السفينة اللغز.. ماذا تحمل وإلى أين كانت وجهتها؟
كاثرين بيلتون
ما زالت السرية تكتنف موضوع سفينة الشحن التي ظلت مختفية قبالة السواحل البرتغالية طيلة نصف آب (أغسطس) قبل أن يستولي عليها الأسطول الروسي، وما زالت المهمة التي كانت مكلفة بها مجهولة.
كاثرين بيلتون
شعور من الحيرة ينتاب القبطان إيفان بويكو. إذ يقول بويكو الذي يعمل نائباً لرئيس شركة سولتشارت أرخانجيلسك Solchart Arkhangelsk المتفرعة عن الشركة الفنلندية الواقعة تحت السيطرة الروسية التي تشغل سفينة الشحن المدعوة «اركتيك سي» Arctic Sea التي فقدت قبالة البرتغال منذ شهرين:» السلطات لا تخبرنا بأي شيء. لم يحدث شيء من هذا القبيل في الذاكرة الحية».
ما زالت السرية تحيط بالسفينة بعد مضي شهرين تقريباً على اعتراض البحرية الروسية لها واعتقال ثمانية من بحارتها مدعية أنها أحبطت عملية قرصنة. وما زال أربعة من طاقمها موجودين على متنها تحت حراسة عسكرية مشددة، وما زالت السفينة في عرض البحر بعد أن تم منعها من دخول ميناء لاس بالماس في جزر الكناري.
في بلدة أرخانجيلسك الروسية التي يوجد فيها ميناء للشحن وتقع على ساحل البحر الأبيض White Sea والتي تسكنها غالبية من البحارة، تدور شائعات مفادها أن الظروف الغريبة التي تكتنف اختفاء السفينة وعملية اعتراضها أن السفينة لا بد أنها كانت تحمل حمولة سرية يرجح في الأغلب أن تكون أسلحة.
قام الادعاء العام بمنع الأحد عشر شخصاً من أعضاء طاقمها الذين عادوا إلى بلدتهم أرخانجيلسك من الخوض في الموضوع. إذ يقول صاحب مشروع من أبناء البلدة: «لا أحد يريد التحدث إليك هنا. الجميع يخافون على وظائفهم. لا تحاول التعمق في معرفة ما جرى وإلا فسيأتونك من حيث لا تدري».
وتحيط التساؤلات بالسبب الذي حدا بالحكومة الروسية، بعد مضي أكثر من عشرة أيام، لإرسال ثلاث سفن قتالية وفرقاطة لأسر السفينة وبعدئذ قامت بإعادة البحارة الأحد عشر والخاطفين المزعومين في طائرة عسكرية ضخمة تستخدم عادة في نقل المدرعات والجنود. ومن الناحية الرسمية، كان على متن السفينة في مالطا حمولة من الخشب فقط تقدر قيمتها بمبلغ 1.3 مليون يورو (1.9 مليون دولار، 1.2 مليون جنيه إسترليني).
هناك اعتقاد بأن حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لديهما معلومات سرية عن الحادثة التي يبدو أنها أدت إلى نشاط دبلوماسي محموم بين إسرائيل وروسيا. ويظن البعض أن الباخرة Arctic Sea كانت تحمل صواريخ من طراز إس 300، وهي النظام الصاروخي الدفاعي الروسي المعادل لصواريخ باتريوت الأمريكية، أو أنها كانت تحمل صواريخ 55-Kh طويلة المدى إلى إيران. ولكن روسيا تنفي بشدة أن تكون السفينة كانت تحمل أسلحة.
ولكن حتى أعضاء اللجنة الأمنية التابعة للبرلمان الروسي ممن لهم علاقات واتصالات جيدة يقولون إنهم لا يعرفون ما الذي جرى. إذ يقول ليف جودكوف، نائب رئيس اللجنة: «هناك شيء واحد واضح فقط ــ وهو أن هذا عمل غامض».
