"فورين بوليسي" : المخابرات الاميركية تنحدر نحو الهاوية

إنضم
25 سبتمبر 2009
المشاركات
202
التفاعل
0 0 0



في مقال تحليلي له بمجلة فورين بوليسي، حذر جوش كيريل من أنه إذا لم يُدخل عالم المخابرات تغييرات أساسية وجوهرية على الطريقة التي ينفذ بها عمله فإن فعالية المخابرات الاميركية لا يمكنها سوى الانحدار نحو الهاوية.

ويضيف كيريل أن جهاز المخابرات الأميركية ما زال يعمل كما كان في عهد الحرب الباردة وهو جهاز من نمط سري ومركزي, فالمحللون يعملون على تحليل المواد السرية ذات المصدر المكشوف والتي تؤدي بشكل لا مناص منه إلى عملية التصنيف والتبويب، والدافع لمحلليها هو توفر المعلومات وليس المتطلبات التحليلية.

ونظرا لعدم وجود حقائق يمكن جمعها بخصوص المستقبل، يميل المحللون إلى التركيز على الحاضر رغم التأكيد على محاولة منع حصول مفاجآت من قبيل 11 سبتمبر/أيلول 2001، وختاما فإن معيار نجاح جهاز المخابرات هو بكمية المعلومات التي يحصل عليها وليس من خلال سياسة ما هي المساعدة التي توفرها تلك المعلومات.

لقد أقيم هذا الجهاز الارتدادي أو الرجعي -حسب الكاتب- من أجل الزمن الماضي أيام حقبة الحرب الباردة حيث كان العالم أكثر ثباتا وأقل تحركا، بحيث كان من الممكن أن تعرف بالضبط إلى أين توجه ناظريك "على الاتحاد السوفياتي"، وحيث كانت السرية تفرض قيودا صارمة على الدخول إلى المعلومات، وكان التحذير خاصة حول العمل العسكري على درجة قصوى من الأهمية.

غموض والتباس
لكن إستراتيجية اليوم المعدة -يضيف كيريل- لا تبدي سوى القليل من هذه السمات هذا إن وجدت على الإطلاق, ونظرا لأن الأخطار يمكن أن تبرز من أي مكان, فإنه لا توجد نقطة محددة للمحللين ليركزوا عليها، فكثرة الأهداف والعلاقات باتت أكثر ديناميكية، وعليه فإن مضمون المعلومات الاستخبارية الخام التي يجب تحليلها بات أكثر غموضا والتباسا.

ويرى كيريل أن جهاز المخابرات بذل بعض الجهود لتبني حقبة ما بعد 11 سبتمبر/أيلول وحرب العراق، ومع ذلك فمن الصعب عدم رؤية معظم هذه المبادرات بدءا من إنشاء مكتب مدير المخابرات القومية باعتبارها أقل أهمية.

وفي أحسن الأحوال فهذه معايير تظهر وجود تغييرات أكثر مما تعرضه في الحقيقة, ولكنها في أسوأ الأحوال عبارة عن مضللات تجعلنا نشعر بتهنئة أنفسنا على تبنينا نهج التحديث في الوقت الذي ما زلنا فيه على عهدنا القديم من حيث ما نقوم به من عمل ولم يحدث تقدم في نظام عملنا.

مركزية التحليل
ويضيف الكاتب أن ما نحتاجه اليوم هو مركزية التحليل وليس مركزية جمع المعلومات وهو الأمر الذي من شأنه تعزيز أهمية المعلومات غير المصنفة ويخفف من تقسيم وتبويب تلك المعلومات، وسيشجع المحللين على اقتناص المعلومات عوضا عن العيش في عالم هاجس السرية، وهنا فإن مصادر المعلومات المكشوفة على قدر كبير من الأهمية وكذلك فرق المعلومات التي يغذيها النظام الحالي.

ويقترح كيريل على أجهزة المخابرات أن توفر مضامين ومحتويات والسماح بالافتراضات الخيالية، ولعله من الأهم بالنسبة للمخابرات العصرية أن تربط المحللين بعلاقة مع صناع القرار السياسي والتخلي عن علاقة المنتج والمستهلك كما كان في الماضي، وهنا يمكننا تحديد الفرص وليس مجرد الأخطار فحسب.

وأبدى الكاتب استغرابه من أن هناك العديد ممن يقولون إن جهاز المخابرات يعاني من مكابدة إعادة التنظيم وأن ما يحتاجه الآن هو أن ندع النظام المتكامل المتماسك وشأنه، ولكن تبني ذلك التوجه يعتبر خطأ كبيرا إذ إن الواقع هو أن الذي يمكنه إعادة الاعتبار لنا هو إجراء تغييرات أساسية فقط، وبخلاف ذلك ستهوي مؤسسة المخابرات نحو نقاش تافه بخصوص الإستراتيجية القومية والسياسية.

يذكر أن جوش كيريل محلل مخابرات سابق في كل من البحرية الأميركية ووكالة المخابرات المركزية ويعمل في مكتب مدير المخابرات القومية. وما ورد في المقالة يعبر عن رأيه الشخصي فقط ولا يعبر عن نية مستترة للموافقة عليها من قبل مكتب مدير المخابرات القومية أو أي وكالة أميركية أخرى.

"يعتبر التجسس من المهن النبيلة عند الشعب الياباني، وقد لا يجد الشخص أي حرج في التجسس على جاره إذا تطلب الأمر.
وفي الصين.. كتب الفيسلوف الشهير (صن تزو) في كتابه (رسالة فن الحرب): "ليس هناك فن أسمى من فن القضاء على مقاومة الخصم من دون اللجوء إلى العنف المسلح. اتّبعْ هذه النصائح تسيطر على العدو: "ثــبــِّطْ الشجاعة في بلد الخصم وعطلها، وعَقِّدْ رُسُل القوى الرئيسة بتصاميم إجرامية، واحفر تحت موقع المنافس، ولطّخْ سمعته في جميع المناطق، وعرّضْ حكامه إلى السخرية أمام رعاياهم".

وعندما نتطرق لرأي العالم الإسباني (باستور بتي) في التجسس ومراحله نجد أنه بالإمكان تلخيص تاريخ العملاء السريين في ثلاث مراحل كبيرة:

*المرحلة الأولى: منذ القدم إلى النصف الأول من القرن التاسع عشر، التي تميزت بالتقدم التقني البطيء للوسائل التي يستخدمها الجواسيس.
*المرحلة الثانية: منذ 1850م حتى نهاية الحرب العالمية الثانية مستغرقة مائة عام، عاشت الدول خلالها حمى حقيقية لاختراق أسرار الخصم.
*المرحلة الثالثة، التي لا نزال نعيشها، تتضمن الحرب الباردة، ونهايتها، والقلق الحالي للحكومات من انبثاق القوميات وحروب التطرف الدينية والسياسية.
ثلاث مراحل تميزت بثلاثة أشكال مختلفة من التجسس: في الأولى كان يُبحث عن معرفة عدد الجنود والفرسان لدى العدو، والطرق التي يسلكها في تقدمه، وكيف كانت أسلحته.. مرت قرون مارس التجسسَ فيها سفراءُ وتجار وعملاء متنكرون في زي مهرجين وشعراء متغزلين ورهبان.

وكانت الرسائل فيها تنقل بقرع النواقيس، وبالحمام الزاجل، وبضروب من حبر بدائي لا يُرى، وبرسائل مُـجـَفـَّرة (مرمّزة أومشفّرة) أوبسهام ربُطت بها رقوق.
وتتناول كتبُ التاريخ أمثلة عديدة على ما كان فناً بدائياً ومازال بعيداً عن البراعة الحالية. وهكذا تروي لنا كيف أن الفرعون رمسيس الثاني، الذي دام ملكه 67 عاماً بين القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد قد استخدم كثيراً هيئة الجاسوس.

وفي العهد القديم، ورد في صفحات الكتاب المقدس نفسه ذكر استخدام الجواسيس والمكتشفين. وهكذا يتهم يشوع إخوته " إنكم جواسيس جئتم للتّعَرف على الأجزاء غير المحصنة من البلد".
وأرسل موسى 12 رجلاً إلى أرض كنعان بحثاً عن أرض الميعاد، وقد أخبروه: "تتدفق الأرض في الحقيقة حليباً وعسلاً… وأن السكان هم قوم أقوياء، وأن مدنها كبيرة جداً ومسورة".
كما استخدم داوود الجواسيس كي يخبروه بخطوات شاوُل.
وقَبلَت دليلة، المرأة الفلسطينية، أن تكون عشيقة شمشون مقابل مال، فتجسست عليه وسلمته.
أما الرومان فما كانوا ليتمكنوا من تأسيس امبراطوريتهم المترامية الأطراف لولا الإعلام الذي قدمه لهم جواسيسهم الذين عُرفوا بالاسم "عملاء بالألغاز".
وقد اعتمد عليهم سقيبون الأفريقي، أحد العسكريين الرومان اللامعين لمعرفة كيف حرك جيش حعنيبعل جنوده مع الفيلة.

واستخدم يوليوس قيصر الشهير الكتابة السرية كيلا تُفهم رسائله إذا ما وقعت في أيدي أعدائه.
أما ألفيرد الكبير ملك انجلترا فتوصل في القرن التاسع إلى تحويل نفسه إلى جاسوس في حربه ضد الدانمارك. فقد دخل معسكر العدوفي زي شاعر متجول متسلحاً بقيثار، وتآخى مع الجنود المتمردين. وهكذا علم مقدماً كيف ومتى ستجري هجمات الخصم.

وفي القرن العشرين حدثت طفرة هائلة في فن التجسس.. قلبت كل النظم القديمة رأساً على عقب.. فبظهور التليفون والتلغراف ووسائل المواصلات السريعة.. تطورت أجهزة الاستخبارات بما يتناسب وتكنولوجيا التطور التي أذهلت الأدمغة. للسرعة الفائقة في نقل الصور والأخبار والمعلومات خلال لحظات.

ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) نشطت أجهزة الاستخبارات بعدما تزودت بالخبرة والحنكة… وشرعت في تنظيم أقسامها الداخلية للوصول إلى أعلى مرتبة من الكفاءة والإجادة.. ورصدت لذلك ميزانيات ضخمة… للإنفاق على جيوش من الجواسيس المدربين.. الذين انتشروا في كل بقاع الأرض… ولشراء ضعاف النفوس والضمائر.. كل هؤلاء يحركهم طابور طويل من الخبراء والعلماء.. تفننوا في ابتكار وإنتاج أغرب الوسائل للتغلغل.. والتنصت.. وتلقط الأخبار..ومغافلة الأجهزة المضادة.

ففي تطور لم يسبق له مثيل… ظهرت آلات التصوير الدقيقة التي بحجم الخاتم… وكذلك أجهزة اللاسلكي ذات المدى البعيد والفاعلية العالية… وأجهزة التنصت المعقدة.. وأدوات التمويه والتخفي السرية التي تستحدث أولاً بأول لتخدم أجهزة الاستخبارات.. وتعمل على تفوقها وسلامة عملائها.

وفي النصف الأخير من القرن العشرين.. طورت أجهزة الاستخبارات في سباق محموم للتمييز والتفوق.. وظهرت طائرات التجسس… وسفن التجسس.. ثم أقمار التجسس التي أحدثت نقلة أسطورية في عالم الجاسوسية لدى الدول الكبرى… استلزمت بالتالي دقة متناهية في التمويه اتبعتها الدول الأقل تطوراً. التي لجأت إلى أساليب تمويهية وخداعية تصل إلى حد الإعجاز.. كما حدث في حرب أكتوبر 1973 على سبيل المثال.

غير أنه بالرغم من كل تلك الوسائل التكنولوجية المعقدة… يقول خبراء الاستخبارات إنه لا يمكن الاستغناء عن الجاسوس.. فأجهزة الاستخبارات تتحصل على 90% من المعلومات بواسطة التنصت وأقمار التجسس.. وشتى الأجهزة المزروعة،و5% عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة…بقيت إذن 5% من المعلومات السرية التي لا يمكن الحصول عليها، لذلك يجند الجواسيس لأجل تلك النسبة المجهولة التي تكمن أدق المعلومات وأخطرها.

ونظراً لظروف الاحتلال الأجنبي والاستعمار الطويل.. نشأت المخابرات العربية حديثاً في منتصف الخمسينيات…وسنجد انه على مر العصور ظهر ملايين الجواسيس، ولكن قلة منهم هم الذين استطاعوا أن يحفروا أسماءهم في ذاكرة التاريخ وذلك بما تمتعوا من سمات شخصية فريدة أهلتهم لأن يلعبوا أدواراً بالغة التأثير في حياة العديد من الأمم والشعوب."

تمثل المخابرات اليوم مفتاح القرارات، إذ ليس ثمة أكثر إحراجاً في إعداد القرارات القومية أكثر من العلاقة بين المخابرات والسياسة، أو بمعنى أوضح العلاقة بين المعرفة والعمل، وقليل من الناس حتى أولئك الذين يعرفون الكثير من المسائل العامة هم الذين يلمسون وجودها فضلاً عن أن قليلين منهم هم الذين يستطيعون تقييم الدور الحاسم الذي تقوم به المخابرات في رسم السياسة القومية. على أن مميزات عالم المخابرات وأعمالها المستترة وحقائقها أضخم وأكثر إثارة للرعب من القصص التي يخيلها أكبر روائيي الإجرام.

إن نظم المخابرات وأساليبها معروفة مهما تكن جنسية الجهاز، أما لا يجب أن يغش فهو أين وكيف ومتى استخدمت أو سوف تستخدم هذه الأساليب في عمليات معينة. وإذا كانت السرية مطلوبة في معظم أنشطة المخابرات، فإن الفطنة والوعي قد يكونان ضرورين لإزالة كثير من الغموض الذي يعلق بأذهان المواطنين، وذلك بنشد الحقائق التي لا تضر أمن الدولة والتي تقرب إلى الناس مفهوم المخابرات الحقيقي، وكذا رسالتها الكبرى ودورها في المحافظة على الأمن القومي للدولة. فالمخابرات في سبيل تحقيق المعرفة التي أصبح لا بعد لأية دولة عصرية أن تعيش بدونها، تحوي بين خروب نشاطها عملية ضخمة باهظة التكاليف نتيجة تلك الحروب التي تشنها أجهزة المخابرات المعادية ضد بعضها البعض، حيث لا تكون هناك حرب ساخنة يستخدم فيها السلاح التقليدي، وإنما حرب تعتمد على المواهب العقلية والذهنية، سواء في نشاطها الإيجابي كالقيام بأعمال الجاسوسية بمعناها الشامل، أو في المخابرات السوفياتية ومقاومة التجسس.

وفي هذا الجزء من نشاط المخابرات يلعب الدهاء دوراً كبيراً ويستغل كل طرف كل الوسائل العملية والفنية والعقلية لشل خصمه. في هذا الإطار يقدم صلاح نصر كتابه الأول حول "تاريخ المخابرات المصرية، حرب العقل والمعرفة" وذلك في محاولة للتعبير عن فلسفة المخابرات ونشاطها في حدود هذا المفهوم، فالمخابرات علم شاسع يحتاج كل نوع فيه إلى مؤلفات عدة. وهدف دراسته هذه بجزأيها إبراز مفهوم معين للقارئ العربي، حول طبيعة المخابرات هذا المفهوم كان غير واضح في مجتمعنا حيث أسيء الخلط بين مهمة المخابرات وأجهزة الأمن الأخرى، والكتاب الثاني هذا حول تاريخ المخابرات "الحرب الخفية، فلسفة الجاسوسية ومقاومتها"، فهو ينفرد بمعركة الدهاء من زاويتي التجسس ومكافحته، والفروع المتعلقة بكل منهما.

وهدفه المؤلف أن يبين للأمة العربية أبعاد هذه المعركة التي يستخدمها أعضاء المجتمع الدولي اليوم في صراعهم الأليم الذي يتخذ صوراً متعددة ابتداء من إرسال عميل للتجسس على أسرار دولة ما، إلى القيام بعمليات سياسية سرية تصل إلى حد إجراء انقلابات للحكومات الشرعية، أو التدخل الساخر والتهديد بالقوة كما يهدف أن يوضح للقارئ صورة حقيقية عن تلك المهمة الشاقة التي يقوم بها رجال المخابرات لإزالة ما علن من أوهام التصنت في أذهان الناس حول المخابرات نتيجة القصص الأسطورية المتناقلة.
*جوش كيريل ـ مجلة فورين بوليسي

 
رد: "فورين بوليسي" : المخابرات الاميركية تنحدر نحو الهاوية

مقال رائع أخي الكريم يوضح أن المخابرات صناعة كاملة.
 
عودة
أعلى