من المعروف أن الحرب الإلكترونية ظهرت كأحد أساليب الحرب الحديثة، نتيجة التوسع في استخدام المعدات الإلكترونية في أنظمة التسليح المختلفة، البرية والبحرية والدفاع الجوي، وبخاصة في مراكز القيادة والسيطرة والاستخبارات والاتصالات ، وأصبح النصر حليفا للطرف الذي يحسن استخدام وسائله، وفي نفس الوقت ، تكون له القدرة على إعاقة معدات العدو وشل فاعليتها كليا أو جزئيا.
ويعد التطور الكبير الذي طرأ على التقنيات الإلكترونية أحد أبرز سمات هذا العصر ، وقد دخلت هذه التقنيات في الاستخدامات العسكرية في الحرب العالمية الثانية، وكان الرادار أهمها على وجه الإطلاق ، حيث شكل عنصراً أساسياً في مجرى الحرب، وغير وجهة العقيدة القتالية الجوية، وعندها كانت الطائرات الألمانية تغزو أجواء الحلفاء وتمطر مدنهم بالقنابل دون إنذار مسبق، وأدى استخدام الرادار إلى إحباط المفاجأة بكشف الطائرات المغيرة قبل وقت كاف من وصولها إلى الهدف، وحشد وسائط الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة لمواجهتها، كما وقد أدى إلى اتخاذ إجراءات مضادة تمثلت في تزويد الطائرات بصفائح معدنية رقيقة تقذف من الجو لتضلل الرادار، وكان هذا أول صدام إلكتروني إذا صح التعبير، وسرعان ما تطورت الحرب الإلكترونية بحيث أصبحت السيطرة الإلكترونية عاملاً أساسياً في كسب الحرب.
وإذا كان الرادار يعد أشهر الاكتشافات الإلكترونية في القرن العشرين لما أحدثه من تطورات في المجالات العلمية والعسكرية، فإن استغلال نقاط الضعف في انتشار موجات الرادار يحقق ما يعرف بالخداع الراداري . ونظرا لتعدد وسائل الاستشعار بالرادار أو الليزر أو الحرارة، فإن خداع إحدى هذه الوسائل يبقي النظام مكشوفاً أمام باقي وسائل الاستشعار. ولتحقيق خداع إلكتروني متكامل يلزم تنفيذ هذا الخداع بالنسبة لجميع هذه الوسائل. وبالطبع كلما عرفت وسيلة للخداع بدأ التفكير في وسائل لاكتشافها والتغلب عليها بإبطال مفعولها، وبذلك توجد حالة من التنافس المستمر بين ما يبتكر من طرائق الخداع، وما يعرف من وسائل للتغلب عليها.
والتشويش جزء من الإجراءات الرئيسية للحرب الإلكترونية، ويهدف إلى المنع الكلي أو التقليل من استخدام المجال الكهرومغناطيسي الفعال المعادي، ويتم ذلك من خلال رفع مستوى إشارة التشويش لتكون أعلى من إشارة الجهاز المعادي، بقصد حجب المعلومات عنه.
هذا النوع من التشويش عادة ما يكون ضجيجا، في مجال محدود بإرسال نبضات مستمرة على نفس تردد جهاز العدو لتعميته، ويستلزم ذلك معرفة مواصفات الجهاز الإلكتروني المعادي، من حيث قدرة الإرسال والاتجاه، وقد يكون التشويش في مجال عريض، وذلك في حالات التوتر الشديد، والهجوم خاصة، وفي حالة كشفه من قبل العدو، فإن هناك إجراءات مضادة يجب اتباعها ، ومنها: تغيير التردد، أو زيادة قدرة الإرسال، أو استخدام مصدر تشويش إضافي، فيصعب على العدو التعامل مع مصدرين في نفس الوقت. وهناك نوع ثالث من التشويش يطلق عليه (التشويش المكتسح) وهو يجمع بين صفتي التشويش الضيق المجال والعريض المجال، وتكون إشارة التشويش متحركة باتجاه واحد من أدنى تردد إلى أعلى تردد.
وعندما يستخدم التشويش عن بعد تكون معدات التشويش محمولة على الطائرة التي تقوم بالتشويش على رادارات العدو لحماية الطائرات المهاجمة، وتكون هذه الطائرة الحاملة خارج مدى الرادار المراد التشويش عليه، وكذلك خارج نطاق أسلحة العدو. أما في حالة التشويش المتقدم، فتكون معدات التشويش محمولة على طائرات تتقدم الطائرة المهاجمة ، وقد تكون معدات وأجهزة التشويش على طائرة مرافقة للطائرة المهاجمة، وتعمل في نفس محور الهجوم حتى يفقد العدو القدرة على تحديد مدى وبعد الأهداف. والتشويش من أنجح الوسائل للإقلال من فاعلية المعدات الإلكترونية أو إبطالها تماما، إلا أنه أصعبها تنفيذا وأكثرها قدره على ملء المنطقة المحيطة بموجات بنفس التردد المستخدم أو بتردد قريب منه، حيث يلتقط جهاز إشارات صادرة عن مصدر التشويش بحيث يتشبع بها، فيتعذر اكتشاف الإشارات المطلوب استقبالها.
وطريقة التشويش تتطلب إطلاق موجات عالية القدرة، ولهذا فهي تحتاج إلى أجهزة كبيرة الحجم، وإلى منبع قوي للقدرة الكهربائية يمكنه من تغذية هذه الأجهزة، على أن يكون ذلك كله قريبا من الموقع المطلوب إعاقته حتى يكون للتشويش فاعلية. ويمكن التغلب على التشويش بزيادة قدرة الإرسال، ففي هذه الحالة يتحتم على مصدر التشويش زيادة القدرة التي يطلقها، ويتحول الموقف عند ذلك إلى تسابق بين القدرة التي يطلقها جهاز الإرسال وقدرة أجهزة التشويش، ومن الممكن إجراء تغيير سريع ومفاجئ في تردد الموجات المرسلة، بحيث لا يمكن لمصدر التشويش متابعة هذا التغير، وإطلاق موجات بالتردد الجديد بالسرعة اللازمة، مما يعطي فرصة زمنية لأداء العمل من دون تشويش، ولخصائص الهوائي نفسه تأثير كبير في مناعة الرادار ضد التشويش ، فكلما ركز الهوائي إشعاعاته في اتجاه معين من دون أن يطلق أشعاعات جانبية، أصبح من الصعب التشويش عليه، إذ يتحتم أن تأتي موجات التشويش من هذا الاتجاه المعين، وأن تكون على درجة عالية من التركيز للتأثير في الرادار. أما إذا كان الهوائي يشع ويستقبل موجات من اتجاهات جانبية، فإنه يكون عرضة للتأثر بأي موجات للتشويش تأتي من أحد هذه الاتجاهات وتقل مناعة التشويش.
