عدم قيام مصر بأي رد فعل قوي أو علني بعد إعلان إثيوبيا عن الانتهاء من سد النهضة وافتتاحه يعكس مزيجًا معقدًا من الاعتبارات السياسية، الدبلوماسية، العسكرية، والداخلية. فيما يلي تحليل لأسباب ذلك:
1. استنفاد المسار الدبلوماسي دون نتائج حاسمة
- مصر كانت قد راهنت على الدبلوماسية الدولية، عبر مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي، لكنها لم تحقّق تقدّمًا ملموسًا رغم سنوات من المفاوضات.
- المجتمع الدولي لم يضغط على إثيوبيا، وغالبًا ما تبنّى موقفًا محايدًا أو داعمًا للتنمية الإثيوبية، ما قلّل من فرص التصعيد الدبلوماسي الفعّال.
2. كلفة المواجهة العسكرية وخطر الانزلاق الإقليمي
- توجيه ضربة عسكرية للسد أصبح أكثر صعوبة الآن بعد اكتماله، إذ سيُنظر إليها كعمل عدائي مباشر من شأنه إشعال حرب إقليمية لا ترغب مصر في الدخول فيها.
- إثيوبيا تمتلك جيشًا كبيرًا، كما أن وجود دعم غير مباشر من بعض القوى الدولية (مثل الصين التي ساهمت في تمويل مشاريع بنية تحتية) يُعقّد المشهد.
- مخاوف مصر من رد فعل سوداني سلبي أو استغلال دول إقليمية أخرى لهذا التصعيد (كتركيا أو إيران) للتمدد في القرن الأفريقي.
3. حسابات داخلية مصرية
- النظام المصري يواجه تحديات اقتصادية داخلية ضخمة (التضخم، نقص العملات الأجنبية، ارتفاع الدَّين).
- أي تصعيد عسكري أو دبلوماسي حاد قد يفاقم الوضع الاقتصادي ويؤدي إلى عدم استقرار داخلي.
- الدولة قد تكون فضّلت سياسة "الصبر الاستراتيجي" والاعتماد على وسائل إدارة الموارد المائية داخليًا بدلًا من المخاطرة بمغامرة خارجية.
4. رسائل ضمنية وتحركات غير معلنة
- من المرجح أن مصر تحتفظ بخيارات غير مُعلنة، سواء على مستوى المخابرات أو التعاون الإقليمي مع دول متضررة من تصرفات إثيوبيا (مثل السودان أو كينيا).
- هناك أيضًا احتمال أن تكون مصر تنتظر لحظة مواتية أكثر دوليًا، مثل تغيير الإدارة في الولايات المتحدة أو حدوث تغييرات داخلية في إثيوبيا.
5. قبول ضمني بواقع جديد
- رغم الرفض العلني في السابق، يبدو أن مصر تتجه تدريجيًا إلى التكيّف مع الواقع الجديد، عبر:
- تعزيز مشاريع تحلية المياه.
- استخدام التكنولوجيا في الزراعة لتقليل الاعتماد على النيل.
- تنويع مصادر المياه من خلال التعاون مع دول أخرى.
النتيجة:
موقف مصر يعكس
براغماتية سياسية تُقدّر حجم المخاطر والمصالح على الأرض. وعلى الرغم من أن عدم الرد قد يُفهم كضعف من بعض الجهات، إلا أنه في إطار التوازنات الدولية والإقليمية، قد يكون
قرارًا محسوبًا لتجنّب الأسوأ.