المقدمة
تُعدّ ظاهرة الصراع من الحقائق الثابتة في الواقع الإنساني والاجتماعي، إذ تعبر عن موقف ينشأ من التناقض في المصالح، أو القيم بين أطراف على وعي وإدراك بهذا التناقـض، ونظراً لزيادة العنف الدولي فقد تحتم علي الكيانات السياسية توفير الحماية والأمن اعتماداً علي قدرتها الدفاعية، ولذلك أصبحت القوي العسكرية عنصراً مؤثراً في سياسة أي دولة؛ لتحقيق غاياتها القومية، وإذا كان النصر في الصراع المسلح هو هدفها، فإن ذلك يتوقف بالدرجة الأولي علي التخطيط الصحيح والمتكامل لإعداد الدولة للحرب، ويشمل هذا الإعداد جميع قدرات الدولة المختلفة السياسية ـ الاقتصادية ـ العسكرية، وحتى تتمكن القوات المسلحة من تنفيذ مهامها في صراعها المحتمل يتطلب ذلك: الإعداد البشري، وتوفير السلاح اللازم، والتدريب الجيد، والتخطيط الاستراتيجي لاستخدام القوات، إضافة إلى تجهيز مسرح العمليات ، واستلزم التعقيد الشديد لعمليات إعداد القوات إنشاء جهاز متخصص للإشراف على: التدريب والتسليح والتخطيط وإدارة العمليات، وتأكدت أهمية هذا الجهاز خلال الفترة 1866م ـ 1870 م أثناء التعبئة للحرب البروسية، ولذلك بدأ الاهتمام بتشكيل هيئات الأركان والقيادات المختلفة، ولتعدد مهامها فقد تم تجهيزها بالمعدات والحواسب اللازمة التي تمكنها من تنفيذ واجباتها بنجاح، إلا أن النجاح يتوقف بعد ذلك على تدريبها المستمر، الذي يجب أن يتسم بالواقعية، وله أشكال وطرق مختلفة، وطبقاً لخطة العمليات، وطبيعة الصراع المسلح المنتظر، وتدريب القيادات وهيئات الأركان. ويُعدّ أسلوب التدريب من خلال المباريات الحربية أرقى وسائل التدريب، وأقربها للواقعية، وأقلها تكلفة كذلك، ومن ثم تستخدم لتدريب الضباط وهيئات الأركان في جيوش العالم كافة.
كما تُعدّ المباريات الحربية إحدى الطرق الحديثة المتبعة حاليّاً لتحليل الصراع المحتمل؛ والوصول للبدائل والإستراتيجيات التي يتم خلالها اتخاذ القرار، كما تمثل المباريات الحربية أهم الأساليب التطبيقية لبحوث العمليات؛ التي تهدف إلى اكتساب الخبرة وإدارة المعارك، وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات التي تجابه القوات، خاصة بعد تطور الصراع المسلح من حيث طرقه وأساليبه وأسلحته، ومع تعدد المواقف الحادة، وزيادة حجم المعلومات غير المحدود، والذي انعكس علي عملية اتخاذ القرار، أصبحت إدارة المعارك والعمليات الحربية تتسم بالتعقيد الشديد.
ومنذ نشأة المباريات الحربية في مطلع القرن السابع قبل الميلاد هي تُعدّ إحدى وسائل التدريب للقادة وهيئات الأركان، كذلك تم استخدامها وسيلة اختبارية عند التخطيط للعمليات، أو عند إجراء العمليات البحثية المحددة لمواجهة استخدام أسلحة متطورة، أو تنظيمات جديدة، ولقد كانت فترة الحربين العالميتين، الأولي والثانية، من أهم مراحل تطور استخدام المباريات الحربية، والتي أصبحت من أهم أساليب بحوث العمليات، ولقد زادت أهمية المباريات الحربية بعد استخدام الحاسبات في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ تم استخدامها أسلوباً أساسياً لمواجهة العديد من المشكلات، والوصول إلى أساليب قتال جديدة، وأيضا لتحقيق أفضل النتائج بأقل الخسائر طبقاً للإمكانات المتاحة، ولقد وضحت أهمية المباريات الحربية، وكذلك علاقتها الوثيقة ببحوث العمليات خلال حرب الخليج الثانية، سواء في عمليات الإعداد، أو أثناء نقل قوات التحالف، وحتى إجراء الفتح الإستراتيجي لتنفيذ عمليتي درع الصحراء وعاصفة الصحراء، إذ ظهرت العديد من المشكلات الناجمة عن عدم الإعداد المسبق والتخطيط لعمليات النقل الإستراتيجي الجوي والبحري، وكذلك لم يكن هناك أي تصور مسبق للتهديدات المحتملة وأسلوب مواجهتها، ومن ثم ظهرت المشكلات الإدارية، ومشكلات التنسيق بين القوات، ومشكلات الفتح الإستراتيجي، ومشكلات تنفيذ خطط العمليات.
تُعدّ ظاهرة الصراع من الحقائق الثابتة في الواقع الإنساني والاجتماعي، إذ تعبر عن موقف ينشأ من التناقض في المصالح، أو القيم بين أطراف على وعي وإدراك بهذا التناقـض، ونظراً لزيادة العنف الدولي فقد تحتم علي الكيانات السياسية توفير الحماية والأمن اعتماداً علي قدرتها الدفاعية، ولذلك أصبحت القوي العسكرية عنصراً مؤثراً في سياسة أي دولة؛ لتحقيق غاياتها القومية، وإذا كان النصر في الصراع المسلح هو هدفها، فإن ذلك يتوقف بالدرجة الأولي علي التخطيط الصحيح والمتكامل لإعداد الدولة للحرب، ويشمل هذا الإعداد جميع قدرات الدولة المختلفة السياسية ـ الاقتصادية ـ العسكرية، وحتى تتمكن القوات المسلحة من تنفيذ مهامها في صراعها المحتمل يتطلب ذلك: الإعداد البشري، وتوفير السلاح اللازم، والتدريب الجيد، والتخطيط الاستراتيجي لاستخدام القوات، إضافة إلى تجهيز مسرح العمليات ، واستلزم التعقيد الشديد لعمليات إعداد القوات إنشاء جهاز متخصص للإشراف على: التدريب والتسليح والتخطيط وإدارة العمليات، وتأكدت أهمية هذا الجهاز خلال الفترة 1866م ـ 1870 م أثناء التعبئة للحرب البروسية، ولذلك بدأ الاهتمام بتشكيل هيئات الأركان والقيادات المختلفة، ولتعدد مهامها فقد تم تجهيزها بالمعدات والحواسب اللازمة التي تمكنها من تنفيذ واجباتها بنجاح، إلا أن النجاح يتوقف بعد ذلك على تدريبها المستمر، الذي يجب أن يتسم بالواقعية، وله أشكال وطرق مختلفة، وطبقاً لخطة العمليات، وطبيعة الصراع المسلح المنتظر، وتدريب القيادات وهيئات الأركان. ويُعدّ أسلوب التدريب من خلال المباريات الحربية أرقى وسائل التدريب، وأقربها للواقعية، وأقلها تكلفة كذلك، ومن ثم تستخدم لتدريب الضباط وهيئات الأركان في جيوش العالم كافة.