والخداع الإلكتروني هو أحد أساليب الحرب الإلكترونية، ويعرف بأنه تعمُّد إرسال موجات كهرومغناطيسية، أو تغيير اتجاهها أو امتصاصها، أو انعكاسها، بغرض تضليل العدو. والخداع الإلكتروني يتم عن طريق التقليد ، أو التضليل، أو تمثيل نشاط إلكتروني؛ فالخداع عن طريق التقليد هو إحداث خلل في جزء من شبكات العدو الإلكترونية عن طريق إشعاع موجات كهرومغناطيسية بنفس الأسلوب الذي يتبعه العدو والدخول بها في شبكاته بغرض إرباكه.
والخداع عن طريق التضليل هو تعمد إشعاع موجات كهرومغناطيسية يلتقطها العدو ويحللها فيصل إلى استنتاجات خاطئة. أما الخداع عن طريق تمثيل نشاط إلكتروني، فهو تنظيم شبكات معينة، وإشعاع إشارات وهمية، بحيث يلتقطها العدو ويحللها، فيحصل على صورة خاطئة من حيث مواقع القوات الصديقة وأعدادها وتحركاتها.
والخداع الراداري هو جزء من الخداع الإلكتروني، الذي يتطلب ضرورة مواكبة التقدم التكنولوجي في مجال الحرب الالكترونية، مع ضرورة التكامل بين أنواع الخداع المختلفة، وبمجرد أن بدأ استخدام الرادار في الأعمال الحربية أثناء الحرب العالمية الثانية، اتجه التفكير إلى ابتكار طرائق لخداعه والإقلال من كفاءته وفاعليته، ومنذ ذلك الوقت تنوعت هذه الطرائق وازدادت تعقيدا. ولعل أبرزها:
- إظهار أهداف غير حقيقية للرادار، بحيث يراها العاملون على الرادار ظاهرة على الشاشة من دون أن يكون لها وجود حقيقي في الواقع، مما يسبب ارتباكا في التقديرات العسكرية، وقد تتسبب في شغل بعض الإمكانات الحربية للتصدي لهذه الأهداف الكاذبة، وينتج عن هذا تخفيف الضغط على الأهداف الحقيقية.
- إخفاء الهدف بتغيير طبيعة سطحه، حتى يعكس قدراً أقل من الموجات، ويصبح اكتشافه صعبا.
- محاكاة الرادار حتى تصل إليه موجات تحمل بيانات خاطئة.
وكانت محاولة إظهار أهداف غير حقيقية هي أولى الطرائق التي استخدمت لخداع الرادار المخصص لاكتشاف الطائرات، وتستخدم فيها ربطات من شرائح الألمونيوم الخفيفة تطلقها الطائرات قبيل وصولها إلى منطقة الرادار، وعندما تتناثر الشرائح مندفعة في اتجاه الطائرة، تظهر على شاشة الرادار كما لو كانت سربا من الطائرات. ويستخدم الألمونيوم لخفة وزنه، فيبقى معلقا في الجو مدة طويلة، كما أنه عاكس جيد للموجات اللاسلكية. ومن الممكن أن تطلق شرائح الألمونيوم في ربطات بواسطة صاروخ ينطلق من طائرة أو من الأرض ، حيث تتفكك ربطة الشرائح في منطقة الرادار، محدثة سحابة تعكس موجات الرادار، وتمنعها من الوصول إلى ما وراءها من أهداف حقيقية . وقد لاقت هذه الطريقة نجاحاً في بداية العهد بالرادار ، إلا أنه يمكن بالتدريب اكتشافها، لأن شرائح الألمونيوم تتأثر في حركتها بسرعة واتجاه الريح، كما أنها تتجه إلى أسفل بطريقة منظمة بفعل الجاذبية الأرضية، ويمكن ملاحظة هذه الظواهر في حركة الهدف عند ظهوره على شاشة الرادار مما يكون مدعاة للشك في أمره.
ومما ساعد على نجاح هذه الطريقة أثناء الحرب العالمية الثانية، أن سرعة الطائرات في ذلك الوقت كانت منخفضة نسبيا بحيث يمكن للشرائح المتناثرة أن تبقى سابحة في الجو مدة معقولة من دون أن تقل سرعتها كثيرا عن سرعة الطائرة، أما في الوقت الحاضر، حيث زادت سرعة الطائرات النفاثة زيادة كبيرة، فإن هذه الطريقة للخداع تعد بدائية إلى حد كبير، وليس من العسير اكتشافها. وكذلك تستخدم شرائح الألمونيوم لشغل الرادار، إذ من خصائص الرادار أنه عندما يتجه إلى هدف يستمر في متابعته، إلى أن يختفي من منطقته. ولهذا فإن شرائح الألمونيوم تجذب هذا النوع من الرادار إليها ويبقى متجها إليها، بينما تكون الأهداف الحقيقية قد أفلتت منه.
ومن الممكن كذلك خداع الرادار بواسطة أهداف (دُمَى) خفيفة تحملها قاذفات القنابل، بحيث تبدو على شاشة الرادار أكثر شبها بالطائرات الحقيقية، وتطلق هذه الدمى قبيل وصول قاذفة القنابل إلى منطقة الرادار لتحدث ارتباكا في وسائل الدافاع الجوي ، وتوجد حاليا طرائق أكثر كفاءة للخداع تستخدم أجهزة إلكترونية لتعطي الرادار موجات لاسلكية يلتقطها ويظهرها كما لو كانت أهدافاً حقيقية، ولا بد لنجاح هذه الطريقة أن تتوافر البيانات الفنية الخاصة بالرادار المطلوب خداعه ليمكن اصطناع الموجات المناسبة وإرسالها إليه بحيث لايستطيع تمييزها عن الموجات الحقيقية المرتدة، فيستجيب لها، ويظهرها علي شاشة المبينات كهدف حقيقي ينخدع به العاملون على الرادار، وقد يمكن الحصول على البيانات الفنية المطلوبة بالتقاط عينة من موجات الرادار، وإجراء عدد من القياسات عليها بواسطة أجهزة خاصة لاستخراج البيانات المطلوبة.
ومن الوسائل المعروفة للتغلب على هذا النوع من الخداع أن يزود الرادار بدوائر إلكترونية لإحداث تغييرات عفوية وغير منتظمة في طول الفترة بين النبضات، أو في إحدى الخصائص الأساسية الأخرى للرادار، وعندما ترتد بعض الموجات الحقيقية لاصطدامها بهدف في مسارها، فإنها تكون حاملة لنفس هذه التغيرات العفوية غير المنتظمة، التي حدثت في الموجات المرسلة، ولهذا فإن ما تعطيه من علامات على شاشة المبينات يبقى ثابتا لا يتأثر، أما الموجات الزائفة التي يرسلها جهاز إلكتروني لخداع الرادار، فإنها بطبيعة الحال لا تحمل هذه التغيرات ، لا تبقى علاماتها ثابتة على الشاشة ، ويبدو زيفها واضحا.
