من صفحة اوراس تاريخ و ثقافة
.من هي الكاهنة أو الملكة ديهيا أو ذايا ؟
.
ديهيا أو ذايا، الملكة ديهيا بنت ماتيا بن تيفان (585 م - 712 م) ، قائدة عسكرية وملكة أمازيغية خلفت الملك أكسيل في حكم الأمازيغ وحكمت شمال أفريقيا مدة 35 سنة تشكل مملكتها اليوم جزء من الجزائر وتونس والمغرب وليبيا وعاصمة مملكتها هي مدينة ماسكولا (خنشلة حاليا) في الأوراس..
.
تعرف الكاهنة في المصادر التاريخية الأمازيغية و الأجنبية و العربية القديمة والحديثة بأنها امرأة أمازيغية جميلة وشجاعة وقوية البنية.هي ملكة جَمعت بين الجمال والدهاء، أمران جعلاها تتبوأ مكانة عالية في تاريخ منطقة ومجتمع شمال إفريقيا، دهي بمعنى المرأة الجميلة في القاموس اللغوي الأمازيغي،
.
الملكة ديهيا و لقب الكاهنة
.
لقبت بالكاهنة لكونها دوخت بدهاء خارق حسان بن النعمان و هو من الغساسنة ، وواجهته بقسوة وشراسة قل نظيرها ، وتفوقت في هذه المقاومة العنيدة حتى على الملك الأمازيغي السابق أكسل فاحتار العرب في أمرها و اعتقدوا أنها "تتكهن بمجموعة من الأمور بوحي من شياطينها" والواقع أن هؤلاء استغربوا كيف يمكن لامرأة أن تسود قوماً يتّسمون بالقوة والبسالة في عصر لم يروا فيه امرأة تقود شعوباً أوتهزم جيوشاً وادعوا أنها ساحرة أوتيت علم الغيب وأحكمت سيطرتها على قومها ووحّدت كلمتهم تحت رايتها بتسخير شياطينها!. ولعلّ مبعث هذا الاستغراب والدهشة وسط جيوش قوية صمدت امرأة في وجهها على نحو غير مسبوق ناجم عن الجهل بالمجتمع الأمازيغي الذي يقدر المرأة ويحترمها منذ قديم العصور.. واجهت ديهيا الغزاة مواجهة الأبطال المدافعين عن الهوية الأمازيغية والمتشبثين بالأرض والكينونة البربرية حيث رأت فيهم أنهم مثل: الرومان والوندال والبيزنطيين لايهمهم سوى احتلال أراضي الغير واستغلال ثرواته واستنزاف ممتلكاته وإخضاعه إذلالا واستعبادا. لذا ، كانت لمقاومتها العنيفة في نوميديا ( الجزائر) آثار وخيمة على التواجد العربي في شمال أفريقيا. وقد حكمت الكاهنة مملكتها الأوراسية خمس سنوات متتالية، وقد بايعها الأمازيغ بالإجماع مباشرة بعد مقتل أكسل الذي قتله حسان بن النعمان في معركة ممش قرب مدينة القيروان بتونس ثأرا لمقتل عقبة بن نافع على يد الملك أكسل في تهودة نواحي بسكرة، أما عن ديانتها والتي ذهب البعض إلى القول بأن ملكة الأمازيغ كانت يهودية أو وثنية، فيؤكد الدكتور مصطفى أوعشي الأستاذ بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن "افتراض يهوديتها لا يبدو مقبولا، لأنها كانت عند خُروجها للمعارك مسبوقة بتمثال خشبي محمول على الحصان ، الذي قد يرمز لأحد الأرباب الأمازيغية، إما "تانيت" أو "أمون" أو "سيبيل" أو "أمور"، مما يعني أنها وثنية. مضيفا أن حتى لقب الكاهنة الذي أطلق عليها، والذي يعني رجل الدين أو الساحرة أو المتنبئة، فلكونها مرتبطة بديانة وثنية، لأنها كانت كاهنة الاوثان الأمازيغية التي تخدمها"
.