ويقول تارمو كوتس Tarmo Kouts، مقرر لجنة مكافحة القرصنة في الاتحاد الأوروبي: «هناك أشياء لا حصر لها تحيط بهذه السفينة، وهناك عدد لا حصر له من التقارير المتعارضة. وإن حقيقة أن روسيا لن تسمح لبحارة السفينة بالحديث تقول الكثير. ولو تعلق الأمر بقضية قرصنة بسيطة لسمحوا لهم بالحديث».
من الصعب أن يكون توقيت الحادثة أكثر دلالة، خاصة أن الولايات المتحدة تسعى لإبرام اتفاقية مع روسيا حول طهران والدفاع الصاروخي. ذلك أن المعلومات عن شحنة مارقة يمكن أن تهدد فرص اتخاذ إجراء مشترك إزاء طموحات إيران النووية.
يصر المسؤولون في موسكو على أن السفينة لم تكن تحمل أي شيء غير الخشب، فقد قالت لجنة الادعاء العام الروسية التي تتولى التحقيق في الموضوع الأسبوع الماضي بعد القيام بعملية بحث في عرض البحر: «لم يتم العثور على أي شيء يمكن أن يعرض الاتحاد الروسي للشبهة».
ولكن أنطون سوريكوف، خبير الأمن الروسي والضابط السابق في المخابرات العسكرية الروسية، يؤيد النظرية القائلة بأن المهربين ربما قاموا بدعم من خدمات الأمن الروسية بتحميل السفينة بذخيرة وبقذائف مضادة للدروع لإرسالها إلى حزب الله في لبنان، وأربعة صواريخ كروز من طراز 55 ــ Kh لتركيبها على قاذفات سوخوي ــ 24 لإرسالها إلى إيران وذلك بينما كان يتم إصلاح السفينة في كالينغراد.
ويقول سوريكوف إنه يعتقد أنه أثناء عملية الصعود على متن السفينة في جوف ليلة 24 تموز (يوليو) قبالة السواحل السويدية، عثر المهاجمون على مخبأ الأسلحة في السفينة وصوروه كدليل وغادروا.
يتفق هذا المشهد مع التقارير الأولية التي صدرت عن الشركة السويدية والتي تفيد بأن بحارة السفينة قالوا إنهم تعرضوا للهجوم من قبل عشرة رجال تقريباً تظاهروا بأنهم من الشرطة السويدية وقاموا بتفتيش السفينة وغادروا المكان بواسطة زورق مطاطي.
يظن سوريكوف أنه تم اطلاع الأجهزة الأمنية في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة على الصور- فرتبت هذه الأجهزة للقيام بغارة ثانية على السفينة Arctic Sea التي اختفت بتاريخ الأول من شهر آب (أغسطس). ويقول: «بعدئذ بدأت تدور عملية من وراء الكواليس بين القوى التابعة للدول».
ولكن المسؤولين في مكتب شركة سولتشارت الكائن في بلدة أرخانجيلسك يرفضون هذا الحديث, إذ يقول نيكولاي تشيماكين، المدير الفني للسفينة وهو يشير إلى صورة معلقة على حائط سفينة Arctic Sea وهي محملة بالخشب: «لا يمكن أن تكون هناك أسلحة مخبأة على متن السفينة تحديداً. انظر، لا يوجد أي مكان يمكن تخبئة هذه الأشياء فيه».
ولكن يخيم على الموضوع جو من الشك. فقد عاد السيد تشيماكن للتو من رحلة قام بها إلى جزر الكناري, حيث رفض المدعون العامون الروس الذين يحققون في موضوع السفينة السماح له بالصعود على متنها. ويقول القبطان بويكو:» لقد تغير أمر ما عندما وصل إلى هناك ولا نعرف لماذا. إنني لا أعلم الغيب ولذلك فإنني لا أعرف ما الذي حدث ولكنني واثق أن رجالنا لا يمكن أن يتورطوا في عمليات شحن الأسلحة».