وقد أنتجت شركة أمريكية أهدافا خداعية لتوفير الحماية لمواقع الرادار من هجمات الصواريخ المضادة للإشعاع أطلق عليها ”ارم- بيكوي” ويجري الجيش الأمريكي تجارب الاختبارات النهائية على هذه النوعية من الأهداف منذ فترة لتحديد كفاءتها في مواجهة الصواريخ المضادة للإشعاع. وتجرى هذه التجارب بوضع ثلاث مجموعات من الأهداف الخداعية على رؤوس مثلث بالقرب من مواقع الرادار في توقيت مناسب مع إطفاء الإشعاع لجهاز الرادار، وتقوم هذه الأهداف ببث إشعاع مماثل في خواصه لإشعاع جهاز الرادار لجذب الصواريخ المضادة للإشعاع بعيدا عن جهاز الرادار، حيث يكون سقوطها في موقع متوسط بين الأهداف الخداعية، والأهداف يتم إنتاجها طبقا لنوع الرادار المراد استخدامها معه، والنوعية التي تجرى عليها توائم الاستخدام مع الرادارات من طرازات إن/ت ب س- 75 الذي يستخدمه الجيش الأمريكي منذ عام 1989، كما أنتجت الشركة عددا من تلك الأنظمة للاستخدام مع نوعيات مختلفة من الأنظمة الرادارية.
وقد استخدمت طائرات الدول المتحالفة في عاصفة الصحراء نظام (تالد) التكتيكي، وهو عبارة عن مقذوف طائرة يقوم بخداع الرادارات المعادية، وذلك ببرمجة قذائف (تالد) بحيث تطير فيما يشبه تشكيلا هجوميا جويا على الدفاعات الجوية، فتنشط الرادارات في تعقبه، وعندئذ تقوم الطائرات بقذف الرادارات النشطة بالصواريخ المضادة للرادارات. وفي كثير من الهجمات الجوية على الأهداف العراقية كان يتم إطلاق 20 هدفا خداعيا دفعة واحدة.
ويقول المسؤولون في الشركة المنتجة لنظام تالد إن طائرة مقاتلة واحدة يمكنها حمل مايزيد على العشرين قذيفة من هذا النظام، ويبلغ وزن الهدف 180 كيلو غراماً، وكانت البحرية الأمريكية قد تسلمت قبل عاصفة الصحراء ما يزيد على 2000 هدف طائر من نظام تالد، كما أنها طلبت 4000 وحدة جديدة أخرى.
يمثل المقطع الراداري (RCS) خاصية انعكاسية للهدف كي يلحظه الرادار، فالرادار يستقبل الطاقة المنعكسة من الهدف التي تتوقف على حجم الهدف والمادة المصنوع منها شكلها الهندسي وتردد الإرسال. ولقد أصبح تقليل المقطع الراداري أحد الإجراءات السلبية في مجال الخداع الراداري، حيث تقل احتمالية كشف الهدف بواسطة الرادار بتحقيق الانسيابية في الشكل، وباستخدام مواد ماصة للموجات الرادارية كما حدث في تصميم الطائرات الخفية طراز ف- 117 التي استخدمت في حرب الخليج والقاذفات طراز (ب-2).
ولقد امتدت تكنولوجيا الإخفاء لتشمل الصواريخ العابرة للقارات والصواريخ المجنحة ومنصات الصواريخ الأرضية والأهداف الأخرى بما يضعف المستشعرات المعادية ويقلل من كفاءتها ويخدعها. وعندما طارت القاذفة (ب- 1) في معرض باريس الدولي عام 1987 استرعى انتباه الخبراء من الفرنسيين صغر المقطع الراداري للطائرة ، إذ إنه لا يتجاوز المتر المربع الواحد، مما يمكنها من اختراق الدفاعات الجوية المعادية. ولاحظ الخبراء أيضا أن المقطع الراداري للقاذفة الاستراتيجية يصل إلى نصف المقطع الراداري للطائرة المدنية(سيسنا- 172) التي استطاع أن يصل بها الشاب الألماني الغربي (ماتياس رست) إلى قلب الميدان الأحمر في موسكو عام 1987مخترقا شبكة الدفاع الجوي السوفيتية ومتسبباً في إقصاء عدد من كبار القادة العسكريين السوفيت من مناصبهم.
ويؤدي صغر المقطع الراداري للطائرة إلى صعوبة اكتشافها، وبالتالي يقل زمن الإنذار المتيسر لدى الخصم. فإذا كان الرادار يكتشف طائرة ذات مقطع راداري معين على مسافة 400 كيلو متر، وأن سرعة الطائرة 2000 كلم/ ساعة، فإن زمن الإنذار المتيسر للدفاع الجوي يكون نحو 12 دقيقة حتى وصول الطائرة فوق الهدف؛ فإذا قلت مساحة المقطع الراداري خمس مرات يقل مدى الإنذار إلى 267.5 كلم. أما إذا قل المقطع الراداري عشر مرات فإن المدى يقل إلى 225 كلم والزمن إلى 6 دقائق، وبتقليل المقطع الراداري 50 مرة يقل مدى الإنذار إلى 150 كم الزمن إلى 6 دقائق.. وهكذا.
ومحاولة إخفاء الهدف بتغيير طبيعة سطحه هي أقل الطرائق جدوى في خداع الرادار، إذ لا يمكن إخفاء أي هدف كاملا عن موجات اللاسلكي، إلا أنه من الممكن الإقلال من مقدار ما يعكسه من موجات حتى تقل درجة وضوحه، وبالتالي قد لا يسترعي الانتباه. وتعتمد هذه الطريقة على تغطية سطح الهدف بطبقة تمتص موجات الرادار بدلا من أن تعكسها. وهناك مواد يمكنها امتصاص نسبة كبيرة من طاقة الموجات، وبذلك تقل نسبة ما ينعكس منها، إلا أنه من المتعذر جعل هذا الامتصاص كاملا بالنسبة لكافة الموجات ذات الأطوال المنخفضة، وذلك لأن درجة الامتصاص تعتمد عادة على طول الموجة. وكذلك يمكن الإقلال من كمية الموجات التي يعكسها جسم معين بتكوين سطحه بطريقة غير منتظمة لا تحتوي على مساحات مستوية أو مستقيمة، حتى تتشتت الموجات التي يعكسها، فتقل نسبة ما يرتد منها نحو الرادار. وتتشتت الموجات عند انعكاسها على سطح غير منتظم لأن كل جزء صغير من مثل هذه الأسطح يعكس الموجات في اتجاه مختلف عن الاتجاه الذي تنعكس فيه الموجات من جزء آخر، ولهذا لا تتكون حصيلة قوية في اتجاه معين.
الرقائق المعدنية والموجات الرادارية
والرقائق المعدنية عبارة عن ثنائيات أقطاب تعكس الموجات الرادارية بحيث تمثل هدفا مما يعوق جهاز الرادار عن اكتشاف وتحديد الهدف الحقيقي . وإذا استخدمت هذه الرقائق المعدنية مع الطائرات فإنها توفر ممرا لستر تقدم الطائرات نتيجة حدوث ثغرة في الحقل الراداري، ويتوقف ذلك على سرعة الطائرة وسرعة الرياح وطراز الرادار المعادي. ولقد أصبحت الرقائق المعدنية من ضروريات الدفاع عن الأهداف البحرية ضد الصواريخ الموجهة راداريا التي تحلق على ارتفاعات منخفضة.
