قاعدة عسكرية مهمة ومستقرة في البعد الميداني للحروب والصراعات المسلحة، مفادها أن تطوير الهجوم وتوسيع مسرح العمليات بعيدا بأكثر مما يجب عن المركز، يمثل أخطر مراحل الوصول إلى تحقيق الأهداف، واختبار صعب للحكم على نجاح الهجوم، فقد يتسبب هذا الامتداد الذي يحدث عادة بشكل مفاجئ، إلى ارتدادات قاسية للخلف تسمح للخصم ليس فقط بتعويض خسائره الأولية، إنما تفتح له الباب أيضا إلى دفع القوات المهاجمة نحو مربعات متعددة للتشتت وإصابة خططه الميدانية بخلل فادح، قد يودي به إلى الهزيمة الكاملة.
هذا ما تواجهه بالضبط؛ قوات «هيئة تحرير الشام» بعد تمددها السريع من مدن الشمال السوري «إدلب» و«حلب» تجاه الوسط السوري، كي تفرض سيطرتها على أهم مناطق الوسط الممثلة في «حماة» و«حمص» على التوالي الجغرافي والعملياتي. ميزة الهجوم الخاطف الذي شنته تلك الوحدات والمجموعات التابعة للتنظيم، رتبت للقوة المهاجمة حزمة هائلة من المكاسب في وقت وجيز للغاية، خاصة مع التخلي المقابل لقوات الجيش السوري عن مواقعه والارتداد للخلف بهدف الحفاظ على قواته، استعدادا لاختيار خط بعينه ـ لم يحدد بعد ـ يمكن من خلاله التجهيز لهجوم مضاد افتراضي. يبقى عامل مهم وهو «التوقيت»؛ كلا الطرفين سيمثل الوقت بالنسبة له عنصرا مهما للغاية، فمرور الوقت بالنسبة لقوات «هيئة تحرير الشام» وهذه المناطق والبلدات تحت سيطرتها، يعزز من مكاسبها ويفرض معادلة ميدانية لصالحها على الأرض. بشرط القدرة على إرساء حالة استقرار نسبية لسكان هذه المناطق، وهذا يفسر إسراع عناصر الهيئة بالتأكيد خلال الساعات الأولى المحدودة لعملياتهم، أن تأمين الأهالي أولوية قصوى، بل ورغم عدم مرور كثير من الوقت بدأ بث أخبار عن النقلة الإيجابية في تقديم الخدمات الأساسية للأهالي والمدنيين، الخبز والكهرباء بالأخص. وبدا الأمر مبرمجا سلفا من خبرة سنوات الصراع، فضلا عن وضوح أن هذا الأداء من مكونات الخطة الكلية المعدة بعناية، باعتبارها نقطة محورية تتيح للقوات المهاجمة استثمارا أمثل لمرور الوقت في حالة السيطرة، فأحد الأهداف الرئيسية لكل ما جرى هو (إرساء) معادلة ميدانية جديدة تسمح في المستقبل القريب باستثمارها سياسيا.
على الجانب الآخر يمثل الوقت بالتأكيد للنظام السوري حالة عكسية ضاغطة، فكل يوم يمر بافتراض عدم تلقيه خسائر إضافية بفقدانه السيطرة على مزيد من الأراضي، يعد تهديدا مباشرا لواقعه السياسي الذي لا محالة سيضطره في وقت قادم للمواجهة، والتعاطي مع المستجدات التي فرضها واقع ميداني يضعه على محك اللجوء للقرارات الخطيرة المؤلمة. وهذا يفسر أيضا لجوءه السريع إلى تكتيكات القصف الجوي المكثف، من أجل تحقيق هدفين كلاهما مر، الأول محاولة تعطيل التقدم بأي شكل ممكن حتى وإن بدا القصف عشوائيا فارغا من التخطيط الذي يمكن أن يحدث أثرا ملموسا، والثاني يتمثل في ضرب حالة الاستقرار التي يسعى لها الخصم بكل الوسائل، ويرى النظام أن تمتع تلك المدن والقرى بالهدوء سيفتح شهية عناصر «هيئة تحرير الشام»، إلى ضم مزيد من الأفراد لصفوفها والمضي قدما للجنوب إما باتجاه الساحل السوري بهدف عزله عن الداخل، وهذا يلقي الضوء على الأهمية الإستراتيجية في السيطرة على مدينة «حماة» التي تقع على مسافة 80 كم عن هذه المنطقة. وإما التقدم نحو دمشق وريفها من أجل تجديد حصارها، والعودة بالأزمة السورية إلى المربع الأول الذى سبق التدخل الروسي في 2015.
