في صيف عام 1940، وبعد أن أخضعت ألمانيا النازية معظم أوروبا الغربية، وجّه هتلر أنظاره نحو الجبهة الغربية الأخيرة التي لم تركع بعد: بريطانيا العظمى. تمهيدًا لغزوها البري المعروف باسم “عملية أسد البحر”، كان لا بد من تحييد سلاح الجو البريطاني. ومن هنا، بدأت المرحلة الأكثر شراسة من الحرب الجوية، والتي حملت الاسم الرمزي “عملية هجوم النسر” (Adlerangriff).
أُعلن رسميًا عن بدء العملية في 13 أغسطس 1940، وهو اليوم الذي أطلق عليه الألمان اسم “يوم النسر” (Adlertag).
كان المخطط يهدف إلى تدمير قوات سلاح الجو الملكي البريطاني (RAF) على الأرض والجو، من خلال قصف المطارات ومحطات الرادار ومراكز القيادة والاتصال. كانت الخطة أن تفتح العملية الطريق لغزو إنجلترا خلال أسابيع قليلة.
(خريطة تحليلية تعرض مسارات تشكيلات القاذفات والمقاتلات الألمانية من سفوح فرنسا إلى أهدافها الجوية في جنوب إنجلترا، تُستخدم لفهم الأبعاد اللوجستية للهجوم.)

(طيارو سلاح الجو الملكي البريطاني (RAF) يركضون نحو طائراتهم من طراز Spitfire، بعد تلقيهم إنذارًا بهجوم وشيك من التشكيلات الألمانية. التقطت الصورة في إحدى قواعد سلاح الجو أثناء ذروة Adlerangriff.)

لكن العملية لم تبدأ كما أراد لها الألمان، في اليوم الأول، واجهت موجة القصف مشاكل عديدة، أبرزها سوء الأحوال الجوية وسوء التنسيق، مما أدى إلى خسائر كبيرة للطيران الألماني دون نتائج حاسمة.
ورغم ذلك، استمرت الهجمات خلال الأسابيع التالية، وبلغت ذروتها بين منتصف أغسطس وأوائل سبتمبر 1940.
(تُظهر السماء المكتظة بخطوط تكثّف بخار الطائرات أثناء Adlertag في 13 أغسطس 1940، وهو اليوم الأهم لانطلاق هجوم النسر. الصورة تجسّد حجم تشكيلات Luftwaffe وانخراطها المكثّف في الهجوم.)

استخدمت لوفتفافه (سلاح الجو الألماني) تشكيلات ضخمة من قاذفات القنابل مثل Heinkel He 111 و Dornier Do 17، ترافقها مقاتلات Messerschmitt Bf 109، بهدف تحييد دفاعات البريطانيين.
لكن البريطانيين كانوا قد بنوا شبكة دفاع متطورة، تعتمد على محطات الرادار ونظام قيادة وتحكم مرن، ما مكّنهم من التصدي لهجمات مكثفة بعدد أقل من الطائرات.
(تُظهر الصوره مجموعة من قاذفات Heinkel He 111 وهي تحلق فوق البحر قبيل الانطلاق نحو أهدافها في بريطانيا، مما يعكس حجم الجهود الجوية الألمانية خلال مرحلة الهجوم المبكرة.)

(طائرة Do 17 تحلق منخفضة فوق مياه بحر المانش، وهو تكتيك متكرر خلال الطلعات الجوية لتجنب اكتشاف الرادار، مما يدل على المهارات التكتيكية للطيارين الألمان.)

(طائرات Bf 109 تكوّن سربًا وهما في اشتباك جوي ضمن معركة بريطانيا، تُظهر القوة النوعية والتجمع التكتيكي للطيارات خلال Adlerangriff.)

طوال عملية “هجوم النسر”، أظهر الطيارون البريطانيون صمودًا مذهلًا. ورغم تفوق الألمان العددي والتكتيكي في البداية، إلا أن سلاح الجو الملكي حافظ على مرونته، وواصل إصلاح المطارات بسرعة مذهلة بعد كل ضربة، وأظهر القدرة على تنظيم طلعات مضادة فعالة، خاصة باستخدام الطائرة الأسطورية Spitfire.
(تُظهر تشكيلة لطائرات Spitfire أثناء طلعة جوية فوق جنوب إنجلترا، تمثل الرد الحاسم لـRAF ضد القاذفات الألمانية، وتوضح التصميم التكتلي المحكم لتحالف الدفاع البريطاني.)

تصوير لحظة درامية تُظهر طائرة Supermarine Spitfire وهي تشن هجومًا ضد قاذفة ألمانية (محاولة لاعتراض العدو)، ما يعكس قدرة سلاح الجو الملكي (RAF) على التصدي لهجوم Adlerangriff.

بنهاية العملية، لم يتحقق الهدف الأساسي منها: لم يتم تدمير سلاح الجو البريطاني، ولم يتم انتزاع السيطرة على السماء. بل على العكس، تكبّد الألمان خسائر فادحة، وبدا واضحًا أن غزو بريطانيا أصبح مخاطرة باهظة الثمن. ومع حلول منتصف سبتمبر، تحولت العمليات الألمانية نحو قصف المدن البريطانية بشكل عشوائي فيما عُرف لاحقًا باسم ذا بليتز.
هجوم النسر لم يكن مجرد معركة جوية، بل كان اختبارًا حاسمًا لقدرة النازية على فرض هيمنتها الكاملة على أوروبا.
فشل هذه العملية عنى أن بريطانيا ستبقى في المعركة، وستصبح لاحقًا منصة لانطلاق الحلفاء لتحرير أوروبا.
وكما قال تشرشل: “لم يكن هذا انتصارًا في السماء فقط، بل بداية النهاية لهيمنة الطغيان.”
مصادر موثوقة:
- Imperial War Museums – Adlerangriff and the Battle of Britain
- RAF Museum – The Eagle Attack
- BBC History – Battle of Britain: Eagle Day
- The National WWII Museum – Germany’s Plan to Invade Britain