يكثر استخدام هذه الطريقة في خداع الرادار لتوجيهه في اتجاه معين دون جدوى. وتعتمد هذه الطريقة على أجهزة تطلق موجات لاسلكية تشابه الموجات التي يعكسها هدف حقيقي، وبعض هذه الأجهزة يتقن عملية المحاكاة ويتمادى فيها بحيث يشعر الرادار أنه عثر على هدف حقيقي يتحرك فعلا، فيستمر في متابعته بينما تكون أجهزة الخداع تستدرج الرادار بعيدا عن نطاق العمليات للإقلال من فائدته. ويمكن أيضا خداع الرادار بإفساد إحدى الصفات الرئيسية في الموجات المرتدة التي يعتمد عليها في تحديد اتجاه الهدف. ويتم ذلك بتزويد الهدف بعاكس للموجات يوضع على سطحه الخارجي ، ويدور حول نفسه بسرعة تساوي أو تقارب سرعة دوران هوائي الرادار في حركته. ولما كان هذا النوع يحدد اتجاه الهدف بملاحظة اختفاء التغيرات شدة الموجات المرتدة أثناء دوران الهوائي حول نفسه، فإن هذه الملاحظة تصبح غير ذات جدوى، إذ إن الموجات المرتدة تتغير نتيجة لدوران الجسم العاكس على سطح الهدف بصرف النظر عن دوران الهوائي، ولهذا يعجز الرادار عن تحديد اتجاه الهدف.
ويعيب طرائق الخداع بواسطة المحاكاة ضرورة توافر البيانات الفنية عن الرادار نفسه، ولذلك يمكن التغلب عليه بإجراء بعض التغييرات المعتمدة في خصائص الرادار من وقت لآخر.
تستخدم العواكس الركنية لأغراض الخداع الراداري عن طريق تمثيل أهداف هيكلية ذات مقطع راداري يقترب من الأهداف الحقيقية. ويمكن باستخدام هذه العواكس بمثيل الدبابات ومواقع الصواريخ والأهداف البحرية. والعاكس الركني عبارة عن مجموعة من الأسطح المعدنية المتعامدة، بحيث يؤدي هذا التعامد إلى عكس أشعة الرادار الساقطة عليها بكمية كبيرة، كأنها منعكسة من هدف حقيقي كبير، وقد تكون العواكس مثلثة الشكل أو مربعة أو دائرية. ويمكن وضع العواكس الدائرية في كرات من المطاط لاستخدامها كشراك خداعية طافية فوق سطح الماء لخداع الصواريخ البحرية. ويمكن أن تحمل العواكس الركنية عوامات خاصة يتم قطرها بواسطة السفن لاصطياد الصواريخ المضادة للسفن أو أن تحمل على الطائرات الموجهة بدون طيار لاصطياد الصواريخ المضادة للطائرات.
والعواكس الرادارية هي معدات خاصة تتميز بأن مواصفات الإشارة الرادارية المنعكسة منها تكون محددة سلفا. وتستخدم هذه العواكس على نطاق واسع في الإخفاء الراداري، مثل إخفاء معالم الساحل أو حدود المسطحات المائية، أو ممرات هبوط الطائرات، حيث تصبح الصورة مشوشة على شاشة الرادار ويصعب تمييز الأهداف.
ومن ناحية أخرى، فإنه يمكن استخدام العواكس الرادارية لعمل أهداف كاذبة بغرض خداع العدو مما يؤدي إلى ظهور أهداف كثيرة على شاشة الرادار وزيادة تحميل معدات توجيه النيران وهذا بدوره يقلل من فاعيلة نيران العدو، حيث يقوم الهدف الكاذب بعمل مصيدة رادارية تجذب الصوايخ الموجهة إليه، فيقل بالتالي احتمال إصابة الهدف الحقيقي. ويلزم لذلك أن تكون الإشارة المنعكسة من العواكس الرادارية مطابقة لمواصفات الإشارة المنعكسة من الهدف الحقيقي المطلوب حمايته، ويجب أن تتميز العواكس الرادارية بالبساطة في التركيب، وأن تكون اقتصادية وصغيرة الوزن والحجم بحيث يمكن استخدامها بكثافة.
ولقد قامت شركة بريطانية بتطوير عاكس ركني ثماني الأضلاع صنعت جوانبه على هيئة أنابيب من المطاط يمكن نفخها بحيث يطفو العاكس كله. وقد تم توصيل عاكسين من هذا النوع بواسطة حبل طوله 4-5 أمتار، وأطلق على النظام اسم (البطة المطاطية) ويمكن أن يمثل هدفا بحريا خداعيا لاصطياد الصواريخ البحرية الموجهة بالرادار، ويعرف هذا النظام تجاريا باسم (ريبليكا).
وبعد حادثة إصابة الفرقاطة الأمريكية «ستارك» في حرب الخليج، قال بعض الخبراء إنه كان بوسع البحرية الأمريكية تجنب الهجوم على الفرقاطة باستخدام نظام «ريبليكا»، وأن البحرية الأمريكية تنفق عشرات المليارات من الدولارات على تطوير تكنولوجيا الدفاع ضد الصواريخ المضادة للسفن، وفي نفس الوقت فإنها لا تستفيد من هذه الوسائل البسيطة التي يمكن ربطها بمؤخرة السفينة لتضليل الصواريخ الموجهة بالرادار مثل الصاروخ «أكزوسيت» (EXOCET) الذي أطلقته الطائرة العراقية على الفرقاطة الأمريكية.
يمكن للحرب الإلكترونية معاونةوسائل الدفاع الجوي في مواجهة وسائل الاستطلاع والإعاقة والخداع المحمولة جوا والصواريخ المضادة للإشعاع، وذلك بتصميم مواقع دفاع جوي خداعية متعددة تقوم باستنزاف جزء كبير من إمكانات هذه التهديدات ، علاوة على تقليل احتمالية إصابة الرادارات الأصلية أو إعاقتها. وتزود هذه المواقع بوسائل الخداع الإيجابية، مثل مشبهات مرسلات الرادار التي ترسل إشعاعها بترددات مقاربة لها ، وبنفس مواصفات التعديل من هوائي ثابت وأصغر من الهوائي الأصلي ، مع إمكانية محاكاة دوران هوائي الرادار الأصلي بطريقة إلكترونية.
والمواقع الخداعية تكون موجودة بالقرب من المواقع الأصلية، وتزود أيضا بوسائل خداع سلبي ووسائل الاستطلاع والقصف المحمولة جوا سواء الرادارية أو التلفزيونية أو التي تستخدم الأشعة تحت الحمراء، وذلك بتزويد هذه المواقع بعواكس ركنية رادارية تمثل معدات الموقع الأصلي، وبعمل نماذج لهذه المعدات بالحجم الطبيعي من مواد بناء قليلة التكاليف مع إضافة بواعث للأشعة تحت الحمراء ومحاكاة الموقع الأصلي من الناحية الإدارية والاتصالات السلكية واللاسلكية.
ارجوا ان يكون الموضوع حاذ على اعجابكم
ويعد التطور الكبير الذي طرأ على التقنيات الإلكترونية أحد أبرز سمات هذا العصر ، وقد دخلت هذه التقنيات في الاستخدامات العسكرية في الحرب العالمية الثانية، وكان الرادار أهمها على وجه الإطلاق ، حيث شكل عنصراً أساسياً في مجرى الحرب، وغير وجهة العقيدة القتالية الجوية، وعندها كانت الطائرات الألمانية تغزو أجواء الحلفاء وتمطر مدنهم بالقنابل دون إنذار مسبق، وأدى استخدام الرادار إلى إحباط المفاجأة بكشف الطائرات المغيرة قبل وقت كاف من وصولها إلى الهدف، وحشد وسائط الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة لمواجهتها، كما وقد أدى إلى اتخاذ إجراءات مضادة تمثلت في تزويد الطائرات بصفائح معدنية رقيقة تقذف من الجو لتضلل الرادار، وكان هذا أول صدام إلكتروني إذا صح التعبير، وسرعان ما تطورت الحرب الإلكترونية بحيث أصبحت السيطرة الإلكترونية عاملاً أساسياً في كسب الحرب.
وإذا كان الرادار يعد أشهر الاكتشافات الإلكترونية في القرن العشرين لما أحدثه من تطورات في المجالات العلمية والعسكرية، فإن استغلال نقاط الضعف في انتشار موجات الرادار يحقق ما يعرف بالخداع الراداري . ونظرا لتعدد وسائل الاستشعار بالرادار أو الليزر أو الحرارة، فإن خداع إحدى هذه الوسائل يبقي النظام مكشوفاً أمام باقي وسائل الاستشعار. ولتحقيق خداع إلكتروني متكامل يلزم تنفيذ هذا الخداع بالنسبة لجميع هذه الوسائل. وبالطبع كلما عرفت وسيلة للخداع بدأ التفكير في وسائل لاكتشافها والتغلب عليها بإبطال مفعولها، وبذلك توجد حالة من التنافس المستمر بين ما يبتكر من طرائق الخداع، وما يعرف من وسائل للتغلب عليها.
فاعلية التشويش
والتشويش جزء من الإجراءات الرئيسية للحرب الإلكترونية، ويهدف إلى المنع الكلي أو التقليل من استخدام المجال الكهرومغناطيسي الفعال المعادي، ويتم ذلك من خلال رفع مستوى إشارة التشويش لتكون أعلى من إشارة الجهاز المعادي، بقصد حجب المعلومات عنه.
هذا النوع من التشويش عادة ما يكون ضجيجا، في مجال محدود بإرسال نبضات مستمرة على نفس تردد جهاز العدو لتعميته، ويستلزم ذلك معرفة مواصفات الجهاز الإلكتروني المعادي، من حيث قدرة الإرسال والاتجاه، وقد يكون التشويش في مجال عريض، وذلك في حالات التوتر الشديد، والهجوم خاصة، وفي حالة كشفه من قبل العدو، فإن هناك إجراءات مضادة يجب اتباعها ، ومنها: تغيير التردد، أو زيادة قدرة الإرسال، أو استخدام مصدر تشويش إضافي، فيصعب على العدو التعامل مع مصدرين في نفس الوقت. وهناك نوع ثالث من التشويش يطلق عليه (التشويش المكتسح) وهو يجمع بين صفتي التشويش الضيق المجال والعريض المجال، وتكون إشارة التشويش متحركة باتجاه واحد من أدنى تردد إلى أعلى تردد.
وعندما يستخدم التشويش عن بعد تكون معدات التشويش محمولة على الطائرة التي تقوم بالتشويش على رادارات العدو لحماية الطائرات المهاجمة، وتكون هذه الطائرة الحاملة خارج مدى الرادار المراد التشويش عليه، وكذلك خارج نطاق أسلحة العدو. أما في حالة التشويش المتقدم، فتكون معدات التشويش محمولة على طائرات تتقدم الطائرة المهاجمة ، وقد تكون معدات وأجهزة التشويش على طائرة مرافقة للطائرة المهاجمة، وتعمل في نفس محور الهجوم حتى يفقد العدو القدرة على تحديد مدى وبعد الأهداف. والتشويش من أنجح الوسائل للإقلال من فاعلية المعدات الإلكترونية أو إبطالها تماما، إلا أنه أصعبها تنفيذا وأكثرها قدره على ملء المنطقة المحيطة بموجات بنفس التردد المستخدم أو بتردد قريب منه، حيث يلتقط جهاز إشارات صادرة عن مصدر التشويش بحيث يتشبع بها، فيتعذر اكتشاف الإشارات المطلوب استقبالها.
وطريقة التشويش تتطلب إطلاق موجات عالية القدرة، ولهذا فهي تحتاج إلى أجهزة كبيرة الحجم، وإلى منبع قوي للقدرة الكهربائية يمكنه من تغذية هذه الأجهزة، على أن يكون ذلك كله قريبا من الموقع المطلوب إعاقته حتى يكون للتشويش فاعلية. ويمكن التغلب على التشويش بزيادة قدرة الإرسال، ففي هذه الحالة يتحتم على مصدر التشويش زيادة القدرة التي يطلقها، ويتحول الموقف عند ذلك إلى تسابق بين القدرة التي يطلقها جهاز الإرسال وقدرة أجهزة التشويش، ومن الممكن إجراء تغيير سريع ومفاجئ في تردد الموجات المرسلة، بحيث لا يمكن لمصدر التشويش متابعة هذا التغير، وإطلاق موجات بالتردد الجديد بالسرعة اللازمة، مما يعطي فرصة زمنية لأداء العمل من دون تشويش، ولخصائص الهوائي نفسه تأثير كبير في مناعة الرادار ضد التشويش ، فكلما ركز الهوائي إشعاعاته في اتجاه معين من دون أن يطلق أشعاعات جانبية، أصبح من الصعب التشويش عليه، إذ يتحتم أن تأتي موجات التشويش من هذا الاتجاه المعين، وأن تكون على درجة عالية من التركيز للتأثير في الرادار. أما إذا كان الهوائي يشع ويستقبل موجات من اتجاهات جانبية، فإنه يكون عرضة للتأثر بأي موجات للتشويش تأتي من أحد هذه الاتجاهات وتقل مناعة التشويش.
الخداع الإلكتروني
والخداع الإلكتروني هو أحد أساليب الحرب الإلكترونية، ويعرف بأنه تعمُّد إرسال موجات كهرومغناطيسية، أو تغيير اتجاهها أو امتصاصها، أو انعكاسها، بغرض تضليل العدو. والخداع الإلكتروني يتم عن طريق التقليد ، أو التضليل، أو تمثيل نشاط إلكتروني؛ فالخداع عن طريق التقليد هو إحداث خلل في جزء من شبكات العدو الإلكترونية عن طريق إشعاع موجات كهرومغناطيسية بنفس الأسلوب الذي يتبعه العدو والدخول بها في شبكاته بغرض إرباكه.
