طائرات القتال دون طيار
ثورة في التصميم
كان القادة العسكريون يحلمون منذ زمن بعيد بانهم قادرون على تشغيل طائرات دعم جوي قريب (CAS) تمكن من تزويد القوات البرية بالحماية التي يحتاجون اليها، لكن من دون تعريض الطيارين لاخطار الصواريخ اليدوية الزائدة والنيران الارضية. وتمت تلبية هذه الحاجة بتجهيز طائرات الدعم الجوي القريب (CAS) بانواع مختلفة كثيرة من تدابير الدفاع الذاتي، بما فيها عصائف الخداع والبالونات الحرارية والانذارات من الصواريخ والمشوشات والدروع الاضافية. وهذه الانظمة والدروع تضيف وزنا على وزن الطائرة ويمكن ان تحد من اداء الطيران وتخفض وقت التحليق في مكان العمليات ايضا. ففي البيئات التي تتصف بمجازفة كبيرة على المستوى المنخفض، يود الطيارون الحد اكثر من الفترات التي يتعرضون فيها لهذه الاخطار الزائدة. ولذلك تنفذ الدوريات الجوية غالبا على ارتفاع شاهق، ولا ينفذ اي هجوم على مستوى منخفض الا على الاهداف المحددة، او كعرض للقوة لابقاء القوات المعادية على الجانب الدفاعي. وتشير الاطقم الجوية العملانية غالبا لهذا النوع من العمليات الدوريات الجوية على انه عمليات طيران عادية باهتة وقذرة - باعتبار ان الدوريات الطويلة يمكن ان تكون مملة جدا ومتكررة، في حين يكون الطيران على مستوى منخفض هو الاشد خطرا. وبقدر ما يبقى الطيار مدة اطول في الدورية بقدر ما يكون الاحتمال اكبر بانخفاض مستوى الاداء البشري، وبالتالي يجب ايلاء الاعتبار لامور كثيرة منها الوقت المطلوب للقيام بالمهمة وانشطة ادراك الوضع ابان الطيران وبالقدرة على الاحتفاظ بكمية وقود كافية للعودة الى القاعدة بامان، او التزود بالوقود جوا. واذا ما كانت الطائرة دون طيار، يمكن ان يكون اداء الدعم الجوي القريب (CAS) معززا ليؤمن افضل اداء على رغم طول الدورة العملانية. ولن يتدنى اداء النظم على متن الطائرة، على عكس الحال بالنسبة للطيار، مع طول المهمة.
تطور المركبات
ان تطوير مركبة جوية دون طيار اكبر واقوى ادخل بُعدا جديدا كاملا على عمليات الدعم الجوي القريب (CAS)، وبالقدرة على البقاء منتظرة لساعات عديدة دون الحاجة للعودة لتبديل الاطقم او التزود بالوقود، فان المركبة الجوية دون طيار تخطت حدودها العملانية الاولى، التي كانت تتألف الى حد كبير من تأمين المراقبة وجمع البيانات وتوزيعها. ويمكن ان تحمل حاليا ايضا حملا نافعا من الاسلحة لمهاجمة اهداف ارضية يمكن تحديدها ابان الدورية او تكون نتيجة طلب من القوات الارضية، ويمكن ان تقدم دعما جويا قريبا باسلحة دقيقة، لكن دون اي خطر من تعريض الطيارين الثمينين والذين تدربوا بتكاليف باهظة للمجازفة. وهذه القدرة لم تنضج الا خلال السنوات القليلة الماضية مباشرة نتيجة الحاجات العملانية في العراق وافغانستان، لكن كان التقدم سريعا ويجري حاليا الاستفادة افادة فعالة جدا من اول طائرة دون طيار تستطيع الهجوم في كل يوم من الخدمة. ولا يمكن ان يكون هناك ادنى شك في ان مزيدا من المشغلين في العقد المقبل سوف يدخلون هذه المنصات الجوية التي لا تمنح فقط امكانية اوقات الرد بسرعة اكثر، انما تقدم توفيرا مهما في تكاليف التشغيل مقارنة مع الطائرات التي يقودها طيارون عبر ادخارات طويلة الامد في القوة العاملة والتدريب. ويجب الاخذ بالاعتبار تكاليف انشاء البنى التحتية للتحكم بالمركبات الجوية دون طيار، الا ان هذه باتت حاليا ذات تكلفة معقولة اكثر باعتبار انه يمكن الحصول على حجرات تحكم مجهزة تماما كجزء من رزمة مركبات جوية دون طيار، قابلة للنقل جوا وبرا، بحيث تمكن من انشاء قاعدة تشغيل ارضية بسرعة في اي منطقة فيها قاعدة آمنة.