1/ تطور مقاومة ديهيا
.
إذا كان الغزو العربي في الشرق قد تم بسرعة ملحوظة ، حيث خضع المشارقة بسرعة مثل الشام ومصر والعراق وفارس ، فقد ظلت أفريقيا الشمالية منطقة عسيرة وأرضا خطيرة بسبب وعورة التضاريس الأفريقية، وشدة مقاومة الأمازيغ لكل من حاول الاعتداء على حريتهم وممتلكاتهم، وصلابة عود البرابرة، وكثرة شجاعتهم ، وتعسف الولاة في التعامل مع الأفارقة الذين لايقبلون الضيم ولا يرضون بالذل؛ نظرا لاعتزازهم الكبير بأنفسهم أنفة وكرامة واستعلاء . لذا، بقيت أفريقيا الشمالية وعرة التطويع وصعبة الإخضاع لمدة تتراوح بين 22هـ و82هــ، أي فترة زمنية تقدر بــ60 سنة من تاريخ المد والجزر من أجل نشر الإسلام كما يدعون بين ساكنة تامازغا التي أظهرت العناد وعدم الانقياد بسهولة لسلطة الخلافة الأموية . ومن ثم، كان إسلامهم يتأرجح بين الاعتناق الطوعي و الردة المؤقتة .
ويمكن تقسيم تطور مقاومة الكاهنة في شمال أفريقيا في مجابهتها لحسان بن النعمان إلى مرحلتين أساسيتين: مرحلة الانتصار ومرحلة الغدر ومن ثم الهزيمة .
.
أ*- مرحلة انتصار ديهيا على حسان بن النعمان:
.
بعد انتصار حسان بن النعمان علىالملك أكسيل ، اتجه نحو ممالك الجزائر والمغرب ، لكنه واجه مقاومة شرسة من قبل الكاهنة التي وحدت القبائل الأمازيغية، فكونت جيشا عرمرما استطاعت أن تؤثر فيه بهيبتها وجمالها وقوتها .
وقد سبقت الكاهنة إلى إعلان الحرب على حسان ، وقصدت مدينة باغية، فأخرجت منها الروم، ثم هدمت حصونها لكي لايحتمي بها حسان بن النعمان الذي تحرك بدوره في اتجاهها ، فنزل بوادي مسكيانة، ثم التقى الجيشان مع انبلاج شمس الصباح قرب نهر بلىّ التقاء داميا تطاحنت فيه الرؤوس والخيول والسيوف، وانتهت المعركة بانهزام حسان ، وأسفرت المعركة عن مقتل الكثير من العرب ، فأسرت الكاهنة حسب المصادر حوالي ثمانين رجلا، وسميت هذه الموقعة بيوم البلاء ، وسمي النهر الذي التقى فيه الجيشان بنهر البلاء. و بعد المعركة، عاد حسان بن النعمان إلى تونس . وإثر ذلك، انتقل بجيشه إلى برقة، حيث كان مجبرا على الانسحاب
وكان" انهزام حسان أمام الكاهنة أشنع ما مني به العرب في تامزغا ، وهذا بإجماع المصادر العربية، وأول انكسار عرفه لهم التاريخ آنذاك. وعندما وصل حسان لمأمنه كتب إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بالواقعة يستنجده لإعادة الكرة ويعتذر عن انكساره. ومن ضمن مابرر به هذا الاندحار مايلي:" إن أمم المغرب ليس لها غاية، ولايقف أحد منها على نهاية، كلما بادت أمة خلفتها أمم".
ومن مظاهر إنسانية الكاهنة أنها عندما تتبعت جيش حسان بن النعمان إلى تخوم تونس لم تخرب القيروان، ولم تقتل المسلمين المتواجدين بها أو تقوم بالتنكيل بهم ثأرا وانتقاما ، بل عادت برجالها إلى مقر عاصمتها بالأوراس، مما يعني هذا أن ثورتها كانت محلية وتستهدف من ورائها طرد العرب من بلادها إلى خارج أفريقيا . كما أفرجت عن جميع أسرى حسان بن النعمان " فأحسنت الكاهنة أسر من أسرته من أصحابه وأرسلتهم إلا رجلا منهم من بني عبس يقال له خالد بن يزيد فتبنته و اتخذته ابنا لها وأقام معها".
ولم يكن هذا التبني إلا لأسباب ترومها الكاهنة ، ربما أنها كانت تسعى من وراء ذلك إلى اتقاء المحاولات الانتقامية من قبل حسان بن النعمان وتجنب ردود فعل المسلمين أو ربما تريد من ذلك الفعل أن تستكنه نوايا الفاتحين المسلمين وتعرف خطط قادتهم وكيف يفكرون، وربما قربته إليه ليفشي لها أسرار كل الخطط الهجومية التي يمكن أن يلتجئ إليها حسان بن النعمان في المستقبل أو ربما قررت أن تستعين به ليوم الحرب الضروس الآتية و يوم اللقاء الأخير لتستأمنه على أولادها مما يمكن أن تصدر عن حسان من ردود فعل انتقامية .
أما رواية ابن عبد الحكيم فكانت أكثر وضوحا لمبتغى الكاهنة من هذا التبني حيث قال:" فقالت: يابني انظروا ماذا ترون في السماء. قالوا : نرى شيئا من سحاب أحمر. قالت: لا وإلهي ، ولكنها رهج خيل العرب. ثم قالت لخالد ين يزيد:إني تبنيتك لمثل هذا اليوم".
( ملاخظة ) الكتاب العرب يلصقون بها جميع الصفات المحطة بالإنسان بسبب مواجهتها لهم وعدم قبولها بالتسليم في أراضي البربر لصالح هؤلاء الغزاة القادمون من الشرق
.
الكاهنة وسياسة الأراضي المحروقة
عزمت ديهيا على تنفيذ مخططها حين قالت : "إن العرب لا يُريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة ونحن يكفينا فيها المزارع والمراعي فلا نرى إلا خراب إفريقيا كلها حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر".
وعلى الرغم مما وصلها عن المسلمين بأنهم أصحاب رسالة، فقالت مقولتها الشهيرة ايها المسلمون اذا كنتم تدعون انكم جئتهم برسالة من الله أعطنا اياها و عودوا من حيث أتيتم لذلك ضَلَّت تتوجس خيفة منهم وتراهم كباقي الغزاة، فقاومت وضحت بأبنائها جميعا، ولما غُلبت على أمرها طالبت قومها بإحراق كل البساتين، ظنًّا منها بأن الغزاة جاءوا طامعين في خيرات البلاد.
أما أحمد الناصري فقد وصف الخراب الذي حل بالبلاد بقوله : " وكانت المدن والضِّياع من طرابلس إلى طنجة ظلا واحدا من قرى متَّصلة فخرَّبت الكاهنة ديار المغرب وعضدت أشجاره ومحت جماله؛ حيث " انعكس هذا الخراب على البنية السكانية حين رحل عدد كبير من الساكنة منهم النصارى والأفارقة الى الجزر البحرية" . ويقول إبن عذارى (695-712هـ) في هذا الشأن " وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير مُستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية".
اختلاف حول سياسة الكاهنة
ظلت هذه السياسة المنتهجة من طرف الداهية ديهيا موضع شك من لدن الكتاب الغربيين، حيث قال المؤرخ ليفي روفنسال (1894- 1956)في كتابه "إنه من الواضح أن نسب هذا العمل الذي يُخالف طباع االامازيغ إلى الكاهنة لابد أن يكون محل شك..."؛ في حين نجد جل النصوص العربية تفسر الغاية من هذا العمل التخريبي هو "الحكمة العسكرية للكاهنة لصد الغزاة '" مع العلم ان هذه السياسة التجات اليها ديهيا بعد علمها بخيانة خالد ابن يزيد الذي تبنته الا انها سياسة مشكوك فيها من طرف الكثير من المؤرخين
.
