تشير التطورات الجارية في اليمن إلى اقتراب انطلاق عمل عسكري بري وبحري وجوي ضد ميليشيات الحوثي، عززته جملة من المعطيات يأتي في مقدمها إدراك الأطراف المعنية أن العمل الجوي وحده لا يكفي لتحييد القدرات المسلحة للجماعة المدعومة من إيران، التي تطورت أخيراً وأضحت خطراً يتجاوز اليمن والإقليم إلى العالم عقب تصعيدها في المياه الدولية بالبحر الأحمر وخليج عدن، منذ اشتعال الحرب على غزة بداعي مناصرة الفلسطينيين.
وتتوالى الأنباء التي كشفتها مصادر دبلوماسية إقليمية إضافة إلى قراءة المحللين والدوليين عن استعدادات جارية لعملية عسكرية برية وبحرية بغطاء جوي، ستشن "من الجنوب والشرق" ضد جماعة الحوثي وكذلك على طول امتداد الساحل الغربي لليمن المطل على البحر الأحمر، في إطار المساعي الدولية إلى ردع عربدة الجماعة ووضع حد نهائي لتهديداتها حركة سفن التجارة العالمية العابرة في المياه الدولية، وهي الحال التي ربما تعمل الحكومة الشرعية على استغلالها لبسط يدها على كامل التراب اليمني.
المعركة التي انتظرها اليمنيون طويلاً
على وقع تصاعد الهجمات الموجعة التي تشنها الولايات المتحدة على الذراع الإيرانية في اليمن، كشف رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي أخيراً عن عملية مرتقبة ضد الحوثيين وصفها بـ"معركة الخلاص"، ودعا اليمنيين في بيان نشره عبر حساباته الموثقة بمواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة الذكرى الثالثة لتشكيل مجلس القيادة الرئاسي خلال السابع من أبريل (نيسان) 2022 إلى "توحيد الصفوف، والإسناد الفاعل لمعركة الخلاص التي تتعزز ساعتها الحاسمة خلال العام الرابع من عمر مجلس القيادة الرئاسي". وباسم الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً تعهد العليمي "باستعادة مؤسسات الدولة المغتصبة (من قبل الحوثيين الذين قادوا انقلاباً عام 2014)، وإنهاء المعاناة التي صنعتها حرب الميليشيات الحوثية الإرهابية بدعم من النظام الإيراني".
وأشار إلى أنه "على رغم تعقيدات المرحلة، مثَّل مجلس القيادة الرئاسي بدعم من الأشقاء والأصدقاء محطة مهمة في توحيد القوى الوطنية حول هدف إسقاط الانقلاب (الحوثي)، ومواجهة التحديات المتشابكة وإحباط مخططات الميليشيات الإرهابية وداعميها لإغراق المحافظات المحررة بالفوضى، والأزمات الاقتصادية والإنسانية".
وفي اجتماع آخر أول أمس الثلاثاء، قالت وزارة الخارجية اليمنية إن العليمي عقد اجتماعاً بقيادات الوزارة ورؤساء البعثات الدبلوماسية، "وضع الحاضرين أمام مستجدات الوضع المحلي والتحديات المتشابكة والمضي قدماً في جهود استعادة مؤسسات الدولة وإنهاء انقلاب الحوثيين".
وبحسب وكالة "سبأ" الرسمية، صرح العليمي "نلتقيكم اليوم في مرحلة حاسمة من تاريخ معركتنا الوطنية التي نعول فيها كثيراً على الدبلوماسية اليمنية لتأمين دعم دولي متكامل لمعركة الخلاص التي انتظرها شعبنا طويلاً".
وشدد العليمي على دور السفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية اليمنية في الخارج في التعاطي مع مستجدات المرحلة، والاستجابة الفعالة للمتغيرات الراهنة على المستويات كافة.
وأضاف "نحن اليوم في حاجة إلى تكثيف الجهود في الداخل والخارج من أجل تأكيد جهوزية الدولة اليمنية، وكفاءتها في استيعاب المساعدات الإنسانية والسفن التجارية، وإنهاء التهديد الإرهابي".
من على الأرض
وعقب أيام من انطلاق العمليات الأميركية ضد الحوثيين شهد الشريط الساحلي في البحر الأحمر سلسلة من التحركات، في إطار تحشيد الشرعية لمرحلة المواجهة المقبلة مع ميليشيات الحوثي، وتوعد نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي قائد المقاومة الوطنية طارق صالح الحوثيين بمصير مشابه لما حدث لحليفهم الإيراني في سوريا.