في هذا السياق، برزت الشركة الاميركية (General Atomics Aeronautical Systems) رائدة في السوق في السباق لتأتي بالمركبات الجوية العملانية دون طيار المسلحة للاستعمال في الخطوط الامامية. وبعد ان بذلت درجة كبيرة من الخبرة في تطوير المركبات الجوية دون طيار الاستطلاعية السابقة وتحليقها، طورت الشركة طائفة كاملة من المركبات (UAVs) بلغ عددها حاليا ٦ مركبات مختلفة. ويمكن ان تجهز كلها حاليا للعمل كطائرات ضاربة بالاضافة الى تأمين استطلاع تكتيكي يدوم طويلا بتكاليف منخفضة وجمع المخابرات في شبكة مهام متعددة، ومراقبة منطقة واسعة. ويمكن توجيه الطائرة من بعيد بواسطة مشغلين على الارض، او ان تحلق كمركبة جوية مستقلة تماما، وتقلع محلقة في مهمة وتعود الى القاعدة اوتوماتيكيا بناء على تعليمات مبرمجة. ويمكن بالاسلوب الاوتوماتيكي ان تقوم بمهمة البحث عن تحركات مشبوهة او تحركات ارضية غير اعتيادية، او تستعمل لكشف مناطق اهداف محددة وترسل بعدئذ صورا مناسبة او بيانات اخرى للمشغلين الذين يمكن ان يتخذوا قرارا بشن الهجوم. ويجب القيام بهذه المهام الهجومية جوا بناء على مقاييس اشتباك صارمة. لذلك، ان استعمال طائرات من دون طيار مستقبلا في دور دعم قريب سوف يقتضي مع ذلك قرارا بشريا لخفض المجازفة باحداث اصابات مدنية او حوادث اطلاق نار صديقة تنجم من خطأ في تحديد الهدف. فباستعمال احدث الاسلحة الدقيقة، انخفضت هذه المجازفات حاليا لدرجة كبيرة جدا، خاصة عندما تحدد القوات البرية الاهداف ليزريا.
اصغر المركبات الجوية
ان اصغر عضو في طائفة مركبات شركة (General Atomics) هو المركبة (I-Gnat)، المعروفة ايضا باسم (Sky Warrior Alpha). وتتمتع هذه المركبة، بوزن اقلاع قائم يبلغ ٢٣٠٠ رطل فقط، وباستدامة تبلغ نحو ٤٠ ساعة بسرعة قصوى تبلغ ١٢٠ عقدة على ارتفاع اقصاه ٢٥٠٠٠ قدم. وتستطيع ان تحمل حملا نافعا لغاية ٤٥٠ رطلا، وتتمتع ايضا باماكن تعليق خارجية لتحمل ٣٠٠ رطل من الاسلحة ذات الوزن الخفيف. وتعمل وصلات التحكم والبيان في مجال خط الرؤية في نطاق ذبذبة (C) والتحكم على الافق بواسطة الاتصالات بالاقمار الاصطناعية (SATCOM) في نطاق ذبذبة (Ku). وتحمل المركبة كاميرا بصرية - الكترونية تعمل بالاشعة تحت الحمراء تميز بوضوح كبير مع رادار (Lynx) الذي يكوّن الصورة بتفاصيل دقيقة (SAR)، وتمنح اداء في كل الاحوال الجوية وفي النهار والليل. ويمكن ان تزوّد النظم على متن المركبة بيانات تدل على الاهداف المتحركة على الارض (GMTI) مع تغطية بقعة او شريط منطقة واسعة. وتبلغ مستويات التمييز حدا عاليا - ٣ امتار - ويمتد مدى تكوين الصورة الرادارية (SAR) الى مسافة ٨٠ كيلومترا. ويمكن بالملاحة بالقصور الذاتي وبنظام (GPS) المتاح التحكم بالمركبات الجوية بدقة كبيرة، وترسل صورا يمكن منحها مباشرة احداثيات اهداف دقيقة. وقد حققت المركبة المعنية (I-Gnat) اعلى معدل لقدرة "مهمة تامة" اكثر من اي مركبة جوية دون طيار عملانية اخرى، فقد حققت خلال سنتين فقط ١٠٠٠٠ ساعة طيران قتالية بثلاث طائرات فقط. ويتمتع النظام، الذي تتدنى تكاليف صيانته، كثيرا بالاهتمام لجهة التصدير، وقد ادخل الخدمة في الجيش التركي.
