تفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران وتداعياتها على أمن الخليج العربي

عمرو الحمد

عضو جديد
إنضم
25 نوفمبر 2024
المشاركات
8
التفاعل
2 0 0
الدولة
Turkey
في أعقاب التوقيع على اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع إيران، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة ضمان السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط بما «يخدم مصالح البلدين». ما يثير التساؤل حول تأثير تنامي التعاون الروسي- الإيراني على الأمن الإقليمي، ومصالح دول المنطقة وخصوصًا دول الخليج التي لديها علاقات خاصة مع كلٍّ من روسيا وإيران.
بجانب اتفاقية الشراكة، أُشير لاقتراب توقيعهما صفقة لتصدير الغاز الروسي إلى إيران قد تبدأ بـ 2 مليار لتصل إلى 55 مليار متر مكعب/ سنويًا، وهو ما قد يؤطر لتنسيق جهودهما في مجال الطاقة، وربما لاستخدام ورقة الطاقة لحسابات سياسية، بعد أن كانت قضايا الطاقة ساحة تنافس بينهما.
ويأتي توقيع الاتفاقية بعد ثلاث سنوات من التحضير والمراجعة، وقبل ثلاثة أيام من دخول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، مما دعا البعض لوصفها بهدية ترامب. وذلك بعد تسارع تطور علاقات الدولتين، نتيجة دعم إيران لمجهود روسيا في الحرب الأوكرانية، بجانب تقديم الخبرة الإيرانية في التحايل على العقوبات الدولية، وهو ما تأمل طهران ردَّه من روسيا في ساحات الاقتصاد والسياسة والعسكرة مع التكنولوجيا العسكرية وغير العسكرية.
سابقًا، ورغم العلاقة غير المستقرة بينهما، تعاونت الدولتان أمنيًّا وعسكريًّا، عبر اتفاقية دفاع جوي مشتركة وقعها البلدان عام 2007م، وبموجبها زودت موسكو طهران بأنظمة صواريخ للدفاع الجوي من نوع 300-S، مع تزويدها بـ 6 طائرات من طراز Su-25، معدة للهجوم الأرضي عام 2000م. وفي مارس 2024م، تم الإعلان عن إتمامهما صفقة الطائرات المقاتلة SU 35، والتي يحتمل شمولها طائرات مروحية هجومية طراز Mi-28 و Ka-52 وطائرات Yak-130التدريبية. ووفقًا لتقرير «المعهد الدولي للدراسات الإيرانية» (رصانة)، فقد أعلنت إيران عبر وسائل إعلامها عن حصولها على المقاتلة الروسية SU 35 مؤخرًا، برغم عدم ظهور تلك الطائرات بشعار القوات المسلحة الإيرانية.
كما وقَّع الجانبان اتفاقًا خاصًا بالمجال النووي، تزود بموجبه روسيا إيران بالوقود اللازم لمفاعل بوشهر، فيما تلتزم الأخيرة بإعادة الوقود المستهلك إلى موسكو. إضافة لقيام موسكو بتجهيز الوحدتين الثانية والثالثة من مفاعل بوشهر، مع إقامة جدران حجرة مفاعل الوحدة الثانية وبناء محطات الضخ الرئيسة والمباني المساعدة، وتعزيز المياه الجوفية.
خلال مناورات القوقاز الروسية عام 2020م، عرضت طهران على موسكو إيجار ثلاث قواعد بحرية في تشابهار وبندر عباس وبندر بوشهر على الخليج العربي، مقابل نقل تكنولوجيا نووية وفضائية روسية، بما فيها، نشر منظومة دفاع جوي وصواريخ باليستية بعيدة المدى في إيران، مما لاقى قبولًا لدى موسكو، الحالمة بالوصول إلى الشواطئ الخليجية والدافئة.
كما ساهمت روسيا في إطلاق القمر الصناعي الإيراني «خيام» إلى المدار، والذي أثار شكوكًا حول ماهيته ولزومه لعسكرة البرنامج النووي كونه مخصصًا لأغراض عسكرية، حيث استخدمته روسيا لمتابعة عملياتها العسكرية في أوكرانيا. إضافة إلى تحويل اتفاق شراء الأقمار الصناعية من روسيا إلى «اتفاق لنقل التكنولوجيا الفضائية» إلى إيران. وبموجبه، تشاركت الدولتان في تصنيع أقمار «خيام» (2-3-4).
مع ذلك، حاولت موسكو عرقلة الوصول إلى الاتفاق النووي مع إيران عام 2015م، وفقًا للتسريب الصوتي لوزير الخارجية الإيراني آنذاك، محمد جواد ظريف. وذلك ضمن نهج مستمر لإبقاء إيران بيدقًا في رقعة الشطرنج الروسية، عبر تعطيل أي توافق غربي مع طهران، حتى لو كان ذلك بالمجال النووي المثير لمخاوف الدول الإقليمية والدولية.
