المرأة مربية وداعية/د.عثمان قدري مكانسي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,783
التفاعل
17,901 114 0

المرأة مربية وداعية
الدكتور عثمان قدري مكانسي



لكل إنسان في هذه الحياة دورٌ مهم لا يقوم به غيره ،
يقول النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم - :
(( كلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته ، والأمير راع ، والرجل راع على أهل بيته ، والمرأة راعية على بيت زوجها وولده ، فكلكم راع ، وكلكم مسؤول عن رعيته )) رواه البخاري برقم ( 893 ، 2409 ، 2554 ، 5200 ) ، ومسلم برقم ( 1829 ) وغيرهما .
والنساء في الإسلام شقائق الرجال ، لهنَّ ما للرجال وعليهنَّ ما على الرجال في مجمل الأحوال إلا أموراً منوطة بالرجال وحدهم أو بالنساء وحدَهُنَّ ، ورسخ القرآن المساوة بين الطرفين في قوله تعالى :
( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصادِقَاتِ وَالصّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَاكِرَتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيما ) الأحزاب 35 ،
ونرى المساواة بين الرجال والنساء في آيات عديدة أخرى وأحاديث شريفة .
فالمرأة في الإسلام معززة مكرمة ولن تجد مثل هذا في الشرائع المحرّفة والديانات المصطنعة ، فشريعة الله تعالى لا يرقى إلى مثلها أهواء البشر ولا شرائعهم الأرضية .
ولها فضل في الرواية عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأخذ عنه مما جعل الصحابة والتابعين يروون عن كثير منهنّ الدين والأحكام ، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها روت عن زوجها الحبيب ألفين ومئتين وعشرة أحاديث ، وأم سلمة رضي الله عنها تروي عن زوجها سيد الخلق ثلاثة مئة وسبعة وثمانين حديثاً ، وكانت ذا رأي صائب ، وهي التي أشارت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الحديبية أن يحلق وينحر فيتّبعه الناس .
ولقد كان المرأة حريصة على التزوُّد بالعلم والعمل به ،
فهذه أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها أتت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في أصحابه فقالت :
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، أنا وافدة النساء إليك ، إنَّ الله عزَّ وجل َّ بعثك إلى الرجال والنساء كافةً ، فآمنّا بك وبإلهك ، وإنّا – معشر النساء – محصورات مقصورات قواعد بيوتكم ، ومقضى شهواتكم ، وحاملاتُ أولادكم ، وإنكم ـ معشر الرجال ـ فُضِّلْتم علينا في الجُمَعِ والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج ، وأفضلَ من ذلك ، الجهادُ في سبيل الله عزَّ وجلَّ ، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجّاً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم ، وغزلنا أثوابكم ، وربينا لكم أولادكم ، أفلا نشارككم في هذا الأجر ؟
فالتفت النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أصحابه بوجهه كله ، ثم قال :
هل سمعتم بمقالة امرأة قط أحسن من مسائلها في أمر دينها من هذه ؟ فقالوا : يا رسول الله ؛ ما ظننا أنَّ امرأة تهتدي إلى مثل هذا .
فالتفت النبيُّ صلى الله عليه وسلم إليها فقال :
(( افهمي أيتها المرأة وأعلمي مَنْ خلفك من النساء أنّ حسن تبعُّلِ المرأة لزوجها ، وطلبها مرضاته ، واتباعَها موافقتـَه يعدل ذلك كله )) .
فانصرفت وهي تهلل (نساء فاضلات ص 62 لعبد البديع صقر )
وروت عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم ـ واحداً وثمانين حديثاً ، وروى عنها جِلّةٌ من التابعين ، وشهدت أسماء بنت يزيد هذه معركة اليرموك وقتلت يومئذ تسعةً من الروم بعمود خبائها ، رضي الله عنها .