وقال إن ما حدث للأذرع الإيرانية في سوريا ولبنان "لن يكون بعيداً من اليمن"، مؤكداً أن الشعب اليمني "ينتظر لحظة الانقضاض على هذه الفئة المنبوذة (الحوثيين) وستتحقق تطلعاته".
ووعد أمام جموع مصطفة للقوات اليمنية التابعة له المرابطة على الشريط الساحلي في البحر الأحمر بـ"أن الشعب اليمني على موعد مع الفرج، بعدما سئموا من حرب الحوثي وأصبحوا يتطلعون إلى نهاية هذا المشروع الذي لا يعيش إلا على الحرب كما خطط له الحرس الثوري".
وخلال زيارة أخرى إلى محور البرح القتالي، أكد صالح أن المتغيرات الدولية والمحلية كلها مؤشرات للنصر، ولا سبيل لدينا إلا أن ننتصر أو أن ندفن أنفسنا في هذه الأرض. وقال "إن الحوثي إلى زوال مهما كابر ومهما حاول الاستعراض بالصواريخ الإيرانية، إلا أنه مشروع يحمل بذور فنائه وغير قابل للحياة، وما علينا إلا أن نكون جاهزين". وتطرق إلى ما وصفه "انكشاف الحوثي اليوم أمام المجتمع الدولي، الذي وقف معه يوماً ما وحال دون استكمال تحرير مدينة الحديدة من خلال اتفاق ستوكهولم، الذي أصبح لعنة يدفع العالم اليوم ثمنه".
إجماع يمني
المراقبون للشأن اليمني يُجمعون على أن المعركة المحلية والدولية مع الحوثيين لن يكتب نجاحها دون التعامل معها من على الأرض، كون الاقتصار على العمل الجوي غير كاف مع ميليشيات متحركة تتحصن بالمدنيين وتحتمي بالمنشآت الخدمية والعامة كالمستشفيات ومحطات الكهرباء وغيرها.

آثار ضربة أميركية على مصنع لإنتاج الألواح الشمسية في صعدة، شمال اليمن (أ ف ب)
جهود الشرعية حملت تأكيداً سابقاً للعليمي الذي قال إن القضاء على الحوثي يتطلب دعم الشرعية، موضحاً أن هذه "المناطق ستكون دائماً بؤرة توتر ما دام أن الجماعة تستمر بالسيطرة على مناطق مشاطئة لها". وشدد خلال لقائه السفيرة الفرنسية كاترين كمون على أن "السبيل الوحيد لإنهاء التهديد الذي يشكله الحوثيون يتمثل في دعم الحكومة اليمنية لاستعادة سيادتها على أراضيها"، وتطلعه في هذا الجانب إلى "دور أكبر من الاتحاد الأوروبي والشركاء الدوليين لفهم ومقاربة القضية اليمنية".
وعلى رغم تباين وجهات النظر السياسية، فإن قادة الشرعية اليمنية يجمعون على أن العمليات البرية هي الخيار الحتمي للقضاء على الجماعة المتمردة.
ومن جزيرة سقطرى أقصى جنوب اليمن قال عضو مجلس القيادة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي إن حفظ الاستقرار في المنطقة وحماية ممرات الملاحة الدولية يتطلبان استراتيجية شاملة، تتكامل فيها الجهود المحلية مع الشركاء الإقليميين والدوليين. ولتحقيق هذه الغاية جدد دعوة الشرعية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية إلى تبني استراتيجية شاملة لردع الإرهاب الذي تمارسه الميليشيات الحوثية في الممر الدولي، بحيث "تتكامل فيها الجهود على المستويين المحلي والدولي، وتعزيز الدور الذي تقوم به الحكومة الشرعية في اليمن لمكافحة الإرهاب وأعمال القرصنة في المياه الدولية".
هل الحديدة أولاً؟
يرى المراقبون أن المزاج الدولي اقتنع أخيراً بالرؤية الحكومية لشن ضربات تنطلق من على الأرض تهدف لانتزاعها من تحت أقدام الميليشيات الطائفية المتشددة، التي ترى في الموت أمنية دفاعاً عن "أعلام الهدى" وبيت "آل النبي" الذين ورثهم "السيد عبدالملك الحوثي"، وفق زعمهم. ولهذا من المتوقع أن يشمل الدعم الغربي تزويد القوات اليمنية ببعض الدعم اللوجيستي والذخائر الرئيسة إضافة للدعم السياسي والدولي. وتشير مجمل التطورات إلى أن التحضيرات الميدانية جارية تحضيراً لهذا المسعى على أن يقلل الكلفة والوقت.
كانت شبكة "سي أن أن" الأميركية تحدثت عن استعدادات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً لشن هجوم بري واسع النطاق ضد جماعة الحوثي.
ونقلت "سي أن أن" عن مصادر قولها إن الهجوم البري وحده في نهاية المطاف هو الكفيل بطرد الحوثيين، الذين يسيطرون حالياً على العاصمة اليمنية صنعاء، ومينائها الرئيس الحديدة، ومعظم شمال اليمن.
وأشارت إلى أن المحللين لا يتوقعون أن تنشر الولايات المتحدة أية قوات برية، باستثناء عدد قليل من القوات الخاصة للمساعدة في توجيه الضربات الجوية.
ونظير ما تمثله محافظة الحديدة (غرب اليمن) من أهمية استراتيجية بالغة للحوثيين من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، يتوقع المتابعون أن تبدأ العمليات من جهتيها الجنوبية والشرقية لاستعادة السيطرة على المدينة ومينائها الاستراتيجي، تتبعه بقية المناطق وصولاً إلى سهول تهامة وحجة، فيما يرى آخرون أن جبهات القتال قد تشهد اشتعالاً متوازياً مع بقية الجبهات لإرباك الميليشيات وتشتيت قدراتها، استغلالاً لحال الإرباك القيادي الذي تخلفه الضربات الأميركية.
ويسيطر الحوثيون على الحديدة المشرفة على البحر ويتلقون عبر موانئه الصغيرة ومراكز الإنزال السمكي الممتدة على شريطه الدعم الإيراني والنفط العراقي الذي يزودهم به الحشد الشعبي بأوامر طهران، إضافة إلى ميناء المدينة الذي يعد ثاني أكبر ميناء في اليمن بعد ميناء عدن، وهو المركز الرئيس لإمداد الكتلة البشرية الأكبر شمال البلاد بما تحتاج إليه من السلع الضرورية والمواد التموينية وغيرها. وبحسب اتهامات رسمية حكومية وأممية، تنهب الميليشيات الإيرادات الضخمة التي يجنيها الميناء وتقدر بمليارات الريالات شهرياً عبر القيادات التابعة لها التي عينتها. ولذلك ينظر مراقبون إلى أن السيطرة على الحديدة تعني خنق الميليشيات الحوثية ليبقى سقوطها النهائي مسألة وقت.
ووفقاً لتحقيق أجرته منظمة أبحاث التسلح في النزاعات (CAR) عثر على هياكل وزعانف لصواريخ مدفعية ومحركات نفاثة صغيرة وخلايا وقود هيدروجينية، مخبأة بين حمولات إحدى السفن المعترضة كانت في طريقها للحوثيين، ويمكن لهذه المعدات أن تمكن طائراتهم المفخخة من حمل حمولات أكبر وقطع مسافات سفر أطول.
هل باعتهم إيران؟
ونقلت صحيفة "تلغراف" البريطانية، الأسبوع الماضي عن مصدر إيراني مسؤول أن بلاده أمرت بسحب عناصرها العسكرية من اليمن، في خطوة تهدف إلى تجنب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، بعد القلق المتزايد في طهران من المواجهة المباشرة مع ترمب. في حين أجمع عدد من المحللين أن إيران كما هو عهدها بأذرعها ربما قدمت الحوثيين كبش فداء جديد للغرب، في سبيل تجنب الصدام المباشر معه كما فعلت مع "حزب الله" اللبناني والنظام السوري. مستدلين بأن الحوثي لن يكون أفضل حالاً منهم على رغم رهانها على أن يصبح هو الذراع البديلة لأدواتها التي تهاوت في لبنان وسوريا.

آثار ضربة أميركية على محافظة صعدة، شمال اليمن (أ ف ب)
ومنذ منتصف مارس (آذار) الماضي يشن سلاح الجو والبحرية الأميركية عشرات الغارات الجوية، استهدفت مواقع عسكرية ومناطق تمركز جماعة الحوثي المصنفة إرهابية في العاصمة صنعاء، وتسع محافظات أخرى تسيطر عليها شمال البلاد سقط خلالها العشرات من عناصرها، بينهم قادة.
وعقب انطلاق الغارات الجوية قال رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب إنه وجه أوامره إلى الجيش الأميركي بشن عملية عسكرية حاسمة وقوية ضد جماعة الحوثي.