وعليه، رفض وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، طلب وزير الخارجية الإيراني الأسبق، حسين أمير عبد اللهيان، بإسناد دور موسكو في تنسيق المحادثات النووية إلى بكين، بعد فرض الدول الغربية عزلة سياسية على روسيا نتيجة غزوها لأوكرانيا. ولا غرابة في ذلك، فوفقاً لرجب سافاروف، وهو أحد كبار المختصين الروس في الشأن الإيراني، «إيران الموجهة نحو الغرب ستكون أسوأ لروسيا من إيران المسلحة نوويًا، وستقود إلى انهيار روسيا».
النووي من الردع إلى الترهيب
مؤخرًا، أشار عدد من المسؤولين والمقربين من المرشد الإيراني علي خامنئي إلى إمكانية تسليح إيران برنامجها النووي، نتيجة للضغوط الخارجية وتداعيات عملية «طوفان الأقصى» السلبية على «حزب الله» اللبناني و«حماس» ونظام الأسد وسواهم من ميليشيات ووكلاء إيران الإقليميين، والذي أدى لتآكل عقيدة «الدفاع الأمامي» الإيراني، إضافة لانهيار حاجز الهجمات المباشرة بين إيران وإسرائيل. هذا إلى جانب عودة ترامب ودعمه الثابت لإسرائيل، مع إعادة سياسة «الضغط الأقصى» على طهران.
تنظر إيران للتسلح النووي كرادع نهائي ضد أي عدوان إسرائيلي مستقبلي، وتتعزز هذه النظرة بآراء بحثية ترى أن حرب أوكرانيا أعادت المنافسة النووية لصدارة العلاقات بين القوى الكبرى، كتعليق معاهدة «ستارت» الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، بجانب تعديل الأخيرة لعقيدتها النووية وخفض عتبات الاستخدام النووي. وبحسب «مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية»، فإن نقل وسائل إعلام حكومية لتصريح شخصيات سياسية بارزة حول ضرورة التسلح النووي، هو محاولة لإعداد الرأي العام الإيراني لتغييرٍ محتمل في العقيدة النووية. فوفقًا لعضو البرلمان الإيراني، أحمد بخشايش أردستاني، «تتحمل إيران تكاليف امتلاك أسلحة نووية دون امتلاكها فعليًا، لا يتم إحياء الاتفاق النووي وليس لدينا قنبلة نووية، ومع ذلك نتحمل عقوبات. هل هذا الوضع عقلاني؟».
عبر تعديل عقيدتها النووية مع تهديد باستخدام الأسلحة النووية، تتجه موسكو نحو توظيف التهديدات النووية القسرية لخدمة أهدافها السياسية والاستراتيجية، عبر التحول من “الردع” إلى “الترهيب”، بما في ذلك ضد دول لا تمتلك أسلحة نووية. وعلى ذلك، تم ضم بيلاروسيا للمظلة النووية الروسية، بما فيها نشر أسلحة نووية على أراضي بيلاروسيا. كما أن تقارب روسيا مع كوريا الشمالية، بدافع الحاجة للأخيرة خلال الحرب الأوكرانية، أدى لتفكيك القيود الأممية على برنامج بيونغ يانغ النووي والصاروخي، بما فيه حل فريق خبراء الأمم المتحدة الخاص بالبرنامج النووي لكوريا الشمالية.
شرقنا بين فكين
قد يؤدي توثيق موسكو لعلاقاتها مع طهران، عبر اتفاقية الشراكة الاستراتيجية، لعواقب وخيمة على الانتشار النووي، وعلى أمن الشرق الأوسط، ولا سيما شبه الجزيرة العربية، حسب تقرير آخر لـ«مجلس الشرق الأوسط للشؤون الدولية». فالاتفاقية تتضمن مشاورات استراتيجية حول التهديدات الأمنية المشتركة، مع تدريبات عسكرية وتعاون دفاعي صناعي مشترك. حيث تشير الوثيقة، رغم ضبابية بنودها، بقوة إلى أن تقارب الجانبين أكثر من مجرد زواج مصلحة. وتعكس التزامًا حقيقيًا بتنسيق سياساتهما الأمنية. وهي كما وصفها وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، «هذا ليس مجرد اتفاق سياسي. إنها خارطة الطريق للمستقبل».