والصحابيات اللواتي طلبن الحديث الشريف وروينه كثيرات اهتممن كذلك بتعليمه أبناءَهن وأبناء المسلمين . وكانت الصحابيات يسألن رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ أمورهُنَّ ليكنَّ على صواب في تصرُّفاتهن فقد روى ابن عباس رضي الله عنه ما في قصة بريرة وزوجها قال : قال لها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - :
(( لو راجعتِه ؟ ))
قالت : يا رسول الله ، تأمرني ؟ قال :
(( إنما أشفع ))
قالت : لا حاجة لي فيه
(رواه البخاري برقم 5283 ) ، وابن ماجه برقم ( 2075 ) ، والدرامي برقم ( 2292 )) .
فحين علمت أن تدخُّلَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ للشفعة وليس أمراً منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعودة إلى زوجها أنِفَت الرجوع إليه .
وهذه أسماء رضي الله عنها بنت الصديق رضي الله عنه تقول للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ـ وهي تنشد التصرّف السليم ـ حين قدمت أمها عليها ، وهي كافرة !
قدمت عليَّ أمي وهي راغبة ، أفأصلُ أمي ؟ قال :
(( نعم صلي أمك ))
(أخرجه البخاري برقم ( 2620 ، 3183 ) ، ومسلم برقم ( 1003 ) ، وأحمد برقم ( 26399 ) ، وأبو داود برقم ( 1668 ) وغيرهم ) .
وينطلق المسلمون من أطراف الجزيرة قاصدين مكّة حاجّين مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويلتقي ركب منهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ (( بالرَّوحاء )) وهو مكان قرب المدينة المنورة ، آمنوا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دون أن يروه ، فيقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
(( مَن القوم )) ؟
قالوا : المسلمون ، فقالوا : مَنْ أنتَ ؟ قال :
(( رسول الله )) ،
فرفعت إليه امرأةٌ صبيّا فقالت : ألهذا حج ؟ قال :
((نعم ولك أجر))
(رواه مسلم برقم ( 1336 ) ، وأحمد برقم ( 1901 ) ، وأبو داود برقم ( 1736 ) وغيرهم ).
فكان سؤالها وجوابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ دافعاً للمسلمين أن يعوِّدوا أبناءهم منذ الصغر مناسك الإسلام وشعائره حتى يتمثلوها في حياتهم ثوابتَ يعملون بها ، لا يحيدون عنها .
ويخطب فاطمةََ بنتَ قيسٍ رجلان هما أبو الجهم ، ومعاويةُ ،
فتحتار أيُّهما تختار ؟ ولتقف على خبريهما تنطلق إلى الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ تستفتيه فيهما ، وتعرف أمرهما ، فهو صلى الله عليه وسلم رسولُ الله ، ولن يخذلها . . . قالت : إن أبا الجهم ومعاوية خطباني ؟ ولا تقول أكثر من هذه الجملة ، ويعرف الأريبُ ، النبيهُ ، المعلّم ، الناصح ، ماتريد . فيقول :
(( أما معاويةُ فصعلوك (أي فقير) لا مال له ، وأما أبو الجهْم فلا يضع العصا عن عاتقه )) (( ضرّابٌ للنساء))
( رواه مسلم برقم ( 1480 ) ، وأحمد برقم ( 26782 ) ، وأبو داود برقم ( 2284 ) وغيرهم) .
. . هاتان إذاً أبرز صفتين في الرجلين ، إن شاءت اختارت أحدهما وإن شاءت رغبت عنهما ، ثم ينصحها أن تتزوج أسامة بن زيد رضي الله عنهما .
وتروي أم المؤمنين زينب رضي الله عنها أنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل عليها فزعاً يقول:
(( لا إله إلا الله . . . ويل للعرب من شرِّ قد اقترب ، فتح اليوم ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه )) وحلّقَ بإصبعيه الإبهام والتي تليها ،
فقلت : يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟! قال :
(( نعم إذا كثر الخَبَثُ ))
(رواه البخاري برقم ( 3346 ، 3598 ، 7059 ، 7135 ) ، ومسلم برقم ( 2880 ) ، وأحمد برقم ( 26867 ) وغيرهم) .
