بسم الله الرحمن الرحيم
- آدَمُ لا قِرْدُهُمْ -
الحمد لله الخالق البارئ المصور القادر الذي خلق فقدَّر ودبّر فيسر وصلى على محمد عبده ورسوله صاحب الآيات والمعجزات والبصائر وعلى آله وأصحابه ومن على سبيله إلى الله سائر وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
فقد ذكرت وسائل الإعلام انتهاء علماء أمريكيين من بحث جديد يكذب نظرية داروين نتيجة اكتشاف هيكل عظمي قديم جداً يبطل النظرية التي كان داروين قد أنفق فيها أربع سنوات من عمره في جزيرة نائية وضمنها كتابه أصل الأنواع والتي يزعم فيها أن الإنسان قد ترقى من القرد ، وهاهي الشهادة اليوم تأتي من الغرب أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرق بأن صاحبهم كان مخطئا ، وهاهم أخيراً يكتشفون أن الإنسان أصله إنسان والحمد لله! .
لئن يضل الغرب في نشأة الإنسان فهذا طبيعي لأنه بعيدٌ عن الهدى ، فليس عندهم كتاب محفوظ بعد أن حرفوا التوراة والإنجيل وما أنزله الله إليهم من الكتاب ، لكن أن تضل أمة الوحيين الخاتمين ، أمة الذكر المحفوظ في ذلك فهذا هو الذي يُحيِّر العقول .
وكأن الله لم يقل:
(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) ،
وكأنه لم يقل عن آدم:
(لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)
وكأنه لم يعلمه الأسماء:
(وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا) ،
وكأنه لم يُسجِد له ملائكته:
(وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)
وكأنه لم يسكنه جنته:
(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ)
وكأنه لم يحذره وبنيه من عدوه:
(يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) ،
وكأنه لم يُشهدهم على ربوبيته لهم:
(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) ،
وكأنه لم يعلمه كيف يتوب:
(فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )،
وكيف يصدق بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً من لا يصدق أن آدم خُلق من طين حيث يقول :
( إني عند الله مكتوب خاتم النبيين، وإن آدم لَمُنْجَدِل في طينته ) رواه أحمد في المسند عن العرباض بن سارية وصححه الألباني .
إن القول بنظرية داروين يقتضي التكذيب بكل تلك الآيات العظيم ، وقد هدد الله تعالى أولئك تهديداً عظيماً بقوله:
(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ) .
إن مناهج التعليم العربية والإسلامية اقترفت خطئاً بل جُرماً منهجياً فادحاً نتج بسبب الفصل بين الدين والدنيا، الذي ابتليت به الأمة منذ مطلع القرن الميلادي الماضي حيث ابتليت بحملة تغريب شرسة قادها وَوَجَّهها شياطينُ الغرب الذين كانت جُيوشهم تفترش أرض أمة الإسلام في كل مكانٍ تقريبا ، ونفايات أفكارهم تفترس وتلوث عقول شبابها وطليعة الفكر فيها ، فصار كل ما ينطق به أولئك الغربيون تَتَلَقَّفُه عندنا فئامٌ ممن يطلق عليهم المثقفون ، والأدهى من ذلك في هذه القضية أن الكلام عن نظرية داروين لم يبق حديث المجالس العلمية أو الثقافية وإنما تحول إلى مناهج التعليم ، تتربى عليه الأجيال جيلاً بعد جيل فحصل بسببها لغط عظيم وتشويش هائل على عقيدة الأمة ، فإذا جاء سؤال عن خلق آدم ونشأته فالطالب المسلم مطالب شرعاً وعقلاً بالإجابة أنه من طين وأن سلالته من ماء مهين لأن الله تعالى يقول:
(
وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن ماء مَّهِينٍ) لكن مناهج التعليم تأمره بتكذيب ذلك وتوجب عليه أن يقول أن أصله قرد ، فيكذب ربه ويمتهن نفسه .
أرأيتم عِظَمَ المصيبة في دين الأمة ودنياها وعِظَمَ الفِرية على رب العالمين ؟
إننا كمسلمين نؤمن إيماناً جازماً قاطعاً لا ريب فيه أنه لا يمكن أن تتخلف حقيقة كونية عن نص قرآني لأن القائل في القرآن هو الفاعل في الكون، فالله تعالى خلق و أمر
(ألا له الخلق والأمر) ،
وهل نُعَلِّمُ الله تعالى بخلقه وصنعته:
(
أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
والله تعالى حَضَّ على التفكر في الكون والتدبر الذي يثمر الإيمان بحقائق الكون لا جَحْدها فقال:
(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ)
وقال أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً)
وقال: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)
وقال: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)
وغيرها من الآيات العظيمة المباركة.
إننا نرحب بالبحث العلمي المؤصل على الحقائق وليس الخرافات والأوهام، وهكذا خط المسلمون الأوائل بحثهم العلمي في الرياضيات والفلك والطبيعة والطب وغيرها ، فعاشوا في وئام وانسجام بين دينهم ودنياهم ، أما تفكير المعتوهين ومُشوَّهي الفكر والعقل الذين يتركون لأوهامهم الانطلاق بلا ضابط ثم يدّعون أن هذا هو البحث العلمي فجهل البهائم خير من علمهم.
يجب أن تكون مقدمات العلم صحيحة لكي تكون النتائج كذلك ، لا أن تبنى على الظنون والاحتمالات والخيالات فعلماؤنا الأصوليون يقولون (فحيث تطرق الاحتمال سقط الاستدلال) فكيف إذا عورض الحق الأبلج بالظن الأهوج.
وهنا بعض الأسئلة على من أيدوا هذه النظرية وجعلوها في مقرراتنا العلمية عسى أن يجيبوا عنها : ما مصير الملايين الذين ماتوا وهم يعتقدون أن أصلهم من القرود ؟ وماذا سنصنع بملايين كتب علم الأحياء والحيوان التي سودت صحائفها بكذب داروين وافتراءاته ؟ .
لقد عَيَّرَ المسلمون اليهود بأنهم إخوان القردة والخنازير لأن الله مسخ بعضاً منهم بسبب طغيانهم وعنادهم وعصيانهم قال تعالى:
( وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت) ،
فأرادوا بإعلامهم المسموم أن يجعلوا القرد أصلا للبشر كلهم، فنشروا هذه النظرية عن طريق صحافتهم ووسائل دعاياتهم ودسائسهم ، في وقت أدارت الأمة ظهرها للشرع ، ويَمَّمَت وجهها شطر مناهج الغرب وأسلمت له أمرها لتتلقى عليه الصفعات تلوَ الصفعات في خزيٍ مستمرٍ وذُلٍ لا ينقطع حتى تعود إلى ربها تصدق وحيَيْه وتمنهج نفسها وفق ذلك في كل حياتها ، في القضاء والتشريع وفي العلم والعمل والاقتصاد والسياسة وفي كل شئون حياتها اليومية.
اللهم بارك الله لنا في القرآن العظيم وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وخذ بنواصينا إلى الخير والهدى والحق ، ونعوذ بعظمتك أن نذل ونضل ونخزى وأنت ربنا ، وصلى الله على عبده ونبيه محمد وسلم تسليما كثيرا .
د. إبراهيم الشمري
منقول
التعديل الأخير بواسطة المشرف: