
شهدت القوات المسلحة المصرية على مدار السنوات الماضية، عمليات تحديث وتطوير شامل في كل القطاعات بأحدث الأسلحة والمنظومات الدفاعية شملت القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي.

تُعدُّ منظومة الدفاع الجوي المصرية اليوم من الأكثر تنوعًا وتسليحًا بل وتعقيدًا في الشرق الأوسط، وتعتمد على مزيج متكامل من أنظمة الدفاع الجوي قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، من مصادر شرقية وغربية، ما يمنحها مرونة فنية وتكتيكية كبيرة، ويجعل اختراق أجوائها مهمة بالغة الصعوبة.

وأعطت القيادة السياسية اهتمامًا استثنائيًا ببناء منظومة دفاع جوي قوية ومتعددة الطبقات، تضمن حماية المجال الجوي للدولة في وجه أي تهديدات جوية أو صاروخية.
وجاء هذا الاهتمام نتيجة لتجارب ميدانية تاريخية وضرورات جيوسياسية تفرضها الطبيعة الجغرافية لمصر، وحدودها الطويلة، والبيئة الإقليمية المتقلبة.

أنظمة الدفاع الجوي المصري .. حماة سماء مصر
تتّسم منظومة الدفاع الجوي المصرية بتعدد الطبقات والتكامل العملياتي، وهو ما يمنحها قدرة على التعامل مع مختلف أنواع التهديدات، من الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار، إلى صواريخ كروز والصواريخ الباليستية.وتعتمد مصر في ذلك على مجموعة من الأنظمة الغربية والشرقية بل والمصرية أحياناً.

التنوع في مصادر التسليح يمنح الدفاعات الجوية المصرية قوة فريدة في المناورة الإلكترونية وتوزيع المهام القتالية، كما يجعلها عصيّة على الإعاقة أو الشلل الكامل بفعل هجوم سيبراني أو تشويش إلكتروني موجَّه.

المنظومة الألمانية IRIS-T SLM
ضمن مساعي القوات المسلحة المصرية لتحديث قدراتها الدفاعية الجوية وتعزيز طبقات الحماية المتوسطة والبعيدة المدى، دخلت منظومات الدفاع الجوي الألمانية IRIS-T الحديثة إلى الخدمة الفعلية، بعد أن تعاقدت مصر على النسخ الثلاث من هذه المنظومة IRIS-T SLS قصيرة المدى، وIRIS-T SLM متوسطة المدى، وIRIS-T SLX بعيدة المدى، في خطوة تُعد نقلة نوعية في بنيتها الدفاعية.
وتُعد منظومة IRIS-T SLM أبرز عناصر هذا التعاقد، إذ أثبتت خلال الحرب الروسية الأوكرانية قدرة عالية على اعتراض صواريخ كروز والطائرات بدون طيار والمقاتلات، بنسبة نجاح لافتة تجاوزت 90% في ظروف تشغيل ميدانية معقدة.
وتتمتع المنظومة بمدى يصل إلى 40 كيلومترًا وارتفاع اعتراض يتجاوز 20 كيلومترًا، مما يمنحها قدرة فعالة في تغطية واسعة ضد التهديدات الجوية الحديثة، بما يشمل الطائرات منخفضة البصمة الرادارية والمسيّرات الانتحارية.
وتعتمد IRIS-T SLM على صاروخ موجه حراريًا من الجيل الحديث مزوّد بمستشعرات إلكترونية متقدمة، ويتم إطلاقه من راجمات مزودة برادارات AESA متعددة الوظائف، ونظام قيادة وتحكم يوفر قدرة اشتباك سريع ومتعدد الأهداف، مع إمكانية العمل المستقل أو ضمن شبكة الدفاع الجوي المتكاملة.