فينبغي أن يكون الصالحون مصلحين ، أما إذا كان موقفهم سلباً ، ونشط المفسدون يهدمون الأمّة، وحقّ عليها العذاب فأوّل ما يُبدأ بهؤلاء الذين انزوَوا ، ولم يَدْعوا إلى الله تعالى وتركوا المجال للمفسدين ينخرون في المجتمع وينشرون فيه الفساد ، ونسُوا قوله صلى الله عليه وسلم :
(( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ))
وقوله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) التحريم 6 . . .
نعم . . نهلك وفينا الصالحون إذا كثر فينا الخَبَثُ .
وكثيراً بل اكثر من الكثير أن ترى المرأة لا تفهم للحجاب معنى ، وإن كانت محجّبةً بل قلْ : تخمّر رأسها وتلبس قميصاً وبنطالاً ، وكأن إخفاء الشعر هو الحجاب !! أما الكحل ، وطلي الوجه بالألوان والأصباغ وتحميرُ الشفاه فلا علاقة له بالحجاب !! أما القميص والسراويل فهي ضيّقة جداً لا تظهر من جسد المراة سوى هضابها ووهادها ومرتفعاتها ومنخفضاتها ، وترسم للعين المتفجِّعة ما خَفِي رسماً واضحاً ! فأي حجاب هذا وأي ستر هذا الستر ؟
وغالب النساء ومعهم كثير من الرجال لا يرون مانعاً أن تنظر المرأة إلى الرجل في الأحوال العادية دون حرج ،لأنه الطالب وهي المطلوبة ، وكأن الرجل وحده مأمور بغض البصر! ونسوا أنَّ الله تعالى يأمر الجنسين أن يغضوا من أبصارهم قال تعالى :
( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ . . . ) النور من الآية 31 .
إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ــ كان مع زوجتيه أم سلمة وميمونة رضي الله تعالى عنهما فأقبل ابن أم مكتوم بعد أن أمرت النساء بالحجاب ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم :
(( احتجبا منه ))
فقالتا : يا رسول الله أليس هو أعمى لا يبصرنا ، ولا يعرفنا ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم :
(( أفعمياوان أنتما ، ألستما تبصرانه))
( رواه أحمد برقم ( 25997 ) ، وأبو داود برقم ( 4112 ) ، والترمذي برقم ( 2778 ) ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وانظرالمشكاة برقم ( 3116 ) .
فالحجاب إذاً غضُّ البصر إضافة إلى الستر وإخفاء محاسن المرأة . وهذا أدعى إلى الحشمة والعفاف ، وهذا لا يناقض ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها :
(( رأيتُ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ــ يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد . . ))
(رواه البخاري برقم ( 455 ، 5236 ) ، ومسلم برقم ( 892) ، وأحمد برقم ( 24805 ) وغيرهم ).
فقد كانت صغيرة تحب اللعب والنظر إليه ، كما أنه يجوز للمراة أن تخرج للسوق والمسجد متنقّبة لئلا يراها الرجال .
كما أن كثيراً من النساء يجهلن أنّ عورة المرأة إلى المرأة كعورة الرجل إلى الرجل ، فلا ينبغي أن تنظر المرأة إلى جسد امرأة أخرى فترى منها إلا ما تحت ركبتها وفوق سرتها . . . ولأن درهم وقاية خير من قنطار علاج وجّه النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ــ عناية الرجل والمرأة إلى ذلك فقال :
(( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ، ولا تفضي المرأة إلى المراة في الثوب الواحد ))
( أي خشية الوقوع في فاحشة اللواط للرجل مع الرجل ، وخشية الوقوع في فاحشة السحاق للمرأة مع المرأة ) ، (رواه مسلم برقم ( 338 ) ، وأحمد برقم ( 11207 )) .
فالمرأة المسلمة المربّية تعي خطورة الانزلاق ، وتبتعد عن خطوات الشيطان .
والمرأة المسلمة ترى حياتها في الإسلام وسعادتها في العمل بما يرضي ربها ، وتدعو إلى الله على بصيرة ، وتجد راحتها في بناء بيت إسلامي دعائمه التقوى وأساساته الإخلاص ، هذه أم سُليم بنت ملحان بن خالد مجاهدة جليلة ذات عقل ورأي ، أسلمت مع السابقين إلى الإسلام ، وبايعت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فغضب زوجها مالك بن النضر غضباً شديداً من إسلامها ، وقال لها : أصبَوْتِ ؟ قالت : ما صبوتُ ولكنّي آمنت بهذا الرجل . . ثم جعلت تلقّن ابنها أنساً وتشير اليه بقولها :
قل : لا إله إلا الله ، قل أشهد أنَّ محمداً رسول الله ،
فكان مالك يقول لها : لا تفسدي عليَّ ابني، فتقول : لا أفسده .
ثم خرج زوجها إلى الشام فلقيه عدو فقتله ، فلما بلغها قتله قالت : لا أفطم أنساً حتى يدع الثديَ وكان ابنها أنَسٌ غلاماً حدثاً . . هذه المرأة يخطبها أبو طلحة وهو مشرك ، فتقول له : يا أبا طلحة ، ما أعيب فيك شيئاً فنعم الرجل أنت ، ولكنّك مشرك تعبد الأصنام فيعود إليها عارضاً عليها مهراً مغرياً فتقول : يا أبا طلحة ألست تعلم أنَّ إلهك الذي تعبده حجر لا يضرك ولا ينفعك أو خشبة تأتي بها النجار فينجرها لك ، هل يضرّك ؟! هل ينفعك ؟! أفلا تستحي من عبادتك هذه ؟ فإن أسلمت فإني لا أريد منك صداقاً غير إسلامك! . . .
لا تريد أن يكون زوجها من ذوي الأموال والأطيان فكل ذلك زائل ، إنها تريده من أصحاب الإيمان والتقوى وأهل الهدى والرشاد . .
ويقع الإسلام في قلبه فينطق بالشهادتين ، فتتزوجه ويكون إسلامُه صداقـَها
(من كتاب نساء فاضلات ص 65 ـ 66 بتصرف ) .
امرأة داعية مربية كهذه حريصة كل الحرص على مرضاة زوجها ، روى ابنها أنس قال : كان لأبي طلحة طفل يشتكي ( مريض ) فخرج أبو طلحة لبعض أعماله ، فقـُبض
الصبيُّ ، فلما رجع قال : ما فعل ابني؟ قالت أم سُليم ـ وهي أم الصبي ـ هو أسكن ما كان ، فظنّ أن ابنه شُفي فاطمأن ، فقرّبت إليه عشاء فتعشّى ، ثم تصنّعت له وتزيّنت أحسن ما كانت تتصنّع وتتزيّن ، فوقع بها ، فلما رأت أنه قد شبع ، وأصاب منها قالت : يا أبا طلحة أرأيتَ لو أن قوماً أعاروا عاريتهم أهل بيت ، فطلبوا عاريتهم ، ألهم أن يمنعوهم ؟ قال : لا . قالت : فاحتسب ابنك ، فغضب أبو طلحة ثم قال : تركتني حتى تلطخت ( أي تقذّرت بالجماع ) ، ثم أخبرتني بابني ، كيف فعلت ذلك ؟ فلما هدأ أو كاد قالت : واروا الصبيَّ .
فلما أصبح أبو طلحة أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فشكا له ما فعلت أم سُليم ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم :
(( أعرّستمُ الليلة ))
قال : نعم ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم داعياً :
(( اللهم بارك لهما ))
فحملت من تلك الليلة وولدت غلاماً .
قال أبو طلحة لأنس : احمله حتى تأتي به النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ ـ وبعث معه بتمرات ـ ولا يرضعه أحد حتى تغدوَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمله الرسول صلى الله عليه وسلم بيديه الشريفتين ومضغ التمرات ، ثم أخذها من فيه ، فجعلها في فم الصبي ، ثم حنَّكه وسمّاه عبدالله .
قال أحد التابعين ـ ابن عيينة ـ : رأيتُ من أولاد عبدالله المولود تسعةََ أولاد ، كلهم قد قرأوا القرآن
(رواه البخاري برقم ( 5470 ) ، ومسلم برقم ( 2144 ) ، وأحمد برقم ( 12454 ) .