وما زالت هناك أسئلة تدور بشأن الرجال الثمانية - وهم أربعة إستونيين وروسيان واثنان من لاتفيا - الذين اعتقلتهم روسيا بتهمة اختطاف السفينة. ويدعي هؤلاء الأشخاص أنهم علماء بيئة أنقذتهم سفينة Arctic Sea عندما ضربت زورقهم موجة كبيرة. ولكن ستة منهم قضوا مدة في السجن بسبب ارتكابهم مخالفات تراوحت من السطو إلى الابتزاز.
وقد بدأت حتى زوجات بعض طاقم السفينة يتساءلن فيما إذا كانت تجري هناك مؤامرة أعمق. ففي الأسبوع الماضي، كتبت زوجات البحارة الأربعة الذين ما زالوا في عرض البحر كتاباً أبيض يطلبن فيه من الدول مد يد المساعدة لأزواجهن. فالاتصالات مع أزواجهن قليلة أو معدومة وهن قلقات بشأن نقص إمدادات الغذاء والماء الخاصة بهم.
وتقول زوجات البحارة الذين عادوا إلى بيوتهم إن الادعاء العام منعهم من التحدث في الموضوع رغم إجراء بعض المقابلات التلفزيونية المرتبة بعناية معهم.
تقول إحدى الزوجات واسمها أوكسانا بيتريوك: «إن طاقم السفينة لا يعرفون الوضع بأكمله. إن الحديث عن هذا الموضوع ممنوع. ولا أعتقد أننا سنعرف الحقيقة أبداً، ولكن هناك جهة تعلم ما الذي حدث ــ وهذه الجهة لا تريد أن تتحمل المسؤولية».
وتضيف في تصريح له دلالاته: «إننا مواطنون روس ولا يحق لنا معرفة الحقيقة».
في مكتب ضيق في بلدة أرخانجيلسك، يحاول سيرجي بورتنكو بصعوبة بالغة رسم صورة لمجريات الأمور. فباعتباره نائب رئيس اتحاد البحارة المحلي، كان مسؤولاً عن الاعتناء برفاه البحارة منذ أن انتشر خبر فقدان السفينة. يقول وهو يجول في التقارير المتعلقة بالقضية إن وجود أشياء لا حصر لها أمر غير مفيد:» لم يكن ليحدث كل هذا إلا إذا تعلق الأمر بمصالح الدول».
بالنسبة إليه، فإن السؤال الكبير الأول هو لماذا لم تطلب شركة سولتشارت أرخانجيلسك من السفينة أن تعود إلى الميناء حالما أبلغ طاقم البحارة عن تعرضهم للمهاجمة. ويقول: «إن أول رسالة وردت منهم تحدثت عن تعطل أجهزة الاتصال في السفينة وعن إصابة البحارة بجروح. وهنا كان ينبغي إيقاف السفينة. كان ينبغي أن يوضحوا كل هذا على الفور وحقيقة أنهم لم يفعلوا ذلك تعد خروجاً جسيماً عن الممارسة البحرية المألوفة».
وحسب القبطان بويكو، تمت طمأنة شركة سولتشارت أرخانجيلسك عبر التصريحات التي صدرت عن قبطان السفينة التي أفاد فيها بأن المهاجمين غادروا السفينة. وهو يقول: «لو أننا فقدنا الاتصال مع السفينة على الفور لتصرفنا بشكل مختلف, إننا حتى لم نشك في أن شيئاً كان يسير على نحو خاطئ. ولكن تبين أن كل شيء قالوه لنا تم والمسدس مصوب على رؤوسهم».
أما السؤال الثاني، يقول بورتنكو، فهو لماذا لم يتم رفع درجة الإنذار الدولي حالما وردت تقارير تفيد بفقد الاتصال مع السفينة Arctic Sea. فحسب الوثائق التي اطلعت عليها «فاينانشال تايمز»، لاحظت شركة NSC، وهي أكبر شركة للنقل البحري في بلدة أرخانجيلسك أن الاتصال مع السفينة فقد في الثاني من شهر آب (أغسطس)، أي قبل سبعة أيام من نشر أول خبر عن اختفائها، وطلبت رفع درجة الإنذار بهذا الخصوص.