ولعل ما يميز هذه المنظومة أيضًا هو قابليتها للنشر السريع والتشغيل في بيئات متنوعة، مما يجعلها مثالية للدفاع عن المنشآت الحيوية والمدن الكبرى، ضمن عقيدة دفاعية متحركة ومرنة.
وتأتي إضافة IRIS-T SLM إلى القوات المسلحة المصرية لتؤكد التوجه نحو امتلاك دفاع جوي عصري متعدد المصادر، يجمع بين التكنولوجيا الغربية المتقدمة والخبرة التشغيلية المصرية في بيئات قتالية متنوعة.
نظام بيتشورا 2 إم المطور
هو نظام دفاع جوى روسى متوسط المدى ، مزود بأنظمة كهروبصرية للرصد والتتبع و التعرف على الأهداف الجوية المعادية في مختلف الظروف الجوية فى الليل و النهار .. يتمتع النظام بالقدرة على العمل في بيئة كاملة من التشويش بدون أي تأثر بها لاحتوائها على أنظمة الرصد و التصويب و الإطلاق الليزرية و الحرارية و البصرية التى تغنيه عن الحاجة لمحطة الراداريستطيع النظام إسقاط الأهداف الجوية المعادية من مسافة 35 كيلومترا على ارتفاع 18.200 كيلومتر.

كما يستطيع نظام البيتشورا 2 إم التعامل مع الصواريخ المضادة للرادار الراكبة للإشعاع ، و صواريخ الكروز الجوالة و مختلف أنواع الطائرات و المروحيات ، و يمكنه إسقاط عدة أهداف فى وقت واحد
وتحتوي كل بطارية على 4 قاذفات صواريخ بواقع صاروخين على كل مركبة قاذفة للصواريخ.
منظومة بوك إم2 (Buk-M2E)
نظام روسي فعال في التصدي للطائرات وصواريخ كروز والطائرات بدون طيار على مدى متوسط يبلغ نحو 45 كيلومترًا. وقد أُعلن رسميًا عن دخوله الخدمة في الجيش المصري، مع تدريبات علنية على استخدامه.يستطيع رادار النظام كشف الأهداف من مدى 160 كيلومتر بزاوية كشف 360 درجة يكشف المقاتلات على ارتفاع 40 كيلومتر (فى حال وجدت) و يرصد الصواريخ على ارتفاع 55 كيلومتر.

ويمتلك بوك إم2 القدرة على إسقاط الأهداف الجوية المعادية مثل الطائرات و الطائرات المقاتلة و المروحيات و صواريخ الكروز من مدى 3 إلى 50 كيلومترا على ارتفاع يصل إلى 25 ألف متر بسرعة 4 ماخ.
كما يمتلك النظام القدرة على التعامل مع الصواريخ الباليستية التكتيكية و إسقاطها من مسافة 20 كيلومتر على إرتفاع 16 ألف متر ويمتلك الصاروخ قدرة عالية على المناورة ، والصواريخ مجهزة بأنظمة لتتبع الهدف بعد الإطلاق لتجنب التشويش على الرادار.
منظومة “تور إم2” قصيرة المدى
نظام روسي متنقل فعال ضد الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز، ومدى اشتباكه يبلغ نحو 12-16 كيلومترًا. مصر تمتلك عدة وحدات من هذه المنظومة، وقد ظهرت في عروض عسكرية وتدريبات ميدانية.
Avenger (أفينجر الأمريكي)
” أفينجر Avenger ( المُنتقم ) “منظومة قصيرة المدى تعتمد على صواريخ ستينغر، مخصصة لحماية المواقع الحيوية والوحدات المتحركة. ظهرت في الخدمة خلال السنوات الأخيرة ضمن تشكيلات الدفاع الجوي التكتيكي.وقد ظهرت المنظومة أفينجر خلال المناورة البحرية المصرية-الفرنسية المشتركة ” كليوباترا 2017″، على سطح حاملات المروحيات “ميسترال Mistral ” التابعة للبحرية المصرية، لتوفر لها الحماية ضد التهديدات الجوية المقتربة، وأهمها الصواريخ الجوالة المضادة للسفن Anti-Ship Cruise Missile ASCM.