والخداع عن طريق التضليل هو تعمد إشعاع موجات كهرومغناطيسية يلتقطها العدو ويحللها فيصل إلى استنتاجات خاطئة. أما الخداع عن طريق تمثيل نشاط إلكتروني، فهو تنظيم شبكات معينة، وإشعاع إشارات وهمية، بحيث يلتقطها العدو ويحللها، فيحصل على صورة خاطئة من حيث مواقع القوات الصديقة وأعدادها وتحركاتها.
والخداع الراداري هو جزء من الخداع الإلكتروني، الذي يتطلب ضرورة مواكبة التقدم التكنولوجي في مجال الحرب الالكترونية، مع ضرورة التكامل بين أنواع الخداع المختلفة، وبمجرد أن بدأ استخدام الرادار في الأعمال الحربية أثناء الحرب العالمية الثانية، اتجه التفكير إلى ابتكار طرائق لخداعه والإقلال من كفاءته وفاعليته، ومنذ ذلك الوقت تنوعت هذه الطرائق وازدادت تعقيدا. ولعل أبرزها:
- إظهار أهداف غير حقيقية للرادار، بحيث يراها العاملون على الرادار ظاهرة على الشاشة من دون أن يكون لها وجود حقيقي في الواقع، مما يسبب ارتباكا في التقديرات العسكرية، وقد تتسبب في شغل بعض الإمكانات الحربية للتصدي لهذه الأهداف الكاذبة، وينتج عن هذا تخفيف الضغط على الأهداف الحقيقية.
- إخفاء الهدف بتغيير طبيعة سطحه، حتى يعكس قدراً أقل من الموجات، ويصبح اكتشافه صعبا.
- محاكاة الرادار حتى تصل إليه موجات تحمل بيانات خاطئة.
وكانت محاولة إظهار أهداف غير حقيقية هي أولى الطرائق التي استخدمت لخداع الرادار المخصص لاكتشاف الطائرات، وتستخدم فيها ربطات من شرائح الألمونيوم الخفيفة تطلقها الطائرات قبيل وصولها إلى منطقة الرادار، وعندما تتناثر الشرائح مندفعة في اتجاه الطائرة، تظهر على شاشة الرادار كما لو كانت سربا من الطائرات. ويستخدم الألمونيوم لخفة وزنه، فيبقى معلقا في الجو مدة طويلة، كما أنه عاكس جيد للموجات اللاسلكية. ومن الممكن أن تطلق شرائح الألمونيوم في ربطات بواسطة صاروخ ينطلق من طائرة أو من الأرض ، حيث تتفكك ربطة الشرائح في منطقة الرادار، محدثة سحابة تعكس موجات الرادار، وتمنعها من الوصول إلى ما وراءها من أهداف حقيقية . وقد لاقت هذه الطريقة نجاحاً في بداية العهد بالرادار ، إلا أنه يمكن بالتدريب اكتشافها، لأن شرائح الألمونيوم تتأثر في حركتها بسرعة واتجاه الريح، كما أنها تتجه إلى أسفل بطريقة منظمة بفعل الجاذبية الأرضية، ويمكن ملاحظة هذه الظواهر في حركة الهدف عند ظهوره على شاشة الرادار مما يكون مدعاة للشك في أمره.
ومما ساعد على نجاح هذه الطريقة أثناء الحرب العالمية الثانية، أن سرعة الطائرات في ذلك الوقت كانت منخفضة نسبيا بحيث يمكن للشرائح المتناثرة أن تبقى سابحة في الجو مدة معقولة من دون أن تقل سرعتها كثيرا عن سرعة الطائرة، أما في الوقت الحاضر، حيث زادت سرعة الطائرات النفاثة زيادة كبيرة، فإن هذه الطريقة للخداع تعد بدائية إلى حد كبير، وليس من العسير اكتشافها. وكذلك تستخدم شرائح الألمونيوم لشغل الرادار، إذ من خصائص الرادار أنه عندما يتجه إلى هدف يستمر في متابعته، إلى أن يختفي من منطقته. ولهذا فإن شرائح الألمونيوم تجذب هذا النوع من الرادار إليها ويبقى متجها إليها، بينما تكون الأهداف الحقيقية قد أفلتت منه.
ومن الممكن كذلك خداع الرادار بواسطة أهداف (دُمَى) خفيفة تحملها قاذفات القنابل، بحيث تبدو على شاشة الرادار أكثر شبها بالطائرات الحقيقية، وتطلق هذه الدمى قبيل وصول قاذفة القنابل إلى منطقة الرادار لتحدث ارتباكا في وسائل الدافاع الجوي ، وتوجد حاليا طرائق أكثر كفاءة للخداع تستخدم أجهزة إلكترونية لتعطي الرادار موجات لاسلكية يلتقطها ويظهرها كما لو كانت أهدافاً حقيقية، ولا بد لنجاح هذه الطريقة أن تتوافر البيانات الفنية الخاصة بالرادار المطلوب خداعه ليمكن اصطناع الموجات المناسبة وإرسالها إليه بحيث لايستطيع تمييزها عن الموجات الحقيقية المرتدة، فيستجيب لها، ويظهرها علي شاشة المبينات كهدف حقيقي ينخدع به العاملون على الرادار، وقد يمكن الحصول على البيانات الفنية المطلوبة بالتقاط عينة من موجات الرادار، وإجراء عدد من القياسات عليها بواسطة أجهزة خاصة لاستخراج البيانات المطلوبة.
ومن الوسائل المعروفة للتغلب على هذا النوع من الخداع أن يزود الرادار بدوائر إلكترونية لإحداث تغييرات عفوية وغير منتظمة في طول الفترة بين النبضات، أو في إحدى الخصائص الأساسية الأخرى للرادار، وعندما ترتد بعض الموجات الحقيقية لاصطدامها بهدف في مسارها، فإنها تكون حاملة لنفس هذه التغيرات العفوية غير المنتظمة، التي حدثت في الموجات المرسلة، ولهذا فإن ما تعطيه من علامات على شاشة المبينات يبقى ثابتا لا يتأثر، أما الموجات الزائفة التي يرسلها جهاز إلكتروني لخداع الرادار، فإنها بطبيعة الحال لا تحمل هذه التغيرات ، لا تبقى علاماتها ثابتة على الشاشة ، ويبدو زيفها واضحا.