كما تُعدّ المباريات الحربية إحدى الطرق الحديثة المتبعة حاليّاً لتحليل الصراع المحتمل؛ والوصول للبدائل والإستراتيجيات التي يتم خلالها اتخاذ القرار، كما تمثل المباريات الحربية أهم الأساليب التطبيقية لبحوث العمليات؛ التي تهدف إلى اكتساب الخبرة وإدارة المعارك، وإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات التي تجابه القوات، خاصة بعد تطور الصراع المسلح من حيث طرقه وأساليبه وأسلحته، ومع تعدد المواقف الحادة، وزيادة حجم المعلومات غير المحدود، والذي انعكس علي عملية اتخاذ القرار، أصبحت إدارة المعارك والعمليات الحربية تتسم بالتعقيد الشديد.
ومنذ نشأة المباريات الحربية في مطلع القرن السابع قبل الميلاد هي تُعدّ إحدى وسائل التدريب للقادة وهيئات الأركان، كذلك تم استخدامها وسيلة اختبارية عند التخطيط للعمليات، أو عند إجراء العمليات البحثية المحددة لمواجهة استخدام أسلحة متطورة، أو تنظيمات جديدة، ولقد كانت فترة الحربين العالميتين، الأولي والثانية، من أهم مراحل تطور استخدام المباريات الحربية، والتي أصبحت من أهم أساليب بحوث العمليات، ولقد زادت أهمية المباريات الحربية بعد استخدام الحاسبات في النصف الثاني من القرن العشرين، إذ تم استخدامها أسلوباً أساسياً لمواجهة العديد من المشكلات، والوصول إلى أساليب قتال جديدة، وأيضا لتحقيق أفضل النتائج بأقل الخسائر طبقاً للإمكانات المتاحة، ولقد وضحت أهمية المباريات الحربية، وكذلك علاقتها الوثيقة ببحوث العمليات خلال حرب الخليج الثانية، سواء في عمليات الإعداد، أو أثناء نقل قوات التحالف، وحتى إجراء الفتح الإستراتيجي لتنفيذ عمليتي درع الصحراء وعاصفة الصحراء، إذ ظهرت العديد من المشكلات الناجمة عن عدم الإعداد المسبق والتخطيط لعمليات النقل الإستراتيجي الجوي والبحري، وكذلك لم يكن هناك أي تصور مسبق للتهديدات المحتملة وأسلوب مواجهتها، ومن ثم ظهرت المشكلات الإدارية، ومشكلات التنسيق بين القوات، ومشكلات الفتح الإستراتيجي، ومشكلات تنفيذ خطط العمليات.
المبحث الأول
نشأة المباريات الحربية وعلاقتها ببحوث العمليات
أولاً: نشأة المباريات الحربية وتطورها التاريخي
منذ عام 500 قبل الميلاد تخيل صن تزو معركته التي ستدار بين قواته والقوات المعادية، وصورها على الأرض بأشكال مصغرة، وبدأ في تحريكها طبقاً لاحتمالات تطور أعمال القتال، وطبقاً لذلك تمكن من استنتاج أنسب الأساليب التي تمكنه من مجابهة أعمال القتال المعادية، ومن ثم يكون صن تزو أول من أنشأ، بحاسته العسكرية، نموذجاً لمواقف العمليات، وتوصل للطريقة المثلى التي تصبح فيها قواته أكثر فعالية في مواجهة الأعمال العدائية، ومنذ ذلك التاريخ أصبح هذا الأسلوب من الوسائل المتبعة لاختبار الأعمال والأعمال المضادة، ومع التطور التكنولوجي واكب هذا الأسلوب الكثير من التغيير والتطوير؛ ليصبح حاليّاً ما يعرف بالمباريات الحربية، وخاصة مع زيادة استخدام الحواسب الآلية، وأصبحت المباريات الحربية إحدى الوسائل العلمية والعملية؛ التي تمثل العمليات الحربية من حيث احتوائها على قوات متضادة، قد تكون من قوتين أو أكثر، ولها أهدافها المتعارضة؛ التي تسعى لتحقيقها في صورة صراع مسلح، وفي هذا الصراع تظهر المشكلات والمواقف المختلفة؛ التي يلزم إيجاد الحلول المناسبة لها،وهو ما يسمى بإدارة المواقف في المعارك، وبذلك تكتسب القيادة الخبرة اللازمة دون التعرض للكثير من الخسائر التي تنتج من الحروب الفعلية، وتحد أيضاً من التكاليف المرتفعة لتنفيذ بعض وسائل التدريب، كما تتغلب على مشكلة عدم توافر مناطق تدريب مناسبة للقوات، وهي مشكلة تواجهها كثير من دول العالم حاليّاً.
1. التطور التاريخي للمباريات الحربية
جاءت فكرة المباريات الحربية نابعة من لعبة الشطرنج التي ظهرت بالهند في مطلع القرن السابع عشر، وكانت تمارس بواسطة الأمراء والملوك، وفي عام 1744م تم تعديل قواعد الشطرنج لتتوافق مع أساليب القتال، وتم ذلك من خلال إضافة قطع عسكرية إلى اللعبة، وسميت آنذاك بالشطرنج الحربي، وفي مطلع عام 1780م تم استحداث لعبة تدريبية استخدم فيها رقعة شطرنج مكونة من مربعات يتجاوز عددها ألف مربع، وصممت لتمثيل طبيعة الأرض بما تحتويه من مدن، وقرى وأنهار، وطرق، وغيرها، كما استخدمت القطع لتمثيل القوات العسكرية المختلفة مثل المشاة والفرسان والمدفعية، وتم وضع القواعد المنظمة لهذه اللعبة، وكان هناك حكم يراقب سير المباراة بين الطرفين، وفي نهاية القرن الثامن عشر قدم الدانمركي "جورج فنتوربيتس" طريقة جديدة للمباراة أكثر تفصيلاً، وسميت بالمباراة الحربية الجديدة NEW WAR GAME، والتي كانت تدار على رقعة شطرنج مكونة من 3600 مربع، إلا أن قواعد هذه المباريات كانت شديدة التعقيد، تحتاج إلى دراسات مختلفة لتفهمها.