مرحلة الخيانة و الهزيمة
.
عد مرحلة هزيمة حسان بن النعمان وقد كان على وشك الموت قرر أن يعيد الكرة لمقاتلة ديهيا، فأمده الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بإمدادات عسكرية وعتاد ومؤن على الرغم من إنشغالات الخليفة عبد الملك الكثيرة بإخماد الثورات المعارضة في الشرق والشام وشبه الجزيرة العربية ، فإتجه حسان بجيشه صوب مملكة الأوراس لمنازلتها بعد أن جمع كل المعلومات التي أرسلت له من قبل معاونه خالد بن يزيد والتي تتعلق بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي كانت عليها مملكة الأوراس
أي أن ديهيا تعرضت للخيانة من طرف الاعرابي خالد الذي تبنته
وقد نشبت معركة أخرى بين ديهيا وحسان بن النعمان في منطقة جبال الأوراس فإنهزمت فيها ديهيا وأسباب إنهزامها هو أن خالد الذي تبنته خانها وغدر بها وسرب أخبار جيشها وخططها إلى حسن بن النعمان
وقد قال المؤرخ الثعالبي عن ديهيا : "وبعد معركة صارمة ذهبت هذه المرأة النادرة ضحية الدفاع عن حمى البلاد"
فبسبب خيانة خالد الأسيرالاعرابي الذي تبنته تم قتل ديهيا غدرا وخيانة وهي عجوز عمرها 127 سنة
قال المؤرخ إبن خلدون: ديهيا فارسة الأمــــــازيغ التي لم يأت بمثلها زمان كانت تركب حصانا وتسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها
.
عاشت الكاهنة ديهيا بنت تابنة (585 م - 712 م) 127سنة، تولت فيها زمام الحكم بحكمة وحزم، وقاومت الروم والبيزنطيين والعرب، وتمكنت من توحيد أهم القبائل الأمازيغية، وتوفيت في معركة حامية الوطيس أثناء مجابهتها لجيش حسان بن النعمان في موقع بالجزائر سمي فيما بعد ببئر الكاهنة بير العاتر
_______________________________________
المراجع
^ إبن خلدون، كتاب العبر، الجزء السابع ص 11
^ كتاب العبر، الجزء السابع ص 11
^ تعدى إلى الأعلى ل: أ ب الروض المعطار في خبر الأقطار ص66
^ مكان وفاتها
^ الكتاب: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر المؤلف ابن خلدون (المتوفى: 808هـ)المحقق: خليل شحادة الناشر: دار الفكر، بيروت الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م - ج6 ص143
^ عدد من المؤرخين وصفو الملكة ديهيا "بالكاهنة" لأنها حكيمة ونجد إبن خلدون نفسه يصفها حين يتحدث عن نسبها في كتاب العبر، الجزء السابع ص 11
^ بن عذارى ج1 ـ ص 36
^ الكتاب: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر المؤلف ابن خلدون (المتوفى: 808هـ)المحقق: خليل شحادة الناشر: دار الفكر، بيروت الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م - ج7 ص12
^ بن عذارى ـ ج1 ـ ص 37.
^ رياض النفوس، تحقيق حسين مؤنس ص:15-10
^ بن عذارى ج1 ص 37.
^ الكتاب: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر المؤلف ابن خلدون (المتوفى: 808هـ)المحقق: خليل شحادة الناشر: دار الفكر، بيروت الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م - ج7 ص13
^ ،The invention of the jewish people, Shlomo Sand p 204
^ بن عذارى ج1 ـ ص 37.
^ ابن عذاري: المصدر السابق، صص:35-36؛
.من هي الكاهنة أو الملكة ديهيا أو ذايا ؟
.
ديهيا أو ذايا، الملكة ديهيا بنت ماتيا بن تيفان (585 م - 712 م) ، قائدة عسكرية وملكة أمازيغية خلفت الملك أكسيل في حكم الأمازيغ وحكمت شمال أفريقيا مدة 35 سنة تشكل مملكتها اليوم جزء من الجزائر وتونس والمغرب وليبيا وعاصمة مملكتها هي مدينة ماسكولا (خنشلة حاليا) في الأوراس..
.
تعرف الكاهنة في المصادر التاريخية الأمازيغية و الأجنبية و العربية القديمة والحديثة بأنها امرأة أمازيغية جميلة وشجاعة وقوية البنية.هي ملكة جَمعت بين الجمال والدهاء، أمران جعلاها تتبوأ مكانة عالية في تاريخ منطقة ومجتمع شمال إفريقيا، دهي بمعنى المرأة الجميلة في القاموس اللغوي الأمازيغي،
.
الملكة ديهيا و لقب الكاهنة
.
لقبت بالكاهنة لكونها دوخت بدهاء خارق حسان بن النعمان و هو من الغساسنة ، وواجهته بقسوة وشراسة قل نظيرها ، وتفوقت في هذه المقاومة العنيدة حتى على الملك الأمازيغي السابق أكسل فاحتار العرب في أمرها و اعتقدوا أنها "تتكهن بمجموعة من الأمور بوحي من شياطينها" والواقع أن هؤلاء استغربوا كيف يمكن لامرأة أن تسود قوماً يتّسمون بالقوة والبسالة في عصر لم يروا فيه امرأة تقود شعوباً أوتهزم جيوشاً وادعوا أنها ساحرة أوتيت علم الغيب وأحكمت سيطرتها على قومها ووحّدت كلمتهم تحت رايتها بتسخير شياطينها!. ولعلّ مبعث هذا الاستغراب والدهشة وسط جيوش قوية صمدت امرأة في وجهها على نحو غير مسبوق ناجم عن الجهل بالمجتمع الأمازيغي الذي يقدر المرأة ويحترمها منذ قديم العصور.. واجهت ديهيا الغزاة مواجهة الأبطال المدافعين عن الهوية الأمازيغية والمتشبثين بالأرض والكينونة البربرية حيث رأت فيهم أنهم مثل: الرومان والوندال والبيزنطيين لايهمهم سوى احتلال أراضي الغير واستغلال ثرواته واستنزاف ممتلكاته وإخضاعه إذلالا واستعبادا. لذا ، كانت لمقاومتها العنيفة في نوميديا ( الجزائر) آثار وخيمة على التواجد العربي في شمال أفريقيا. وقد حكمت الكاهنة مملكتها الأوراسية خمس سنوات متتالية، وقد بايعها الأمازيغ بالإجماع مباشرة بعد مقتل أكسل الذي قتله حسان بن النعمان في معركة ممش قرب مدينة القيروان بتونس ثأرا لمقتل عقبة بن نافع على يد الملك أكسل في تهودة نواحي بسكرة، أما عن ديانتها والتي ذهب البعض إلى القول بأن ملكة الأمازيغ كانت يهودية أو وثنية، فيؤكد الدكتور مصطفى أوعشي الأستاذ بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، أن "افتراض يهوديتها لا يبدو مقبولا، لأنها كانت عند خُروجها للمعارك مسبوقة بتمثال خشبي محمول على الحصان ، الذي قد يرمز لأحد الأرباب الأمازيغية، إما "تانيت" أو "أمون" أو "سيبيل" أو "أمور"، مما يعني أنها وثنية. مضيفا أن حتى لقب الكاهنة الذي أطلق عليها، والذي يعني رجل الدين أو الساحرة أو المتنبئة، فلكونها مرتبطة بديانة وثنية، لأنها كانت كاهنة الاوثان الأمازيغية التي تخدمها"
.
1/ تطور مقاومة ديهيا
.