اما المركبة (MQ - 1 Predator)، فقد صممت للقيام باستطلاع ومراقبة على ارتفاع متوسط باستدامة طويلة واطلاق الاسلحة. وتشاطر الهيكل نفسه، مع مركبة (I-Gnat)، وتتمتع باداء مماثل، لكنها مجهزة بنظم معززة على متنها. وهي حاليا المركبة المسلحة الاكثر تجربة في القتال عالميا قيد الخدمة وهي تزود القوات بغطاء استطلاع مسلح دائم وبدعم جوي قريب. وتتمتع الى جانب نظام كاميرا بصرية - الكترونية"مركبة على محور ثابت يعمل بالاشعة تحت الحمراء بليزر كشف وبليزر آخر لتحديد المدى. ويمكن ان تصمم الطائرة ايضا لتحمل صواريخ جو - جو للدفاع عن النفس، وتحمل في الخدمة ايضا زوجا من صواريخ (Hellfire) جو - ارض. وهي تخدم في سلاح الجو الاميركي وفي البحرية الاميركية، وفي سلاح الجو الايطالي، وحلقت في عمليات مشتركة بين سلاح الجو الملكي البريطاني وسلاح الجو الاميركي فوق افغانستان. وقد طوّرت من طائفة مركبات (Predator) لتمنح الجيش الاميركي مركبة (UAV) متعددة الاغراض بعيدة المدى. وهي مجهزة بمحرك يعمل بالوقود الثقيل، كما انها تتمتع بالكترونيات طيران اضافية لمهام طويلة جدا، والهدف منها هو اجراء مراقبة وترحيل الاتصالات واطلاق الاسلحة مع القدرة على ان تحمل حملا مضاعفا من الاسلحة اكثر من مركبة (Predator) القياسية.
الخبرة البريطانية
بدأت الخبرة البريطانية في عمليات المركبة (Predator) في عام ٢٠٠٤، وقد ادى هذا الى تقديم طلبات مباشرة على مركبة (Predator -B) الاكبر، المعروفة ايضا باسم (MQ-9 Reaper)، التي تتمتع باداء اكبر مقارنة مع طراز مركبة (Predator - A) التي تحمل في داخلها حملا نافعا يزن ٨٥٠ رطلا، وتتمتع بقدرة على حمل اسلحة خارجية وزنها ٣٠٠٠ رطل. واضافة الى حمل صواريخ (Hellfire)، تستطيع ان تحمل قنابل موجهة ليزريا من نوع (GBU - 21) وذخيرة الهجوم المباشر المشتركة (GBU - 83) وذخيرة اخرى. وتتمتع المركبة (Reaper) ايضا، القادرة على الطيران على ارتفاع ٥٠٠٠٠ قدم بسرعة ٢٤٠ عقدة، باستدامة لاكثر من ٣٠ ساعة، مما يتيح لاسطول صغير ان يؤمن غطاء على مدار ٢٤ ساعة. وتمنح هذه الطائرة كسبا لحمل نافع تبلغ نسبته ٥٠٠ في المائة زيادة على المركبات السابقة من شركة (General Atomics)، وهي مصممة بنظام يحتمل الخطأ ويتحكم بالطيران بالكترونيات الطيران الزائدة والمضاعفة ثلاث مرات لزيادة الاعتماد عليها.
وهي مجهزة بمحرك دفع تربيني (TPE-133-01T) من شركة (Honeywell). ويبلغ طول باع جناحها ٦٦ قدما ووزنها القائم لدى الاقلاع ١٠٥٠٠ رطل. ويمنح نظام الاشادة الى الهدف المتحرك على الارض (GMTI) تعريفا للهدف واداء متابعة مماثلا لاداء طائرات المهام الخاصة (JSTARS)، الا انها ليست بحاجة الى طاقم محمول جوا. ويستعملها سلاح الجو الاميركي والبحرية الاميركية وسلاح الجو الملكي البريطاني الذي يستعمل اسطولا صغيرا منتشرا في افغانستان. وان قدرة الطائرة على حمل مجموعة مختلفة من الاسلحة الدقيقة وصواريخ (Hellfire) ادخلت قدرة رد سريع جدا، لان المركبة (UAV) تستطيع القيام بدورية مراقبة عالية فوق ميدان المعركة، وترسل صورا واضحة عن منطقة القتال، وتتمكن بعدئذ من اطلاق اسلحة بوقت رد اسرع من طلب طائرات مأهولة مستقلة للدعم الجوي القريب (CAS). ويمكن ان يكون المراقبون متموضعين على الجانب الآخر من العالم، ولان نظام المركبة الجوية دون طيار (UAV) يستعمل اتصالات بالاقمار الاصطناعية (SATCOM) ويرسل بيانات في الوقت الفعلي، فلا يؤثر ما اذا كانت المراقبة من قبل مرافق القيادة في المنطقة العملانية او بعيدة ألوف الاميال.
