دروس من التاريخ/أفغانستان مقبرة للغزاة
الغرب يخاطر بتكرار أخطاء السوفيت والإنكليز في أفغانستان
محمد فاروق الإمام
بينما كانت قرية علي ماردان الأفغانية تحتفل بعرس زفاف شنت طائرات حربية سوفييتية هجوماً مفاجئاً عليها. وانهالت القذائف على الساحة المكتظة بالقرية فقتلت 30 من الرجال والنساء والأطفال. وبعد انقشاع الدخان ودفن الموتى حمل كل الرجال الأصحاء الذين ظلوا على قيد الحياة السلاح ضد الغزاة السوفييت.
حدث ذلك في عام 1982 وكانت الطائرات المغيرة هي طائرات الاتحاد السوفيتي السابق. ولكن بعد مرور 20 عاماً على رحيل آخر جندي سوفيتي عن أفغانستان تكرر القوات الأمريكية وقوات حلف الأطلسي نفس الأخطاء وستواجه نفس مصير الإنكليز والسوفييت!
فقد أسفرت سلسلة غارات جوية للقوات الأمريكية وقوات حلف الأطلسي على القرى والمنازل الآمنة عن مقتل 455 مدنياً أفغانياً العام الماضي وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. والذكريات الأليمة كثيرة في أفغانستان والانتقام أصبح فرض عين عند كل أفغاني.
وأخفقت موسكو في مواجهة المجاهدين الأفغان، على الرغم من نشرها لأكثر من 120 ألف جندي يدعمهم 300 ألف جندي من القوات الحكومية، وقتل أكثر من 15 ألف جندي سوفييتي قبل أن تقرر موسكو بأن الفوز في هذه الحرب غير ممكنة وتسحب قواتها في عام 1989.
التاريخ الأفغاني يتحدث فهل يعتبر الغرب؟!
غزا الآريُّون (سكان وسط آسيا) أفغانستان حوالي 1500ق.م، وأبادوا العديد من سكان البلاد، وتزاوجوا من بعضهم الآخر، وفي منتصف القرن السادس قبل الميلاد غزا الفرس القسم الشمالي من أفغانستان، وهي منطقة كانت تُدعى باكْتْريا، وظلَّت تحت حُكمهم حتى حوالي 330ق.م عندما غزا الإغريق والمقدونيُّون بقيادة الإسكندر الأكبر الإقليم وكثيرًا من بقيَّة أراضي أفغانستان.
وفي حوالي 246ق.م ثار أهل باكتريا، وقاموا بعدها بالسيطرة على المنطقة وكذلك الأجزاء المتبقِّيَّة من أفغانستان، وقد دامت مملكتهم قرابة 150 سنة إلى أن احْتَلَّ الكوشانُ من آسيا الشرقيَّة أفغانستان، وقد استطاع الساسانيُّون من فارس والهون البيض من آسيا الشرقيَّة دَحْرَ الكوشان في القرن الخامس الميلادي.
وقد دخل الإسلام أفغانستان في نهاية القرن الأوَّل الهجري السابع الميلادي، وفي منتصف القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي عمَّ الإسلام الديار الأفغانيَّة، مما كان له تأثير كبير وواضح على الحضارة هناك.
وحكمت أفغانستان الجماعات التركيَّة من شرق فارس وآسيا الوسطى في الفترة الممتدَّة بين عامي 900م و1200م، وقد هاجم المغول أفغانستان بقيادة جنكيزخان في القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي، والتيموريُّون بقيادة تيمورلنك في القرن الرابع عشر الميلادي.
وتنافس كلٌّ من السافاديِّين من بلاد فارس، والمغول من الهند على حكم أفغانستان من منتصف القرن السادس عشر حتى أوائل القرن الثامن عشر الميلاديين، وفي عام 1747م توحَّدت القبائل الأفغانية لأوَّل مرَّة، واستطاعت السيطرة على البلاد تحت قيادة أحمد شاه ديراني، وفي عام 1819م نشبت حرب أهليَّة بين القبائل المتنازِعة على حُكم البلاد، واستمرَّت الحرب حتى سنة 1835م، حيث سيطر على الحكم آنذاك دوست محمد خان الملقَّب بالأمير الصغير.
