ربّ رحيم أرسل نبيّاً رحيماً
الدكتور عثمان قدري مكانسي
بما أنّ يوم القيامة آتٍ لا ريب فيه، فتعال معي لنحضر عرض أحد المؤمنين على ربّ العزّة، وقد تكون أنت الذي نتابع عَرضه، وقد أكون أنا - والحقيقة أننا جميعاً سنقف هذا الموقف- فهل أعددنا له ما يُنجي ؟...
يدني الله سبحانه عبده المؤمن منه على الرغم من أنه ذو ذنوب كثيرة وأخطاء جسيمة، ولكنّه الربّ الكريم، الربّ الرحيم ...يدنيه منه فيستره برحمته عن أعين المخلوقات وسمعهم، على العكس مما بفعل مع الكافر، إذ يبعده ويفضحه، أتدري لماذا يا أخي ؟
أتعرف سبب هذا الستر والإخفاء ؟!! لأن الله سبحانه وتعالى غنيّ عن عذاب عباده الذين شهدوا له بالوحدانية، واتقوا الله ما استطاعوا، وحاولوا جهدهم الإخلاص له ، ولكنّ الإنسان خطّاء، خُلق ناقصاً، ومن شيمة الناقص التكاسل والغفلة، والزلّة والنسيان (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ) فنحن ضعفاء، لا قوة لنا إلا بالرجوع إلى الله تعالى، والاتكال عليه، والاعتماد عليه.. فنرفع أيدينا إلى السماء ونجأر بالدعاء إليه جلّ شأنه فيمسح على قلوبنا بيد الرحمة، ويعفو عنا، ويتجاوز عن سيئاتنا، وهكذا نحن دائماً، وهكذا هو سبحانه دائماً .
يدنيه منه سبحانه ويستره ويقرّره بذنوبه، فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: يا رب، نعم وأعترف به، وأقرّ بارتكابي إياه.
فيقول سبحانه: يا عبدي، فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيُعطى صحيفة حسناته، ويسعد سعادة لا شقاء بعدها ....
ويأتي رجلٌ آخر فيقف أمام الحق سبحانه خائفاً وجلاً فكبائر ذنوبه كثيرة، وهو مؤمن يعلم أن الله تعالى لا يخفى عليه شيء فيهاب أن يسأله عنها، ويحاسبه عليها .
فيأمر الله تعالى بعرض سيئاته الصغيرة، ويقرره بها، فيُقرّ بفعلها ويسأل الله تعالى المغفرة ، فيقول سبحانه له: قد غفرتها لك وجعلت مكان كل سيئة حسنة، فيقول: يا رب قد عملت كذا وكذا، ويقصد السيئات الكبيرة آملاً أن يحوز مكانها حسنات كبيرة تناسبها، فيضحك الله سبحانه من طمع الإنسان ، ويحقق أمله بالعفو والمغفرة .
سبحانك يا رب، أنت إله تُعبد، ربّ حقيقٌ أن يحبّك من يعرفك، رحيم رحيم .... غفرانك .
وهذا النبي الكريم الرحيم أرسلته إلى عبادك لتنقذهم به - صلى الله عليه وسلم- من الظلمات إلى النور، ومن النار إلى الجنة، يقرأ قولك الكريم في سورة إبراهيم عليه السلام:
(رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (36) ،
ويقرأ قول عيسى عليه السلام في سورة المائدة :
( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (118)
فتغرورق عيناه بالدموع، ويرفع يديه الشريفتين إليك يا رب يناديك :
أمتي أمتي، ويبكي وتسيل دموعه الطاهرة رقراقة حارّة تحفر في وجهه المضيء أخدود الأمل والرجاء، فترسل إليه جبريل عليه السلام يسأله: ما يبكيه، وأنت أعلم بما يبكيه... فيخبره بعظيم أمله في الله سبحانه أن يغفر لأمته، ويعفو عنها، ويبعدها عن النار، ويدخلها الجنة وفراديسها، صلى الله عليه وعلى آله من برّ رحيم، عطوفٍ كريم ، ويرفع الأمين جبريل ما قاله الرسول الرحيم إلى الملك الجليل سبحانه وهو أعلم بما قاله رسوله الكريم .
وتقول يا رب سبحانك، جل شأنك، وعظُم سلطانك، تقول لجبريل: اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك .
ونقف أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فنراه يبشرنا أجمل بشرى، يقول - صلى الله عليه وسلم- :
إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول: هذا فكاكك من النار.
فالله تعالى قدّر للنار عدداً يملؤها فإذا دخلها الكفار بذنوبهم وكفرهم، صاروا في معنى الفكاك للمسلمين .
ولكل إنسان منزل في الجنة، ومنزل في النار، فالمؤمن لوحدانيته لله تعالى يدخل الجنة، ويخلفه الكافر في النار، نعوذ بالله من الناروما قرّب إليها من قول أو عمل ...
يــــــا ربّ سبـــــــــــــحانك أنـــــــــت الإلـــــــــه الحــــــق
للمســــــــــلم المذنـــــــــــب قـــــــــــولٌ لذاتـــــــــــــك رق
***
مـــــــن فضـــــــلك النـــــار ولّـــــــــــت، فـــــــــــــــلا دار
إلا رُبـــــــــــا الجــــــــــــنه فَلِوَجــــــــــــــهك المــــــــــِنّه
***
أرســـــــــــــلت هادينــــــــا يُـــــــــهدي لنـــــــــا دينــــــا
نـــــــــورٌعلــــــى نــــــــور بالخـــــــــــير منثـــــــــــــور
***
فــــــــارفعه مــــــــــــقدارا أعـــــــــلى الــــــــورى دارا
صلـــــــــى عليــــــــــه الله مـــــــــن فضـــــــــــله أولاه