ويمكن نقل المحطات الارضية الرقمية الصلبة في طائرات نقل من طراز (C - 031) او (C - 71). هذا ويمكن ان توزع البيانات من المستشعرات على الطائرة للمشغلين في اي قاعدة على الارض وفي اي طائرة او سفينة. ويمكن حتى بث الاتصالات من غواصة تحت الماء. وقد سلمت اول مركبة (Reaper) لسلاح الجو الملكي (RAF) البريطاني في تشرين الاول"اكتوبر عام ٢٠٠٧، وهي قيد الخدمة حاليا في كل يوم في افغانستان وتعمل الى جانب الطائرات الاميركية.
المستقبل
يرجح ان الطائرة من دون طيار سوف تلعب في المستقبل دورا بارزا في تأمين قدرة مراقبة دائمة ودعما جويا قريبا. وسوف يستبدل في النهاية قسم من منصات الدعم الجوي القريب (CAS) الموجودة، مثل طائرة (Harrier)، بالمقاتلة (F-35 JSF). لكن قد يكون هذا خيارا باهظ الثمن بالنسبة للمهام الباهتة القدرة الدوريات على ارتفاع شاهق، كما سوف تتولى المركبات الجوية دون طيار بالتالي نسبة اكبر من قدرة الدعم الجوي القريب (CAS) كلما تراكمت الخبرة. وقد بذلت شركة BAE Systems) هذا المجال بالتعاون مع وزارة الدفاع البريطانية. وقد جرى بالفعل تقدير مركبة جوية دون طيار منخفضة التكلفة، مثل مركبة (Herti) في احوال قتالية في افغانستان هذا، وقد اقرت حسنات تزويد طائرات UAV بأسلحة خفيفة للهجوم الدقيق جو - ارض، واطلق نموذج انتاج محدث جديد يعرف باسم (Fury) كبرنامج تجربة. ويمكن ان يحمل هذا النموذج تحت كل جناح صاروخ شركة (Thales) الخفيف الوزن الجديد. وقد دمج البرنامج السلاح بنجاح مع نظام التصويب والاطلاق على متن المركبة الجوية دون طيار المستقلة، كما نفذت مركبة التجربة، بتكاليف منخفضة وبصمة لوجستية متدنية وعبء عمل للمشغل، اطلاقا حيا للاسلحة في استراليا. وهي المركبة موجهة الى المملكة المتحدة وطلبات التصدير. وان المركبة الاساسية (Herti)، التي تعتمد عليها مركبة (Fury)، تلتقط وتعالج وتوزع صورا عالية الجودة في دعم متطلبات المراقبة والاستطلاع للزبائن العسكريين والمدنيين. ويعالج ايضا نظام ادارة "مستشعر جمع الصور واستغلاله" باستقلال تام حملا نافعا من المستشعرات باساليب متعددة، بما فيها الاساليب البصرية - الالكترونية والتي تعمل بالاشعة تحت الحمراء وايضا بالرادار الذي يكون الصورة بتفاصيل دقيقة وبتدابير دعم الكترونية. وان تصميم المركبة الجوية دون طيار (ISTAR) بتكاليف معقولة، لكن قادرة وامنة في ميدان المعركة، يجب ان تتمتع باعجاب كبير. وسوف تتبع بخطوة اخرى في قدرة منصة المركبة الجوية لشركة (BAE) على شكل مركبة (Montis) الجديدة، وهي تكنولوجيا تجريبية تدعمها وزارة الدفاع البريطانية. وتشكل قاعدة اساسية لبرنامج تطوير حلزوني يمنح منصة مستقلة (ISTAR) دائمة بعيدة المدى مزدوجة المحركات للاستدامة طويلا وحمل اسلحة يمكن مقارنته بالطائرات الحالية المأهولة للدعم الجوي القريب (CAS). لذلك يجري بناء نموذج سوف يحلق هذه السنة.
ان اختيار المنصات الجوية العسكرية دون طيار ينمو طوال الوقت الى جانب التحسين السريع في القدرة والاعتماد. وكان يبدو كل هذا قبل عشر سنوات حلما بعيدا بالنسبة للعسكريين، لكن اصبح حاليا جزءا روتينيا من المهمة من يوم الى يوم. ومن ناحية التكاليف، بدأت تقدم للزبائن طريقة للحصول على افضل الحلول انما بسعر منخفض اكثر - هذا لم يحصل منذ زمن بعيد، الا انه يشكل بوضوح الطريق للمستقبل.