وخلال القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي تنافست بريطانيا وروسيا في السيطرة على أفغانستان؛ حيث كانت روسيا تسعى إلى مخرج لها يَصِلُها بالمحيط الهندي، وبدأت التوسُّع باتجاه أفغانستان، وبالمقابل كانت بريطانيا تُريد حماية إمبراطوريَّتها في الهند من تهديد التوسُّع الروسي.
وقد غزت الجيوش البريطانيَّة أفغانستان سنة 1839م بهدف الحدِّ من التوسُّع الروسي في المنطقة؛ مما أدَّى إلى اندلاع الحرب الإنجليزيَّة الأفغانيَّة الأُولى التي استمرَّت حتى سنة 1842م، إلى أن تمَّ انسحاب القوَّات الإنجليزيَّة من أفغانستان، وقد ازداد التأثير الروسي بمحاذاة أفغانستان في منتصف القرن التاسعَ عشَرَ، مما دفع ببريطانيا لغزو أفغانستان مرَّة ثانية، لتندلع الحرب الإنجليزيَّة الأفغانيَّة الثانية عام 1878م.
وفي عام 1880م أصبح عبد الرحمن خان أميرًا لأفغانستان، وقد اعترف الإنجليز بسلطاته على شؤون البلاد الداخليَّة، وفي المقابل منح الأميرُ الإنجليزَ السيطرة على الشؤون الخارجيَّة، وإبَّان مدة حكمه بذل عبد الرحمن خان قصارى جهده لتقوية الحكومة الوطنيَّة وتقليص سلطة زعماء القبائل، وبعد وفاته سنة 1901م انتهج ابنه حبيب الله خان نفسَ سياساته. وفي أوائل عام 1919م اغتيل حبيب الله، وتولَّى أحد أبنائه الحُكم، وهو الأمير "أمان الله خان".
قام الأمير أمان الله عام 1919م بقيادة الثورة ضد البريطانيين واستطاع أن ينتزع استقلال بلاده سنة 1926م. وتلقب بالملك (بادشاه). بدأ بعدها في تنفيذ إصلاحات على الطريقة الكمالية في تركية. غير أن زعماء القبائل وقادة المسلمين أخذوا يقاومون حركة الإصلاحات التي أتى بها (أمان الله) حتى أُجْبِرَ على التخلِّي عن العرش عام 1929م، وفي نهاية 1929م أصبح محمد نادر خان ملكًا لأفغانستان.
وتولى ابنه ظاهر شاه (1933-1973م) الذي اتبع طريقاً وسطاً بين الشرق والغرب. بعد سنة 1964م أصبحت سلطات الملك محدودة أكثر بسبب القوانين الجديدة. عام 1973 م قام عدد من الضباط بعملية انقلابية، أطاحوا فيها بالملكية وأنهوا بذلك حكم أسرة البركزاي.
وصل رئيس الوزراء السابق محمد داود خان السلطة بانقلاب عسكري تم دون سفك دماء تقريباً في 17 تموز عام 1973 من خلال اتهامات بالفساد السياسي والأوضاع الاقتصادية السيئة. وبذلك وضع داود حداً للحكم الملكي ولكن محاولاته للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي باءت بالفشل. خلافات داود الشديدة مع حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني (الشيوعي) جعلت الحزب يسارع في وضع حد لحكم داود. ففي 27 نيسان عام 1978 قام الحزب بإزاحة وإعدام محمد داود مع أفراد من عائلته، وأصبح نور محمد تراقي السكرتير العام لحزب الشعب الديمقراطي الأفغاني رئيسا للمجلس الثوري ورئيس للوزراء.
بحلول صيف عام 1978 بدأت ثورة في منطقة نورستان شرق أفغانستان وانتشرت الحرب الأهلية في أنحاء البلاد. وفي أيلول عام 1979، وصل نائب رئيس الوزراء حفظ الله أمين إلى السلطة بعد إطلاق نار في القصر أدى إلى مقتل رئيس الوزراء تاراكي. وخلال شهرين من عدم الاستقرار قامت حكومة أمين بتحرك ضد معارضيه في الحزب كما وقف ضد الثورة الإسلامية المتنامية.
