وزير الدفاع الروسي يلتقي رئيس الأركان العامة للجيش الوطني الليبي في موسكو
التقى وزير الدفاع الروسي أندريه بيلاوسوف رئيس الأركان العامة للقوات الليبية خالد حفتر وهنأه على تعيينه رئيسا للأركان. كما هنأ صدام حفتر على تعيينه نائبا لقائد الجيش الوطني الليبي.
وقال بيلاوسوف خلال اللقاء: "هذا اعتراف بمساهمتكم الكبيرة في تعزيز القدرة الدفاعية للبلاد". كما نقلت وزارة الدفاع الروسية اليوم الجمعة.
وأشارت الوزارة إلى أن خالد حفتر بدوره شكر بيلاسوف على الاستقبال الحار وتمنى له تحقيق أهدافه ومهامه.
ووصل خالد حفتر، إلى العاصمة الروسية موسكو في 28 أغسطس الماضي، حيث كان في استقباله نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكيروف، وسط مراسم استقبال رسمية.
وتأتي الزيارة في إطار المساعي لتعزيز التعاون العسكري بين ليبيا وروسيا.
وصل رئيس الأركان العامة لـ "الجيش الوطني الليبي" خالد حفتر إلى روسيا مساء أمس الجمعة، حيث كان في استقباله نائب وزير الدفاع الروسي الفريق أول يونس بك يفكيروف الذي يعتبر الذراع الروسية العسكرية الرئيسة في التنسيق في الملفين الليبي والسوري، إضافة إلى إشرافه على الوجود العسكري الروسي في القارة الأفريقية.
وذكر بيان رئاسة الأركان العامة لـ"الجيش الوطني" (يقوده المشير خليفة حفتر)، أن هذه الزيارة تأتي في إطار بحث آفاق التنسيق المشترك في مجالات التدريب وتبادل الخبرات وتطوير القدرات الدفاعية بين البلدين.
وجاءت الزيارة وسط انتقال الزخم الليبي إلى القطب الشرقي، حيث سارعت كل من تركيا والولايات المتحدة والإمارات إلى تشبيك علاقاتها مع "معسكر الرجمة" (مقر قيادة حفتر) مباشرة إثر تعيين حفتر لنجله صدام نائباً له.
وذهبت الاستخبارات التركية للمرة الأولى إلى الشرق الليبي للقاء صدام حفتر، قبل عقد البرلمان الليبي جلسته للنظر في توقيع الاتفاق البحري المبرم بين تركيا وليبيا من عدمه، وأيضاً بعد تحرك الدبلوماسية الأميركية في كل من بنغازي وسرت وطرابلس، بقيادة القائم بالأعمال الأميركي جيريمي برنت الذي عقد لقاء مع رئيس الأركان العامة خالد حفتر، بهدف تعزيز التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية وآليات التنسيق المشتركة.
الشرعية الدولية
ووصف مراقبون تحركات موسكو بأنها جاءت خوفاً من فقدانها نفوذها في الشرق الليبي، بخاصة بعد انفتاح تركيا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً على "معسكر الرجمة" الذي يقوده حفتر وأبناؤه، الحلفاء التقليديون لروسيا التي فقدت نهاية العام الماضي، سوريا حلقة الوصل الرئيسة بالنسبة إليها مع القارة الأفريقية، لتنقل بعد ذلك ثقلها إلى الشرق الليبي القريب من دول الساحل الأفريقي التي تشهد تنامياً للدور الروسي مقابل تراجع ملحوظ للنفوذ الأوروبي والأميركي هناك.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنغازي محمود الكاديكي إن "توجه خالد حفتر إلى موسكو يأتي في إطار منح المؤسسة العسكرية زخماً جديداً وشرعية إضافية"، مضيفاً أن "تحرك خالد حفتر ليس عشوائياً بل قصدياً ويصب في خانة تجديد الدماء بمعسكر الشرق الليبي، بخاصة على الساحة الدولية، وهو انفتاح إقليمي يقوده كل من خالد وصدام، مما يبرهن قدرة المؤسسة العسكرية على حماية مكتسبات الدولة الليبية في بيئة إقليمية بالغة التعقيد".
وتابع أن "روسيا متخوفة من فتح تركيا قنوات دبلوماسية مع معسكر الشرق الليبي، فالانفتاح التركي هز جزءاً من استراتيجية روسيا في حماية مكاسبها في الشرق، إضافة إلى الضغوط الأميركية التي تتحرك بسلاسة في شرق ليبيا وغربها".
ونوه الكاديكي بأن "شراكة موسكو مع الشرق الليبي تتأثر بتحركات تركيا تجاه معسكر الرجمة مع أنها لا تمثل قطيعة، على رغم العلاقات المتوترة منذ أعوام بين تركيا وبنغازي"، كاشفاً عن أن "إعادة تموضع تركيا في الشرق الليبي أقلقت موسكو الحليف التقليدي لحفتر".
واعتبر أن "بروز خالد حفتر كواجهة سياسية عسكرية للقيادة العامة، تقابله الحاجة الروسية إلى إعادة التموضع في الشرق، بخاصة بعد تحرك تركيا نحو بنغازي"، مضيفاً أن "أبناء حفتر لا يسعون عبر تحركاتهم الدبلوماسية إلى إظهار حضورهم الشخصي على المستوى الدولي، بل يحاولون عكس رغبة القيادة العامة في تعزيز شرعية الجيش الليبي على الساحة الدولية".
ويرى الكاديكي أن "القيادة العامة من خلال صدام أو خالد حفتر، تحاول تقديم جيل جديد يستمر في حماية مكتسبات الدولة الليبية والمؤسسة العسكرية تحديداً، وهي خطوات تبرهن أن القيادة العامة ليست مؤسسة عسكرية فقط، بل لاعباً سياسياً مدركاً لأهمية الشرعية الدولية في ظل التعقيدات التي حدثت سابقاً في الشرق الليبي".
ووصف الكاديكي تحرك روسيا لنسج علاقات مع أبناء حفتر حليفها التقليدي، بـ"الطبيعية"، إذ "برهنت روسيا من خلال اجتماع نائب وزير دفاعها مع خالد حفتر في موسكو بأنها شريك لا يمكن تجاوزه".
وأكد أن "الزيارة تأتي لتقديم أبناء حفتر كشركاء لموسكو في المرحلة المقبلة، بخاصة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سبق والتقى صدام ووالده، والآن وزير دفاعه يلتقي خالد بمفرده، مما يدل على أن موسكو تميل إلى الاستثمار طويل الأمد في شرق ليبيا".
واعتبر أن "القيادة العامة أثبتت من خلال جذبها لأكثر من طرف إقليمي (تركيا ومصر والولايات المتحدة والإمارات وروسيا) في أقل من أسبوع، بأنها تدير المصالح الليبية بحنكة دبلوماسية لضمان مصالح البلاد ومنع ارتهان قرارها الخارجي لطرف دولي واحد". وأضاف أن "توجه أبناء حفتر إلى موسكو يحمل رسائل سياسية عميقة أكثر منها رسائل عسكرية لأنها جاءت في وقت دقيق شهد تسابقاً أميركياً وتركياً على معسكر الشرق الليبي".
وسبق أن زار الفريق ركن صدام حفتر برفقة والده، موسكو للمرة الأولى في مايو (أيار) الماضي لمناسبة احتفالات "عيد النصر" في ذكراه الـ80 بدعوة من الجانب الروسي. ولم يفوت الرئيس بوتين وقتها تلك الفرصة لعقد لقاء مغلق مع حفتر بحضور نائب وزير الدفاع الروسي الجنرال يونس بك يفكيروف.
تمدد النفوذ
من جهته يصف رئيس منصة الدراسات الأمنية وأبحاث السلام إبراهيم ناصر الزيارة إلى موسكو بـ"المهمة"، والتي تأتي "تمهيداً لاستكمال أبناء حفتر مهمة والدهم"، كاشفاً عن أن "وصول هذا الوجه الشاب من معسكر الرجمة إلى موسكو فيه دلالة على أن روسيا ماضية في مدّ نفوذها مستقبلاً في ليبيا، بخاصة بعد سقوط حليفها السوري رئيس النظام السابق بشار الأسد، إذ سارعت بعده روسيا إلى رمي ثقلها نحو ليبيا، لتصبح حلقة الوصل الرئيسة لها مع أفريقيا".
وأكد ناصر أن "روسيا كانت تعتمد في امتدادها الأفريقي على النظام السوري قبل سقوطه، لكن الآن بدأ التركيز على ليبيا حتى يستفيد بوتين من نفوذه المتزايد في المنطقة الشرقية"، مضيفاً أن "زيارة نجل حفتر إلى موسكو واستقباله بصفة رسمية من قبل نائب وزير الدفاع الروسي تتعلق بدلائل شخصية لهذا القائد الشاب تؤهله للتواصل مع الدول النافذة في المشهد الليبي مثل روسيا، وهي انعكاس للواقع الذي بدأ يتشكل في المشهد الليبي وتأهيل أبناء حفتر لخلافة والدهم".
