الكاميرا.. مولود عربي رباه الغرب

FOX_85

عضو
إنضم
13 أغسطس 2008
المشاركات
1,403
التفاعل
735 2 0
الدولة
Jordan
الكاميرا.. مولود عربي رباه الغرب



محمد حنون - يقرأ المرء عن الكثير من الاختراعات والمنجزات العلمية التي توصل إليها الغرب، لكن جذورها وأساساتها عربية إسلامية، فلقد قطع العرب والمسلمون أشواطا كبيرة في المنجز العلمي والحسابي والفلكي، وهو أمر لا تنكره حتى أكبر جامعات العالم في الغرب، فعلى سبيل المثال، اللوغاريتمات (جدول حسابي رياضي يعتمد في خطواته التكرار)، من ابتكار الخوارزمي، وهو الجدول الرياضي نفسه الذي نسميه الخوارزميات . ومن المعروف أن هذه الطريقة الحسابية هي أساس وعقل الكمبيوتر، ولولا وجودها لما وجد الكمبيوتر.
من الأمثلة الأخرى التي يمكن ذكرها بهذا الخصوص: الإسطرلاب أو ذات الصفائح كما أسماها العرب، لمخترعه العالم أبو الحسن علاء الدين الملقب ب ابن الشاطر ، وهو عالم فلكي وحسابي. و الإسطرلاب آلة للملاحة استخدمها البحارة في الشرق والغرب في رحلاتهم لتحديد الاتجاهات ومعرفة المواقيت ومواقع النجوم، والقوانين الحسابية لهذا الإسطرلاب وآليات عمله استخدمت نفسها في الآلات الحديثة للملاحة البحرية والجوية، وهو ما يسمى الآن في اللغة الإنجليزية: نظام الملاحة . ويعرف ابن الشاطر أيضا بتصحيحه لنظرية بطليموس حول مركزية الأرض وبأن الكواكب الأخرى تدور حولها، فقال إن الشمس هي المركز، وإن بقية الكواكب تدور حولها، وإن القمر يدور حول الأرض، وهو بذلك سبق العالم الإيطالي كوبرينكوس بمئات السنين، وهو ما ثبته ابن الشاطر في كتابه نهاية السؤال في تصحيح الأصول .
الأمثلة كثيرة بهذا الخصوص، وتكاد لا تنتهي، ليس فقط في الحساب والاختراعات، بل وحتى على مستوى اللغة والمفردات والتراكيب اللغوية، كما نقرأ في كتاب شمس العرب تسطع على الغرب للمستشرقة الألمانية الأشهر زيغريد هونكيه، التي ذكرت فيه مئات الأمثلة على المصطلحات والكلمات والتعابير التي يستخدمها الغرب، لكن أصولها تعود للغة العربية والعرب، ناهيك عن الأرقام العربية التي يستخدمها الغرب الآن.
وكما فعل ابن الشاطر بتصحيح نظرية بطليموس حول مركزية الأرض، سابقا بذلك كوبرينكوس بمئات السنين، فعل ابن الهيثم الشيء نفسه مصححا نظرية بطليموس أيضا عن أن العين تطلق أشعة نحو الأشياء التي تريد رؤيتها، في حين أنها تتلقى الأشعة المنعكسة من الأشياء حولنا، وهو بذلك يكون قد سبق دافينشي في هذا القول العلمي بمئات السنين أيضا.
لقد دون العلماء العرب كل هذه الأمور والنظريات والمكتشفات عبر الكتابة والرسومات التشريحية والهندسية على الورق قبل مئات السنين من العلماء الآخرين، وهي ما تزال موجودة ومحفوظة؛ إلا أننا ما نزال نشاهد في البرامج الوثائقية الغربية والمدبلجة للعربية، وحتى في بعض المراجع الغربية وبعض العربية أيضا التي تنسخ عن الغرب ما يقول دون تمحيص، أن كوبرينكوس هو أول من قال بمركزية الشمس، وأن دافينشي هو أول من قال إن العين تلتقط الأشعة المنعكسة من الأجسام التي تراها، وهو أمر عار عن الصحة.
من المنجزات الأخرى للعالم العربي المسلم الحسن بن الهيثم، أنه حين تم سجنه في عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله، لم يثنه هذا السجن عن مواصلة بحثه العلمي في الضوء والبصريات، والاستمرار في تسجيل ملاحظاته في سلوك الضوء وانعكاساته، فما كان منه إلا أن سجل ملاحظته لدخول الضوء من خلال ثقب في جدار السجن وسقوطه على الجدار المقابل حاملا معه صورة غير حادة الملامح ومقلوبة لشجرة موجودة في خارج الزنزانة.
سجل ابن الهيثم ملاحظاته هذه حول انتقال صورة الشجرة مقلوبة مع الضوء من خلال الثقب، فوضع العديد من الملاحظات في هذا الموضوع، ووصف الأمر وصفا دقيقا، موضحا قوانين الضوء في هذه الحالة. دون ابن الهيثم اكتشافه هذا ووصفه في كتاب المناظر ، وحين تمت ترجمة كتاب ابن الهيثم إلى اللاتينية ظهرت كلمة كاميرا في اللاتينية للمرة الأولى نتيجة لترجمة الكلمة العربية قمرة ، وهو المصطلح الذي خرج به ابن الهيثم لاحقا لوصف ما دونه في كتابه، و القمرة هي الحجرة المعتمة ذات الثقب الواحد أو النافذة الواحدة، في حين نقرأ في بعض المراجع الغربية والعربية، أن كلمة كاميرا تعود لأصول لاتينية تعني الحجرة ، وهو أمر غير صحيح، أو لنقل غير مكتمل، فاللاتينية اكتسبت هذا المصطلح بعد ترجمة كلمة قمرة العربية.
لقد كان ل كتاب المناظر الأثر العظيم في العالم بأسره في علوم الضوء والبصريات عموما، وفي التصوير الفوتوغرافي وتطور الكاميرا خصوصا، بدءا من تمهيد الطريق لاختراع الكاميرا واستخدام هذا الاكتشاف وتطوير آلياته وقوانينه التي وضعها ابن الهيثم بدقة وبوضوح، وصولا إلى اختراع آليات حفظ هذه الصورة وليس فقط مشاهدتها على الجدار، وهو ما تم بعد أكثر من سبع قرون على يد العالم الإيرلندي روبرت بويل، وتلاه الألماني تزان، وصولا لأول صورة فوتوغرافية بمواصفات ناجحة على يد الفرنسي نيبس في العام 1825.
منذ أن اكتشف ابن الهيثم هذه الآلية لعمل الضوء من خلال ثقب في حجرة معتمة؛ وانعكاس صور الأشياء الموجودة في الخارج على الجدار المعتم للحجرة، والعالم الغربي يدور حول هذا الاكتشاف ويعمل على تطويره، والارتقاء بآليات عمله، وبالإضافة عليه مثل آليات عمل الحجرة، وطرق حفظ الصور على ألواح النحاس ثم الزجاج ثم البلاستيك الشفاف واكتشاف المحاليل الكيميائية الضرورية لهذه العملية، أهمها بروميد الفضة أو نترات الفضة الحساسة للضوء، وهي المادة الكيميائية التي كانت موجودة أصلا ومستخدمة عند العرب بعد أن استخرجها واكتشفها للمرة الأولى العالم العربي جابر بن حيان وأسماها: حجر جهنم ، وهو العالم ذاته مخترع القارورة الزجاجية ذات العنق الطويل لتقطير المحاليل، وهو ما يسميه الغرب: أليمبيك نسبة للكلمة العربية الإمبيق التي وضعها وذكرها ابن حيان في أكثر من كتاب له مثل الخواص و أصول الكيمياء .
لقد استحق العالم العربي ابن الهيثم لقب أمير النور ، وفي مراجع أخرى: أمير الضوء ، عن جدارة، لما قدمه للبشرية من اكتشافات وتحقيقات في البصريات وعمل الضوء وآليات انتقاله وانعكاسه، وهو القائل أيضا بانعطاف الضوء في الأوساط غير المتجانسة، وإن الضوء يسير في خطوط مستقيمة في الأوساط المتجانسة، أي قبل آينشتاين بمئات السنين.
حين وصف ابن الهيثم عمل الضوء في القمرة المعتمة وصفا دقيقا وكيفية انتقاله لداخلها، وبرسمه لشكل القمرة وآليات عملها، وبأنه كلما ضاق الثقب صارت الصورة المعكوسة أوضح، كان يمهد بذلك لاختراع الكاميرا وفهم آليات عملها، وهي التي تعد من أهم اختراعات البشرية وأكثرها تأثيرا في حركة التاريخ وتحولاته.
لقد طور الغرب الكثير من الاختراعات والاكتشافات العربية وأضاف عليها بعد أن ترجمت أمهات الكتب العلمية العربية والإسلامية إلى اللاتينية، أما في العالم العربي والإسلامي فلقد توقف الأمر عند الحد الذي وضعه ابن الهيثم حول القمرة كغيره من الاختراعات والقوانين والاكتشافات التي حققها العلماء العرب والمسلمون؛ ولم تطور ولم يتم العمل عليها لتوسيع إمكانياتها، ويعود ذلك لأسباب كثيرة تحتاج لمتخصصين لتبيان هذه الأسباب ومحصلاتها، فكنا مثل الأم التي ولدت طفلا جميلا ومعافى، إلا أنها تركته لتلتقطه أم أخرى تربيه وتعتني به فيصبح ابنا لها.

 
عودة
أعلى