تسعى الصين لتكون رائدة في مجال الطاقة النووية النظيفة، وهي تملك حالياً ثلاثة مفاعلات نووية تعمل بتقنية التوكاماك، وهي تقنية متقدمة تستخدم في عمليات الاندماج النووي لتحقيق الطاقة و يعتبر الاندماج النووي هو الحلم طويل الأمد للطاقة النظيفة.
تعريف الاندماج النووي: هو العملية التي يتم من خلالها اتحاد نواتين ذريتين خفيفتين من الهيدروجين ( Deuterium and Tritium ) لتكوين نواة واحدة أثقل مع اطلاق كميات هائلة من الطاقة و هو عكس الإنشطار النووي حيث يتم شطر نواة ذرة اليورانيوم لأطلاق الطاقة.
. تحدث تفاعلات الاندماج في حالة من المادة تسمى البلازما، وهو غاز ساخن ومشحون يتكون من أيونات موجبة وإلكترونات حرة الحركة لها خصائص فريدة تختلف عن المواد الصلبة أو السوائل أو الغازات. وتستمد الشمس، مثلها مثل جميع النجوم الأخرى، طاقتها من هذا التفاعل. للاندماج في شمسنا، تحتاج النوى إلى الاصطدام ببعضها البعض عند درجات حرارة عالية للغاية، حوالي عشرة ملايين درجة مئوية.
منذ أن تم فهم نظرية الاندماج النووي في ثلاثينيات القرن الماضي، كان العلماء - والمهندسون أيضًا بشكل متزايد - يسعون إلى إعادة إنشائها وتسخيرها. وذلك لأنه إذا أمكن تكرار الاندماج النووي على الأرض على نطاق صناعي، فمن الممكن أن يوفر طاقة نظيفة وآمنة وبأسعار معقولة بلا حدود تقريبًا لتلبية الطلب العالمي.
نجح العلماء في تسخيرها للأغراض العسكرية من خلال القنابل الهيدروجينية ( سميت هيدروجينية بسبب دمج/انصهار عنصري الهيدروجين المذكورين أعلاه) و التي تفوق قوتها مئات لا بل الاف المرات عن قوة القنابل الذرية التقليدية التي تعمل بتقنية الإنشطار. و يسعى العلماء جاهديين لتسخير تقنية الإندماج النووي لأغراض سلمية منذ خمسينيات القرن الماضي بالرغم من الصعوبات التقنية التي يواجهونها. يمكن للاندماج أن يولد طاقة أكثر بأربعة أضعاف لكل كيلوغرام من الوقود من الانشطار (المستخدم في محطات الطاقة النووية) وما يقرب من أربعة ملايين مرة من الطاقة أكثر من حرق النفط أو الفحم.
يوجد حاليًا أكثر من 130 جهاز اندماج تجريبي عام وخاص قيد الإنشاء أو المخطط لها في جميع أنحاء العالم، استنادًا إلى أساليب مختلفة لإنتاج تفاعلات الاندماج ولديها مجموعة متنوعة من التصميمات.
على سبيل المثال، تعد أجهزة التوكاماك والستيلاراتور أكثر الأجهزة شيوعًا وتركز عليها الكثير من الأبحاث الحالية. تحتوي هذه الأجهزة الحلقية على مغناطيسات كبيرة تتحكم في حركة البلازما - وهو غاز مشحون بدرجة حرارة عالية - حيث يحدث الاندماج.
أكبر توكاماك في العالم، ، قيد الإنشاء حاليًا في فرنسا يطلق عليه اسم إيتير ويشارك في هذا المشروع 35 دولة على رأسها روسيا, الولايات المتحدة, الصين, الإتحاد الأوروبي, كوريا الجنوبية,اليابان, الهند و المملكة المتحدة. .
2. الصين كمنافس رئيسي في سوق الطاقة النظيفة
تسعى الصين إلى تحقيق فوز استراتيجي في السباق العالمي للطاقة النظيفة من خلال استثمار مواردها في تطوير هذه التقنيات. ومع تزايد الاهتمام العالمي بالحد من الانبعاثات الكربونية والتحول إلى مصادر طاقة أكثر استدامة، تعتبر الطاقة النووية النظيفة جزءاً أساسياً من الاستراتيجيات المستقبلية للدول.