وفي 7 تموز عام 1979، أرسل الإتحاد السوفييتي كتيبة مجوقلة مع طواقمها في استجابة لطلب من الحكومة الأفغانية. وطلبات لاحقة من الحكومة الأفغانية تعلقت بشكل أوسع بأفواج بدل طواقم منفردة. وبوضع أفغانستان المريع حيث كانت الهجمات من قبل المجاهدين قوية جداً، مما دفع الإتحاد السوفييتي للتدخل بقوات الجيش 40 رداً على طلب سابق من الحكومة الأفغانية. والجيش 40 هذا تكون من وحدتين من البنادق الرشاشة بعربيات، وحدة مجوقلة، وحدة هجوم وفوجين من القوات بآليات ذات مدافع رشاشة.
في 27 كانون الأول عام 1979، قام 700 بينهم 54 عميل كي جي بي من القوات الخاصة من مجموعة ألفا وزينيث، مرتدين اللباس الأفغاني الموحد باحتلال الأبنية الحكومية والعسكرية والإذاعية الرئيسية في العاصمة كابول، بما فيها هدفهم الرئيسي- قصر تاجبك الرئاسي، حيث تخلصوا من الرئيس حفظ الله أمين. بدأت تلك العملية الساعة السابعة مساء، عندما قام أفراد القوات الخاصة السوفييتية من المجموعة زينيث بتفجير مقسم الاتصالات الرئيسي في كابول، لشل القيادة العسكرية الأفغانية. وفي الساعة السابعة والربع، بدأت المعركة في قلعة تاجبك واستمرت لمدة 45 دقيقة، وفي ذات الوقت تم احتلال مواقع رسمية أخرى، وتم الانتهاء من العملية كلية بصباح 28 كانون الأول. وأعلنت القيادة العسكرية من راديو كابول بأنه جرى تحرير أفغانستان من حكم أمين.
ووفقا للمكتب السياسي السوفييتي، كان السوفييت يطبقون معاهدة الصداقة، التعاون وحسن الجوار لعام 1978 التي وقعها الرئيس السابق تاراكي. اعتقد السوفييت بأن إزاحة أمين ستنهي الصراع الداخلي ضمن حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني ويقلص من السخط الأفغاني.
قال السوفييت أن إعدام حفظ الله أمين تم على يد اللجنة الثورية المركزية الأفغانية. واختارت تلك اللجنة بعدها النائب السابق لرئيس الحكومة بابراك كارمال.
دخلت القوات الأرضية العسكرية السوفييتية أفغانستان من الشمال في 27 كانون الأول. وفي الصباح، هبطت كتيبة فايتبسك المظلية في مطار في باجرام وكان الاجتياح السوفييتي لأفغانستان جاري على قدم وساق.
بعد التدخل السوفييتي، لم تستطع القوات السوفييتية بسط سلطتها خارج كابول. وظل حوالي 80% من مناطق البلاد خارج السيطرة الفعلية لسلطة الحكومة. وتم توسيع المهمة الأولى المتمثلة بحماية المدن والمنشآت لتشمل محاربة قوات المجاهدين المعارضة للشيوعية، ولذلك تم توظيف جنود الاحتياط السوفييت بشكل أساسي.
أشارت التقارير العسكرية الأولى إلى الصعوبات التي واجهت السوفييت أثناء القتال في المناطق الجبلية. فالجيش السوفييتي لم يكن معتاداً على ذلك الشكل من القتال، لم يحظ بتدريب لمواجهة حرب غير نظامية وحرب عصابات، وكانت آلياتهم العسكرية وخاصة السيارات المصفحة والدبابات ليست ذات كفاءة في كثير من الأحيان، وعرضة للهجمات في البيئة الجبلية. وتم استخدام المدفعية الثقيلة بشكل مكثف أثناء قتال قوات المجاهدين.
استخدم السوفييت المروحيات (من ضمنها ميل Mi-23 ) كقوة الهجوم الجوي الرئيسية، مدعومة بقاذفات القنابل المقاتلة وقاذفات القنابل، القوات الأرضية والقوات الخاصة. وفي بعض المناطق استخدم السوفييت أسلوب الأرض المحروقة مدمرين القرى، البيوت، المحاصيل والماشية، إلخ.