إذا كان الغزو العربي في الشرق قد تم بسرعة ملحوظة ، حيث خضع المشارقة بسرعة مثل الشام ومصر والعراق وفارس ، فقد ظلت أفريقيا الشمالية منطقة عسيرة وأرضا خطيرة بسبب وعورة التضاريس الأفريقية، وشدة مقاومة الأمازيغ لكل من حاول الاعتداء على حريتهم وممتلكاتهم، وصلابة عود البرابرة، وكثرة شجاعتهم ، وتعسف الولاة في التعامل مع الأفارقة الذين لايقبلون الضيم ولا يرضون بالذل؛ نظرا لاعتزازهم الكبير بأنفسهم أنفة وكرامة واستعلاء . لذا، بقيت أفريقيا الشمالية وعرة التطويع وصعبة الإخضاع لمدة تتراوح بين 22هـ و82هــ، أي فترة زمنية تقدر بــ60 سنة من تاريخ المد والجزر من أجل نشر الإسلام كما يدعون بين ساكنة تامازغا التي أظهرت العناد وعدم الانقياد بسهولة لسلطة الخلافة الأموية . ومن ثم، كان إسلامهم يتأرجح بين الاعتناق الطوعي و الردة المؤقتة .
ويمكن تقسيم تطور مقاومة الكاهنة في شمال أفريقيا في مجابهتها لحسان بن النعمان إلى مرحلتين أساسيتين: مرحلة الانتصار ومرحلة الغدر ومن ثم الهزيمة .
.
أ*- مرحلة انتصار ديهيا على حسان بن النعمان:
.
بعد انتصار حسان بن النعمان علىالملك أكسيل ، اتجه نحو ممالك الجزائر والمغرب ، لكنه واجه مقاومة شرسة من قبل الكاهنة التي وحدت القبائل الأمازيغية، فكونت جيشا عرمرما استطاعت أن تؤثر فيه بهيبتها وجمالها وقوتها .
وقد سبقت الكاهنة إلى إعلان الحرب على حسان ، وقصدت مدينة باغية، فأخرجت منها الروم، ثم هدمت حصونها لكي لايحتمي بها حسان بن النعمان الذي تحرك بدوره في اتجاهها ، فنزل بوادي مسكيانة، ثم التقى الجيشان مع انبلاج شمس الصباح قرب نهر بلىّ التقاء داميا تطاحنت فيه الرؤوس والخيول والسيوف، وانتهت المعركة بانهزام حسان ، وأسفرت المعركة عن مقتل الكثير من العرب ، فأسرت الكاهنة حسب المصادر حوالي ثمانين رجلا، وسميت هذه الموقعة بيوم البلاء ، وسمي النهر الذي التقى فيه الجيشان بنهر البلاء. و بعد المعركة، عاد حسان بن النعمان إلى تونس . وإثر ذلك، انتقل بجيشه إلى برقة، حيث كان مجبرا على الانسحاب
وكان" انهزام حسان أمام الكاهنة أشنع ما مني به العرب في تامزغا ، وهذا بإجماع المصادر العربية، وأول انكسار عرفه لهم التاريخ آنذاك. وعندما وصل حسان لمأمنه كتب إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بالواقعة يستنجده لإعادة الكرة ويعتذر عن انكساره. ومن ضمن مابرر به هذا الاندحار مايلي:" إن أمم المغرب ليس لها غاية، ولايقف أحد منها على نهاية، كلما بادت أمة خلفتها أمم".
ومن مظاهر إنسانية الكاهنة أنها عندما تتبعت جيش حسان بن النعمان إلى تخوم تونس لم تخرب القيروان، ولم تقتل المسلمين المتواجدين بها أو تقوم بالتنكيل بهم ثأرا وانتقاما ، بل عادت برجالها إلى مقر عاصمتها بالأوراس، مما يعني هذا أن ثورتها كانت محلية وتستهدف من ورائها طرد العرب من بلادها إلى خارج أفريقيا . كما أفرجت عن جميع أسرى حسان بن النعمان " فأحسنت الكاهنة أسر من أسرته من أصحابه وأرسلتهم إلا رجلا منهم من بني عبس يقال له خالد بن يزيد فتبنته و اتخذته ابنا لها وأقام معها".