ثورة في التصميم
كان القادة العسكريون يحلمون منذ زمن بعيد بانهم قادرون على تشغيل طائرات دعم جوي قريب (CAS) تمكن من تزويد القوات البرية بالحماية التي يحتاجون اليها، لكن من دون تعريض الطيارين لاخطار الصواريخ اليدوية الزائدة والنيران الارضية. وتمت تلبية هذه الحاجة بتجهيز طائرات الدعم الجوي القريب (CAS) بانواع مختلفة كثيرة من تدابير الدفاع الذاتي، بما فيها عصائف الخداع والبالونات الحرارية والانذارات من الصواريخ والمشوشات والدروع الاضافية. وهذه الانظمة والدروع تضيف وزنا على وزن الطائرة ويمكن ان تحد من اداء الطيران وتخفض وقت التحليق في مكان العمليات ايضا. ففي البيئات التي تتصف بمجازفة كبيرة على المستوى المنخفض، يود الطيارون الحد اكثر من الفترات التي يتعرضون فيها لهذه الاخطار الزائدة. ولذلك تنفذ الدوريات الجوية غالبا على ارتفاع شاهق، ولا ينفذ اي هجوم على مستوى منخفض الا على الاهداف المحددة، او كعرض للقوة لابقاء القوات المعادية على الجانب الدفاعي. وتشير الاطقم الجوية العملانية غالبا لهذا النوع من العمليات الدوريات الجوية على انه عمليات طيران عادية باهتة وقذرة - باعتبار ان الدوريات الطويلة يمكن ان تكون مملة جدا ومتكررة، في حين يكون الطيران على مستوى منخفض هو الاشد خطرا. وبقدر ما يبقى الطيار مدة اطول في الدورية بقدر ما يكون الاحتمال اكبر بانخفاض مستوى الاداء البشري، وبالتالي يجب ايلاء الاعتبار لامور كثيرة منها الوقت المطلوب للقيام بالمهمة وانشطة ادراك الوضع ابان الطيران وبالقدرة على الاحتفاظ بكمية وقود كافية للعودة الى القاعدة بامان، او التزود بالوقود جوا. واذا ما كانت الطائرة دون طيار، يمكن ان يكون اداء الدعم الجوي القريب (CAS) معززا ليؤمن افضل اداء على رغم طول الدورة العملانية. ولن يتدنى اداء النظم على متن الطائرة، على عكس الحال بالنسبة للطيار، مع طول المهمة.
تطور المركبات
ان تطوير مركبة جوية دون طيار اكبر واقوى ادخل بُعدا جديدا كاملا على عمليات الدعم الجوي القريب (CAS)، وبالقدرة على البقاء منتظرة لساعات عديدة دون الحاجة للعودة لتبديل الاطقم او التزود بالوقود، فان المركبة الجوية دون طيار تخطت حدودها العملانية الاولى، التي كانت تتألف الى حد كبير من تأمين المراقبة وجمع البيانات وتوزيعها. ويمكن ان تحمل حاليا ايضا حملا نافعا من الاسلحة لمهاجمة اهداف ارضية يمكن تحديدها ابان الدورية او تكون نتيجة طلب من القوات الارضية، ويمكن ان تقدم دعما جويا قريبا باسلحة دقيقة، لكن دون اي خطر من تعريض الطيارين الثمينين والذين تدربوا بتكاليف باهظة للمجازفة. وهذه القدرة لم تنضج الا خلال السنوات القليلة الماضية مباشرة نتيجة الحاجات العملانية في العراق وافغانستان، لكن كان التقدم سريعا ويجري حاليا الاستفادة افادة فعالة جدا من اول طائرة دون طيار تستطيع الهجوم في كل يوم من الخدمة. ولا يمكن ان يكون هناك ادنى شك في ان مزيدا من المشغلين في العقد المقبل سوف يدخلون هذه المنصات الجوية التي لا تمنح فقط امكانية اوقات الرد بسرعة اكثر، انما تقدم توفيرا مهما في تكاليف التشغيل مقارنة مع الطائرات التي يقودها طيارون عبر ادخارات طويلة الامد في القوة العاملة والتدريب. ويجب الاخذ بالاعتبار تكاليف انشاء البنى التحتية للتحكم بالمركبات الجوية دون طيار، الا ان هذه باتت حاليا ذات تكلفة معقولة اكثر باعتبار انه يمكن الحصول على حجرات تحكم مجهزة تماما كجزء من رزمة مركبات جوية دون طيار، قابلة للنقل جوا وبرا، بحيث تمكن من انشاء قاعدة تشغيل ارضية بسرعة في اي منطقة فيها قاعدة آمنة.
في هذا السياق، برزت الشركة الاميركية (General Atomics Aeronautical Systems) رائدة في السوق في السباق لتأتي بالمركبات الجوية العملانية دون طيار المسلحة للاستعمال في الخطوط الامامية. وبعد ان بذلت درجة كبيرة من الخبرة في تطوير المركبات الجوية دون طيار الاستطلاعية السابقة وتحليقها، طورت الشركة طائفة كاملة من المركبات (UAVs) بلغ عددها حاليا ٦ مركبات مختلفة. ويمكن ان تجهز كلها حاليا للعمل كطائرات ضاربة بالاضافة الى تأمين استطلاع تكتيكي يدوم طويلا بتكاليف منخفضة وجمع المخابرات في شبكة مهام متعددة، ومراقبة منطقة واسعة. ويمكن توجيه الطائرة من بعيد بواسطة مشغلين على الارض، او ان تحلق كمركبة جوية مستقلة تماما، وتقلع محلقة في مهمة وتعود الى القاعدة اوتوماتيكيا بناء على تعليمات مبرمجة. ويمكن بالاسلوب الاوتوماتيكي ان تقوم بمهمة البحث عن تحركات مشبوهة او تحركات ارضية غير اعتيادية، او تستعمل لكشف مناطق اهداف محددة وترسل بعدئذ صورا مناسبة او بيانات اخرى للمشغلين الذين يمكن ان يتخذوا قرارا بشن الهجوم. ويجب القيام بهذه المهام الهجومية جوا بناء على مقاييس اشتباك صارمة. لذلك، ان استعمال طائرات من دون طيار مستقبلا في دور دعم قريب سوف يقتضي مع ذلك قرارا بشريا لخفض المجازفة باحداث اصابات مدنية او حوادث اطلاق نار صديقة تنجم من خطأ في تحديد الهدف. فباستعمال احدث الاسلحة الدقيقة، انخفضت هذه المجازفات حاليا لدرجة كبيرة جدا، خاصة عندما تحدد القوات البرية الاهداف ليزريا.
اصغر المركبات الجوية
ان اصغر عضو في طائفة مركبات شركة (General Atomics) هو المركبة (I-Gnat)، المعروفة ايضا باسم (Sky Warrior Alpha). وتتمتع هذه المركبة، بوزن اقلاع قائم يبلغ ٢٣٠٠ رطل فقط، وباستدامة تبلغ نحو ٤٠ ساعة بسرعة قصوى تبلغ ١٢٠ عقدة على ارتفاع اقصاه ٢٥٠٠٠ قدم. وتستطيع ان تحمل حملا نافعا لغاية ٤٥٠ رطلا، وتتمتع ايضا باماكن تعليق خارجية لتحمل ٣٠٠ رطل من الاسلحة ذات الوزن الخفيف. وتعمل وصلات التحكم والبيان في مجال خط الرؤية في نطاق ذبذبة (C) والتحكم على الافق بواسطة الاتصالات بالاقمار الاصطناعية (SATCOM) في نطاق ذبذبة (Ku). وتحمل المركبة كاميرا بصرية - الكترونية تعمل بالاشعة تحت الحمراء تميز بوضوح كبير مع رادار (Lynx) الذي يكوّن الصورة بتفاصيل دقيقة (SAR)، وتمنح اداء في كل الاحوال الجوية وفي النهار والليل. ويمكن ان تزوّد النظم على متن المركبة بيانات تدل على الاهداف المتحركة على الارض (GMTI) مع تغطية بقعة او شريط منطقة واسعة. وتبلغ مستويات التمييز حدا عاليا - ٣ امتار - ويمتد مدى تكوين الصورة الرادارية (SAR) الى مسافة ٨٠ كيلومترا. ويمكن بالملاحة بالقصور الذاتي وبنظام (GPS) المتاح التحكم بالمركبات الجوية بدقة كبيرة، وترسل صورا يمكن منحها مباشرة احداثيات اهداف دقيقة. وقد حققت المركبة المعنية (I-Gnat) اعلى معدل لقدرة "مهمة تامة" اكثر من اي مركبة جوية دون طيار عملانية اخرى، فقد حققت خلال سنتين فقط ١٠٠٠٠ ساعة طيران قتالية بثلاث طائرات فقط. ويتمتع النظام، الذي تتدنى تكاليف صيانته، كثيرا بالاهتمام لجهة التصدير، وقد ادخل الخدمة في الجيش التركي.
اما المركبة (MQ - 1 Predator)، فقد صممت للقيام باستطلاع ومراقبة على ارتفاع متوسط باستدامة طويلة واطلاق الاسلحة. وتشاطر الهيكل نفسه، مع مركبة (I-Gnat)، وتتمتع باداء مماثل، لكنها مجهزة بنظم معززة على متنها. وهي حاليا المركبة المسلحة الاكثر تجربة في القتال عالميا قيد الخدمة وهي تزود القوات بغطاء استطلاع مسلح دائم وبدعم جوي قريب. وتتمتع الى جانب نظام كاميرا بصرية - الكترونية"مركبة على محور ثابت يعمل بالاشعة تحت الحمراء بليزر كشف وبليزر آخر لتحديد المدى. ويمكن ان تصمم الطائرة ايضا لتحمل صواريخ جو - جو للدفاع عن النفس، وتحمل في الخدمة ايضا زوجا من صواريخ (Hellfire) جو - ارض. وهي تخدم في سلاح الجو الاميركي وفي البحرية الاميركية، وفي سلاح الجو الايطالي، وحلقت في عمليات مشتركة بين سلاح الجو الملكي البريطاني وسلاح الجو الاميركي فوق افغانستان. وقد طوّرت من طائفة مركبات (Predator) لتمنح الجيش الاميركي مركبة (UAV) متعددة الاغراض بعيدة المدى. وهي مجهزة بمحرك يعمل بالوقود الثقيل، كما انها تتمتع بالكترونيات طيران اضافية لمهام طويلة جدا، والهدف منها هو اجراء مراقبة وترحيل الاتصالات واطلاق الاسلحة مع القدرة على ان تحمل حملا مضاعفا من الاسلحة اكثر من مركبة (Predator) القياسية.
الخبرة البريطانية
بدأت الخبرة البريطانية في عمليات المركبة (Predator) في عام ٢٠٠٤، وقد ادى هذا الى تقديم طلبات مباشرة على مركبة (Predator -B) الاكبر، المعروفة ايضا باسم (MQ-9 Reaper)، التي تتمتع باداء اكبر مقارنة مع طراز مركبة (Predator - A) التي تحمل في داخلها حملا نافعا يزن ٨٥٠ رطلا، وتتمتع بقدرة على حمل اسلحة خارجية وزنها ٣٠٠٠ رطل. واضافة الى حمل صواريخ (Hellfire)، تستطيع ان تحمل قنابل موجهة ليزريا من نوع (GBU - 21) وذخيرة الهجوم المباشر المشتركة (GBU - 83) وذخيرة اخرى. وتتمتع المركبة (Reaper) ايضا، القادرة على الطيران على ارتفاع ٥٠٠٠٠ قدم بسرعة ٢٤٠ عقدة، باستدامة لاكثر من ٣٠ ساعة، مما يتيح لاسطول صغير ان يؤمن غطاء على مدار ٢٤ ساعة. وتمنح هذه الطائرة كسبا لحمل نافع تبلغ نسبته ٥٠٠ في المائة زيادة على المركبات السابقة من شركة (General Atomics)، وهي مصممة بنظام يحتمل الخطأ ويتحكم بالطيران بالكترونيات الطيران الزائدة والمضاعفة ثلاث مرات لزيادة الاعتماد عليها.
وهي مجهزة بمحرك دفع تربيني (TPE-133-01T) من شركة (Honeywell). ويبلغ طول باع جناحها ٦٦ قدما ووزنها القائم لدى الاقلاع ١٠٥٠٠ رطل. ويمنح نظام الاشادة الى الهدف المتحرك على الارض (GMTI) تعريفا للهدف واداء متابعة مماثلا لاداء طائرات المهام الخاصة (JSTARS)، الا انها ليست بحاجة الى طاقم محمول جوا. ويستعملها سلاح الجو الاميركي والبحرية الاميركية وسلاح الجو الملكي البريطاني الذي يستعمل اسطولا صغيرا منتشرا في افغانستان. وان قدرة الطائرة على حمل مجموعة مختلفة من الاسلحة الدقيقة وصواريخ (Hellfire) ادخلت قدرة رد سريع جدا، لان المركبة (UAV) تستطيع القيام بدورية مراقبة عالية فوق ميدان المعركة، وترسل صورا واضحة عن منطقة القتال، وتتمكن بعدئذ من اطلاق اسلحة بوقت رد اسرع من طلب طائرات مأهولة مستقلة للدعم الجوي القريب (CAS). ويمكن ان يكون المراقبون متموضعين على الجانب الآخر من العالم، ولان نظام المركبة الجوية دون طيار (UAV) يستعمل اتصالات بالاقمار الاصطناعية (SATCOM) ويرسل بيانات في الوقت الفعلي، فلا يؤثر ما اذا كانت المراقبة من قبل مرافق القيادة في المنطقة العملانية او بعيدة ألوف الاميال.
