حزب الله يفكّك الألغام ويخوض معركة بناء الجهوزية

amigos

عضو
إنضم
16 فبراير 2025
المشاركات
550
التفاعل
999 54 3
الدولة
Tunisia
(هيثم الموسوي)

(هيثم الموسوي)


ميّز خطاب حزب الله في مرحلة ما بعد الحرب، على لسان قادته وفي مقدّمهم أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، تركيزه - إلى جانب عناوين أخرى - على محورين أساسيين: الأول، تسليط الضوء على الأطماع التوسعية الإسرائيلية التي يُراد طمسها في الوعي الجمعي اللبناني، رغم أن تاريخ العدو وإيديولوجيته ومذكّرات قادته تسهب في تفاصيل هذه الأطماع.
والثاني، التأكيد على الدور المحوري الذي لعبته المقاومة في تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة ومواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وهو أمر مطلوب أكثر من أي مرحلة سابقة، لا لكونه مجرد سرد تاريخي أو توصيف للواقع، بل لأنه أيضاً جزء لا يتجزأ من معركة تحصين الوعي المجتمعي، ومنع محاولات حرفه لتمرير مخططات تستهدف مستقبل لبنان وأمنه ومصيره.
في المقابل، يشنّ أعداء المقاومة حرباً إعلامية وسياسية ونفسية تستهدف وجودها ومقوّماتها وشرعيتها وإنجازاتها ودورها كقوة فاعلة ذات دور أساسي في حماية الوطن اإى جانب الجيش والشعب. وتركّز هذه الحرب على تشويه صورتها أو التقليل من شأنها، كمعبر لأهداف أكثر خطورة تتعلق بمستقبل لبنان وهويته ودوره، وتمهيداً لخيارات عدوانية تستهدف الوجود المادي والعسكري للمقاومة إلى جانب امتدادها المجتمعي. وفي معركة إنضاج شروط تحقيق الأهداف المنشودة، يقوم كل من هؤلاء بدوره كجزء من معركة شاملة ومتكاملة بين الداخل والخارج.
لا يخفي قادة العدو قناعتهم الراسخة بأن توجهات السلطة السياسية الجديدة في لبنان تشكّل فرصة لبلورة مصالح مشتركة مع إسرائيل
في هذا السياق يحضر واقع المقاومة في لبنان وآفاقها وخياراتها في مقدّم اهتمامات الأجهزة الأمنية والسياسية الإسرائيلية. وينعكس ذلك عملياً في مختلف الأنشطة العملياتية والنفسية، وكذلك في مواقف القادة الصهاينة، والدراسات الصادرة عن المعاهد المختصّة. إلا أن ما يميّز كل ذلك أنها تتقاطع حول ضرورة استغلال التحولات في الساحتين اللبنانية والسورية، باعتبارها فرصة لمواصلة العمليات العسكرية المتنوعة، لتحقيق ما لم يتحقق في الحرب الأخيرة.
وفي هذا الإطار، يحضر عدد من المفاهيم في الأدبيات الإسرائيلية الرسمية وغير الرسمية، في مقاربة الواقع اللبناني ومآلاته، يمكن إجمال بعضها وفق التالي:
رغم تراجع قدرات حزب الله العسكرية، لا يزال يمتلك قدرات تشكّل تهديداً لإسرائيل، وتمكّنه من مواجهة أي حرب إسرائيلية، وهو ما كشفته معركة «أولي البأس»، وتحديداً بعد الأيام العشرة (17 – 27 أيلول) التي شكّلت ذروة الحرب الإسرائيلية وراهن العدو خلالها على تفكيك المقاومة وانهيارها وشلّها بالكامل. وعلى هذه الخلفية لا يزال كيان العدو، ومعه الولايات المتحدة وغيرهما، يتعاملون مع المقاومة باعتبارها قوة أساسية في المعادلة اللبنانية، وأن ما حصل لم يكن كافياً لإخضاعها، ولذلك ينبغي مواصلة المخطط باتجاه الأهداف نفسها.
يمتنع حزب الله حتى الآن عن الرد على الضربات الإسرائيلية انطلاقاً من رؤية مفادها أن مصلحة لبنان والمقاومة حالياً تكمن في التركيز على إعادة بناء وتطوير قدراته، والاستفادة من دروس الماضي في تطوير تكتيكاته وأدواته. وهو معطى يترتّب عليه الكثير من التقديرات والحذر والنشاط الأمني والسياسي.
في المقابل، ترى تل أبيب في الواقع الذي تشكّل بفعل مجموعة من المتغيرات في فلسطين ولبنان وسوريا، وفي ظل أولويات حزب الله الحاكمة على أدائه الآن، فرصة لتغيير الوضع الأمني على الحدود مع لبنان، بما يضمن أمن شمال فلسطين المحتلة، والمستوطنات الإسرائيلية في ظل حالة عدم الاستقرار التي يعيشها المستوطنون.
ورغم ما شهدته إسرائيل من تحولات على مستوى العقيدة الأمنية، وما أظهرته من استعداد لخوض حروب طويلة وتحمّل خسائر بشرية غير مسبوقة، إلا أن كل ذلك لم يؤدّ إلى إحداث أي تغيير في إيديولوجية حزب الله وموقفه من الكيان الإسرائيلي ومن خياراته الاستراتيجية في مواجهة التهديد الذي يمثّله إزاء لبنان والمنطقة. ولذلك فإن جزءاً من المعركة يتعلق بشكل رئيسي بساحة الوعي التي تستهدف المقاومة ومجتمعها.
ولا يخفي قادة العدو وخبراؤه قناعتهم الراسخة بأن توجهات السلطة السياسية الجديدة في لبنان تشكّل فرصة لبلورة مصالح مشتركة مع إسرائيل تقوم على إضعاف المقاومة في لبنان، من دون الحاجة - حتى الآن - إلى إقامة علاقات علنية مباشرة لتحقيق هذا الهدف. ويلاقيهم بعض من في الداخل بالحديث عن رياح مؤاتية لنزع سلاح المقاومة.
مع ذلك، هناك إدراك في كيان العدو للقيود التي تواجهها السلطة اللبنانية في التعامل مع حزب الله، وتخوفها من صراع دموي يُطيح بمشروع بناء الدولة.
والأهم أن هناك إشارات أيضاً إلى وجود «فجوة بين المطالب البعيدة المدى الأميركية والإسرائيلية» في ما يتعلق بنزع سلاح المقاومة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وبين قدرة السلطات اللبنانية على تحقيق ذلك.
في الخلاصة، فإن فعالية ومخاطر خيارات كل من الأطراف الداخلية والخارجية المعادية للمقاومة، لا تكمن في محتواها فقط، وإنما بكونها تتكامل مع خيارات ونشاطات الأطراف الأخرى. لذلك فإن البديل الإسرائيلي عن فشل تدمير قدرات المقاومة ونزع سلاحها، هو إغراقها في صراعات جانبية ودموية من أجل إشغالها واستنزافها. في المقابل، يأتي أداء المقاومة الذي يحرص على القفز عن الألغام الداخلية وتفكيك ما أمكن منها بموازاة العمل وفق أولويات مدروسة وهادفة ومحدّدة تهدف إلى الحفاظ على مستقبل لبنان ووجوده.
 
عودة
أعلى