فأم سُليم امرأة تعرف أنَّ ما قدّر الله كائن ، فلم تلطُم ، ولم تُوَلْوِلْ ، واحتسبت ولدها ، وقلبها في غاية الحزن ، وحاولت التخفيف عن زوجها في مصابهما بولديهما ، فعوّضهما الله ولداً صالحاً وذريّة صالحة ، ولم ينكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صنيعها ، إنما خفـّف عن زوجها ودعا لهما أن تكون ليلةً مباركة ، وكان دعاؤه عليه الصلاة والسلام بلسماً ، وكانت أم سليم مثالاً يُقتدى في الصبر وحُسن التصرّف .
والمرأة الداعية المربية لا تكون كذلك إلا إذا تسلَّحَت بالإيمان والتقوى .
1ـ فعزفَتْ عن الحياة الدنيا وبهرجها ، وعلمت أن الدنيا فانية ، فلم تعمل لها إلا بما يبلغها منازل الآخرة تلك الدار الباقية . . قال الشاعر :
قارف الدنيا بثوب ومن العيـش بقوت
واتخذ بيتـاً خفيفــاً مثل بيت العنكبوت
قالت عائشة رضي الله عنها :قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر،وقد سترت سهوة ( وهي : الصفّة تكون بين يدي البيت ، مقدمة البيت ، ولم يكن للبيوت أبوابٌ توصَدُ ، وإنما هي عتبات يستأذن الإنسان أهل البيت قبل أن تطأ قدماه عتبة الدار) لي بقرام (ستر رقيق يوضع في عتبة الدار يمنع العين من استراق النظر) فيه تماثيل ، فلما رآه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هتكه ، وتلوّن وجهه وقال :
(( يا عائشة أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ))
(رواه البخاري برقم ( 5954) ، ومسلم برقم ( 2107) ، وأحمد برقم ( 23561) وغيرهم ).
فماذا نقول نحن الآن وقد امتلأت بيوتنا بالتماثيل والرسوم على الجدران والطنافس ، وأصبح اقتناء مثل هذه الأمور أمراً دالاً على الحضارة والتقدم !!؟
2ـ وقامت الليل فصلَّت وسألت الله عزَّ وجلَّ الهداية والعفو والغفران ، وسألته من خيره وفضله وكانت خير شريك وصاحب لزوجها تامره بالمعروف وتنهاه عن المنكر .
قال صلى الله عليه وسلم :
(( رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته ، فإن أبت نضح في وجهها الماء . رحم الله امرأة قامت من الليل فصلّت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء ))
(أخرجه أحمد برقم ( 7362 ، 9344 ) ، وأبو داود برقم ( 1308 ) ، والنسائي برقم ( 1610 ) ، وانظر : المشكاة برقم ( 1230 ) .
فكم من أمثال هؤلاء يفعل ذلك اليومَ ، وكم نسبتُهم إلى من يقوم الليل على القنوات الفضائية يتابعون الأفلام الخليعة ، والتمثيليات الهابطة ، والرقصات الماجنة ، والأغاني الصفيقة ، والسهرات التافهة ، فإذا ما أذن الصبح بانبلاج غطُّوا في سبات عميق لا يعرفون صلاة فرض ولا قيام نفل ... وكان صلى الله عليه وسلم يقول :
(( إذا أيقظ الرجل اهله من الليل ، فصليا . . أو صلى ركعتين جميعاً كتبا من الذاكرين والذاكرات ))
( أخرجه أبو داود برقم ( 1309 ) ، وابن ماجه برقم ( 1335 ) ، وانظر : المشكاة برقم ( 1238 ) .