كانت العمليات للقبض على تشكيلات الثوار تمنى بالفشل عادة وكان من الضروري تكرارها في ذات المنطقة أكثر من مرة وذلك لأن المجاهدين كان بإمكانهم العودة إلى مخابئهم في الجبال وإلى قراهم بينما يعود السوفييت لقواعدهم، وهذا ما يحصل مع القوات الأمريكية والغربية اليوم.
كان فشل السوفييت في الخروج من المأزق العسكري والحصول على الدعم والنصرة من شريحة عريضة من الأفغان، أو إعادة بناء الجيش الأفغاني، اضطرهم لزيادة التدخل المباشر لقواتهم لقتال المجاهدين. ووجد الجنود السوفييت أنفسهم يحاربون المدنيين بسبب التكتيك المراوغ للثوار.
بحلول أواسط الثمانيات، كبدت حركة المجاهدين الأفغانية موسكو خسائر عسكرية كبيرة وعلاقات دولية متوترة.
المتابعون للشأن الأفغاني يجزمون بأن عام 2009 سيكون عاماً مهماً في تقرير مستقبل أفغانستان وربما المنطقة، ويستند المحللون في ذلك إلى التصريحات التي يدلي بها القادة العسكريون الغربيون، باعترافهم بالهزائم المتلاحقة التي يتعرضون لها، ويعلنون في مؤتمراتهم الصحفية بأن حربهم في أفغانستان حرب خاسرة، ملمحين إلى إعادة مشروع أمراء الحرب لمواجهة مشروع طالبان، وهو ما يعني إضعاف سلطة كارزاي المركزية، يضاف إلى كون العام المقبل عام الحسم هو عروض التفاوض مع طالبان وإشراكهم في حكومة كارزاي، يضاف إليه تصاعد قوة طالبان وإدماء الوجود الأجنبي في أفغانستان، توّج ذلك كله الأزمة المالية العالمية الخانقة التي ستؤثر على تمويل عمليات الحرب على ما يوصف بالإرهاب
عن رابطة أدباء الشام
الغرب يخاطر بتكرار أخطاء السوفيت والإنكليز في أفغانستان
محمد فاروق الإمام
بينما كانت قرية علي ماردان الأفغانية تحتفل بعرس زفاف شنت طائرات حربية سوفييتية هجوماً مفاجئاً عليها. وانهالت القذائف على الساحة المكتظة بالقرية فقتلت 30 من الرجال والنساء والأطفال. وبعد انقشاع الدخان ودفن الموتى حمل كل الرجال الأصحاء الذين ظلوا على قيد الحياة السلاح ضد الغزاة السوفييت.
حدث ذلك في عام 1982 وكانت الطائرات المغيرة هي طائرات الاتحاد السوفيتي السابق. ولكن بعد مرور 20 عاماً على رحيل آخر جندي سوفيتي عن أفغانستان تكرر القوات الأمريكية وقوات حلف الأطلسي نفس الأخطاء وستواجه نفس مصير الإنكليز والسوفييت!
فقد أسفرت سلسلة غارات جوية للقوات الأمريكية وقوات حلف الأطلسي على القرى والمنازل الآمنة عن مقتل 455 مدنياً أفغانياً العام الماضي وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. والذكريات الأليمة كثيرة في أفغانستان والانتقام أصبح فرض عين عند كل أفغاني.
وأخفقت موسكو في مواجهة المجاهدين الأفغان، على الرغم من نشرها لأكثر من 120 ألف جندي يدعمهم 300 ألف جندي من القوات الحكومية، وقتل أكثر من 15 ألف جندي سوفييتي قبل أن تقرر موسكو بأن الفوز في هذه الحرب غير ممكنة وتسحب قواتها في عام 1989.
التاريخ الأفغاني يتحدث فهل يعتبر الغرب؟!
غزا الآريُّون (سكان وسط آسيا) أفغانستان حوالي 1500ق.م، وأبادوا العديد من سكان البلاد، وتزاوجوا من بعضهم الآخر، وفي منتصف القرن السادس قبل الميلاد غزا الفرس القسم الشمالي من أفغانستان، وهي منطقة كانت تُدعى باكْتْريا، وظلَّت تحت حُكمهم حتى حوالي 330ق.م عندما غزا الإغريق والمقدونيُّون بقيادة الإسكندر الأكبر الإقليم وكثيرًا من بقيَّة أراضي أفغانستان.