ويقول أحد كبار المديرين في شركة أكواشيب Aquaship اللاتفية التي كانت تتولى تنظيم المساعدة الفنية للسفينة Arctic Sea حتى العام الماضي، إنه لم يتم اتخاذ إجراء من هذا القبيل. ويقول المدير: «كان ينبغي عليهم رفع درجة الإنذار والطلب من جميع السلطات الملاحية في العالم أن تراقب الوضع عن كثب. ولكن هذا الأمر لم يحدث».
ويقول ميخائيل فويتنكو، المحرر الذي كان أول من نشر معلومات عن اختفاء السفينة واضطر بعدها إلى الهرب من روسيا، أيضاً إنه لم يكن هناك إنذار كهذا. ولم يكتشف أن السفينة اختفت إلا بتاريخ 8 آب (أغسطس) حينما استدعاه، كما يقول، أحد مكاتب الشحن ليخبره أن جهاز الـ FSB الروسي ــ وهو جهاز المخابرات الذي خلف جهاز KGB، وسلاح البحرية قد شرعا في طرح الأسئلة حول ما حدث.
بيد أن القبطان بويكو يصر على أنه تم تنبيه السلطات حال فقدان الاتصال مع السفينة في الثاني من آب (أغسطس).
ما زالت هناك تساؤلات عن مدى معرفة البحارة بما كانت تحمله السفينة. ويقول البحارة في البلدة إنها ليست المرة الأولى التي يتورط فيها زملاؤهم عن علم أو غير علم في شحن بضائع من المرجح أن تكون محظورة.
ففي العام الماضي، عندما استولى القراصنة الصوماليون على السفينة الأوكرانية المسماة «فاينا» قبالة الساحل الإفريقي وهي مليئة بالأسلحة التي كانت متجهة ظاهرياً إلى كينيا، ولكن يعتقد أن وجهتها الحقيقة كانت السودان، كان ثلاثة من بحارتها من بلدة أرخانجيلسك. وفي عام 2008 أيضاً، تم إلقاء القبض على طاقم بحارة من البلدة المذكورة قبالة الساحل الإسباني بتهمة تهريب المخدرات. وما زال هؤلاء البحارة الذين يصرون على نفي تورطهم بانتظار المحاكمة.
وفي تسعينيات القرن الماضي، حدث انفجار في سفينة تابعة لبلدة أرخانجيلسك وعلى متنها حمولة قيل إنها تتألف من لعب الأطفال قبالة ساحل دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد غرقت السفينة، وغرق معها أي دليل على حمولتها الحقيقية، حسب السيد بورتنكو الذي قال: «لم تتوافر معلومات في النهاية عما حدث, ونعتقد أن السفينة أغرقت عن عمد.»
ويقول بحار سابق من بلدة أرخانجيلسك إن التهريب أمر شائع. ويقول: «إن البحارة لا يسألون أبداً عما يوجد في الحاويات. ولذلك فإنهم يمكن أن ينقلوا أي شيء من دون أن يعرفوا أي شيء عنه. إنه يتم تهريب أطنان من الكوكايين طيلة الوقت والمسؤولون لا يعرفون ذلك. إن البحارة ينقلون بضائع ممنوعة طيلة حياتهم. إنهم في حاجة لإطعام عائلاتهم».
سلسلة ملكية السفينة
السفينة Arctic Sea مملوكة لشركة Arctic Sea المحدودة المسجلة في مالطا، وهي إحدى الشركات التابعة لشركة وايت سي White Sea الفنلندية. وحسب الشرطة الفنلندية، فإن شركة وايت سي مملوكة بنسبة 70 في المائة لمواطن روسي اسمه فيكتور ناتييف يعيش في فنلندا وهو الرئيس التنفيذي لشركة سولتشارت، المشغل التجاري للسفينة. غير أن عديدا من زملائه يقولون إنهم يشكون في أنه هو المالك النهائي للسفينة. هذا، وقد تعذر الاتصال بالسيد ناتييف للتعليق على الموضوع.