وعليه، يحّذر المركز من إمكانية تورط روسيا في أنشطة إيران النووية، مما يصّعد التوترات الإقليمية، وذلك بالنظر لتناقض مواقفها في هذا الجانب. على الرغم من المخاوف الدولية حيال نوايا طهران، فإن موسكو دعمت برنامج إيران النووي، وأصرّت على تواؤمه مع معاهدة عدم الانتشار النووي. يضاف إلى ذلك، مخاوف عبّرت عنها كلًا من واشنطن ولندن حيال مشاركة موسكو أسرارًا نووية مع طهران مقابل تزويدها بصواريخ باليستية لقصف أوكرانيا، إذ إن تعرضهما لأقسى العقوبات الغربية، قد يدفع موسكو للتفكير بدعم إيران نوويًا. فقد أكّد بوتين، خلال لقائه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أن بلاده تدرس بناء وحدات نووية جديدة في إيران. الوجه الآخر لهذه المخاوف، وفقًا لتصريح بوتين، يتمثل في جدية إيران لزيادة طموحاتها النووية.
كذلك قد تلجأ موسكو لتحدي التوازن العسكري بين إيران وإسرائيل والولايات المتحدة، عبر تزويد طهران بمنظومة الدفاع الجوي S-400، لمواجهة أي هجوم إسرائيلي/مشترك محتمل على منشآت إيران النووية، رغم معارضة روسيا لطموحات إيران النووية، مما يرفع التوتر في منطقة الخليج. على ذلك، يشير المركز لأضرار قد تطال أمن الخليج جراء تقارب موسكو وطهران، رغم أنه مدفوع بمواجهة الضغوط الغربية، إلا أن احتمال تعاونهما في الملف اليمني والتكنولوجيا النووية قد يعرض أمن الخليج للخطر.
وهنا يمكن التذكير بدعم موسكو لوكلاء إيران الإقليميين بحسب ما تشير إليه بعض المصادر، من نظام الأسد في سوريا إلى «حزب الله» في لبنان إلى «الحوثيين» في اليمن وحركة «حماس» في غزة والميليشيات الولائية العراقية، وهو دعم ليس لأجل إيران فقط، بل لحسابات وتوازنات روسية في إطار منافستها الدولية. فوفقًا لمؤسسة جيمستاون، تسعى موسكو عبر تعاونها مع هذه الميليشيات لمراكمة أوراق الضغط على اللاعبين الدوليين والإقليميين، مع تعزيز نفوذها الجيوسياسي، واستخدام هذه الروابط لتشكيل ديناميكيات القوة المواتية لها في المنطقة، بما فيها مواجهة خصومها الغربيين والدول الإقليمية معًا، الأمر الذي سينعكس سلبًا على الأمن الإقليمي وعلى طموحات دول الخليج في المنطقة.
يفنِّد ذلك خبير الشرق الأوسط في «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، جون ألترمان، بقوله «الإيرانيون لديهم بالتأكيد بعض القدرات المقلقة (القدرة النووية وغيرها)، ومن المؤكد أن الروس أظهروا استعدادًا لاستخدام قدرات مثيرة للقلق». ونوَّه لامتلاك الروس «أنف كبير لشخص ما في ورطة»، عليه، «يمكننا مساعدتهم (الإيرانيون) قليلًا، وإيصالهم إلى حيث نحتاج إليهم لاستخراج المزيد مما نريد منهم».
ومما سبق، لا يمكن النظر لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران كاتفاق خاص بالجانبين، وغير متعدٍ على ما سواهما. فالوثيقة بتاريخ توقيعها وبعض بنودها تمثل رسالة إلى أطراف إقليمية ودولية بتجاوز الدولتين أزمة الثقة التاريخية بينهما، مع زيادة تعزيز تعاونهما لتحقيق طموحاتهما الاستراتيجية والجيوسياسية، وعبر استخدام كل الأدوات المشتركة الممكنة، بما فيها الترهيب النووي.
وبالنظر لإمكانية وضع نهاية للحرب الروسية في أوكرانيا، بما يؤدي لتحرر موسكو من الحاجة إلى مواقف عربية وخليجية في المجالات السياسية والاقتصادية وسواهما، يبدو أن الاحتياط واجب تجاه أي تغيير في سياسة موسكو تجاه المنطقة العربية، والخليجية تحديدًا، بما في ذلك جهودها لرفع مستوى التعاون العسكري والنووي مع إيران، أو زيادة التعاون الروسي مع الميليشيات الإقليمية الموالية لإيران، بهدف مراكمة أوراق الضغط والنفوذ لديها، مع توسيع فضائها الجيوسياسي، لاسيما بعد سقوط نظام الأسد.

عمار جلو
باحث مختص بالشأن الايراني والجماعات الجهادية

 
لا أضن أنها موجهة للخليج لان إيران لا تحتاج هكذا تحالفات ضد دول عربية لكن ضد أمريكا وإسرائيل
 
عودة
أعلى