وتتكون منظومة الأفينجر أمريكية الصنع من برج مُتحرك محمولة على مركبات هامفي Humvee مُتعددة المهام وتحتوي على قاذفين رباعيين مزودين بـ8 صواريخ طراز ستينجر FIM-92 Stinger قصير المدى.
ويبلغ مدى الصاروخ 8 كم ويصل الى ارتفاع 3.5 – 3.8 كم وتبلغ سرعته القصوى 2700 كم / س، ويمكنه التعامل مع مختلف التهديدات الجوية مُتصمنة الصواريخ الجوالة والطائرات بدون طيار والطائرات المقاتلة والمروحيات.
تستطيع المنظومة ان تُطلق حتى 4 صواريخ متتالية على الهدف، وتتميز بقدرتها على الاشتباك اثناء الحركة بسرعة قصوى 35 كم / س.
منظومة الكورتال Crotale
دخل الخدمة في الثمانينيات وتم تحديثه في أكثر من مناسبة، وهو مخصص لمرافقة القوات البرية وحماية المنشآت من التهديدات الجوية المنخفضة الارتفاع، وقد تم تطويره في مصر .. وهو نظام دفاع جوي فرنسي قصير المدى، ذاتي الحركة، مضاد للتهديدات الجوية المُقتربة والطائرة على ارتفاعات منخفضة.تم تطويره في الأصل في منتصف الستينيات كبرنامج مُشترك بين شركة Thomson CSF الفرنسية (المعروفة حالياً بـ”تاليس”) وجنوب أفريقيا ليوفّي احتياجات القوات المسلحة الجنوب أفريقية.

تشمل منظومة كورتال نظام الإطلاق أجهزة الاستشعار الرئيسية للسفينة ونظام إطلاق النار للبرج ونظام التنسيق المركزي. ويحتوي البرج على ثمانية صواريخ جاهزة للإطلاق، وبه مخزن خلف البرج يحمل 18 صاروخا.
ويبلغ مداه 20 كم ضد الطائرات و8 كم ضد المروحيات وأقصى ارتفاع 5 كم، ويحوي نظام تعريف العدو والصديق، مع قدرة مقاومة الإعاقة والشوشرة الإلكترونية.
منظومة “حارس المصرية” لمواجهة الطائرات بدون طيار
منظومة “حارس” المصرية لمجابهة الطائرات بدون طيار، والتي تم تطويرها وتصنيعها محليًا بواسطة الهيئة العربية للتصنيع بالتعاون مع القوات المسلحة المصرية.
إلى جانب منظومات “حارس”، تأتي أيضًا منظومة النبضة الكهرومغناطيسية عالية القدرة، وهي منظومة من فئة أسلحة الطاقة الموجهة (HEW)، مخصصة للتعامل مع الطائرات المسيرة والتصدي لها.
كما تم الكشف عن الرادار المصري ESR-32B، وهو رادار ثنائي الأبعاد مخصص للكشف الجوي، يبلغ مداه 250 كيلومترًا، ويتميز بقدرته على رصد الأهداف الجوية ذات المقطع الراداري المنخفض وتلك التي تحلق على ارتفاعات منخفضة ومتوسطة.

منظومة القيادة والسيطرة الأكثر تطوراً وفعالية
تُعد منظومة القيادة والسيطرة التابعة لقوات الدفاع الجوي المصرية من بين الأكثر تطورًا وفعالية على مستوى العالم، سواء من حيث البنية التكنولوجية أو الكفاءة العملياتية.فقد عملت مصر خلال العقود الماضية على بناء شبكة قيادة وتحكم مركزية متكاملة، تعتمد على أحدث تقنيات الاتصالات المشفرة، والرصد الإلكتروني، ومعالجة البيانات، وربط جميع مكونات الدفاع الجوي – من الرادارات ومنصات الإطلاق إلى أنظمة الاستشعار والإنذار المبكر – في نظام واحد موحّد قادر على اتخاذ القرار في لحظات حرجة.