كاثرين بيلتون
ما زالت السرية تكتنف موضوع سفينة الشحن التي ظلت مختفية قبالة السواحل البرتغالية طيلة نصف آب (أغسطس) قبل أن يستولي عليها الأسطول الروسي، وما زالت المهمة التي كانت مكلفة بها مجهولة.
كاثرين بيلتون
شعور من الحيرة ينتاب القبطان إيفان بويكو. إذ يقول بويكو الذي يعمل نائباً لرئيس شركة سولتشارت أرخانجيلسك Solchart Arkhangelsk المتفرعة عن الشركة الفنلندية الواقعة تحت السيطرة الروسية التي تشغل سفينة الشحن المدعوة «اركتيك سي» Arctic Sea التي فقدت قبالة البرتغال منذ شهرين:» السلطات لا تخبرنا بأي شيء. لم يحدث شيء من هذا القبيل في الذاكرة الحية».
ما زالت السرية تحيط بالسفينة بعد مضي شهرين تقريباً على اعتراض البحرية الروسية لها واعتقال ثمانية من بحارتها مدعية أنها أحبطت عملية قرصنة. وما زال أربعة من طاقمها موجودين على متنها تحت حراسة عسكرية مشددة، وما زالت السفينة في عرض البحر بعد أن تم منعها من دخول ميناء لاس بالماس في جزر الكناري.
في بلدة أرخانجيلسك الروسية التي يوجد فيها ميناء للشحن وتقع على ساحل البحر الأبيض White Sea والتي تسكنها غالبية من البحارة، تدور شائعات مفادها أن الظروف الغريبة التي تكتنف اختفاء السفينة وعملية اعتراضها أن السفينة لا بد أنها كانت تحمل حمولة سرية يرجح في الأغلب أن تكون أسلحة.
قام الادعاء العام بمنع الأحد عشر شخصاً من أعضاء طاقمها الذين عادوا إلى بلدتهم أرخانجيلسك من الخوض في الموضوع. إذ يقول صاحب مشروع من أبناء البلدة: «لا أحد يريد التحدث إليك هنا. الجميع يخافون على وظائفهم. لا تحاول التعمق في معرفة ما جرى وإلا فسيأتونك من حيث لا تدري».
وتحيط التساؤلات بالسبب الذي حدا بالحكومة الروسية، بعد مضي أكثر من عشرة أيام، لإرسال ثلاث سفن قتالية وفرقاطة لأسر السفينة وبعدئذ قامت بإعادة البحارة الأحد عشر والخاطفين المزعومين في طائرة عسكرية ضخمة تستخدم عادة في نقل المدرعات والجنود. ومن الناحية الرسمية، كان على متن السفينة في مالطا حمولة من الخشب فقط تقدر قيمتها بمبلغ 1.3 مليون يورو (1.9 مليون دولار، 1.2 مليون جنيه إسترليني).
هناك اعتقاد بأن حكومتي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لديهما معلومات سرية عن الحادثة التي يبدو أنها أدت إلى نشاط دبلوماسي محموم بين إسرائيل وروسيا. ويظن البعض أن الباخرة Arctic Sea كانت تحمل صواريخ من طراز إس 300، وهي النظام الصاروخي الدفاعي الروسي المعادل لصواريخ باتريوت الأمريكية، أو أنها كانت تحمل صواريخ 55-Kh طويلة المدى إلى إيران. ولكن روسيا تنفي بشدة أن تكون السفينة كانت تحمل أسلحة.
ولكن حتى أعضاء اللجنة الأمنية التابعة للبرلمان الروسي ممن لهم علاقات واتصالات جيدة يقولون إنهم لا يعرفون ما الذي جرى. إذ يقول ليف جودكوف، نائب رئيس اللجنة: «هناك شيء واحد واضح فقط ــ وهو أن هذا عمل غامض».
