الإدارة الرقمية لساحة المعركة: الحرب غير المرئية في أوكرانيا

إنضم
13 مارس 2018
المشاركات
5
التفاعل
9 1 0
الدولة
Spain
لا شيء يبدو مثيراً للوهلة الأولى: ضابط روسي داخل مركز قيادة، يحمل عصاً مضيئة موجَّهة نحو شاشة حاسوب. لكن تلك الصور أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط المتخصّصة. فالواجهة المعروضة حملت اسماً غير معروف حتى ذلك الحين: ASTRAS. واصفاً إياه بأنه “ديسكورد عسكري”، وهو تشبيه يلخص غرابة اللحظة: هل تعمل روسيا على تحديث اتصالاتها الحربية مستلهمةً من تطبيقات اللاعبين؟
G5iAw-1X0AAt2lk-768x434.jpg


وفي الوقت نفسه، وعلى بُعد مئات الكيلومترات، كان الأوكرانيون يطوّرون DELTA، نظامهم الخاص لإدارة ساحة المعركة، والذي اختُبر بنجاح أمام ممثلي الناتو في يوليو 2024. رؤيتان، وبنيتان مختلفتان، وطريقتان متباينتان للتفكير في الحرب الرقمية. وبين سطور الشيفرات والواجهات، تتشكل سباق تكنولوجي قد يعيد رسم موازين القوى أبعد بكثير من الجبهة الأوكرانية.




واجهة وُلدت من الميدان


لم يظهر ASTRAS من العدم. خلف هذه المنصة حقيقة أكثر بساطة: الاستخدام المكثّف منذ عام 2024 لتطبيق Discord من طرف بعض الوحدات الروسية في أوكرانيا. فقد كان كتيبة الاستطلاع الـ80 “سبارتا” أول من استخدم التطبيق المدني لتنسيق العمليات. ممارسة تثير أسئلة بقدر ما تقدّم حلولاً.


يتيح Discord قنوات نصية وصوتية وفيديو بزمن استجابة منخفض. وفي ساحة قتال مجزّأة، تعمل فيها الوحدات بشكل متفرق، وتجد التسلسلات القيادية التقليدية صعوبة في مجاراة السرعة، تصبح هذه المرونة ميزة حقيقية. يبدو أن ASTRAS استلهم هذا التصميم، وأضاف إليه خصائص عسكرية: بث مباشر لطائرات درون، خريطة تكتيكية تفاعلية، اتصالات مؤمّنة.


الواجهة في صور هاردي تُظهر ثلاثة أقسام:


  • في الأعلى: بثّ مباشر يُحتمل أن يكون من طائرات Orlan-10 الروسية.
  • في الوسط: خريطة رقمية تحوي مواقع العدو والصديق.
  • على الجانب: مراسلة وأدوات تنسيق.

هذا النوع من الدمج يتطلب توافقاً مع الأنظمة القائمة. فطائرات Orlan-10 تستخدم تردّدات تتراوح بين 850–930 ميغاهرتز للتحكم، و3–4 و8 غيغاهرتز للفيديو، وتعتمد على GLONASS للملاحة. أما الفيديو فيُنقل إلى مراكز القيادة ليُدمج في واجهة واحدة. هنا يأتي دور أنظمة مثل Glaz-Groza، التي تربط الاستطلاع بالنيران، وتحول البيانات الخام إلى أهداف جاهزة للاستخدام.


Glaz-Groza تُظهر الهدف على خريطة جغرافية مرجعية، وترسل إحداثياته للمدفعية في غضون 2–4 دقائق، مع مكتبات للبيانات الباليستية. وتشير تقارير إلى أن فعالية النيران تحسنت بنسبة 50%. وإذا تمكن ASTRAS من دمج هذه الأدوات، فسيكون المكسب التشغيلي ضخماً.


غير أن استلهام التطبيقات المدنية يجلب معه عيوباً. فتطبيق Discord لم يُصمّم لمقاومة الهجمات السيبرانية الحربية. وإذا لم تُعد روسيا كتابة الشيفرة بالكامل — وهو أمر غير مؤكد — فقد يرث ASTRAS ثغرات خطيرة.



GqNj_svXAAAflKn-768x545.jpg

DELTA: فنّ اللامركزية


على عكس ASTRAS، لم يُصنع DELTA على عجل. بدأ تطويره عام 2016، وتطور خلال الحرب ليصبح ما يسميه مطوّروه “غوغل الحرب”.


يتيح النظام — بعد تسجيل دخول واحد — الوصول إلى:


  • خرائط تكتيكية
  • بث مباشر من الدرون
  • مراسلة مؤمنة
  • أدوات التخطيط
  • دمج الأنظمة الروبوتية

يعمل DELTA على السحابة، على خوادم عامة لا تملكها القوات الأوكرانية، ما يمنحه قدرة عالية على الصمود: إذا دُمّر مركز بيانات، ينتقل النظام فوراً إلى آخر. كما تدرس كييف استضافة DELTA في الخارج لتقليل مخاطر الانقطاع.