وفي حوالي 246ق.م ثار أهل باكتريا، وقاموا بعدها بالسيطرة على المنطقة وكذلك الأجزاء المتبقِّيَّة من أفغانستان، وقد دامت مملكتهم قرابة 150 سنة إلى أن احْتَلَّ الكوشانُ من آسيا الشرقيَّة أفغانستان، وقد استطاع الساسانيُّون من فارس والهون البيض من آسيا الشرقيَّة دَحْرَ الكوشان في القرن الخامس الميلادي.
وقد دخل الإسلام أفغانستان في نهاية القرن الأوَّل الهجري السابع الميلادي، وفي منتصف القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي عمَّ الإسلام الديار الأفغانيَّة، مما كان له تأثير كبير وواضح على الحضارة هناك.
وحكمت أفغانستان الجماعات التركيَّة من شرق فارس وآسيا الوسطى في الفترة الممتدَّة بين عامي 900م و1200م، وقد هاجم المغول أفغانستان بقيادة جنكيزخان في القرن السابع الهجري الثالث عشر الميلادي، والتيموريُّون بقيادة تيمورلنك في القرن الرابع عشر الميلادي.
وتنافس كلٌّ من السافاديِّين من بلاد فارس، والمغول من الهند على حكم أفغانستان من منتصف القرن السادس عشر حتى أوائل القرن الثامن عشر الميلاديين، وفي عام 1747م توحَّدت القبائل الأفغانية لأوَّل مرَّة، واستطاعت السيطرة على البلاد تحت قيادة أحمد شاه ديراني، وفي عام 1819م نشبت حرب أهليَّة بين القبائل المتنازِعة على حُكم البلاد، واستمرَّت الحرب حتى سنة 1835م، حيث سيطر على الحكم آنذاك دوست محمد خان الملقَّب بالأمير الصغير.
وخلال القرن الثالث عشر الهجري التاسع عشر الميلادي تنافست بريطانيا وروسيا في السيطرة على أفغانستان؛ حيث كانت روسيا تسعى إلى مخرج لها يَصِلُها بالمحيط الهندي، وبدأت التوسُّع باتجاه أفغانستان، وبالمقابل كانت بريطانيا تُريد حماية إمبراطوريَّتها في الهند من تهديد التوسُّع الروسي.
وقد غزت الجيوش البريطانيَّة أفغانستان سنة 1839م بهدف الحدِّ من التوسُّع الروسي في المنطقة؛ مما أدَّى إلى اندلاع الحرب الإنجليزيَّة الأفغانيَّة الأُولى التي استمرَّت حتى سنة 1842م، إلى أن تمَّ انسحاب القوَّات الإنجليزيَّة من أفغانستان، وقد ازداد التأثير الروسي بمحاذاة أفغانستان في منتصف القرن التاسعَ عشَرَ، مما دفع ببريطانيا لغزو أفغانستان مرَّة ثانية، لتندلع الحرب الإنجليزيَّة الأفغانيَّة الثانية عام 1878م.
وفي عام 1880م أصبح عبد الرحمن خان أميرًا لأفغانستان، وقد اعترف الإنجليز بسلطاته على شؤون البلاد الداخليَّة، وفي المقابل منح الأميرُ الإنجليزَ السيطرة على الشؤون الخارجيَّة، وإبَّان مدة حكمه بذل عبد الرحمن خان قصارى جهده لتقوية الحكومة الوطنيَّة وتقليص سلطة زعماء القبائل، وبعد وفاته سنة 1901م انتهج ابنه حبيب الله خان نفسَ سياساته. وفي أوائل عام 1919م اغتيل حبيب الله، وتولَّى أحد أبنائه الحُكم، وهو الأمير "أمان الله خان".