ويقول تارمو كوتس Tarmo Kouts، مقرر لجنة مكافحة القرصنة في الاتحاد الأوروبي: «هناك أشياء لا حصر لها تحيط بهذه السفينة، وهناك عدد لا حصر له من التقارير المتعارضة. وإن حقيقة أن روسيا لن تسمح لبحارة السفينة بالحديث تقول الكثير. ولو تعلق الأمر بقضية قرصنة بسيطة لسمحوا لهم بالحديث».
من الصعب أن يكون توقيت الحادثة أكثر دلالة، خاصة أن الولايات المتحدة تسعى لإبرام اتفاقية مع روسيا حول طهران والدفاع الصاروخي. ذلك أن المعلومات عن شحنة مارقة يمكن أن تهدد فرص اتخاذ إجراء مشترك إزاء طموحات إيران النووية.
يصر المسؤولون في موسكو على أن السفينة لم تكن تحمل أي شيء غير الخشب، فقد قالت لجنة الادعاء العام الروسية التي تتولى التحقيق في الموضوع الأسبوع الماضي بعد القيام بعملية بحث في عرض البحر: «لم يتم العثور على أي شيء يمكن أن يعرض الاتحاد الروسي للشبهة».
ولكن أنطون سوريكوف، خبير الأمن الروسي والضابط السابق في المخابرات العسكرية الروسية، يؤيد النظرية القائلة بأن المهربين ربما قاموا بدعم من خدمات الأمن الروسية بتحميل السفينة بذخيرة وبقذائف مضادة للدروع لإرسالها إلى حزب الله في لبنان، وأربعة صواريخ كروز من طراز 55 ــ Kh لتركيبها على قاذفات سوخوي ــ 24 لإرسالها إلى إيران وذلك بينما كان يتم إصلاح السفينة في كالينغراد.
ويقول سوريكوف إنه يعتقد أنه أثناء عملية الصعود على متن السفينة في جوف ليلة 24 تموز (يوليو) قبالة السواحل السويدية، عثر المهاجمون على مخبأ الأسلحة في السفينة وصوروه كدليل وغادروا.
يتفق هذا المشهد مع التقارير الأولية التي صدرت عن الشركة السويدية والتي تفيد بأن بحارة السفينة قالوا إنهم تعرضوا للهجوم من قبل عشرة رجال تقريباً تظاهروا بأنهم من الشرطة السويدية وقاموا بتفتيش السفينة وغادروا المكان بواسطة زورق مطاطي.
يظن سوريكوف أنه تم اطلاع الأجهزة الأمنية في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة على الصور- فرتبت هذه الأجهزة للقيام بغارة ثانية على السفينة Arctic Sea التي اختفت بتاريخ الأول من شهر آب (أغسطس). ويقول: «بعدئذ بدأت تدور عملية من وراء الكواليس بين القوى التابعة للدول».
ولكن المسؤولين في مكتب شركة سولتشارت الكائن في بلدة أرخانجيلسك يرفضون هذا الحديث, إذ يقول نيكولاي تشيماكين، المدير الفني للسفينة وهو يشير إلى صورة معلقة على حائط سفينة Arctic Sea وهي محملة بالخشب: «لا يمكن أن تكون هناك أسلحة مخبأة على متن السفينة تحديداً. انظر، لا يوجد أي مكان يمكن تخبئة هذه الأشياء فيه».
ولكن يخيم على الموضوع جو من الشك. فقد عاد السيد تشيماكن للتو من رحلة قام بها إلى جزر الكناري, حيث رفض المدعون العامون الروس الذين يحققون في موضوع السفينة السماح له بالصعود على متنها. ويقول القبطان بويكو:» لقد تغير أمر ما عندما وصل إلى هناك ولا نعرف لماذا. إنني لا أعلم الغيب ولذلك فإنني لا أعرف ما الذي حدث ولكنني واثق أن رجالنا لا يمكن أن يتورطوا في عمليات شحن الأسلحة».