وقد أنتجت شركة أمريكية أهدافا خداعية لتوفير الحماية لمواقع الرادار من هجمات الصواريخ المضادة للإشعاع أطلق عليها ”ارم- بيكوي” ويجري الجيش الأمريكي تجارب الاختبارات النهائية على هذه النوعية من الأهداف منذ فترة لتحديد كفاءتها في مواجهة الصواريخ المضادة للإشعاع. وتجرى هذه التجارب بوضع ثلاث مجموعات من الأهداف الخداعية على رؤوس مثلث بالقرب من مواقع الرادار في توقيت مناسب مع إطفاء الإشعاع لجهاز الرادار، وتقوم هذه الأهداف ببث إشعاع مماثل في خواصه لإشعاع جهاز الرادار لجذب الصواريخ المضادة للإشعاع بعيدا عن جهاز الرادار، حيث يكون سقوطها في موقع متوسط بين الأهداف الخداعية، والأهداف يتم إنتاجها طبقا لنوع الرادار المراد استخدامها معه، والنوعية التي تجرى عليها توائم الاستخدام مع الرادارات من طرازات إن/ت ب س- 75 الذي يستخدمه الجيش الأمريكي منذ عام 1989، كما أنتجت الشركة عددا من تلك الأنظمة للاستخدام مع نوعيات مختلفة من الأنظمة الرادارية.
وقد استخدمت طائرات الدول المتحالفة في عاصفة الصحراء نظام (تالد) التكتيكي، وهو عبارة عن مقذوف طائرة يقوم بخداع الرادارات المعادية، وذلك ببرمجة قذائف (تالد) بحيث تطير فيما يشبه تشكيلا هجوميا جويا على الدفاعات الجوية، فتنشط الرادارات في تعقبه، وعندئذ تقوم الطائرات بقذف الرادارات النشطة بالصواريخ المضادة للرادارات. وفي كثير من الهجمات الجوية على الأهداف العراقية كان يتم إطلاق 20 هدفا خداعيا دفعة واحدة.
ويقول المسؤولون في الشركة المنتجة لنظام تالد إن طائرة مقاتلة واحدة يمكنها حمل مايزيد على العشرين قذيفة من هذا النظام، ويبلغ وزن الهدف 180 كيلو غراماً، وكانت البحرية الأمريكية قد تسلمت قبل عاصفة الصحراء ما يزيد على 2000 هدف طائر من نظام تالد، كما أنها طلبت 4000 وحدة جديدة أخرى.
تقليل المقطع الراداري
يمثل المقطع الراداري (RCS) خاصية انعكاسية للهدف كي يلحظه الرادار، فالرادار يستقبل الطاقة المنعكسة من الهدف التي تتوقف على حجم الهدف والمادة المصنوع منها شكلها الهندسي وتردد الإرسال. ولقد أصبح تقليل المقطع الراداري أحد الإجراءات السلبية في مجال الخداع الراداري، حيث تقل احتمالية كشف الهدف بواسطة الرادار بتحقيق الانسيابية في الشكل، وباستخدام مواد ماصة للموجات الرادارية كما حدث في تصميم الطائرات الخفية طراز ف- 117 التي استخدمت في حرب الخليج والقاذفات طراز (ب-2).
ولقد امتدت تكنولوجيا الإخفاء لتشمل الصواريخ العابرة للقارات والصواريخ المجنحة ومنصات الصواريخ الأرضية والأهداف الأخرى بما يضعف المستشعرات المعادية ويقلل من كفاءتها ويخدعها. وعندما طارت القاذفة (ب- 1) في معرض باريس الدولي عام 1987 استرعى انتباه الخبراء من الفرنسيين صغر المقطع الراداري للطائرة ، إذ إنه لا يتجاوز المتر المربع الواحد، مما يمكنها من اختراق الدفاعات الجوية المعادية. ولاحظ الخبراء أيضا أن المقطع الراداري للقاذفة الاستراتيجية يصل إلى نصف المقطع الراداري للطائرة المدنية(سيسنا- 172) التي استطاع أن يصل بها الشاب الألماني الغربي (ماتياس رست) إلى قلب الميدان الأحمر في موسكو عام 1987مخترقا شبكة الدفاع الجوي السوفيتية ومتسبباً في إقصاء عدد من كبار القادة العسكريين السوفيت من مناصبهم.
ويؤدي صغر المقطع الراداري للطائرة إلى صعوبة اكتشافها، وبالتالي يقل زمن الإنذار المتيسر لدى الخصم. فإذا كان الرادار يكتشف طائرة ذات مقطع راداري معين على مسافة 400 كيلو متر، وأن سرعة الطائرة 2000 كلم/ ساعة، فإن زمن الإنذار المتيسر للدفاع الجوي يكون نحو 12 دقيقة حتى وصول الطائرة فوق الهدف؛ فإذا قلت مساحة المقطع الراداري خمس مرات يقل مدى الإنذار إلى 267.5 كلم. أما إذا قل المقطع الراداري عشر مرات فإن المدى يقل إلى 225 كلم والزمن إلى 6 دقائق، وبتقليل المقطع الراداري 50 مرة يقل مدى الإنذار إلى 150 كم الزمن إلى 6 دقائق.. وهكذا.
ومحاولة إخفاء الهدف بتغيير طبيعة سطحه هي أقل الطرائق جدوى في خداع الرادار، إذ لا يمكن إخفاء أي هدف كاملا عن موجات اللاسلكي، إلا أنه من الممكن الإقلال من مقدار ما يعكسه من موجات حتى تقل درجة وضوحه، وبالتالي قد لا يسترعي الانتباه. وتعتمد هذه الطريقة على تغطية سطح الهدف بطبقة تمتص موجات الرادار بدلا من أن تعكسها. وهناك مواد يمكنها امتصاص نسبة كبيرة من طاقة الموجات، وبذلك تقل نسبة ما ينعكس منها، إلا أنه من المتعذر جعل هذا الامتصاص كاملا بالنسبة لكافة الموجات ذات الأطوال المنخفضة، وذلك لأن درجة الامتصاص تعتمد عادة على طول الموجة. وكذلك يمكن الإقلال من كمية الموجات التي يعكسها جسم معين بتكوين سطحه بطريقة غير منتظمة لا تحتوي على مساحات مستوية أو مستقيمة، حتى تتشتت الموجات التي يعكسها، فتقل نسبة ما يرتد منها نحو الرادار. وتتشتت الموجات عند انعكاسها على سطح غير منتظم لأن كل جزء صغير من مثل هذه الأسطح يعكس الموجات في اتجاه مختلف عن الاتجاه الذي تنعكس فيه الموجات من جزء آخر، ولهذا لا تتكون حصيلة قوية في اتجاه معين.
الرقائق المعدنية والموجات الرادارية
والرقائق المعدنية عبارة عن ثنائيات أقطاب تعكس الموجات الرادارية بحيث تمثل هدفا مما يعوق جهاز الرادار عن اكتشاف وتحديد الهدف الحقيقي . وإذا استخدمت هذه الرقائق المعدنية مع الطائرات فإنها توفر ممرا لستر تقدم الطائرات نتيجة حدوث ثغرة في الحقل الراداري، ويتوقف ذلك على سرعة الطائرة وسرعة الرياح وطراز الرادار المعادي. ولقد أصبحت الرقائق المعدنية من ضروريات الدفاع عن الأهداف البحرية ضد الصواريخ الموجهة راداريا التي تحلق على ارتفاعات منخفضة.