وتتيح هذه المنظومة المتقدمة تشغيل أنظمة متنوعة متعددة المصادر – سواء شرقية أو غربية – ضمن شبكة واحدة، ما يُعد إنجازًا تقنيًا كبيرًا نظرًا لتعقيدات التوافق والربط. كما تسمح المنظومة بتنفيذ اشتباكات آلية وشبه آلية، والتعامل مع التهديدات متعددة الاتجاهات والأنواع في وقت متزامن، مع قدرة عالية على إعادة الانتشار وإدارة المعركة في ظل ظروف التشويش والحرب الإلكترونية.
هذا التكامل التقني والبشري يجعل منظومة القيادة والسيطرة المصرية عنصرًا محوريًا في جاهزية الدفاع الجوي، وعاملًا حاسمًا في الحفاظ على التفوق العملياتي والاستجابة الفورية لأي تهديد جوي محتمل.
وأهم ما يميز منظومة الدفاع الجوي المصرية هو التكامل الشبكي بين الأنظمة، رغم اختلاف مصادرها، عبر نظام إدارة نيران مركزي يقوم بجمع وتحليل البيانات من الرادارات والمنصات المختلفة، ويصدر أوامر الاشتباك بشكل آلي أو شبه آلي.
وتمتلك مصر منظومة قيادة وتحكم متطورة تتيح ربط كل هذه الأنظمة ببعضها لضمان تنسيق فوري وفعّال للرد على أي تهديد.
المقاتل المصري .. الأساس الصلب وراء قوة الدفاع الجوي
وراء كل منظومة رادار، وكل صاروخ ينطلق نحو هدفه، وكل قرار لحظي يُنقذ سماء الوطن، يقف الفرد المقاتل المصري فهو حجر الزاوية في منظومة الدفاع الجوي، والعنصر الحاسم في تشغيل وإدارة أكثر الأنظمة تعقيدًا ودقة.فبرغم تنوع مصادر التسليح – ما بين أنظمة روسية وفرنسية وألمانية وأمريكية ومحلية – نجح المقاتل المصري بعقليته الفذّة، وشخصيته العسكرية، في دمج هذه المنظومات في شبكة قتالية واحدة، تُدار بكفاءة عالية وتكامل كامل.

هذا الإنجاز لم يكن مجرد استيعاب تقني، بل إعادة تشكيل وتطويع للمنظومات المتقدمة بما يتناسب مع البيئة العملياتية المصرية، وخلق عقيدة تشغيلية مستقلة تعكس هوية المقاتل المصري وخبراته الميدانية.

تحية لرجال الدفاع الجوي المصري
وقد أثبتت الكوادر الفنية والعملياتية في قوات الدفاع الجوي أنها قادرة على تشغيل أكثر الأنظمة تطورًا في العالم، ليس فقط بكفاءة، بل بإبداع وتكامل.ومن هنا، تستحق العقول والسواعد المصرية التي تُحافظ على أمن السماء كل التحية والتقدير، فهم من جعلوا من التنوع قوة، ومن التحديات إنجازًا، ومن الدفاع الجوي المصري نموذجًا يُحتذى إقليميًا وعالميًا.
جاهزية عالية لمواجهة تهديدات العصر
تدلُّ المؤشرات الميدانية والتصريحات الرسمية على أن مصر تمضي قدمًا في تحديث وتوسيع قدراتها الدفاعية الجوية، مواكبةً لتطور طبيعة التهديدات في المنطقة والعالم.وتظل منظومة الدفاع الجوي المصرية درعًا صلبًا يضمن حماية السماء المصرية، محافظاً على توازن الردع في بيئة أمنية معقدة.


قبة مصر الحديدية.. من آمون إلى أفينجر كيف صُنعت منظومة الردع الجوي؟
شهدت القوات المسلحة المصرية على مدار السنوات الماضية، عمليات تحديث وتطوير شامل في كل القطاعات بأحدث الأسلحة والمنظومات الدفاعية