ويمكن نقل المحطات الارضية الرقمية الصلبة في طائرات نقل من طراز (C - 031) او (C - 71). هذا ويمكن ان توزع البيانات من المستشعرات على الطائرة للمشغلين في اي قاعدة على الارض وفي اي طائرة او سفينة. ويمكن حتى بث الاتصالات من غواصة تحت الماء. وقد سلمت اول مركبة (Reaper) لسلاح الجو الملكي (RAF) البريطاني في تشرين الاول"اكتوبر عام ٢٠٠٧، وهي قيد الخدمة حاليا في كل يوم في افغانستان وتعمل الى جانب الطائرات الاميركية.
المستقبل
يرجح ان الطائرة من دون طيار سوف تلعب في المستقبل دورا بارزا في تأمين قدرة مراقبة دائمة ودعما جويا قريبا. وسوف يستبدل في النهاية قسم من منصات الدعم الجوي القريب (CAS) الموجودة، مثل طائرة (Harrier)، بالمقاتلة (F-35 JSF). لكن قد يكون هذا خيارا باهظ الثمن بالنسبة للمهام الباهتة القدرة الدوريات على ارتفاع شاهق، كما سوف تتولى المركبات الجوية دون طيار بالتالي نسبة اكبر من قدرة الدعم الجوي القريب (CAS) كلما تراكمت الخبرة. وقد بذلت شركة BAE Systems) هذا المجال بالتعاون مع وزارة الدفاع البريطانية. وقد جرى بالفعل تقدير مركبة جوية دون طيار منخفضة التكلفة، مثل مركبة (Herti) في احوال قتالية في افغانستان هذا، وقد اقرت حسنات تزويد طائرات UAV بأسلحة خفيفة للهجوم الدقيق جو - ارض، واطلق نموذج انتاج محدث جديد يعرف باسم (Fury) كبرنامج تجربة. ويمكن ان يحمل هذا النموذج تحت كل جناح صاروخ شركة (Thales) الخفيف الوزن الجديد. وقد دمج البرنامج السلاح بنجاح مع نظام التصويب والاطلاق على متن المركبة الجوية دون طيار المستقلة، كما نفذت مركبة التجربة، بتكاليف منخفضة وبصمة لوجستية متدنية وعبء عمل للمشغل، اطلاقا حيا للاسلحة في استراليا. وهي المركبة موجهة الى المملكة المتحدة وطلبات التصدير. وان المركبة الاساسية (Herti)، التي تعتمد عليها مركبة (Fury)، تلتقط وتعالج وتوزع صورا عالية الجودة في دعم متطلبات المراقبة والاستطلاع للزبائن العسكريين والمدنيين. ويعالج ايضا نظام ادارة "مستشعر جمع الصور واستغلاله" باستقلال تام حملا نافعا من المستشعرات باساليب متعددة، بما فيها الاساليب البصرية - الالكترونية والتي تعمل بالاشعة تحت الحمراء وايضا بالرادار الذي يكون الصورة بتفاصيل دقيقة وبتدابير دعم الكترونية. وان تصميم المركبة الجوية دون طيار (ISTAR) بتكاليف معقولة، لكن قادرة وامنة في ميدان المعركة، يجب ان تتمتع باعجاب كبير. وسوف تتبع بخطوة اخرى في قدرة منصة المركبة الجوية لشركة (BAE) على شكل مركبة (Montis) الجديدة، وهي تكنولوجيا تجريبية تدعمها وزارة الدفاع البريطانية. وتشكل قاعدة اساسية لبرنامج تطوير حلزوني يمنح منصة مستقلة (ISTAR) دائمة بعيدة المدى مزدوجة المحركات للاستدامة طويلا وحمل اسلحة يمكن مقارنته بالطائرات الحالية المأهولة للدعم الجوي القريب (CAS). لذلك يجري بناء نموذج سوف يحلق هذه السنة.
ان اختيار المنصات الجوية العسكرية دون طيار ينمو طوال الوقت الى جانب التحسين السريع في القدرة والاعتماد. وكان يبدو كل هذا قبل عشر سنوات حلما بعيدا بالنسبة للعسكريين، لكن اصبح حاليا جزءا روتينيا من المهمة من يوم الى يوم. ومن ناحية التكاليف، بدأت تقدم للزبائن طريقة للحصول على افضل الحلول انما بسعر منخفض اكثر - هذا لم يحصل منذ زمن بعيد، الا انه يشكل بوضوح الطريق للمستقبل.