المحاكاة الرادارية
يكثر استخدام هذه الطريقة في خداع الرادار لتوجيهه في اتجاه معين دون جدوى. وتعتمد هذه الطريقة على أجهزة تطلق موجات لاسلكية تشابه الموجات التي يعكسها هدف حقيقي، وبعض هذه الأجهزة يتقن عملية المحاكاة ويتمادى فيها بحيث يشعر الرادار أنه عثر على هدف حقيقي يتحرك فعلا، فيستمر في متابعته بينما تكون أجهزة الخداع تستدرج الرادار بعيدا عن نطاق العمليات للإقلال من فائدته. ويمكن أيضا خداع الرادار بإفساد إحدى الصفات الرئيسية في الموجات المرتدة التي يعتمد عليها في تحديد اتجاه الهدف. ويتم ذلك بتزويد الهدف بعاكس للموجات يوضع على سطحه الخارجي ، ويدور حول نفسه بسرعة تساوي أو تقارب سرعة دوران هوائي الرادار في حركته. ولما كان هذا النوع يحدد اتجاه الهدف بملاحظة اختفاء التغيرات شدة الموجات المرتدة أثناء دوران الهوائي حول نفسه، فإن هذه الملاحظة تصبح غير ذات جدوى، إذ إن الموجات المرتدة تتغير نتيجة لدوران الجسم العاكس على سطح الهدف بصرف النظر عن دوران الهوائي، ولهذا يعجز الرادار عن تحديد اتجاه الهدف.
ويعيب طرائق الخداع بواسطة المحاكاة ضرورة توافر البيانات الفنية عن الرادار نفسه، ولذلك يمكن التغلب عليه بإجراء بعض التغييرات المعتمدة في خصائص الرادار من وقت لآخر.
العواكس الركنية
تستخدم العواكس الركنية لأغراض الخداع الراداري عن طريق تمثيل أهداف هيكلية ذات مقطع راداري يقترب من الأهداف الحقيقية. ويمكن باستخدام هذه العواكس بمثيل الدبابات ومواقع الصواريخ والأهداف البحرية. والعاكس الركني عبارة عن مجموعة من الأسطح المعدنية المتعامدة، بحيث يؤدي هذا التعامد إلى عكس أشعة الرادار الساقطة عليها بكمية كبيرة، كأنها منعكسة من هدف حقيقي كبير، وقد تكون العواكس مثلثة الشكل أو مربعة أو دائرية. ويمكن وضع العواكس الدائرية في كرات من المطاط لاستخدامها كشراك خداعية طافية فوق سطح الماء لخداع الصواريخ البحرية. ويمكن أن تحمل العواكس الركنية عوامات خاصة يتم قطرها بواسطة السفن لاصطياد الصواريخ المضادة للسفن أو أن تحمل على الطائرات الموجهة بدون طيار لاصطياد الصواريخ المضادة للطائرات.
العواكس الرادارية
والعواكس الرادارية هي معدات خاصة تتميز بأن مواصفات الإشارة الرادارية المنعكسة منها تكون محددة سلفا. وتستخدم هذه العواكس على نطاق واسع في الإخفاء الراداري، مثل إخفاء معالم الساحل أو حدود المسطحات المائية، أو ممرات هبوط الطائرات، حيث تصبح الصورة مشوشة على شاشة الرادار ويصعب تمييز الأهداف.
ومن ناحية أخرى، فإنه يمكن استخدام العواكس الرادارية لعمل أهداف كاذبة بغرض خداع العدو مما يؤدي إلى ظهور أهداف كثيرة على شاشة الرادار وزيادة تحميل معدات توجيه النيران وهذا بدوره يقلل من فاعيلة نيران العدو، حيث يقوم الهدف الكاذب بعمل مصيدة رادارية تجذب الصوايخ الموجهة إليه، فيقل بالتالي احتمال إصابة الهدف الحقيقي. ويلزم لذلك أن تكون الإشارة المنعكسة من العواكس الرادارية مطابقة لمواصفات الإشارة المنعكسة من الهدف الحقيقي المطلوب حمايته، ويجب أن تتميز العواكس الرادارية بالبساطة في التركيب، وأن تكون اقتصادية وصغيرة الوزن والحجم بحيث يمكن استخدامها بكثافة.
ولقد قامت شركة بريطانية بتطوير عاكس ركني ثماني الأضلاع صنعت جوانبه على هيئة أنابيب من المطاط يمكن نفخها بحيث يطفو العاكس كله. وقد تم توصيل عاكسين من هذا النوع بواسطة حبل طوله 4-5 أمتار، وأطلق على النظام اسم (البطة المطاطية) ويمكن أن يمثل هدفا بحريا خداعيا لاصطياد الصواريخ البحرية الموجهة بالرادار، ويعرف هذا النظام تجاريا باسم (ريبليكا).
وبعد حادثة إصابة الفرقاطة الأمريكية «ستارك» في حرب الخليج، قال بعض الخبراء إنه كان بوسع البحرية الأمريكية تجنب الهجوم على الفرقاطة باستخدام نظام «ريبليكا»، وأن البحرية الأمريكية تنفق عشرات المليارات من الدولارات على تطوير تكنولوجيا الدفاع ضد الصواريخ المضادة للسفن، وفي نفس الوقت فإنها لا تستفيد من هذه الوسائل البسيطة التي يمكن ربطها بمؤخرة السفينة لتضليل الصواريخ الموجهة بالرادار مثل الصاروخ «أكزوسيت» (EXOCET) الذي أطلقته الطائرة العراقية على الفرقاطة الأمريكية.
المواقع الخداعية
يمكن للحرب الإلكترونية معاونةوسائل الدفاع الجوي في مواجهة وسائل الاستطلاع والإعاقة والخداع المحمولة جوا والصواريخ المضادة للإشعاع، وذلك بتصميم مواقع دفاع جوي خداعية متعددة تقوم باستنزاف جزء كبير من إمكانات هذه التهديدات ، علاوة على تقليل احتمالية إصابة الرادارات الأصلية أو إعاقتها. وتزود هذه المواقع بوسائل الخداع الإيجابية، مثل مشبهات مرسلات الرادار التي ترسل إشعاعها بترددات مقاربة لها ، وبنفس مواصفات التعديل من هوائي ثابت وأصغر من الهوائي الأصلي ، مع إمكانية محاكاة دوران هوائي الرادار الأصلي بطريقة إلكترونية.
والمواقع الخداعية تكون موجودة بالقرب من المواقع الأصلية، وتزود أيضا بوسائل خداع سلبي ووسائل الاستطلاع والقصف المحمولة جوا سواء الرادارية أو التلفزيونية أو التي تستخدم الأشعة تحت الحمراء، وذلك بتزويد هذه المواقع بعواكس ركنية رادارية تمثل معدات الموقع الأصلي، وبعمل نماذج لهذه المعدات بالحجم الطبيعي من مواد بناء قليلة التكاليف مع إضافة بواعث للأشعة تحت الحمراء ومحاكاة الموقع الأصلي من الناحية الإدارية والاتصالات السلكية واللاسلكية.
ارجوا ان يكون الموضوع حاذ على اعجابكم
التعديل الأخير: