.
ثالثاً: إن هذه الأمة لا يمكن أن تُستأصل، فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه –عز وجل- ألا يسلط عليهم عدواً من غيرهم يستبيح بيضتهم فاستجاب الله تعالى له، ولقد رأينا كيف انتفضت هذه الأمة على الصليبيين وطردوهم من الشام، وكيف انتصروا على التتار، وسينتصرون في هذا الزمان على اليهود وأعوانهم إن شاء الله تعالى.
رابعاً: إن هذا الدين دين عظيم جليل يجذب إليه القلوب والعقول، فهؤلاء التتار الذين كانوا أعداء وقتلوا من المسلمين الملايين، ثم هزمهم المسلمون، حصل لهم تحول تاريخي مدهش جداً ولافت للأنظار ألا وهو إسلامهم بعد هزيمتهم، فقد دخلت القبيلة الذهبية في دين الله تعالى وتبعها من تبعها من التتار، وصاروا من جند الله تعالى، وهذا لنعلم أن هذا الدين العظيم لم ينتشر بالسيف كما يدعي المبغضون والشانئون لهذا الدين، وكما يتخرص المستشرقون والكنسيون، إنما هو دين الله تعالى يلج القلوب والعقول بدون استئذان، ويضيء الدرب للملايين بعد طول ظلم وظلام.
خامساً: إن أعداء الإسلام لا بد أن يواجهوا بزعامة قوية؛ فقد كان الأيوبيون يحكمون مصر، وآل أمر مصر إلى طفل يدعى علي بن أيبك، فرأى المماليك أنه لا يمكن مواجهة التتار وعلى رأس الهرم في مصر حاكم ضعيف غر فأزاحوه وأنهوا دولة الأيوبيين، وأقاموا المظفر قطز سلطاناً على مصر، وابتدأت دولة المماليك القوية التي هزمت التتار، وأخرجت الصليبيين من آخر معاقلهم في عكا على يد الأشرف خليل سنة 690هـ.
وفي هذه الأيام أعداء الإسلام يتداعون على هذه الأمة، ولا نجاة لنا إلا بطاعة الله تعالى ثم بحكومات قوية مخلصة أمينة إسلامية تقف في وجه أعداء الإسلام بصلابة وقوة وإيمان وثبات.
وختاماً: فإني أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالنصر والتمكين كما نصرنا في عين جالوت وغيرها ، وأن يعيدنا إلى ديننا عوداً جميلاً، وأن يثبتنا على الإسلام ويجعلنا من جنده العاملين، آمين.
عن موقع التاريخ
التعديل الأخير: