نجاح الرئيس الجزائري أحمد بن بلة في وقف التجارب النووية الفرنسية في الجزائر بعد الإستقلال

إنضم
18 أغسطس 2025
المشاركات
1,113
التفاعل
1,570 20 0
الدولة
Algeria
لم تكن الصحراء الجزائرية يومًا أرضًا خاملة أو هامشية في تاريخ القوى الكبرى، بل كانت شاهدة على واحدة من أبشع فصول الاستعمار الحديث حين حوّلتها فرنسا إلى ساحة للتجارب النووية، في انتهاك صارخ للإنسان والأرض والسيادة.

لكن التاريخ لم يُغلق صفحته عند الدمار، بل ختمها بانتصار سياسي ودبلوماسي جزائري قاده الرئيس أحمد بن بلة، أنهى عهد التفجيرات النووية على تراب الجزائر إلى الأبد.

Arm_transport_meeting_FLN.jpg


️ بداية الجريمة النووية الفرنسية (1960–1962) في خضم حرب التحرير الجزائرية:

قرّرت فرنسا أن تجعل من الصحراء الجزائرية مختبرًا لمشروعها النووي العسكري فأختارت منطقة رقّان في قلب الصحراء الكبرى لإجراء أول تفجير نووي لها، في 13 فبراير 1960، أطلقت عليه اسم "اليربوع الأزرق" (Gerboise Bleue).

بلغت قوّته 70 كيلوطن، أي ما يعادل أربعة أضعاف قنبلة هيروشيما ثم توالت بعدها ثلاث تفجيرات أخرى في رقان خلال عامين، لتتحوّل الصحراء إلى مقبرة إشعاعية لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم.

وبينما كانت الثورة الجزائرية تقترب من النصر، كانت باريس تسابق الزمن لتجريب جيل جديد من القنابل النووية تحت الأرض، فنقلت تجاربها إلى منطقة "إن إيكر" قرب تمنراست، حيث أجرت أول تفجير تحت الأرض في 7 نوفمبر 1961.


الإستقلال الجزائري في خصم رفض الجزائر سيادة منقوصة بفعل الإتفاقات السرّية مع فرنسا كمناورة سياسية جزائرية لنيل إعتراف فرنسي بحق إستقلال الجزائر سياسيا:

_120390590_7de99206-92cd-4f3d-b922-ae3eb225be02.jpg


حين وُقّعت اتفاقيات إيفيان السياسة بين الجزائر وفرنسا في مارس 1962 التي أنهت حرب التحرير وإنتهت بإعتراف فرنسا سياسيا بحق الجزائر في نيل إستقلالها، ضمنت فرنسا لنفسها عبر بنود سرّية الحق المؤقت في استخدام بعض القواعد العسكرية والعلمية بالجنوب الجزائري، من بينها قاعدة إن إيكر النووية في ولاية تمنراست.

ورغم إعلان الاستقلال في 5 جويلية 1962، بقيت فرق الخبراء والجيش الفرنسي تنشط في عمق الصحراء، تُجري تجارب جديدة في السكور وتاهوراة تحت غطاء “التعاون التقني”.

لكن الجزائر الفتية، بقيادة الرئيس أحمد بن بلة، لم ترضخ للأمر الواقع طويلاً، فقد اعتبر بن بلة أن السيادة لا تكون منقوصة، وأن بقاء أي وجود أجنبي على الأرض الجزائرية خرقٌ لروح الثورة.

معركة الدبلوماسية والسيادة (1963–1966) منذ تولّي أحمد بن بلة الحكم في سبتمبر 1962:

benbella4.jpg


أطلق بن بلة حملة سياسية ودبلوماسية جريئة لإجبار فرنسا على إنهاء كل نشاط نووي فوق التراب الجزائري.

ورغم الضغوط الفرنسية، والمناورات التي حاولت باريس تمريرها باسم “التعاون العسكري”، أصرّ بن بلة على أن “السيادة لا تُقاس بالمساومة ولا تُجزّأ”.

بدأت الجزائر تُصعّد مواقفها في المحافل الدولية، مطالبة بوقف فوري للتجارب التي تهدّد حياة الإنسان والبيئة.

وبتزايد الضغط الجزائري، ومع تدهور صورة فرنسا أمام الرأي العام العالمي، اضطرت باريس إلى الدخول في مفاوضات مباشرة مع الجزائر سنة 1964.

تلك المفاوضات، التي استمرت قرابة عامين، انتهت بانتصار تاريخي للجزائر:

إتفاق 1966 الذي نصّ على الانسحاب الكامل للخبراء والقوات الفرنسية من مواقع “إن إيكر” و”رقان”، وعلى وقف جميع التجارب النووية في الجزائر نهائيًا، ونقل البرنامج الفرنسي إلى بولينيزيا في المحيط الهادئ.



إنتصار الدولة الجزائرية بقيادة بن بلة:

120411173903_shows_algerian_president_ahmed_ben_bella__304x171_afp.jpg.jpg


هكذا أُغلقت صفحة مظلمة من تاريخ الاستعمار بفضل حكمة وإصرار القيادة الجزائرية الفتية.

ورغم أن البلاد كانت خارجة لتوّها من حرب تحرير مدمّرة، فإنها إستطاعت، بفضل بن بلة، أن تفرض سيادتها الكاملة على كل شبر من ترابها، وتُنهي واحدة من أخطر ملفات الهيمنة الفرنسية.

كان ذلك النصر أول إنتصار دبلوماسي نووي في تاريخ إفريقيا المستقلة، وأول مرة تُجبر فيها قوة نووية كبرى على الانسحاب من أرض دولة فتية تحت الضغط السياسي وحده، دون حرب جديدة.

إرثٌ وطني جزائري خالد:

unnamed (3).jpg


يبقى ملف التجارب النووية الفرنسية شاهدًا على معاناة آلاف الجزائريين الذين تضرّروا من الإشعاعات، لكنه في الوقت نفسه شاهدٌ على صلابة الجزائر المستقلة وقدرتها على الدفاع عن سيادتها في وجه القوى العظمى.

لقد سجّل أحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر المستقلة، انتصارًا سياسيًا يُحسب له ولجيل الثورة، حين أعاد للجزائر حرمتها الترابية، وأثبت أن الاستقلال لا يكتمل إلا بخروج آخر جندي أجنبي من الأرض الطاهرة.​
 
عودة
أعلى