ولم يكن هذا التبني إلا لأسباب ترومها الكاهنة ، ربما أنها كانت تسعى من وراء ذلك إلى اتقاء المحاولات الانتقامية من قبل حسان بن النعمان وتجنب ردود فعل المسلمين أو ربما تريد من ذلك الفعل أن تستكنه نوايا الفاتحين المسلمين وتعرف خطط قادتهم وكيف يفكرون، وربما قربته إليه ليفشي لها أسرار كل الخطط الهجومية التي يمكن أن يلتجئ إليها حسان بن النعمان في المستقبل أو ربما قررت أن تستعين به ليوم الحرب الضروس الآتية و يوم اللقاء الأخير لتستأمنه على أولادها مما يمكن أن تصدر عن حسان من ردود فعل انتقامية .
أما رواية ابن عبد الحكيم فكانت أكثر وضوحا لمبتغى الكاهنة من هذا التبني حيث قال:" فقالت: يابني انظروا ماذا ترون في السماء. قالوا : نرى شيئا من سحاب أحمر. قالت: لا وإلهي ، ولكنها رهج خيل العرب. ثم قالت لخالد ين يزيد:إني تبنيتك لمثل هذا اليوم".
( ملاخظة ) الكتاب العرب يلصقون بها جميع الصفات المحطة بالإنسان بسبب مواجهتها لهم وعدم قبولها بالتسليم في أراضي البربر لصالح هؤلاء الغزاة القادمون من الشرق
.
الكاهنة وسياسة الأراضي المحروقة
عزمت ديهيا على تنفيذ مخططها حين قالت : "إن العرب لا يُريدون من بلادنا إلا الذهب والفضة ونحن يكفينا فيها المزارع والمراعي فلا نرى إلا خراب إفريقيا كلها حتى ييأس منها العرب فلا يكون لهم رجوع إليها إلى آخر الدهر".
وعلى الرغم مما وصلها عن المسلمين بأنهم أصحاب رسالة، فقالت مقولتها الشهيرة ايها المسلمون اذا كنتم تدعون انكم جئتهم برسالة من الله أعطنا اياها و عودوا من حيث أتيتم لذلك ضَلَّت تتوجس خيفة منهم وتراهم كباقي الغزاة، فقاومت وضحت بأبنائها جميعا، ولما غُلبت على أمرها طالبت قومها بإحراق كل البساتين، ظنًّا منها بأن الغزاة جاءوا طامعين في خيرات البلاد.
أما أحمد الناصري فقد وصف الخراب الذي حل بالبلاد بقوله : " وكانت المدن والضِّياع من طرابلس إلى طنجة ظلا واحدا من قرى متَّصلة فخرَّبت الكاهنة ديار المغرب وعضدت أشجاره ومحت جماله؛ حيث " انعكس هذا الخراب على البنية السكانية حين رحل عدد كبير من الساكنة منهم النصارى والأفارقة الى الجزر البحرية" . ويقول إبن عذارى (695-712هـ) في هذا الشأن " وخرج يومئذ من النصارى والأفارقة خلق كثير مُستغيثين مما نزل بهم من الكاهنة فتفرقوا على الأندلس وسائر الجزر البحرية".
اختلاف حول سياسة الكاهنة
ظلت هذه السياسة المنتهجة من طرف الداهية ديهيا موضع شك من لدن الكتاب الغربيين، حيث قال المؤرخ ليفي روفنسال (1894- 1956)في كتابه "إنه من الواضح أن نسب هذا العمل الذي يُخالف طباع االامازيغ إلى الكاهنة لابد أن يكون محل شك..."؛ في حين نجد جل النصوص العربية تفسر الغاية من هذا العمل التخريبي هو "الحكمة العسكرية للكاهنة لصد الغزاة '" مع العلم ان هذه السياسة التجات اليها ديهيا بعد علمها بخيانة خالد ابن يزيد الذي تبنته الا انها سياسة مشكوك فيها من طرف الكثير من المؤرخين
.