قام الأمير أمان الله عام 1919م بقيادة الثورة ضد البريطانيين واستطاع أن ينتزع استقلال بلاده سنة 1926م. وتلقب بالملك (بادشاه). بدأ بعدها في تنفيذ إصلاحات على الطريقة الكمالية في تركية. غير أن زعماء القبائل وقادة المسلمين أخذوا يقاومون حركة الإصلاحات التي أتى بها (أمان الله) حتى أُجْبِرَ على التخلِّي عن العرش عام 1929م، وفي نهاية 1929م أصبح محمد نادر خان ملكًا لأفغانستان.
وتولى ابنه ظاهر شاه (1933-1973م) الذي اتبع طريقاً وسطاً بين الشرق والغرب. بعد سنة 1964م أصبحت سلطات الملك محدودة أكثر بسبب القوانين الجديدة. عام 1973 م قام عدد من الضباط بعملية انقلابية، أطاحوا فيها بالملكية وأنهوا بذلك حكم أسرة البركزاي.
وصل رئيس الوزراء السابق محمد داود خان السلطة بانقلاب عسكري تم دون سفك دماء تقريباً في 17 تموز عام 1973 من خلال اتهامات بالفساد السياسي والأوضاع الاقتصادية السيئة. وبذلك وضع داود حداً للحكم الملكي ولكن محاولاته للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي باءت بالفشل. خلافات داود الشديدة مع حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني (الشيوعي) جعلت الحزب يسارع في وضع حد لحكم داود. ففي 27 نيسان عام 1978 قام الحزب بإزاحة وإعدام محمد داود مع أفراد من عائلته، وأصبح نور محمد تراقي السكرتير العام لحزب الشعب الديمقراطي الأفغاني رئيسا للمجلس الثوري ورئيس للوزراء.
بحلول صيف عام 1978 بدأت ثورة في منطقة نورستان شرق أفغانستان وانتشرت الحرب الأهلية في أنحاء البلاد. وفي أيلول عام 1979، وصل نائب رئيس الوزراء حفظ الله أمين إلى السلطة بعد إطلاق نار في القصر أدى إلى مقتل رئيس الوزراء تاراكي. وخلال شهرين من عدم الاستقرار قامت حكومة أمين بتحرك ضد معارضيه في الحزب كما وقف ضد الثورة الإسلامية المتنامية.
وفي 7 تموز عام 1979، أرسل الإتحاد السوفييتي كتيبة مجوقلة مع طواقمها في استجابة لطلب من الحكومة الأفغانية. وطلبات لاحقة من الحكومة الأفغانية تعلقت بشكل أوسع بأفواج بدل طواقم منفردة. وبوضع أفغانستان المريع حيث كانت الهجمات من قبل المجاهدين قوية جداً، مما دفع الإتحاد السوفييتي للتدخل بقوات الجيش 40 رداً على طلب سابق من الحكومة الأفغانية. والجيش 40 هذا تكون من وحدتين من البنادق الرشاشة بعربيات، وحدة مجوقلة، وحدة هجوم وفوجين من القوات بآليات ذات مدافع رشاشة.
في 27 كانون الأول عام 1979، قام 700 بينهم 54 عميل كي جي بي من القوات الخاصة من مجموعة ألفا وزينيث، مرتدين اللباس الأفغاني الموحد باحتلال الأبنية الحكومية والعسكرية والإذاعية الرئيسية في العاصمة كابول، بما فيها هدفهم الرئيسي- قصر تاجبك الرئاسي، حيث تخلصوا من الرئيس حفظ الله أمين. بدأت تلك العملية الساعة السابعة مساء، عندما قام أفراد القوات الخاصة السوفييتية من المجموعة زينيث بتفجير مقسم الاتصالات الرئيسي في كابول، لشل القيادة العسكرية الأفغانية. وفي الساعة السابعة والربع، بدأت المعركة في قلعة تاجبك واستمرت لمدة 45 دقيقة، وفي ذات الوقت تم احتلال مواقع رسمية أخرى، وتم الانتهاء من العملية كلية بصباح 28 كانون الأول. وأعلنت القيادة العسكرية من راديو كابول بأنه جرى تحرير أفغانستان من حكم أمين.
ووفقا للمكتب السياسي السوفييتي، كان السوفييت يطبقون معاهدة الصداقة، التعاون وحسن الجوار لعام 1978 التي وقعها الرئيس السابق تاراكي. اعتقد السوفييت بأن إزاحة أمين ستنهي الصراع الداخلي ضمن حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني ويقلص من السخط الأفغاني.