وما زالت هناك أسئلة تدور بشأن الرجال الثمانية - وهم أربعة إستونيين وروسيان واثنان من لاتفيا - الذين اعتقلتهم روسيا بتهمة اختطاف السفينة. ويدعي هؤلاء الأشخاص أنهم علماء بيئة أنقذتهم سفينة Arctic Sea عندما ضربت زورقهم موجة كبيرة. ولكن ستة منهم قضوا مدة في السجن بسبب ارتكابهم مخالفات تراوحت من السطو إلى الابتزاز.
وقد بدأت حتى زوجات بعض طاقم السفينة يتساءلن فيما إذا كانت تجري هناك مؤامرة أعمق. ففي الأسبوع الماضي، كتبت زوجات البحارة الأربعة الذين ما زالوا في عرض البحر كتاباً أبيض يطلبن فيه من الدول مد يد المساعدة لأزواجهن. فالاتصالات مع أزواجهن قليلة أو معدومة وهن قلقات بشأن نقص إمدادات الغذاء والماء الخاصة بهم.
وتقول زوجات البحارة الذين عادوا إلى بيوتهم إن الادعاء العام منعهم من التحدث في الموضوع رغم إجراء بعض المقابلات التلفزيونية المرتبة بعناية معهم.
تقول إحدى الزوجات واسمها أوكسانا بيتريوك: «إن طاقم السفينة لا يعرفون الوضع بأكمله. إن الحديث عن هذا الموضوع ممنوع. ولا أعتقد أننا سنعرف الحقيقة أبداً، ولكن هناك جهة تعلم ما الذي حدث ــ وهذه الجهة لا تريد أن تتحمل المسؤولية».
وتضيف في تصريح له دلالاته: «إننا مواطنون روس ولا يحق لنا معرفة الحقيقة».
في مكتب ضيق في بلدة أرخانجيلسك، يحاول سيرجي بورتنكو بصعوبة بالغة رسم صورة لمجريات الأمور. فباعتباره نائب رئيس اتحاد البحارة المحلي، كان مسؤولاً عن الاعتناء برفاه البحارة منذ أن انتشر خبر فقدان السفينة. يقول وهو يجول في التقارير المتعلقة بالقضية إن وجود أشياء لا حصر لها أمر غير مفيد:» لم يكن ليحدث كل هذا إلا إذا تعلق الأمر بمصالح الدول».
بالنسبة إليه، فإن السؤال الكبير الأول هو لماذا لم تطلب شركة سولتشارت أرخانجيلسك من السفينة أن تعود إلى الميناء حالما أبلغ طاقم البحارة عن تعرضهم للمهاجمة. ويقول: «إن أول رسالة وردت منهم تحدثت عن تعطل أجهزة الاتصال في السفينة وعن إصابة البحارة بجروح. وهنا كان ينبغي إيقاف السفينة. كان ينبغي أن يوضحوا كل هذا على الفور وحقيقة أنهم لم يفعلوا ذلك تعد خروجاً جسيماً عن الممارسة البحرية المألوفة».
وحسب القبطان بويكو، تمت طمأنة شركة سولتشارت أرخانجيلسك عبر التصريحات التي صدرت عن قبطان السفينة التي أفاد فيها بأن المهاجمين غادروا السفينة. وهو يقول: «لو أننا فقدنا الاتصال مع السفينة على الفور لتصرفنا بشكل مختلف, إننا حتى لم نشك في أن شيئاً كان يسير على نحو خاطئ. ولكن تبين أن كل شيء قالوه لنا تم والمسدس مصوب على رؤوسهم».
أما السؤال الثاني، يقول بورتنكو، فهو لماذا لم يتم رفع درجة الإنذار الدولي حالما وردت تقارير تفيد بفقد الاتصال مع السفينة Arctic Sea. فحسب الوثائق التي اطلعت عليها «فاينانشال تايمز»، لاحظت شركة NSC، وهي أكبر شركة للنقل البحري في بلدة أرخانجيلسك أن الاتصال مع السفينة فقد في الثاني من شهر آب (أغسطس)، أي قبل سبعة أيام من نشر أول خبر عن اختفائها، وطلبت رفع درجة الإنذار بهذا الخصوص.