أما الشكل الحديث للمباراة الحربية فإنه كان من تصميم مواطن بروسي يدعى "ريزوارتز" REISSWARTZ، قام بتطوير لوحة الشطرنج لنموذج مجسم رملي يماثل طبيعة الأرض التي يراد التدريب عليها تماماً. ومن ثم تحررت المباراة الحربية من قيود الشطرنج، كذلك لم يتقيد استخدام القوات بمربعات لوحة الشطرنج، وفي عام 1824م تم نقل المباراة إلى خريطة عليها جميع المعالم الطبيعية والصناعية، كذلك تم إصدار مجموعة من القواعد والنظم، أطلق عليها نظم وقوانين تمثيل المناورات العسكرية، وكان هذا التطور هو البداية الحقيقية، ونَشَأَتْ المباراة الحربية أسلوباً تدريبياً منظماً للضباط والقادة، ونفذ الإمبراطور وليم الأول لاحقاً هذا الأسلوب في الجيش البروسي.
تم التنظيم العملي لأول مباراة حربية في ألمانيا عام 1848م بواسطة فون تلاكنستين وقد مثلت معركة بين بروسيا والنمسا، وكان لهذه المباراة تأثيرها على القادة العسكريين، على الرغم من الشعور بأن قواعد هذه المباراة افتقرت إلى كثير من الأسس، كما أنه لم يكن فيها حرية لاتخاذ القرارات التي تتطلبها المستويات المختلفة، وفي عام 1876م روجعت القواعد التي تم إتباعها في هذه المباراة، وتم تعديلها حتى أصبحت تتوافق مع الغرض منها، ولقد أكد بعض الخبراء العسكريين أن نصر ألمانيا في حرب FRANCO-PRUSSIAN عام 1871م يرجع أساساً إلى نتائج المباريات الحربية التي تم تنظيمها قبل الحرب، وقد وضعت هذه النتائج في الاعتبار عند التخطيط للمعركة الأساسية.
بدأت المباريات الحربية تطورها في ألمانيا، خاصة بعد الحرب البروسية الفرنسية، كذلك ظهر اهتمام معظم دول العالم بالاستفادة من تطبيق المباريات الحربية؛ إلا أن ألمانيا استمرت في المحافظة على تفوقها في إعداد قواعد المباريات الحربية، وتطوير فنونها، ولقد استخدم القادة الألمان المباريات الحربية في تطوير خططهم في كل حروبهم في مختلف المناطق، واتبعوا طرقاً متعددة مختلفة، وانتشر هذا الأسلوب بعد ذلك في العديد من بلدان العالم بعد إجراء التعديلات اللازمة فيه بما يتوافق مع أساليب قتالها، وطبيعة أرضها ونوع قواتها وحجمها.
2. مفهوم المباريات الحربية
تُعدّ المباريات الحربية من أساليب التحليل والاسترشاد وطرقه الأساسية للقائد وهيئة أركانه، إذ تمكنه من تحليل الصراع المحتمل، وتعرف البدائل والإستراتيجيات التي يتخذ من خلالها قراره وفق حجم الإمكانات والمعلومات المتاحة لدى الأطراف المتصارعة. وبنهاية المباراة الحربية وتقييم نتائجها يكون هناك تحليل كامل للخطط التي تم تنفيذها، وعوامل نجاحها، وأسلوب التغلب على نقاط الضعف فيها، ومن ثم فإن المباراة الحربية محاكاة للواقع، وتمثل للحقيقة بجميع أبعادها بالنسبة لأطراف الصراع، من خلال أحداث ومتغيرات مؤثرة ومستمرة على طرفي الصراع في إطار البعد الزمني.
3. علاقة بحوث العمليات بالمباريات الحربية
تُعدّ المباريات الحربية أحد أفرع بحوث العمليات الأساسية، وهي وسيلة المدير أو القائد لتحقيق الاستخدام الأمثل للإمكانات المتاحة، والتي تستخدم لترشيد القرار وتصحيحه في ضوء القيود المفروضة، وفي وجود عدد من الأطراف التي تتعاون، أو تتنافس، أو تتصارع، بهدف تحقيق أهداف مشتركة أو متناقضة، وتستخدم النظريات الرياضية في أساليب وطرق بحوث العمليات بصفة عامة، والمباريات الحربية بصفة خاصة، بهدف الوصول إلى الحل الأمثل لاستخدام الإمكانات المتاحة، وذلك بإيجاد قيم ومقاييس محددة للعوامل والمتغيرات المؤثرة، وبتحديد العلاقة بين هذه القيم يمكن تحديد النتائج الفعلية والعملية لاستخدام القوات والوسائل في ظروف محددة، بإتباع أسلوب التحليل الكمي والنوعي والنظريات الرياضية المستخدمة.
وبحوث العمليات تعبير يطلق على مجموعة من الأساليب والطرق الرياضية المستخدمة في تحليل المشكلات، والبحث عن الحلول المثلى لها، وبحوث العمليات حين تتعرض بالتحليل لمشكلة ما، فإنما تحوى المشكلة بجميع جوانبها وأبعادها، وتعتمد بحوث العمليات على علوم مختلفة ومتعددة، ولذلك يشكل لها فريق بحثي يضم مجموعة من علماء الرياضيات، والاقتصاد، والمنطق، والإدارة، وغيرهم من العلماء في التخصصات التي يكون لها إسهام في تحليل المشكلة، وحلها بأسلوب شمولي، وفي إطار يشمل جوانبها المتعددة والمختلفة.