الصين ترى أن تقنية التوكاماك يمكن أن تكون حلاً رئيسياً لمشكلة توفير الطاقة النظيفة على المدى الطويل. لذلك، فإنها تضاعف من استثماراتها في هذا المجال وتعمل على تسريع وتيرة تطوير مفاعلاتها النووية. قد يؤدي نجاح الصين في هذا المجال إلى تغيير في هيكل سوق الطاقة العالمي، حيث يمكن أن تهيمن على أسواق الطاقة النظيفة المستقبلية، مما يعزز قوتها الاقتصادية ويتيح لها صادرات مربحة لهذه التكنولوجيا المتقدمة.
3. الابتكار والتعاون الدولي
الصين لا تعمل فقط على تطوير هذه التكنولوجيا داخل حدودها، بل تسعى أيضًا إلى تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال. على سبيل المثال، تشارك الصين في مشاريع مفاعلات توكاماك دولية مثل مشروع "ITER" (التجربة الدولية للاندماج النووي)، الذي يعد من أكبر المشاريع العلمية في تاريخ البشرية ويمثل خطوة رئيسية نحو تجاريّة الطاقة الاندماجية.
في إطار الابتكار، تركز الصين على تقنيات جديدة لتحسين الاستقرار والتحكم في البلازما، وهي تعتبر إحدى أكبر التحديات التي تواجه عمليات الاندماج النووي. البحث والتطوير في مجالات مثل المواد المقاومة للإشعاع وتحسين تصميم المفاعلات يعد من الأولويات الكبرى في استراتيجيتها.
4. التحديات الاقتصادية والبيئية
رغم التقدم التكنولوجي السريع، لا تزال هناك تحديات كبيرة أمام الصين وغيرها من الدول لتحقيق طاقة اندماجية اقتصادية. تكلفة بناء المفاعلات وتقنيات التحكّم، بالإضافة إلى ضرورة التطوير المستمر للتقنيات الفعالة والمستدامة، تمثل عقبات هامة.
ومع ذلك، فإن الصينيين يأملون أن تؤدي هذه الابتكارات في المستقبل إلى خفض التكاليف بشكل كبير، مما سيسهم في تقديم حل واقعي للطاقة النظيفة على نطاق واسع. كما أن قدرة الصين على إنشاء بنية تحتية محلية قوية قد يساعدها في تحفيز النمو الاقتصادي من خلال تطوير أسواق محلية ودولية لتقنيات الاندماج النووي.
5. الاستراتيجية الجيوسياسية للصين
تستفيد الصين من موقعها الجغرافي والاقتصادي لتعزيز موقعها في مجال الطاقة النووية النظيفة على الصعيدين المحلي والدولي. من خلال تطوير هذه التقنيات، لا تسعى الصين فقط إلى تلبية احتياجاتها الداخلية من الطاقة، بل أيضًا إلى الهيمنة على أسواق الطاقة العالمية، وهو ما يمكن أن يعزز دورها كقوة اقتصادية وجيوسياسية.
في سياق الجغرافيا السياسية، تقدم الصين هذه التقنيات كجزء من دبلوماسيتها العلمية، حيث تقوم بتصدير التكنولوجيا والابتكارات في هذا المجال إلى دول أخرى، خاصة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، مما يعزز تحالفاتها الاقتصادية والسياسية.
6. المستقبل والتوقعات
في المستقبل، يتوقع الخبراء أن تتمكن الصين من تجاوز العديد من التحديات التقنية التي تواجهها في مجال الاندماج النووي. إذا استطاعت الصين تحقيق النجاح في إنتاج طاقة من الاندماج النووي بشكل تجاري، فإن ذلك سيغير موازين القوى في صناعة الطاقة العالمية بشكل جذري. سيتم فتح أبواب أسواق جديدة للطاقة النظيفة، مما سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويحسن من البيئة العالمية.
في الختام، الصين ليست مجرد لاعب في سوق الطاقة النووية النظيفة، بل إنها تسعى لتكون القوة الرائدة في هذا المجال. من خلال تقنيات مثل التوكاماك واندماج البلازما، فإنها على وشك أن تعيد تشكيل خريطة الطاقة العالمية، ما يوفر لها فرصًا اقتصادية ضخمة وميزة تنافسية في المستقبل.
الصين وتسريع خطواتها في مجال الطاقة النووية النظيفة: تحليل تقني واستراتيجي - المرصد News
بقلم أدولف عيد تسعى الصين لتكون رائدة في مجال الطاقة النووية النظيفة، وهي تملك حالياً ثلاثة مفاعلات نووية تعمل بتقنية التوكاماك، وهي تقنية متقدمة تستخدم في عمليات الاندماج النووي لتحقيق الطاقة و يعتبر الاندماج النووي هو الحلم طويل الأمد للطاقة النظيفة. تعريف الاندماج النووي: هو العملية التي يتم...
marsadnews.net