هذه الإشكاليات الميدانية التي تواجه الطرفين؛ تستدعي أمرا بالغ الخطورة، فمن أجل الوصول إلى توازن ميداني لكليهما الجيش السوري و«هيئة تحرير الشام»، يحتاج الأول إلى إسناد وتدخل روسي مباشر لتعديل ميزان السيطرة لصالحه، على غرار هزيمة الفصائل المسلحة في ديسمبر 2016، وإجبارها على الانسحاب والانكفاء داخل حيز ضيق في محافظة إدلب. لكن في التقدير الأولي لوضعية الجاهزية الروسية؛ تبرز عدة إشارات مثيرة للانتباه، أولاها أن روسيا تفاجأت مثل النظام السوري من هذا التحرك المنظم والسريع للعناصر المسلحة، وهذا يشي بإخفاق استخباراتي هائل قد يمس بوضعية قواتها في القواعد العسكرية «حميميم» باللاذقية و«طرطوس»، فضلا عن قواتها المنتشرة في جنوب سوريا، حيث تحتفظ روسيا بوجود عسكري هناك، خاصة في محافظتي درعا والقنيطرة القريبة جدا من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ثانيا خرجت مؤخرا عدة تقارير غربية وأيضا تأكيدات من مصادر سورية محلية، تتحدث عن إخلاء روسي سريع لكامل قطعها البحرية الموجودة بقاعدة طرطوس، بل إن صورا لأقمار صناعية جرى بثها خلال الأيام الماضية ترصد مغادرة ثلاث فرقاطات حربية وغواصة وسفينتين مساعدتين من القاعدة البحرية، وهي تمثل السفن الروسية الرئيسية المتمركزة في طرطوس. ثالثا وهو الأهم؛ ما يتعلق بالإرادة السياسية لدى موسكو في دعم الرئيس بشار الأسد في هذه الجولة من التهديد، فروسيا 2024 التي تخوض حربا معقدة ضد أوكرانيا، ليست هي روسيا 2015 و2016 عندما ساد حينها أن هناك سماحا أمريكيا واضحا لموسكو كي تتولى ترتيب مجمل الملف السوري جميع تعقيداته، هذا السماح اليوم بالتأكيد محل شك إن لم يكن انقلب عكسيا بشكل كامل، فروسيا ووجودها المستقر في سوريا وعلى ضفاف شرق المتوسط، هو بذاته بات محل استهداف استراتيجي وإن كان مؤجلا لحين ضمان استقرار الأهداف الأولية للعملية.
الثابت أن أوكرانيا تمثل أولوية لدى الجانب الروسي حاليا، وربما تأمل في الوصول إلى تسوية مرضية خلال ولاية الرئيس ترامب، مما يجعلها ستكون أقرب لتلمس اتجاهات الرياح فيما هو مخطط لمستقبل النظام السوري، وللوضع السوري المعقد بمكوناته وأطرافه، حيث ستسعى جاهدة إلى ألا تتداخل بالصورة التي تعقد موقفها مع الولايات المتحدة في حال اتضح بدقة، المدى الذي ستعطيه الأخيرة لهذه المتغيرات في خرائط السيطرة وحدودها النهائية.
هذا ما تواجهه بالضبط؛ قوات «هيئة تحرير الشام» بعد تمددها السريع من مدن الشمال السوري «إدلب» و«حلب» تجاه الوسط السوري، كي تفرض سيطرتها على أهم مناطق الوسط الممثلة في «حماة» و«حمص» على التوالي الجغرافي والعملياتي. ميزة الهجوم الخاطف الذي شنته تلك الوحدات والمجموعات التابعة للتنظيم، رتبت للقوة المهاجمة حزمة هائلة من المكاسب في وقت وجيز للغاية، خاصة مع التخلي المقابل لقوات الجيش السوري عن مواقعه والارتداد للخلف بهدف الحفاظ على قواته، استعدادا لاختيار خط بعينه ـ لم يحدد بعد ـ يمكن من خلاله التجهيز لهجوم مضاد افتراضي. يبقى عامل مهم وهو «التوقيت»؛ كلا الطرفين سيمثل الوقت بالنسبة له عنصرا مهما للغاية، فمرور الوقت بالنسبة لقوات «هيئة تحرير الشام» وهذه المناطق والبلدات تحت سيطرتها، يعزز من مكاسبها ويفرض معادلة ميدانية لصالحها على الأرض. بشرط القدرة على إرساء حالة استقرار نسبية لسكان هذه المناطق، وهذا يفسر إسراع عناصر الهيئة بالتأكيد خلال الساعات الأولى المحدودة لعملياتهم، أن تأمين الأهالي أولوية قصوى، بل ورغم عدم مرور كثير من الوقت بدأ بث أخبار عن النقلة الإيجابية في تقديم الخدمات الأساسية للأهالي والمدنيين، الخبز والكهرباء بالأخص. وبدا الأمر مبرمجا سلفا من خبرة سنوات الصراع، فضلا عن وضوح أن هذا الأداء من مكونات الخطة الكلية المعدة بعناية، باعتبارها نقطة محورية تتيح للقوات المهاجمة استثمارا أمثل لمرور الوقت في حالة السيطرة، فأحد الأهداف الرئيسية لكل ما جرى هو (إرساء) معادلة ميدانية جديدة تسمح في المستقبل القريب باستثمارها سياسيا.
