"الغرفة التي يتحدث فيها الجميع ولا يصغي أحد": أزمة التحالفات العربية في عالم يتغيّر
عندما أراقب مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية، لا يمكنني إلا أن أتخيل قاعة مؤتمرات فخمة، ممتلئة بالقادة والوزراء، الميكروفونات مُضاءة، الكراسي جلدية، لكن الرسالة ضائعة في صدى الكلمات. الجميع يتحدث. لا أحد يصغي.
وفي الخارج؟ العالم يمضي بسرعة الضوء نحو اقتصاد معرفي، تحالفات تكنولوجية، أنظمة دفاع ذكية، وتكتلات عابرة للقارات.
فأين هم العرب من كل هذا؟ ما الذي يعطّل هذه الكيانات عن أن تكون أكثر من مجرد عناوين في نشرات الأخبار؟
الحلم الجميل: خليج موحد، وعروبة من المحيط إلى الخليج
الهدف من التحالفات، سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو ثقافية، هو خلق تأثير مضاعف يفوق قدرة كل دولة على حدة. لكن هذا الافتراض لا يصمد طويلًا أمام الواقع العربي.في الثمانينيات، عندما تأسس مجلس التعاون، كان حلمًا واعدًا: ست دول خليجية، غنية بالنفط، متقاربة ثقافيًا، تريد أن تصنع نموذجًا وحدويًا متقدمًا في قلب الشرق الأوسط المضطرب.
وفي الأربعينيات، عندما وُلدت الجامعة العربية، كانت أشبه بمحاولة لتخليد لحظة انتصار اللغة والتاريخ والدين على التقسيم الاستعماري.
لكن المشكلة أن الحلم لم يتحوّل إلى مؤسسة قابلة للحياة.
الجامعة باتت كمنزل عتيق لا أحد يريد هدمه، لكن لا أحد أيضًا يريد العيش فيه.
والمجلس أشبه بقطار سريع توقف عند أول أزمة سياسية حقيقية ولم يعُد يتحرك بنفس الثقة.
من الناتو إلى الآسيان: لماذا تنجح التحالفات هناك وتفشل هنا؟
دعني أخبرك بشيء.التحالفات لا تنجح لأنها تملك شعارات جميلة.
بل لأنها تملك ما يلي:
- مؤسسات تنفيذية مستقلة.
- إرادة سياسية لتنازل جزئي عن السيادة.
- مشروع اقتصادي أو أمني لا يحتمل التأجيل.
الآسيان ينجح لأنه يربط اقتصادات مترابطة وواقعية.
في المقابل، مجلس التعاون لم يستطع حتى الآن الاتفاق على عملة موحدة بعد أكثر من 40 سنة.
والجامعة العربية تبدو كمنصة لإلقاء البيانات أكثر من كونها أداة لصناعة القرار.
التحدي الأخطر أمام مجلس التعاون اليوم، ليس فقط في ضعف المؤسسات المشتركة، بل في نزوع بعض الدول الخليجية لرسم سياساتها الدولية بمعزل عن الإجماع الخليجي.
شهدنا في السنوات الأخيرة تحركات فردية واضحة: دول اختارت مقاربات دبلوماسية متباينة مع قوى إقليمية ودولية كبرى، ابتعدت فيها عن التوجه الجماعي لأجل مصالحها الاقتصادية أو السياسية المباشرة.
في أحيان كثيرة، تم تقديم المصالح الوطنية الآنية على حساب استراتيجية المجلس الأشمل، ما أدى إلى تآكل القدرة الجماعية على التفاوض، وزيادة هشاشة الموقف الخليجي الموحد في ملفات جوهرية كالأمن الإقليمي، والطاقة، والاستثمار الأجنبي.
كسر الإجماع: التجارة الحرة ونزيف القوة التفاوضية
من أكثر الأمثلة تعبيرًا عن هذا التوجه الفردي، دخول بعض الدول الخليجية بشكل منفرد في مفاوضات وصفقات تجارة حرة مع قوى اقتصادية كبرى في مقدمتها الولايات المتحدة.في الوقت الذي كان المجلس يسعى لبناء جبهة تفاوضية موحدة لتحقيق أكبر قدر من النفوذ، فضلت بعض العواصم عقد اتفاقاتها الخاصة، المفارقة أن بعض تلك الاتفاقات، رغم سرعتها، أفضت إلى ثغرات قانونية ومسائل سيادية حساسة.
هذه الخطوة لم تضعف فقط من قدرة المجلس على فرض شروط أفضل للمنطقة ككل، بل شكلت سابقة عززت منطق "الفردانية المؤسسية" على حساب العمل الجماعي، وأضعفت من جدوى أي مفاوضات مستقبلية باسم المجلس.
لماذا يفشل العرب في بناء تحالفاتهم؟ إليك الإجابة الصعبة.
أولاً: لأنهم يخشون التنازل عن السيادة.
الكل يريد التكامل بشرط ألا يمس قراره الوطني. لكن بدون تنازل جزئي، لا يُبنى شيء مشترك.ثانيًا: لأنهم يربطون التحالف بالأنظمة لا بالشعوب.
لهذا نرى الانقسامات السياسية تُفرّغ كل مؤسسات التعاون من مضمونها بمجرد تغيّر الحكومات أو الخلافات الشخصية ، كما أن كل دولة تتحرك وفق أمنها القومي الضيق، لا وفق المصلحة الجماعية.ثالثًا: لأنهم يفتقدون الثقافة المؤسسية.
القرارات تتخذ غالبًا من الأعلى، وتنزل كأوامر، لا كاتفاقات مؤسسية يمكن البناء عليها ، لا توجد أجهزة تنفيذية مستقلة أو آليات مساءلة حقيقية.افتراضات مستقبلية: سيناريوهات الهندسة الجديدة
أ. نموذج التكتلات المرنة (Flexible Geometry)
- التحولات العالمية تفرض نمط تكتلات مرنة غير تقليدية: تحالفات حول قضايا وظيفية (مثل الأمن السيبراني أو الأمن الغذائي) عابرة للجغرافيا التقليدية.
- "تكتلات متغيرة الهندسة" تقودها مصالح ظرفية، لا هويات ثابتة.
ب. نهاية “الدور التقليدي” وبزوغ شبكات الاعتمادية الجديدة
- التحالفات المستقبلية قد تتشكل عبر شبكات قطاعية (health-tech, green energy, data flows) بدلاً من التكتلات الجغرافية.
أسئلة تفاعلية:
- إذا استمر الأداء الحالي للجامعة العربية والمجلس الخليجي، كيف تتوقع مستقبلهما بعد عشر سنوات؟ هل تتوقع مزيداً من التآكل، أم بروز تكتلات فرعية أكثر فعالية؟
- في ظل انفتاح بعض الدول على سياسات خارجية أو اقتصادية لا تتوافق مع توجه المجلس، كيف ترى تأثير ذلك على صورة ووحدة مجلس التعاون؟
- هل تؤمن بأن الإصلاح المؤسسي ممكن فعلاً في هذه الكيانات، أم أن المصالح ستظل تتغلب على أي مشروع جماعي طويل الأمد؟
^
اعلاه مقال كتب عن طريق ai ..
،،