3ـ وآتـَتْ زكاة مالها وتصدَّقت على الفقراء والمساكين ، وساعدت زوجها بمالها إن كان فقيراً ، فهو أبو أولادها ، والمعروفُ مع الأقربين أولى . . هذا ما فعلته زينب زوجة عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما حين سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
(( تصدَّقن يا معشر النساء ، ولو من حُليِّكُن ))
فرجعت إلى عبد الله بن مسعود فقالت : إنك رجل خفيف ذات اليد (أي قليل المال ) وإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالصدقة ، فأتِه ، فاسألْهُ إن كانت صدقتي إليك وإلى أولادك تجزئ عني ( أي تقوم مقام الصدقة على الآخرين) وإلا صرفتها إلى غيركم . قال عبدالله : بل ائتيه أنت ، فانطلقَتْ ، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حاجتُها كحاجة زينب ، وكانت مهابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم تملأ القلوب ، فخرج عليهما بلال فقالتا له : ايتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخبره أن امرأتين بالباب تسألانك : أتجزئ الصدقة عنهما على أزواجهما ، وعلى أيتام في حجورهما (وهنَّ اللواتي يربينهم وهنّ أمهاتهم) ؟ ولا تخبره من نحن . فدخل بلال على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسأله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من هما )) قال بلال : امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ :
(( أي الزيانب هي ؟ ))
قال : امرأة عبدالله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( لهما أجران : أجر القرابة ، وأجر الصدقة ))
(أخرجه البخاري برقم ( 1466) ، ومسلم برقم (1000) ، وأحمد برقم ( 15652 ، 26508 ) ، والنسائي برقم ( 2583 ) وغيرهم )).
فماذا تقول باللواتي يسرفن ، ويكثرن الطلب ، ويحملن أزواجهن ما لهم به طاقة ، وما ليس لهم به طاقة .
ماذا تقول باللواتي يشتكين من قلة أثوابهن وخزائنُهن ملأى بالجديد الغالي ، ولا يعبأن أيأتيهن ما يطلبن من حلال أو حرام ، ويكثرن التزاور مفتخرات بما يلبسن ويتحلّين ، فإذا
نبّهتهُنَّ إلى ذلك قلن : هكذا تفعل النساء ولا قدرة لنا على مخالفة ما يفعلن . . نسأل الله العافية .
4ـ وصامَت تبتغي الأجر من الله وتعوّد نفسها تحمُّلَ المشاق ، والصبر على الجوع والعطش ، فتتذكر الفقراء المحرومين ، والأسر البائسة ، وتشعر بشعورهم ، فتعمل ما وسعها العمل على التخفيف عنهم ، ومساعدتهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً .
زار الرسول صلى الله عليه وسلم أم عُمارة الأنصارية رضي الله نها ، فقدّمت إليه طعاماً ، فقال :
(( كُلي )) فقالت : إني صائمة ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم:
(( إنَّ الصائم تصلي عليه الملائكة إذا أُكل عنده حتى يفرُغوا )) ، وربما قال: (( حتى يشبعوا ))
(رواه احمد برقم ( 26926 ) ، والترمذي برقم ( 785 ) ، وقال هذا حديث حسن صحيح) .
وما أجمل دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين زار سعد بن عبادة ، فجاء بخبز وزيت ، ولم يكن لديه اللحم مرصوصاً فوق الأرز ، ولا أنواع الحلوى التي يشبع لرؤيتها الناظرون قبل أن يأكلوا ، أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه ولم يأنفوا من خبز وزيت . ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل البيت قائلاً :
(( أفطر عندكم الصائمون ، وأكل طعامكم الأبرار ، وصلَّت عليكم الملائكة ))
(رواه أبو داود برقم ( 3854 ) بإسناد صحيح ) .

5ـ وَوَصَلََتْ رحمها ، وتقرَّبت إليهم ، وأكرمتهم إن استطاعت ، فمَن أكرم أقاربه كان أقدر على إكرام الآخرين ، ومن أحسن إلى أرحامه سهَّل الله له إكرام مَن دونهم ، والنبع يروي ما حوله ثم يصل إلى ما بَعُد .
فعن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أنها أعتقت وليدة (الوليدة : الأَمَةُ ، ملك اليمين) ولم تستأذن النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فلما كان يومُها الذي يدور عليها فيه ، قالت : أشعَرْت يا رسول الله أني أعتقدتُ وليدتي؟ قال :
(( أوَ فَعَلْتِ ))
قالت : نعم . قال:
(( أما إنّك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك ))
(رواه البخاري برقم ( 2592 ) ، ومسلم برقم ( 999 ) ، وأحمد برقم ( 26277 ) ، وأبو داود برقم ( 1690 ) .
فعلى الرغم أن العتق من أفضل القربات كانت صلة الرحم ، والإحسانُ إليهم أعلى فضلاً وأجزل مثوبة . وقد مرَّ بنا قبل صفحات برُّ أسماء ذات النطاقين بأمها المشركة .
6ـ وصَدَقَتْ في قولها وفي فعلها ، فلم تدَّعِ ما لم يكن ، ولم تفخر بما لا ينبغي ، ولم تسئ إلى مشاعر الآخرين وإن سابقتهم ورغبت أن تكون خيراً منهم ، إن المنافسة سمة من سمات الإنسان ، ولكن يجب أن تكون في الحق وبالحق ، وإلا كانت خداعاً ومكراً لا يليق بالمسلم أن يتصف بهما ، ألم يقل الله سبحانه وتعالى :
( وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) الإسراء 36
وقال عز وجل :
(مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) سورة ق 18 .
كذلك روت أسماء رضي الله عنها أنّ امرأة قالت : يا رسول الله إنَّ لي ضَرّة (امراة الزوج الأخرى بفتح الضاد ) فهل عليَّ إن تشَبَّعْت (الذي يُظهر الشبع وليس بشبعان ) ، ( الإدعاء بما ليس كائناً لتكيد ضَرَّتها )) من زوجي غير الذي يعطيني ؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم :
(( المتشبّع بما لم يُعط كلابس ثوبَيْ زور ))
(رواه البخاري برقم ( 5219 ) ، ومسلم برقم ( 2130 ) ، وأحمد برقم ( 26381 ) ، وأبو داود برقم ( 4997 ) .
فهي تريد أن تظهر أمام ضرَّتها أن زوجها يفضلها عليها ، ويميل إليها ، فيعطيها ما لا يعطي الأخرى، لتكيدها وتؤذي مشاعرها ، فبماذا شبهها النبي ُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ إن فعلت ذلك ؟ إنه صلى الله عليه وسلم صوَّر هذه الفعلة الشائنة بمن يتزيَّا بزيّ أهل الزهد أو العلم أو الثروة ليغتر به الناس ، وهو غير ذلك .
7ـ وتوكَّلََتْ على الله ولجأت إليه في العسر واليسر ووصلت حبلها بحبله فكانت أهلاً للأسوة الحسنة والقدوة الطيبة ، فاستنَّ الناس بسنَّتها ، واقتدوا بسيرتها .
وقد حدثنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم قصة هاجر أم إسماعيل عليه السلام ، فقد جاء إبراهيم صلى الله عليه وسلم بأم إسماعيل وبابنها إسماعيل ، وهي ترضعه حتى وضعها عند البيت الحرام ، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعها هناك ، ووضع عندها جِراباً فيه تمر ، وسقاءٌ فيه ماء ، ثم قفّى إبراهيم منطلقاً ، فتبعته أم إسماعيل فقالت : يا إبراهيم ، أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولا شيئ ؟ فقالت ذلك مراراً ، وجعل لا يلتفت إليها ، فقالت له : آللهُ أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذاً لا يضيّعنا ، ثم رجعت .
جواب رائع ، رائع ، يدلُّ على عظيم الإيمان بالله سبحانه ، وجميل التوكل عليه ، والرضا بقضائه ، فهو سبحانه خيرٌ حافظاً ، وهو أرحم الراحمين .
وقال الملك الذي حفر بجناحه زمزم :
(( لا تخافوا الضيعة فإن ههنا بيتاً يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإنّ الله لا يضيّع أهله )) ((أخرجه البخاري برقم ( 3364 )) ،
نعم إن الله لا يضيّع أهله .
فإن فعلت تلك التي تندرج تحت سمة التقوى كانت امرأة صالحة مصلحة ، ودرجت في مرابع الإيمان ، وكانت حَرِيّة أن تبني جيلاً عظيماً وأمّةً ثابتة الأركان ورجالاً يبنون بسواعدهم المؤمنة وعقولهم الراجحة مجد أمتهم . نسأل الله ذلك .
 
عودة
أعلى