ونشأة بحوث العمليات غير معروفة على وجه التحديد، ولكن تطورها التاريخي ارتبط أساساً بتحليل المعارك والعمليات السابقة، والأساليب المختلفة لإدارة المعارك الحربية، وخاصة في الشق المتعلق بتحليل نتائج الأعمال القتالية، وتقييمها للجانبين المتضادين، وتمثل البداية الحقيقية للأسلوب المتكامل لتطبيق المنهج العلمي؛ لإيجاد الحلول المناسبة من خلال بحوث العمليات، والتي ترجع إلى فترة الحرب العالمية الثانية، إذ تكون أول فريق متكامل لبحوث العمليات في قيادة القوات الجوية الملكية البريطانية في ستانمور Stanmore في عام 1939م، وكانت المشكلة الأساسية التي واجهت فريق بحوث العمليات هي كيفية إدماج نظم الرادار الجديدة في النظم التقليدية؛ لمراقبة مسرح العمليات التي كانت قائمة على مجموعات من الجنود المدربين على الاستطلاع بالنظر، وتحديد الطائرات المعادية، والإبلاغ عنها، وفي الوقت نفسه تم إعداد دراسات أخرى لتحليل التباين في كفاءة أداء محطات الإنذار المختلفة، وترتب على هذه الدراسات تحديد بعض نقاط الضعف في شبكات الإنذار، والخروج بتوصيات لتحسين أساليب الأداء، ولقد أسهمت جماعات بحوث العمليات البريطانية في دراسة الموضوعات الحيوية للقوات الجوية والجيش بصفة عامة، والتي تمثلت في الآتي:
أ. دراسة العمليات الليلية للقوات الجوية الألمانية وتحليلها، ورد الفعل لدى وحدات الرقابة الأرضية.
ب. دراسة مشكلة التنسيق بين أجهزة الرادار وبين وسائل الدفاع الجوي الأرضية، بحيث يتم تحديد مدى وحمولة أيَّة مقاتلة مغيرة.
ج. دراسة أساليب الكشف عن السفن والغواصات المعادية بواسطة أجهزة رادار محملة على الطائرات.
د. تحديد الحجم الأمثل لمجموعات السفن التجارية التي يمكن أن تبحر معاً حتى تتعرض للحد الأدنى من الخسائر الناتجة عن هجوم الغواصات المعادية، وكذلك تحديد الحد الأدنى من سفن الحراسة والطائرات المخصصة للحماية.
هـ. تطوير أساليب الدفاع المدني من خلال تجميع البيانات الشاملة للتدمير الناتج عن تعرض بريطانيا للقصف الجوي المعادي المستمر وتحليلها.
ومع تطور الحرب لصالح الحلفاء، إضافة إلى التطور في أساليب بحوث العمليات، اتجهت فرق البحث لتطوير العمليات الهجومية للقوات البريطانية، إذ تمكنت من تحديد أكثر الأهداف الألمانية قابلية للإصابة، كذلك تم التنبؤ بأثر حمولات معينة من القنابل على أهداف محددة، ولقد ترتب على هذه الدراسات المتعددة استنتاج مهم، تمثل في أن التشكيلات الكبيرة من الطائرات المغيرة أقل عرضة للإصابة من التشكيلات الصغيرة، وقد نتج عن هذا أول غارة جوية على ألمانيا عام 1942م، واشترك فيها حوالي ألف طائرة.
وقد كان لنجاح بحوث العمليات في بريطانيا أثره الواضح في اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بهذا المنهج العلمي، والذي بدأت تتضح معالمه، وتتحقق من خلاله النجاحات المتتالية في معالجة مشكلات الحرب، ومن ثم فقد انتقل الاهتمام باستخدام بحوث العمليات إلى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1942م، من خلال بحث مشكلات الرادار في القوات الجوية الأمريكية، وفي الشهور الأولى لتطبيق بحوث العمليات في الولايات المتحدة الأمريكية كان هناك العديد من الباحثين، الذين يجري تدريبهم على الأساليب المختلفة لبحوث العمليات في جامعة برنستون ومعهد ماسوشوسيتر للتكنولوجيا.
وقد أسهمت فرق بحوث العمليات في الطيران والبحرية الأمريكية في دراسة العديد من مشكلات الحرب، وتمكن توماس أديسون، مستشار البحرية الأمريكية، من خلال دراسته أسلوب تحديد مسارات السفن، لتقليل احتمال إصابتها من ضربات غواصات العدو، تمكن من وضع أسلوب الحركة المتعرجة للسفن ZIGZAG وتطور بعد ذلك استخدام بحوث العمليات خلال الحرب العالمية، وأسهمت فرق بحوث العمليات في الطيران والبحرية الأمريكية في بحث العديد من مشكلات الحرب والتي تمثلت في الآتي:
أ. بحث مشكلات التعامل مع الغواصات المعادية لصالح البحرية الأمريكية.
ب. تحسين أساليب البحث عن سفن السطح المعادية والغواصات وتطويرها، ونتج عن ذلك خفض واضح لأعداد طائرات البحث والاستطلاع.
ج. تم استخدام أسلوب WAR GAME للتنبؤ بالعمليات المعادية المختلفة، وتحقيق فاعلية أكبر للأسلحة، وكذلك اختيار أساليب الدفاع المختلفة ضدها.
ولقد تطورت أساليب بحوث العمليات، لإيجاد الحلول المناسبة للمشكلات الإدارية خاصة، والتي تمثلت في مشكلات المخزون، ومشكلات تخصيص الموارد، ومشكلات الإحلال، واستبدال المعدات وإصلاحها، ومع التطور المستمر لفنون وطرق إدارة الحرب وضحت أهمية الاستفادة من بحوث العمليات؛ لمعاونة القادة وهيئات الأركان على اتخاذ القرارات المناسبة الخاصة بالمعارك والعمليات الحربية، بالاختيار الأفضل بين البدائل المطروحة، وكذلك تحسين الأداء بالنسبة للأعمال القتالية أو الإدارية المطلوبة، ومن أهم استخدامات بحوث العمليات تحديد أسلوب زيادة سرعة القوات والوحدات في التدريب والعمليات ودراسته، وكذلك تحديد كفاءة القوات، وأيضاً، اختبار الأسلحة والمعدات، واختيار أنسب أسلوب لاستخدامها.
يتم تطبيق بحوث العمليات على نطاق واسع في العديد من جيوش العالم حاليّاً؛ لتحديد مواقع الأسلحة، ومستويات التسليح المختلفة، بهدف الوصول للحل المناسب الذي يحقق التخصيص الأمثل للموارد والقدرات المحدودة، ولقد أثرت بحوث العمليات وتطورها، ونتائج تحليل المعارك قبل الحرب العالمية الثانية وأثناءها، وما بعدها على التطور الحالي في مستوى إدارة المباريات الحربية، وخاصة في الشق المتعلق بتقييم نتائج أعمال القتال، إذ قام العالم الإنجليزي لانكستر، في غضون الحرب العالمية الأولى، بتحليل صور القتال المختلفة التي تمت خلال المعارك والعمليات، في محاولة منه للوصول إلى العلاقة التي تربط بين حجم الوحدات من حيث قوتها وتنظيمها وتسليحها وكفاءتها القتالية، وبين احتمالات النصر الممكنة، ومن خلال الدراسات التي أجراها تم التوصل إلى قوانين لانكستر، وهي:
أ. قانون لانكستر الخطي: وهو يوضح العلاقة بين نوع محدد من السلاح واحتمالات النصر، عندما كان يستخدم السلاح البدائي السيف ـ البلطة.