ورداً على ما ذهب إليه الكاديكي بالقول إن تحرك موسكو جاء رداً على انفتاح تركيا على الشرق الليبي، أوضح ناصر أن "التقارب التركي مع معسكر الشرق ليس جديداً فقد سبق لصدام حفتر أن زار تركيا وناقش قضايا تتعلق بالتصنيع الدفاعي وأيضاً عمليات التدريب والتأهيل، وتركيا تريد الاستفادة من الواقع الذي فرضه خليفة حفتر في الشرق الليبي. أما تحركات واشنطن في ليبيا، فهي تنظر إلى المشهد الليبي على أنه فضاء مفتوح، وتواصلها مع طرابلس وبنغازي وسرت تأكيد على نفوذها في كامل ليبيا".
ورأى المتخصص في الدراسات الأمنية أن "وصول أحد أبناء حفتر إلى موسكو يتنزل في إطار البحث عن الشرعية الدولية لمعسكر الرجمة، وروسيا دولة مؤثرة في ليبيا التي تعد إحدى حلقات التواصل الروسي- الأفريقي"، كاشفاً عن أن "حفتر استطاع الوصول إلى مستوى مختلف عن بقية أطراف الصراع واستفاد من حال الفوضى في الغرب الليبي من خلال تجسير علاقاته مع روسيا وتركيا ومصر وأيضاً مع بعض دول الخليج".
خطوة تكتيكية
ويقول الباحث المتخصص في الشؤون الأفريقية محمد عبدالكريم إن "زيارة نجل حفتر إلى موسكو تأتي استكمالاً لنهج والده الذي سبق وطرق جميع الأبواب الممكنة لكسب تأييد الدول القوية في محاولة منه لإضفاء شرعية أكبر على وجوده ودوره في الحياة السياسية والأمنية في بلاده".
ولا يتوقع عبدالكريم أن تحمل هذه الزيارة بصمات استراتيجية بعيدة المدى لسياسة خارجية ليبية "محددة"، بل "جاءت كخطوة تكتيكية تقليدية في مسيرة حفتر وأبنائه تقوم بالأساس على تقديم مجموعة خدمات لروسيا مقابل قيام الأخيرة بدعم معسكر حفتر عبر أدوات دولية أو شبه دولية"، ويردف أن "المؤشرات تشي باضطلاع أبناء حفتر بأدوار والدهم تدريجاً"، منوهاً بأنها "رؤية ستتبلور حال وجود مؤشرات واضحة على تدهور الحال الصحية لخليفة حفتر، وكذلك حال تآكل قبوله كزعيم لليبيا".
ويوضح أن "صدام حفتر يبقى الامتداد السياسي والعسكري لوالده، خصوصاً أنه رافقه في زيارات دولية مهمة عدة كانت آخرها إلى مصر".
وكان المشير حفتر عيّن أخيراً نجله صدام نائباً له، فيما نصّب ابنه خالد رئيساً للأركان العامة لقواته بدلاً من الفريق عبدالرازق الناظوري.
أكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أن موسكو وبمناسبة الذكرى 70 للعلاقات الدبلوماسية بين روسيا وليبيا، تجدد التزامها بدعم وحدة ليبيا واستقرارها.
وأضافت زاخاروفا خلال إحاطتها الإعلامية على هامش منتدى الشرق الاقتصادي في فلاديفوستوك، أن العلاقات بين البلدين تمتاز بتاريخ طويل وتقاليد راسخة.
وذكرت زاخاروفا أن الدعم الفني الذي قدمه الاتحاد السوفيتي سابقا والاتحاد الروسي لاحقا، أسهم في بناء عشرات المشاريع الحيوية في ليبيا خصوصا في قطاع النفط والغاز، فضلا عن التعاون العسكري التقني الذي شهد تطورا نشطا إلى جانب استقبال عشرات الآلاف من الطلبة الليبيين في الجامعات الروسية.
وأوضحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية أن موسكو تتابع عن كثب الوضع في ليبيا في ظل المرحلة العصيبة التي تمر بها البلاد، مؤكدة أن روسيا تدعو باستمرار إلى الحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها الوطنية وسلامة أراضيها، وتبدي استعدادها لتقديم كل أشكال المساعدة الممكنة بما يضمن تحقيق استقرار شامل ومستدام في المشهدين العسكري والسياسي.
وأكدت زاخاروفا أن روسيا على ثقة بقدرة الشعب الليبي على تجاوز التحديات الراهنة وإعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس فعالة، بما يتيح عودة ليبيا إلى مسار التنمية المستدامة.
واختتمت بالتأكيد على التزام موسكو الراسخ بمواصلة تعزيز التعاون الثنائي مع ليبيا في مختلف المجالات على قاعدة المنفعة المتبادلة، بما يخدم مصالح الشعبين ويسهم في ترسيخ الاستقرار والأمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.