مرحلة الخيانة و الهزيمة
.
عد مرحلة هزيمة حسان بن النعمان وقد كان على وشك الموت قرر أن يعيد الكرة لمقاتلة ديهيا، فأمده الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان بإمدادات عسكرية وعتاد ومؤن على الرغم من إنشغالات الخليفة عبد الملك الكثيرة بإخماد الثورات المعارضة في الشرق والشام وشبه الجزيرة العربية ، فإتجه حسان بجيشه صوب مملكة الأوراس لمنازلتها بعد أن جمع كل المعلومات التي أرسلت له من قبل معاونه خالد بن يزيد والتي تتعلق بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية التي كانت عليها مملكة الأوراس
أي أن ديهيا تعرضت للخيانة من طرف الاعرابي خالد الذي تبنته
وقد نشبت معركة أخرى بين ديهيا وحسان بن النعمان في منطقة جبال الأوراس فإنهزمت فيها ديهيا وأسباب إنهزامها هو أن خالد الذي تبنته خانها وغدر بها وسرب أخبار جيشها وخططها إلى حسن بن النعمان
وقد قال المؤرخ الثعالبي عن ديهيا : "وبعد معركة صارمة ذهبت هذه المرأة النادرة ضحية الدفاع عن حمى البلاد"
فبسبب خيانة خالد الأسيرالاعرابي الذي تبنته تم قتل ديهيا غدرا وخيانة وهي عجوز عمرها 127 سنة
قال المؤرخ إبن خلدون: ديهيا فارسة الأمــــــازيغ التي لم يأت بمثلها زمان كانت تركب حصانا وتسعى بين القوم من الأوراس إلى طرابلس تحمل السلاح لتدافع عن أرض أجدادها
.
عاشت الكاهنة ديهيا بنت تابنة (585 م - 712 م) 127سنة، تولت فيها زمام الحكم بحكمة وحزم، وقاومت الروم والبيزنطيين والعرب، وتمكنت من توحيد أهم القبائل الأمازيغية، وتوفيت في معركة حامية الوطيس أثناء مجابهتها لجيش حسان بن النعمان في موقع بالجزائر سمي فيما بعد ببئر الكاهنة بير العاتر
_______________________________________
المراجع
^ إبن خلدون، كتاب العبر، الجزء السابع ص 11
^ كتاب العبر، الجزء السابع ص 11
^ تعدى إلى الأعلى ل: أ ب الروض المعطار في خبر الأقطار ص66
^ مكان وفاتها
^ الكتاب: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر المؤلف ابن خلدون (المتوفى: 808هـ)المحقق: خليل شحادة الناشر: دار الفكر، بيروت الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م - ج6 ص143
^ عدد من المؤرخين وصفو الملكة ديهيا "بالكاهنة" لأنها حكيمة ونجد إبن خلدون نفسه يصفها حين يتحدث عن نسبها في كتاب العبر، الجزء السابع ص 11
^ بن عذارى ج1 ـ ص 36
^ الكتاب: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر المؤلف ابن خلدون (المتوفى: 808هـ)المحقق: خليل شحادة الناشر: دار الفكر، بيروت الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م - ج7 ص12
^ بن عذارى ـ ج1 ـ ص 37.
^ رياض النفوس، تحقيق حسين مؤنس ص:15-10
^ بن عذارى ج1 ص 37.
^ الكتاب: ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأكبر المؤلف ابن خلدون (المتوفى: 808هـ)المحقق: خليل شحادة الناشر: دار الفكر، بيروت الطبعة: الثانية، 1408 هـ - 1988 م - ج7 ص13
^ ،The invention of the jewish people, Shlomo Sand p 204
^ بن عذارى ج1 ـ ص 37.
^ ابن عذاري: المصدر السابق، صص:35-36؛