ب. قانون لانكستر التربيعي: وهو يوضح العلاقة بين قوة الوحدة المتعددة الأسلحة وكفاءتها، واحتمالات النصر عندما ظهرت الأسلحة النارية.
ولقد أكدت نتائج دراسة لانكستر أهمية استخدم مبدأ الحشد.
كان للحرب العالمية، واستمرارها فترة طويلة الأثر الكبير في بلورة مفاهيم بحوث العمليات والنظريات التي تطبقها، ومن بينها نظرية المباريات الحربية، ومن بين التطبيقات الناجحة التي تمت خلال الحرب، وتمت الاستفادة منها تطبيق مناورة القطع البحرية الصغيرة أو الكبيرة أثناء تعرضها للهجمات الجوية المعادية،وإيجاد الأسلوب الأمثل لهذه المناورة، وقد تأكد مفهوم أن القطع الكبيرة يجب أن تلجأ إلى المناورة الحادة عند مهاجمتها بالطائرات المعادية، في حين أن القطع الصغيرة يفضل أن تستمر على نفس خط سيرها، إذ وجد أن المناورة الحادة تؤثر على قدرات أسلحة الدفاع الجوي المسلحة بها وفعاليتها.
وامتازت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بانطلاق بحوث العمليات في مجالاتها المختلفة، ودخول عمليات التنبؤ بالمستقبل، والتطور الكبير في أساليب تنفيذ المباريات الحربية، إذ تم الاستخدام الموسع للحواسب التي تزود بمعلومات عن القوات المتضادة، وطبيعة مسرح عملياتها، ثم توضع السيناريوهات المختلفة للمواقف، ويلي ذلك إدخال البيانات للحواسب بصفة معطيات وفق القرارات التي اتخذها القادة، ويتتابع بعد ذلك تحليل القرارات والمواقف، وإصدار النتائج والتقييم لكل مرحلة من مراحل المباراة، وفي النهاية يتم الخروج بالدروس المستفادة المطلوبة. ولقد تم إجراء أشهر مباراة حربية بهذا الأسلوب في عام 1962م بعد أزمة الصواريخ الكوبية، وتمت باستخدام الحواسب، وأكدت نتائجها قدرة القوات الأمريكية على التفوق في أية حرب نووية، وكان قد تم الإعداد لهذه المباراة خلال ثلاث سنوات، واستغرق تنفيذها خمسة أشهر، وتم خلالها تقييم مائة وستين ألف موقف بواسطة الحواسب الإلكترونية؛ لتحديد أية الضربات الناجحة، وأيتها الفاشلة، وحجم الخسائر المحتملة في كل ضربة، وأي الجانبين يمكنه البقاء بعد تلقي الضربات.
4. دور بحوث العمليات والمباريات الحربية خلال حرب الخليج الثانية
عند تشكيل القيادة المركزية لقوات الانتشار السريع في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983م، كانت مهمتها الأساسية هي صد القوات السوفيتية عند احتلالها حقول النفط في إيران، ولم يكن هناك أية خطط محددة لباقي دول منطقة الشرق الأوسط، وكان هذا الاحتمال الوحيد والأساسي الذي بنيت عليه خطة عمليات القيادة المركزية، وتنظيم الوحدات وإجراء المناورات،وتكديس المعدات والتجهيزات وتخزينها، إلا أنه بعد أن تسلم الجنرال نورمان شوارتزكوف في يوليه 1988 م مهام منصبه قائداً للقيادة المركزية لقوات الانتشار السريع، بدأ في تنظيم الفرع السياسي العسكري، ضمن قسم التخطيط والسياسة بالقيادة المركزية، وبعد اشتداد حرب الناقلات إبان حرب الخليج الأولى، وجد أنه من الضروري تطوير خطة عمليات القيادة المركزية لمجابهة أسوأ الاحتمالات، وهي مواجهة عسكرية مع العراق رابع أكبر جيش في العالم، ومع تحديد توقيت تنفيذ المباراة الحربية السنوية المسماة بالاسم الرمزي النظرة الداخلية في صيف عام 1990م، وهي مخصصة لتدريب القيادة المركزية لقوات الانتشار السرية، وتستغرق ثمانية أيام يشترك فيها أركان القيادة المركزية، إضافة إلى أركان الجيش والبحرية، والقوات الجوية، ومشاة الأسطول، على أساليب إدارة الحرب، وإعداد التقارير، ونقل الاحتياجات الإدارية، وتنسيق أعمال المناورة بين القوات الجوية، والجيوش، والقوات البحرية باستخدام برامج الحواسب، وتم تعديل فكرة المباراة الحربية الداخلية لعام 1990م، إذ وضع تصور جديد لها، تمثل في قيام قوات عراقية تقدر بحوالي 300 ألف جندي، وحوالي 3200 دبابة، تعاونهم 640 طائرة مقاتلة بالحشد في جنوب العراق، وتهاجم شبه الجزيرة العربية. أما القوات التابعة للقيادة المركزية فيفترض أن تشترك في صد الغزو العراقي وإيقافه، ولإضفاء المزيد من الواقعية على هذا الاحتمال، أثناء تنفيذ المباراة، كان يتم إرسال العديد من البرقيات الوهمية عن التطورات العسكرية في مسرح العمليات بالشرق الأوسط إلى مقر قيادة الوحدات التي تشارك في المباراة الحربية التدريبية، إلا أن ما تم تخطيطه واختباره خلال المباراة الحربية المخصصة لتدريب القيادة المركزية لقوات الانتشار السريع، خلال شهر يوليه 1990م، وتسمى النظرة الداخلية، قام العراق بتنفيذه فعلاً يوم 2 أغسطس 1990م.
وكان من أهم ما واجهته القيادة المركزية لقوات الانتشار السريع سرعة نقل القوات لمسرح العمليات، سواء كان ذلك من خلال النقل البحري أو الجوي، وباستغلال مجهود النقل البحري تم نقل 95% من الشحنات إلى مسرح العمليات، إلا أن النقل الجوي، كان له دور حيوي خلال عمليات الفتح المبكر، ووضح دور عمليات بحوث العمليات في تحديد الشحنات العاجلة، حيث استلزم التخطيط الدقيق لنقل 544 آلف طن من الشحنات و 500 آلف جندي إلى مسرح عمليتي درع الصحراء وعاصفة الصحـراء، وتطلب ذلك التخطيط استخـدام 126 طائرة نقل طراز C-5 و 265 طائرة نقل طراز C-141، كذلك تم استغلال طاقات النقل المدني، وكان متوسط مجهود النقل الجوي الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية 74 مهمة في اليوم، وتم تنفيذ حوالي 15402 رحلة نقل جوي حتى أول مارس 1991م، ولذلك كان النقل الجوي الإستراتيجي حيوياً.
وعلى الرغم من هذا النجاح فإن مجهود النقل الجوي الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية كانت له مشكلات أخرى، إذ لم يكن هناك تخطيط تفصيلي مسبق لمجهود النقل الجوي، ومواجهة تعديل أسبقيات النقل التي قامت بها القيادة المركزية،الأمر الذي أدى إلى الارتباك في توفير الوسائل اللازمة لتنفيذ حجم النقل المطلوب. أما النقل البحري فكان له دوره الحيوي خلال عملية درع الصحراء، إذ وصل مجهود النقل البحري إلى حوالي 1,2 مليون طن من الشحنات، وحوالي 3,5 مليون طن من الوقود، واستخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حوالي 385 سفينة، منها 24 سفينة وجدت مسبقاً، وثماني سفن نقل بحري سريع و 71 سفينة من قوى الاحتياط، 73 سفينة تحمل أعلاماً أمريكية، 210 سفينة ترفع أعلاماً أجنبية وناقلات، وخلال عاصفة الصحراء كان متوسط ما يصل للمسرح من الشحنات يومياً حوالي 4700 طن. ولقد وضح أثناء إعداد خطة النقل الإستراتيجي عدم وجود المعلومات الكافية للحواسب، ولذلك كان يتم إعداد جداول النقل الجوي والشحن البحري يدوياً، ومن هنا تأكدت أهمية عملية بحوث العمليات في الإعداد والتخطيط المسبق لعمليات النقل الجوي والبحري، ومعدلات وأسبقيات الفتح الإستراتيجي طبقاً لاحتمالات الموقف وتطوره.
ثانياً: الأنماط المختلفة للمباريات الحربية والمباريات السياسية/ العسكرية
إن التاريخ العسكري قد أوضح مدى استخدام العديد من الدول للمباريات الحربية في بداية تخطيطها للعمليات واختبارها، الأمر الذي أدى إلى نجاح هذه الخطط عند تنفيذها عملياً خلال القتال، ومن أمثلة ذلك: المباريات الحربية للحلفاء عند وضع خطتهم لغزو نورماندي، وكذلك النجاح الساحق لليابان في الحرب اليابانية – الروسية عام 1904م. وكان سبب هذا النجاح الدروس المستفادة للضباط اليابانيين من المباريات التي تم تنفيذها قبل الحرب الفعلية، كما أن اليابانيين قد استخدموا المباريات الحربية بكثافة خلال الحرب العالمية الثانية، ولقد أثبت الأسلوب الحديث للمباريات الحربية تقدماً عظيماً في نتائج التدريب. ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية ظهرت المباريات الحربية التحليلية ANALYTICAL WAR GAME، والتي استخدمت أسلوباً أساسياً في بحوث العمليات للتقييم العلمي للخطط الحربية المستقبلية، وكذلك لعقائد القتال والتكتيكات والتنظيمات، ونظم الأسلحة في معظم بلدان العالم.
وأدى النجاح الذي حققته أساليب المباريات في مجال معالجة الموضوعات الحربية، وإدارة الصراعات والأزمات والمواقف العسكرية، إلى اتجاه الكثير من علماء السياسة والإدارة، وبحوث العمليات، إلى محاولة الاستفادة من النتائج التي تحققت في مجال المباريات الحربية، وتطبيقها في مجالات تحليل الأزمات والصراعات السياسية، وقد شهد العالم في العقود القليلة السابقة استخداماً موسعاً للعديد من أنماط المباريات، كذلك تم إنشاء العديد من المراكز المتخصصة في دراسة الأزمات، وتحليلها بأسلوب المباريات، وكذلك مراكز تنظيم المباريات السياسية/السياسية العسكرية التي تتم على المستوى الإستراتيجي وإدارتها، وتم، أيضاً، إنشاء مراكز المباريات الحربية والسياسية بهدف تدريب القادة وهيئات الأركان، وأجهزة الدولة، على مواجهة الأزمات المختلفة.
1. أنماط المباريات من وجهة نظر تحليل الأزمات
إن المهام الرئيسة لإدارة الأزمات تتشابه تقريباً مع متطلبات مهام المباريات الإستراتيجية على مستوى الدولة وإدارتها، وتنقسم المباريات من وجهة نظر تحليل الأزمات وإدارتها إلى عدة أنماط وأشكال تتمثل في الآتي:
أ. مباريات الحظ: وهي المباريات التي تعتمد كلية على الحظ فقط، ولا تتوقف نتائجها على المهارة، وهذه المباريات يتم تحليلها علمياً باستخدام قوانين ونظرية الاحتمالات فقط.
ب. مباريات المهارة: وهي المباريات التي تعتمد على المهارة الفردية للمتباريين ومعاونة هيئة أركانهم ومساعديهم، ولا تتوقف نتائجها على الحظ أو على الخداع والتمويه.
ج. مباريات الإستراتيجية: وهي المباريات التي تمتزج فيها المهارة بالحظ، وتعتمد أساساً على الترابط والتداخل بين تصرفات القادة والرؤساء وهيئات الأركان وتوقعاتهم، ويمكن أن يتبع ذلك في المباريات الحربية والمنافسات التجارية والمفاوضات الدولية، ويمكن تقسيم مباريات الإستراتيجية إلى نوعين أساسيين هما:
(1) مباريات المجموع الثابت: وهي المباريات التي تعتمد على وجود حالة الصراع المطلق بين المتبارين، ويُعد نصر أحدهما هزيمة للجانب الآخر، وبالقيمة نفسها، بحيث يظل مجموع القيم المتبادلة ثابتاً، أي أن المجموع الجبري للنصر والهزيمة للطرفين يساوي صفراً، وكذلك يُعد الصراع المسلح بين دولتين يمثل مباراة من مباريات المجموع الثابت.
(2) مباريات المجموع المتغير/مباريات التعاون: وهي المباريات التي تجمع بين المنفعة المشتركة والصراع، والتي يمكن للطرفين فيها أن يتعاونا في بعض الوقت، ويتنافسا في بعضه الآخر، وبذلك يمكن أن ينتصر الطرفان، ولكنهما يتساومان على توزيع مكسبهما من هذا الصراع، ومما لا شك فيه أن مباريات المجموع المتغير هي الأكثر واقعية وجدوى في النواحي العملية المختلفة، وهي تمثل الجزء النظري الذي يدرس إستراتيجيات المساومة، والمفاوضة، والتهديد، والردع، وكل الحالات التي يهم الطرفين كليهما الوصول فيها إلى اتفاق، إلا أن الطرفين يستخدمان كل وسائلهما المتاحة للوصول إلى اتفاق يحقق أهدافهما بأكبر قدر ممكن، على حساب الطرف الآخر، وبصفة عامة فإن صور الصراع والتفاعل بين الأمم والدول لا تخرج عن ثلاثة أشكال؛ هي: القتال والمباريات ذات الإستراتيجيات المختلفة، ذات المجموع الثابت أو المتغير، والمناظرات أو الندوات والتي لا تعدو أن تكون مناقشات تسمح بتغييرات في الصور والدوافع من خلال المفاوضات الدبلوماسية أو المساومات.
2. أنماط وأشكال المباريات الحربية
يوجد العديد من أشكال المباريات الحربية وأنماطها،كما يوجد العديد من تقسيماتها في الدول المختلفة؛ إلا أنه يوجد اتفاق عام على تقسيمها طبقاً للغرض منها، وكذلك المستويات المنفذة لها، وأسلوب إدارتها، وتعدد الأجناب، ومكان إدارتها، وطريقة تقييم نتائجها.
أ. تقسيم المباريات الحربية من حيث الغرض
تنقسم المباريات الحربية من حيث الغرض منها إلى عدة أنواع تتمثل في الآتي:
(1) اختبار خطوط ومهام قتالية منتظر تنفيذها، وفي هذا النوع يكون الهدف عند بناء المباراة هو تحديد المشكلات التي قد تواجه أعمال القتال، وتحديد أفضل الأساليب لحلها.
(2) اختبار القادة وهيئة الأركان في أساليب اتخاذ القرار المناسب في التوقيت المناسب طبقاً لظروف الموقف.
(3) تجريبية لتحقيق أهداف بحثية محددة في المشكلات التكتيكية الناتجة عن ظهور أسلحة، أو تنظيمات أو قدرات معادية جديدة.
(4) تدريبية بهدف إعداد القادة وهيئات الأركان على تنفيذ المراحل المختلفة للتحضير والتنظيم وإدارة المعارك والعمليات.
ب. تقسيم المباريات الحربية من حيث مستوى التنفيذ
(1) مباريات حربية إستراتيجية، وهي التي تكون فيها عناصر الصراع سياسية واقتصادية وعسكرية، وقد تشمل عناصر قوى الدولة المختلفة.
(2) مباريات حربية تكتيكية، وهي التي يكون فيها عناصر الصراع قوات عسكرية فقط، وقد تكون بتجميع العمليات المنتظرة، أو طبقاً لموقف تم افتراضه ويراد تحليله والخروج بنتائج محددة.
(3) مباريات حربية فنية، ويتم فيها التركيز على خصائص السلاح أو المعدات الفنية ومقدراتها بغرض تقييم درجة كفاءتها أو للخروج بأنسب أسلوب لاستخدامها.
ج. تقسيم المباريات الحربية من حيث تعدد الأجناب المنفذة
(1) المباريات الحربية ذات الجانب الواحد، ويتم خلالها اشتراك قيادة وهيئة أركان أو أكثر في جانب واحد،على أن يمثل الجانب المعادي مجموعة ضباط لديهم الخبرة الكاملة بأساليب قتال القوات المضادة أو المعادية وتكتيكاتها.
(2) المباريات الحربية ذات الأجناب المتعددة، وينفذ هذا النمط على المستويات القيادية المختلفة، سواء كانت إستراتيجية أو تعبوية أو تكتيكية، ويشترك فيها أكثر من جانب.
(3) مباريات حربية لسلاح، أو لمعدة ويهدف هذا النمط إلى تحديد العوامل المؤثرة على استخدام السلاح، وتقييم درجة كفاءته وفق ظروف المعركة المختلفة.
(4) تقسيم المباريات الحربية من حيث تخصص القوات المنفذة:
وينفذ هذا النمط عند إجراء التدريبات التخصصية لكل قوة منفردة ـ قوات جوية – قوات بحرية – قوات جوية – عناصر المدفعية – عناصر الحرب الإلكترونية - قوات إبرار جوي.
د. تقسيم المباريات الحربية من حيث مكان التنفيذ
أ. مباريات حربية داخلية، ويتم تنفيذها داخل مراكز المباريات الحربية، وداخل المعاهد والكليات العسكرية بهدف تدريب القادة على أساليب اتخاذ القرارات وتحليلها وتقييمها.
ب. مباريات حربية خارجية، ويتم تنفيذها باشتراك هيئة الأركان كاملة من خلال مراكز القيادة المختلفة.
هـ. تقسيم المباريات من حيث حجم المعلومات
أ . مباريات حربية ذات معلومات كافية عن الأجناب المتضادة، من حيث التنظيم والإمكانات، ونوع الأسلحة، والأهداف والمهام القتالية.
ب. مباريات حربية لا يتوافر فيها معلومات، ويتوقف حجم المعلومات اللازمة على قدرة إمكانات كل جانب، وتخطيطه الجيد، وسعيه للحصول على المعلومات اللازمة لإدارة معركته.
و. تقسيم المباريات الحربية من حيث أسلوب التنفيذ والإدارة:
ويتنوع هذا التقسيم من حيث مدى التدخل في أعمال القيادة وهيئة الأركان المنفذة، ويتم ذلك باستمرار للمحافظة على الهدف من المباراة وتنقسم المباريات طبقاً للآتي:
(1) مباراة حربية لا يتم التدخل فيها، وتترك الحرية كاملة للقادة وهيئة الأركان لاتخاذ القرارات اللازمة في إطار الموقف، ويكون ذلك بهدف اختبار كفاءة القيادات وهيئة الأركان.
(2) مباراة حربية يتم التدخل فيها بهدف التأثير على قرارات القادة وهيئة القيادة المنفذة بما يحقق الهدف من المباراة، والذي قد يكون اختبار خطط معينة، أو كفاءة سلاح أو معدة.
ز. تقسيم المباريات من حيث أسلوب التقييم والتحليل
وينقسم هذا النوع من المباريات طبقاً للأساليب المستخدمة لتقييمها وتحديد درجــة نجاحها، فقــد تستخدم الحواسب لتحليل القرارات التي اتخذتها القيادات وهيئات الأركان، وكذلك لتقييم نتائج الاشتباك بالنسبة للأسلحة المختلفة. وقد يتم هذا التقييم بالأساليب اليدوية؛ إلا أن هذا الأسلوب لا يستخدم حالياً إلا بدرجة محدودة نظراً لاحتياجه لأعداد كبيرة من المنفذين للتقييم، وكذلك يتطلب وقتاً طويلاً لإجراء الحسابات اللازمة.
ثالثاً: المباريات السياسية/ والسياسية العسكرية
تُعد المباريات السياسية/ والسياسية العسكرية من الوسائل العلمية المتقدمة، والتي يمكن استخدامها في تحليل الأعمال الإستراتيجية ذات الطابع الإقليمي أو الدولي، بغرض الخروج بنتائج ومؤشرات لصالح عملية اتخاذ القرار، والمباريات السياسية والسياسية العسكرية يتم فيها محاكاة المواقف المختلفة، التي حدثت أو من المحتمل حدوثها، سواء كانت دولية أو إقليمية أو محلية وتمثيلها وإجراء تحليل لها بغرض الخروج بدروس مستفادة، ويمتد هذا النوع من المباريات، أيضاً، ليشمل تدريب المتخصصين على عملية صنع القرار، وتنقسم المباريات السياسية والسياسية العسكرية إلى الأنواع التالية:
1. تقسيم المباريات السياسية/ والسياسية العسكرية من حيث الغرض
أ. مباريات تدريبية: وهي التي يتم إعدادها وإدارتها بغرض تدريب متخذي القرار، أو من يؤهلون لذلك على القيام بأعمالهم ضمن منظومة اتخاذ القرار، ويتم التركيز في هذا النوع على تحقيق أهداف تدريبية محددة، مثل تنمية القدرات التفاوضية، أو التدريب على إيجاد بدائل القرار الممكنة طبقاً للقدرات الحقيقية للدولة.
ب. مباريات تحليلية: وهي التي يتم إعدادها وإدارتها بغرض تحليل مواقف يترتب عليها مشكلات أو أزمات، ودراسة القرارات المناسبة، والتأثيرات المختلفة الناتجة عن هذا القرار، ويتنوع هذا النوع من المباريات طبقاً للمواقف التي تبنى عليها المباراة إلى الأنماط التالية:
(1) مباريات للتحليل والتقييم: ويتم فيها دراسة وتحليل أبعاد الموقف/ المشكلة السابقة، والتي عرفت نتائجها، بهدف تحليل وتقييم ما تم اتخاذه من قرارات، والخروج من ذلك بمؤشرات ودروس مستفادة يمكن استخدامها واستغلالها في أية مواقف مشابهة مستقبلية.
(2) مباريات للتحليل والمساعدة في اتخاذ القرار:ويتم فيها دراسة أبعاد الموقف السياسي العسكري وتحليله، أو الأزمة التي يفترض حدوثها على ضوء توقعات من المواقف الحالية، وذلك بهدف تجهيز مقترحات وحلول لمثل هذه الأزمة تساعد في اتخاذ القرار في حالة حدوثها.
(3) مباريات للقياس: ويتم فيها دراسة وتحليل الآثار المترتبة على قرار سياسي معد للإعلان عنه، بغرض قياس توقعات رد فعل مثل هذا القرار على مختلف الأطراف التي قد تتأثر به، مما يعطي بعض المؤشرات لتعديل أو إلغاء مثل هذا القرار.
2. المباريات السياسية/ السياسية العسكرية من حيث المستوى
تنقسم المباريات السياسية/ والسياسية العسكرية من حيث دائرة تأثير القرارات التي تتخذ فيها، ومن حيث الأطراف التي يلزم تمثيلها في المباراة إلى ثلاثة أنماط هي:
أ. مباريات على المستوى المحلي: وهي المباريات التي يضيق مجال تأثير قراراتها إلى داخل الدولة (مواجهة أزمات اقتصادية أو مواجهة مظاهرات أو مواجهة كوارث).
ب. مباريات على المستوى الإقليمي: وفيها لا تتجاوز أبعاد التأثير عن إحدى الدوائر الإقليمية، وهي الدائرة العربية ـ الأفريقية ـ الإسلامية، ويراعى في هذه المباريات قياس ردود الأفعال الإقليمية والمنظمات الإقليمية المختلفة متمثلة في الجامعة العربية – منظمة الوحدة الأفريقية ـ المؤتمر الإسلامي.
ج. مباريات على المستوى العالمي: وتؤثر في هذا النوع من المباريات أكثر من دائرة من دوائر الانتماء، وقد تصل إلى تمثيل المنظمات الدولية العالمية بهدف دراسة ردود أفعالها، وتناول مواقف بعض الدول ذات التأثير الفعال على مجريات الأمور مثل الأمم المتحدة.
3. المباريات السياسية/ السياسية العسكرية من حيث التحليل والتقييم
يتم تحليل وتقييم نتائج المباريات السياسية والسياسية العسكرية إما بالطرق اليدوية، ويتوقف ذلك على الخبرات السابقة للمحكمين، وإما بإدخال الحواسب في عملية التقييم بهدف الوصول إلى نتائج ذات درجة دقة أعلى، وفي وقت محدود. وبصفة عامة يتعدد نطاق عمل المباريات السياسية/ والسياسية العسكرية سواء كانت المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، ومختلف الموضوعات غير العسكرية ذات الأهمية، إضافة إلى الاعتبارات والعوامل العسكرية بهدف الوصول إلى سياسة شاملة للدولة في مواجهة الأزمات والمشكلات المختلفة، ويشترك في هذا النوع من المباريات متخصصون في جميع مجالات الدولة طبقاً للموقف الذي تبنى عليه المباراة، وفي الغالب يشترك فيها مندوبون عن وزارات الدفاع والخارجية والداخلية والإعلام والصناعة والصحة وأجهزة الاستخبارات، وأية جهات أخرى يستلزم الموقف حضورها.