قال السوفييت أن إعدام حفظ الله أمين تم على يد اللجنة الثورية المركزية الأفغانية. واختارت تلك اللجنة بعدها النائب السابق لرئيس الحكومة بابراك كارمال.
دخلت القوات الأرضية العسكرية السوفييتية أفغانستان من الشمال في 27 كانون الأول. وفي الصباح، هبطت كتيبة فايتبسك المظلية في مطار في باجرام وكان الاجتياح السوفييتي لأفغانستان جاري على قدم وساق.
بعد التدخل السوفييتي، لم تستطع القوات السوفييتية بسط سلطتها خارج كابول. وظل حوالي 80% من مناطق البلاد خارج السيطرة الفعلية لسلطة الحكومة. وتم توسيع المهمة الأولى المتمثلة بحماية المدن والمنشآت لتشمل محاربة قوات المجاهدين المعارضة للشيوعية، ولذلك تم توظيف جنود الاحتياط السوفييت بشكل أساسي.
أشارت التقارير العسكرية الأولى إلى الصعوبات التي واجهت السوفييت أثناء القتال في المناطق الجبلية. فالجيش السوفييتي لم يكن معتاداً على ذلك الشكل من القتال، لم يحظ بتدريب لمواجهة حرب غير نظامية وحرب عصابات، وكانت آلياتهم العسكرية وخاصة السيارات المصفحة والدبابات ليست ذات كفاءة في كثير من الأحيان، وعرضة للهجمات في البيئة الجبلية. وتم استخدام المدفعية الثقيلة بشكل مكثف أثناء قتال قوات المجاهدين.
استخدم السوفييت المروحيات (من ضمنها ميل Mi-23 ) كقوة الهجوم الجوي الرئيسية، مدعومة بقاذفات القنابل المقاتلة وقاذفات القنابل، القوات الأرضية والقوات الخاصة. وفي بعض المناطق استخدم السوفييت أسلوب الأرض المحروقة مدمرين القرى، البيوت، المحاصيل والماشية، إلخ.
كانت العمليات للقبض على تشكيلات الثوار تمنى بالفشل عادة وكان من الضروري تكرارها في ذات المنطقة أكثر من مرة وذلك لأن المجاهدين كان بإمكانهم العودة إلى مخابئهم في الجبال وإلى قراهم بينما يعود السوفييت لقواعدهم، وهذا ما يحصل مع القوات الأمريكية والغربية اليوم.
كان فشل السوفييت في الخروج من المأزق العسكري والحصول على الدعم والنصرة من شريحة عريضة من الأفغان، أو إعادة بناء الجيش الأفغاني، اضطرهم لزيادة التدخل المباشر لقواتهم لقتال المجاهدين. ووجد الجنود السوفييت أنفسهم يحاربون المدنيين بسبب التكتيك المراوغ للثوار.
بحلول أواسط الثمانيات، كبدت حركة المجاهدين الأفغانية موسكو خسائر عسكرية كبيرة وعلاقات دولية متوترة.
المتابعون للشأن الأفغاني يجزمون بأن عام 2009 سيكون عاماً مهماً في تقرير مستقبل أفغانستان وربما المنطقة، ويستند المحللون في ذلك إلى التصريحات التي يدلي بها القادة العسكريون الغربيون، باعترافهم بالهزائم المتلاحقة التي يتعرضون لها، ويعلنون في مؤتمراتهم الصحفية بأن حربهم في أفغانستان حرب خاسرة، ملمحين إلى إعادة مشروع أمراء الحرب لمواجهة مشروع طالبان، وهو ما يعني إضعاف سلطة كارزاي المركزية، يضاف إلى كون العام المقبل عام الحسم هو عروض التفاوض مع طالبان وإشراكهم في حكومة كارزاي، يضاف إليه تصاعد قوة طالبان وإدماء الوجود الأجنبي في أفغانستان، توّج ذلك كله الأزمة المالية العالمية الخانقة التي ستؤثر على تمويل عمليات الحرب على ما يوصف بالإرهاب
عن رابطة أدباء الشام