في يوليو 2024، خلال تمرين CWIX للناتو، اختُبر النظام على 5 بروتوكولات في 13 مجالاً، وتبيّن أنه قادر على تبادل “الصورة العملياتية الكاملة” مع الأنظمة الأطلسية: جوية، برية، بحرية، فضائية، سيبرانية، طبية ولوجستية.


نال النظام إشادة من كبار قادة الناتو. وبدأت مناقشات حول استخدام DELTA في التخطيط المشترك للعمليات.


هذه الاعترافات تقابلها سرية تامة حول ASTRAS، ما يوحي إما بأنه في مرحلة تجريبية أو سري للغاية، أو ببساطة أنه غير ناضج بعد.



Delta01-768x431.jpg

Svod: اعتراف بالمشكلة


في أغسطس 2025، أعلن وزير الدفاع الروسي بيلوسوف عن نظام Svod، الهادف إلى معالجة نقص الوعي التكتيكي لدى الوحدات الروسية. يخضع النظام لاختبارات ميدانية بين سبتمبر ونوفمبر 2025.


تعاني القوات الروسية منذ بداية الحرب من ضعف تبادل المعلومات، وصعوبة تنسيق النيران، وغياب رؤية شاملة. يسعى Svod إلى حل هذه الفجوات، ولكن بدء العمل به بعد ثلاث سنوات من الحرب يعكس تأخراً خطيراً.


ASTRAS يبدو جزءاً من محاولة تحديث أكبر. فقد أنشأ تجمع قوات "تسنتر" في أغسطس 2025 قاعدة بيانات لتدمير الدرون المعادية، واختبر نظاماً لتحليل البيانات تلقائياً باستخدام الذكاء الاصطناعي. لكن هذه الجهود تصطدم بمشاكل بنيوية: سوء التنظيم، قيود سياسية، وضعف الصناعة العسكرية.




راديو Azart: نقطة ضعف متوارثة


يعتمد ASTRAS جزئياً على أجهزة راديو Azart الحديثة. جهاز Azart R-187P يعمل أساساً على تردد ثابت باستخدام بروتوكول TETRA التجاري، ما يجعله عرضة للتشويش. ورغم تطوير قدرات القفز بين الترددات، فإن كثيراً من التطبيقات لا تزال غير مشفّرة حفاظاً على التوافق مع الأجهزة القديمة.


كما تطوّر مجموعات قرصنة مدعومة من روسيا أدوات لاختراق التطبيقات المشفّرة. فقد طوّر APT44 رموز QR خبيثة تمنح المخترق وصولاً فورياً لرسائل الضحية.




Kropyva: الوجه الآخر للحرب الرقمية الأوكرانية


بينما يعمل DELTA على المستويات الاستراتيجية، يعمل Kropyva على المستوى التكتيكي. يشبه منصة خرائط تفاعلية، مع إمكانية وضع علامات على الخرائط دون اتصال، وإرسال المعلومات للوحدات الأخرى بسهولة.


يشكل DELTA وKropyva معا العمود الفقري للقيادة والسيطرة الأوكرانية. وتُظهر هذه الطبقات المتعددة فلسفة مضادة للنهج الروسي: تجزئة الأنظمة لضمان بقاء كل منها حتى لو تعطّل الآخر.




الذكاء الاصطناعي: مستقبل بعيد أم انقلاب وشيك؟


تسعى روسيا لتطوير درون ذاتية القرار قادرة على التعرف على الأهداف، والمناورة، والعمل ضمن أسراب. أما أوكرانيا فتتحرك بشكل منهجي: في 2024، اشترت 10 آلاف درون تعمل بالذكاء الاصطناعي، ركزت على التعرف على البيئة والملاحة بدون GPS. وفي ديسمبر 2024، قرب ليبتسي، نفذت أوكرانيا أول عملية قتالية دون أي عنصر بشري على الأرض.




حرب الأنظمة، لا الأسلحة فقط


يمثل ASTRAS وDELTA رؤيتين متناقضتين:


روسيا


  • مركزية
  • تسلسل قيادي صارم
  • بنية عمودية
  • اعتماد على بنية اتصالات معرضة للخلل

أوكرانيا


  • لامركزية
  • اعتماد على السحابة
  • مرونة وتكرار
  • توزيع المخاطر على طبقات متعددة

في بيئة قتالية مليئة بالتشويش السيبراني والإلكتروني، تصبح اللامركزية أكثر صموداً.


الأشهر المقبلة ستكشف ما إذا كان ASTRAS وSvod قادرين على سد الفجوة التكنولوجية. فالاختبارات الميدانية بين سبتمبر ونوفمبر 2025 ستقدّم مؤشرات حاسمة.
 

المواضيع المشابهة

عودة
أعلى