أهمية دراسة السيرة النبوية/د.رشيد كهوس

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,781
التفاعل
17,898 114 0

أهمية دراسة السيرة النبوية

د.رشيد كهوس


إن خير ما بذلت فيه الجهود، وأنفقت فيه الأموال، وشغلت به الساعات والأيام؛ هو البحث في السيرة المحمدية الخالدة ودراستها، واستنباط ما فيها من سنن الله الجارية، وهذا له أهمية كبيرة في حياة الأمة؛ إذ ليس الغرض من دراستها والبحث فيها مجرد سرد الوقائع التاريخية، والوقوف على ما طرف من قصصها، وليس شأنها شأن الاطلاع على سيرة ملك من الملوك أو أمير من الأمراء في الحقب التاريخية السالفة.وإنما شأن السيرة العطرة المعطرة أعظم وأجل من أن تحصر في زاوية ضيقة ثم ينتهي الأمر، فالغرض منها وشأنها أن يتصور كل مسلم الحقيقة الإسلامية في مجموعها متجسدة في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يدرك أن لا قوام لهذه الحياة ولا مساك لها إلا بالتلبس بها؛ إذ هي أساس الحياة السعيدة، والعيشة الهنية في الأولى والآخرة، وهي طريق الرقي في مدارج السمو والكمال.
وإن اختزال السيرة النبوية في حادثة تاريخية مضت، أو في حقبة زمنية غابرة، إخراج لها من مد الحياة، وإيقاف لمفعولها وعطائها، وعزل لها عن الكثير من ضروريات الحياة.
وعجيب أن يجهل المسلمون ما لهذه السيرة العطرة من الأهمية في حياتهم اليومية، وفي الرقي والازدهار إن اعتبروا بعبرها، وأخذوا دروسها وسنة الله فيها.
فلا غَروَ أن سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سراج الفضيلة في سبل الحياة، وتعاقب الأجيال، فهي تشكل الدعامة الرئيسة لحركة التاريخ العظيم الذي يعتز به المسلمون على اختلاف أجناسهم ولغاتهم، والحاجة إليها تتجدد على الدوام.
وعليه؛ فبالتولي شطر السيرة النبوية دراسة وتطبيقا واقتداء ومنهاجا في الحياة يحقق المسلمون ما تعجز عن تحقيقه الأمم الراكضة وراء سراب الشهوات الفانية، والملذات الزائلة، والمطامع النفسية.
ولذلك فالسيرة النبوية تجربة غنية فيها من الدروس والعبر ما لا يعد ولا يحصى، فهي زاخرة بدلالاتها، متنوعة بمعطياتها، ومهمة بوقائعها؛ إذ هي عطاء مفتوح بابه على مصراعيه لكل زمان ومكان، خالدة بقيمها وسنن الله فيها، إنها كنز الدروس والعبر، ومدخر القيم التي تنبض بالنور، تهدي للتي هي أقوم، وترشد إلى الطريق السوي، وتضع معالم النجاة أمام الناس وترسم لهم طريق الله المستقيم... فما كان لباحث يسعى إلى إيفائها حقها من البحث والتحليل، إلا أن يوسع نطاق رؤياه ويصب اهتماماته على سنن الله فيها، ليجعلها منارات يهتدي بها في ظلمات الحياة، حتى لا يسقط في مهوى الهلاك والخسران.
وبكلمة جامعة؛ إن دراسة السيرة النبوية تطوي لنا المراحل في استشراف مستقبل الأمة الزاهر الذي بشرتنا به الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.
وهنا أمر من الأهمية بما كان أن أؤكد عليه؛ وهو أن البحث المفيد في السيرة النبوية يحصل حين يدرس على أنه سنن إلهية مطردة يمكن أن تتكرر ظروفها في كل زمان ومكان، وحين يجرد من قيود الزمان والمكان ليجيب على أسئلة العصر ومعضلاته، ولا يتحقق هذا إذا درسناه على أنه أحداث تاريخية ومعارك حربية فريدة ابتدأت بالبعثة وانتهت بالوفاة، ولو كان الأمر هكذا ما حثنا الله تبارك وتعالى على التأسي بحبيبه وصفوة خلقه صلى الله عليه وسلم بقوله:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ الأحزاب 21 .
ولدراسة أحداث السيرة النبوية والأيام المحمدية الخالدة أهمية قصوى ؛ إذ من خلالها نقدم العلاج الشامل لمجموعة من الأدواء التي أصابت الأمة الإسلامية، بل من خلال السير على المنهاج المحمدي في التربية والدعوة والجهاد تحقق الأمة عزتها وتعود لها مكانتها، ويتحقق وعد الله عز وجل و موعود نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بانتشار نور الإسلام في العالمين.
ومن المعلوم أن حياة الحبيب صلى الله عليه وسلم كانت كلها جهادا وبذلا في سبيل إعلاء كلمة الله ودعوة إلى دين الإسلام، وبهذا استطاع -صلوات ربي وسلامه عليه- أن يستأصل جذور الشرك والاستكبار والبغي في مكة والمدينة، وأن يكسر جذوعه في الجزيرة العربية.