على الجانب الآخر يمثل الوقت بالتأكيد للنظام السوري حالة عكسية ضاغطة، فكل يوم يمر بافتراض عدم تلقيه خسائر إضافية بفقدانه السيطرة على مزيد من الأراضي، يعد تهديدا مباشرا لواقعه السياسي الذي لا محالة سيضطره في وقت قادم للمواجهة، والتعاطي مع المستجدات التي فرضها واقع ميداني يضعه على محك اللجوء للقرارات الخطيرة المؤلمة. وهذا يفسر أيضا لجوءه السريع إلى تكتيكات القصف الجوي المكثف، من أجل تحقيق هدفين كلاهما مر، الأول محاولة تعطيل التقدم بأي شكل ممكن حتى وإن بدا القصف عشوائيا فارغا من التخطيط الذي يمكن أن يحدث أثرا ملموسا، والثاني يتمثل في ضرب حالة الاستقرار التي يسعى لها الخصم بكل الوسائل، ويرى النظام أن تمتع تلك المدن والقرى بالهدوء سيفتح شهية عناصر «هيئة تحرير الشام»، إلى ضم مزيد من الأفراد لصفوفها والمضي قدما للجنوب إما باتجاه الساحل السوري بهدف عزله عن الداخل، وهذا يلقي الضوء على الأهمية الإستراتيجية في السيطرة على مدينة «حماة» التي تقع على مسافة 80 كم عن هذه المنطقة. وإما التقدم نحو دمشق وريفها من أجل تجديد حصارها، والعودة بالأزمة السورية إلى المربع الأول الذى سبق التدخل الروسي في 2015.
هذه الإشكاليات الميدانية التي تواجه الطرفين؛ تستدعي أمرا بالغ الخطورة، فمن أجل الوصول إلى توازن ميداني لكليهما الجيش السوري و«هيئة تحرير الشام»، يحتاج الأول إلى إسناد وتدخل روسي مباشر لتعديل ميزان السيطرة لصالحه، على غرار هزيمة الفصائل المسلحة في ديسمبر 2016، وإجبارها على الانسحاب والانكفاء داخل حيز ضيق في محافظة إدلب. لكن في التقدير الأولي لوضعية الجاهزية الروسية؛ تبرز عدة إشارات مثيرة للانتباه، أولاها أن روسيا تفاجأت مثل النظام السوري من هذا التحرك المنظم والسريع للعناصر المسلحة، وهذا يشي بإخفاق استخباراتي هائل قد يمس بوضعية قواتها في القواعد العسكرية «حميميم» باللاذقية و«طرطوس»، فضلا عن قواتها المنتشرة في جنوب سوريا، حيث تحتفظ روسيا بوجود عسكري هناك، خاصة في محافظتي درعا والقنيطرة القريبة جدا من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل. ثانيا خرجت مؤخرا عدة تقارير غربية وأيضا تأكيدات من مصادر سورية محلية، تتحدث عن إخلاء روسي سريع لكامل قطعها البحرية الموجودة بقاعدة طرطوس، بل إن صورا لأقمار صناعية جرى بثها خلال الأيام الماضية ترصد مغادرة ثلاث فرقاطات حربية وغواصة وسفينتين مساعدتين من القاعدة البحرية، وهي تمثل السفن الروسية الرئيسية المتمركزة في طرطوس. ثالثا وهو الأهم؛ ما يتعلق بالإرادة السياسية لدى موسكو في دعم الرئيس بشار الأسد في هذه الجولة من التهديد، فروسيا 2024 التي تخوض حربا معقدة ضد أوكرانيا، ليست هي روسيا 2015 و2016 عندما ساد حينها أن هناك سماحا أمريكيا واضحا لموسكو كي تتولى ترتيب مجمل الملف السوري جميع تعقيداته، هذا السماح اليوم بالتأكيد محل شك إن لم يكن انقلب عكسيا بشكل كامل، فروسيا ووجودها المستقر في سوريا وعلى ضفاف شرق المتوسط، هو بذاته بات محل استهداف استراتيجي وإن كان مؤجلا لحين ضمان استقرار الأهداف الأولية للعملية.
الثابت أن أوكرانيا تمثل أولوية لدى الجانب الروسي حاليا، وربما تأمل في الوصول إلى تسوية مرضية خلال ولاية الرئيس ترامب، مما يجعلها ستكون أقرب لتلمس اتجاهات الرياح فيما هو مخطط لمستقبل النظام السوري، وللوضع السوري المعقد بمكوناته وأطرافه، حيث ستسعى جاهدة إلى ألا تتداخل بالصورة التي تعقد موقفها مع الولايات المتحدة في حال اتضح بدقة، المدى الذي ستعطيه الأخيرة لهذه المتغيرات في خرائط السيطرة وحدودها النهائية.
المصير الغائم لمعادلة الأمن الإقليمى «1» - المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية
قاعدة عسكرية مهمة ومستقرة في البعد الميداني للحروب والصراعات المسلحة، مفادها أن تطوير الهجوم وتوسيع مسرح العمليات بعيدا بأكثر مما يجب عن المركز، يمثل أخطر مراحل الوصول إلى تحقيق الأهداف، واختبار صعب للحكم على نجاح الهجوم، فقد يتسبب هذا الامتداد الذي يحدث عادة بشكل مفاجئ، إلى ارتدادات قاسية للخلف...
ecss.com.eg