ويقول أحد كبار المديرين في شركة أكواشيب Aquaship اللاتفية التي كانت تتولى تنظيم المساعدة الفنية للسفينة Arctic Sea حتى العام الماضي، إنه لم يتم اتخاذ إجراء من هذا القبيل. ويقول المدير: «كان ينبغي عليهم رفع درجة الإنذار والطلب من جميع السلطات الملاحية في العالم أن تراقب الوضع عن كثب. ولكن هذا الأمر لم يحدث».
ويقول ميخائيل فويتنكو، المحرر الذي كان أول من نشر معلومات عن اختفاء السفينة واضطر بعدها إلى الهرب من روسيا، أيضاً إنه لم يكن هناك إنذار كهذا. ولم يكتشف أن السفينة اختفت إلا بتاريخ 8 آب (أغسطس) حينما استدعاه، كما يقول، أحد مكاتب الشحن ليخبره أن جهاز الـ FSB الروسي ــ وهو جهاز المخابرات الذي خلف جهاز KGB، وسلاح البحرية قد شرعا في طرح الأسئلة حول ما حدث.
بيد أن القبطان بويكو يصر على أنه تم تنبيه السلطات حال فقدان الاتصال مع السفينة في الثاني من آب (أغسطس).
ما زالت هناك تساؤلات عن مدى معرفة البحارة بما كانت تحمله السفينة. ويقول البحارة في البلدة إنها ليست المرة الأولى التي يتورط فيها زملاؤهم عن علم أو غير علم في شحن بضائع من المرجح أن تكون محظورة.
ففي العام الماضي، عندما استولى القراصنة الصوماليون على السفينة الأوكرانية المسماة «فاينا» قبالة الساحل الإفريقي وهي مليئة بالأسلحة التي كانت متجهة ظاهرياً إلى كينيا، ولكن يعتقد أن وجهتها الحقيقة كانت السودان، كان ثلاثة من بحارتها من بلدة أرخانجيلسك. وفي عام 2008 أيضاً، تم إلقاء القبض على طاقم بحارة من البلدة المذكورة قبالة الساحل الإسباني بتهمة تهريب المخدرات. وما زال هؤلاء البحارة الذين يصرون على نفي تورطهم بانتظار المحاكمة.
وفي تسعينيات القرن الماضي، حدث انفجار في سفينة تابعة لبلدة أرخانجيلسك وعلى متنها حمولة قيل إنها تتألف من لعب الأطفال قبالة ساحل دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد غرقت السفينة، وغرق معها أي دليل على حمولتها الحقيقية، حسب السيد بورتنكو الذي قال: «لم تتوافر معلومات في النهاية عما حدث, ونعتقد أن السفينة أغرقت عن عمد.»
ويقول بحار سابق من بلدة أرخانجيلسك إن التهريب أمر شائع. ويقول: «إن البحارة لا يسألون أبداً عما يوجد في الحاويات. ولذلك فإنهم يمكن أن ينقلوا أي شيء من دون أن يعرفوا أي شيء عنه. إنه يتم تهريب أطنان من الكوكايين طيلة الوقت والمسؤولون لا يعرفون ذلك. إن البحارة ينقلون بضائع ممنوعة طيلة حياتهم. إنهم في حاجة لإطعام عائلاتهم».
سلسلة ملكية السفينة
السفينة Arctic Sea مملوكة لشركة Arctic Sea المحدودة المسجلة في مالطا، وهي إحدى الشركات التابعة لشركة وايت سي White Sea الفنلندية. وحسب الشرطة الفنلندية، فإن شركة وايت سي مملوكة بنسبة 70 في المائة لمواطن روسي اسمه فيكتور ناتييف يعيش في فنلندا وهو الرئيس التنفيذي لشركة سولتشارت، المشغل التجاري للسفينة. غير أن عديدا من زملائه يقولون إنهم يشكون في أنه هو المالك النهائي للسفينة. هذا، وقد تعذر الاتصال بالسيد ناتييف للتعليق على الموضوع.
http://www.aleqt.com/2009/10/12/article_286997.html