وتعتبر دراسة السيرة النبوية وأخذ العبرة منها ضروريا ومهما؛ إذ الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى أن تعي دروسها، وتستفيد منها في مسيرتها المستقبلية، وبخاصة أنها موعودة بوراثة الأرض التي لا تتحقق إلا بالتلبس بسيرة رسول الله r.
لن نكتفي –كما يفعل بعض الناس- بتتبع السنة النبوية في بعض الجزئيات ونسمي أنفسنا سنة، ثم بعد ذلك نتيه في أودية الغفلة والقعود والركود والاستسلام للواقع المرير. لن نكون على مستوى يرضي ربنا تبارك وتعالى ويرضي حبيبه المصطفى -صلوات ربي وسلامه عليه- إن لم نقتد بسيرته العطرة وسيرة أصحابه معه ونحذو حذوهم ونقتفي أثرهم، ونسير وفق سنن الله في هذا الكون كما ساروا، ونفقه كنهها كما فقهوا.
فما كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الميامين رضي الله عنهم يحدثون أنفسهم أن تنجح الدعوة الإسلامية ويبنى صرح جماعة المسلمين وتنتصر هذه الجماعة وينتشر نور الإسلام في ربوع الأرض وهم قعود في عقر دارهم، بل كانوا على دراية تامة بسنن الله الماضية في خلقه التي لا تقبل التبديل ولا التغيير، وأن للرقي والنصر والتمكين أسبابه، وللهزيمة والتخلف والهلاك أسبابه كذلك، فكانوا موطدي العزم على الجهاد في سبيل الله وعلى التؤدة، لأن النصر والتمكين والرقي يأتي بالجهاد في سبيل الله واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولن ينال رضى الله جل وعلا إلا من أعطى الثمن!
وإن الحقيقة التي لا تقبل التمويه أن استنباط سن الله من السيرة النبوية يبين لنا كيف تجري سنة الله وناموسه في خلقه على البر والفاجر وعلى المسلمين وغير المسلمين حتى تستقيم لنا الرؤية من زاوية قرآنية، لنعالج مآسي الأمة وجراحاتها، وما حل بدارها من الويل والثبور وعظائم الأمور.
لكن نجد صنفا من أصناف الناس اليوم غفل عن الرؤية القرآنية التي تخبر عن سنة الله في الكون، وانساق خلف المقلدة الذين يجترون الحروف اجترارا، ذهنية عاجزة كليلة منشطرة منكدرة عن فهم ناموس الله في الأفراد والأمم والجماعات.
وصنف آخر حذا حذو المنهجيات المادية الجدلية الغافلة عن الله التي جردت القرآن الكريم من قدسيته ليصنفوه مع النصوص التاريخية، ناعقة بعدم القدسية، تسمي القرآن الكريم كتاب حضارة وتاريخ وثورة، طائفة من اللائيكيين والزنادقة عليمو اللسان تتجرأ على المبادئ الإسلامية والثوابت الشرعية يلبسون أفكارهم الغربية سرابيل إسلامية.
ولهذا فلكي لا نحشر مع هؤلاء الذين اتخذوا آيات الله هزؤا ولعبا، وصدوا عن سبيل الله، فإن نظرتنا للتاريخ نظرة إسلامية نقرأ التاريخ من زاوية القرآن وعوينات السنة النبوية لا من زاوية المادية الجدلية الغافلة عن سنن الله في الكون؛ نظرة تنطلق من القرآن الكريم لفهم التاريخ.
وبالمثال يتضح المقال ؛ إننا إذا نظرنا إلى سيرة الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يتضح لنا هذا –الفقه بالسنن- جليا لاحبا وذلك في تعامله صلى الله عليه وسلم مع سنن الله، فدعوته وبناء الدولة الإسلامية وبناء الأمة،.. كله خاضع لسنن الله في هذا الكون.
وهذا نهج غفل عنه بعض الباحثين وطواه النسيان عند آخرين، فالدعوة الإسلامية وبناء المجتمع الإسلامي والمعارك الإسلامية ليست معارك للتفرج والتذكار، بل محطات من خلالها نبني مستقبلنا الزاهر.
والسنن الإلهية لا تحابي أحدا. لذلك لابد من دراسة أحداث السيرة النبوية لاستخلاص ما وراءها من دروس وعبر ونواميس وسنن إلهية.
وخلاصة القول: لقد غفل المؤرخون وكتاب السيرة عن هذا اللب والأساس؛ وهو استنباط واستخراج سنن الله من سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاكتفوا بسرد الأحداث التاريخية فقط-وهذا له أهميته-، في حين أن السيرة النبوية وأحداثها من المبعث إلى الوفاة كلها سلسلة متصلة الحلقات لتلك الرابطة القوية بين الأرض والسماء، بين النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام الواسطة .


عن رابطة أدباء الشام
 
عودة
أعلى