تأكل بعضها
من جانبها، تدرك الميليشيات كل السيناريوهات المترتبة على مغامراتها الطويلة داخلياً وإقليمياً ودولياً وهي تستعد له منذ أن أقحمت نفسها فيه وعرضت مقدرات البلد رهناً لتسويق البروباغندا، التي ما انفكت تراهن عليها بـ"نصرة المستضعفين في غزة" ضد الاجتياح الإسرائيلي.
ولعل التطورات الدولية هيأت الظروف الموضوعية لخلاص اليمنيين من الكابوس الحوثي، كما تردد السردية الحكومية بتهاوي القلاع التاريخية التي شيدها النظام الإيراني في المنطقة العربية، ولكن على رغم ذلك تحاول الجماعة إظهار شيء من رباطة الجأش والتماسك أمام الإجماع المحلي والدولي لطي صفحتها إلى الأبد، بمزيد من الممارسات التي يظهر منها حال ارتباك أثبتته سلسلة الاعتقالات ضد رموزها العسكرية والمدنية، بحجة تعاونهم مع الولايات المتحدة بإرسال معلومات تحركات وإحداثيات القادة والقدرات الحوثية لغرفة العمليات الأميركية.
وأمس، أفادت مصادر يمنية بأن جماعة الحوثي اعتقلت "اللواء عبدالقادر الشامي نائب رئيس جهاز الأمن والاستخبارات" بتهمة إرسال الأحداثيات للجيش الأميركي، على خلفية مقتل العقيد عبدالناصر سرحان مهيوب الكمالي القيادي في جهاز الاستخبارات التابع للحوثيين، إثر غارة أميركية فجر الأحد الماضي، متهمين الشامي بإرسال المعلومات عن تحرك القيادي سرحان.
فيما يرجح مراقبون أن الغارات الأميركية ربما تتم فعلياً بناءً على بنك معلومات قادم من قيادات حوثية، وهو ما يفتح باب التوقعات واسعاً أمام كل احتمالات استهداف صفها الأول خلال الأيام المقبلة.
وإزاء ارتفاع صوت المزاج الشعبي المطالب بإنهاء المشروع الإيراني في اليمن، جاءت ردة الفعل الحوثية متهكمة كما هي عادتها. وقال عضو وفدها التفاوضي عبدالملك العجري في تغريدة عبر موقع "إكس"، "لا أذكر عدد المرات التي توقعوا فيها نهايتنا منذ 2004 وفي كل مرة حسبوها النهاية، ولكن تفتح لنا آفاقاً أرحب داخلياً وخارجياً".
ومن حين إلى آخر تتجدد اشتباكات بين الجيش اليمني والحوثيين، مخترقاً حال الهدوء الميداني الذي بدأ برعاية أممية ودولية غير معلنة خلال أبريل 2022، فيما تواصل الجماعة السيطرة على محافظات عدة بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2014.
الثأر والاستعداد
على الصعيد الميداني تواصل حملات التجنيد والتجييش الدعائي للمئات من صغار السن المؤدلجين بهدف إلحاق أكبر قدر من المقاتلين بجبهاتها، وضبط نسق المواجهة المحتمل الذي بات يقترب شيئاً فشيئاً، إذ تواصل الجماعة إرسال تعزيزات عسكرية جديدة إلى عدد من الجبهات خصوصاً الحديدة ومأرب، مع مواصلتها إقامة مزيد من الموانع الاصطناعية بحفر الخنادق وبناء المتارس في الخطوط الأمامية بمختلف الجبهات، لمنع تقدم القوات اليمنية التي تحمل لهأ ثأراً شديداً خصوصاً في جبهتي الساحل الغربي ومحافظة مأرب الغنية بالنفط، وهما القوتان الضاربتان اللتان تتشكل غالبية قوامها البشري من المناطق الشمالية، التي نكل بها الحوثي وشرد أهلها وطاردهم وفجر منازلهم قبل أن يلملموا صفوفهم ويتجمعوا في المحافظات التي لا تخضع له، متحينين الفرص للعودة لمنازلهم وقراهم المنكسرة.

اليمن يستعد لإطلاق عمل عسكري "بري وبحري وجوي" ضد الحوثيين
تشير التطورات الجارية في اليمن إلى اقتراب انطلاق عمل عسكري بري وبحري وجوي ضد ميليشيات الحوثي، عززته جملة من المعطيات يأتي في مقدمها إدراك الأطراف المعنية أن العمل الجوي وحده لا يكفي لتحييد القدرات المسلحة للجماعة المدعومة من إيران، التي تطورت أخيراً وأضحت خطراً يتجاوز اليمن والإقليم إلى العالم...