وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ )
هذان مثلان
ضربهما الله لأعمال الكفار في بطلانها وذهابها سدى وتحسر عامليها منها فقال:
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا } بربهم وكذبوا رسله
{ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ } أي: بقاع، لا شجر فيه ولا نبت
{ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً } شديد العطش، الذي يتوهم ما لا يتوهم غيره، بسبب ما معه من العطش، وهذا حسبان باطل، فيقصده ليزيل ظمأه
{ حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا } فندم ندما شديدا، وازداد ما به من الظمأ، بسبب انقطاع رجائه
كذلك أعمال الكفار بمنزلة السراب
يراها ذلك الجاهل ويظنها أعمالا نافعة يعتقد انها جميلة وانها اعمال صالحة تقربه الى الله وهو محتاج إليها بل مضطر إليها
كاحتياج الظمآن للماء حتى إذ قدم على أعماله يوم الجزاء لم يجدها شيئا ووجدها ضائعة
{ وجد اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ } لم يخف عليه من عمله نقير ولا قطمير بل جعلها الله هباء منثورا
{ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ } فلا يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد، فإنه لا بد من إتيانه
ومثلها الله بالسراب الذي بقيعة أي: الأرض المستوية المتسعة المنبسطة لا شجر فيها ولا نبات
ماهو السراب ؟؟
السراب عبارة عن ظاهرة بصرية وهمية تنتج عن انكسار أشعة الضوء بسبب اختلاف درجات حرارة الهواء فوق الطريق
حيث تكون طبقة الهواء القريبة من الطريق أشد حرارة وسخونة من التي تعلوها
ينتقل الضوء في خط مستقيم بسرعة ثابتة تبلغ نحو 300 مليون متر في الثانية، ومع ذلك، تتأثر سرعته بالوسط الذي ينتقل من خلاله
فعلى الرغم من أن الضوء ينتقل بهذه السرعة في الفراغ، فإنه يتباطأ قليلاً عندما ينتقل من وسط أرقّ (هواء) إلى وسط أكثر كثافة (زجاج أو ماء)
فعلى سبيل المثال
عندما ينتقل الضوء في الهواء فإنه يسير في خط مستقيم، وعندما يمر إلى الماء
فإن كثافة الوسط تزداد فينكسر شعاع الضوء، مغيّراً اتجاهه ليسير في خط مستقيم جديد
وهذا هو سبب رؤية القلم مكسوراً عند وضعه في كوب به ماء، بحيث يكون جزء من القلم في الهواء والآخر تحت الماء
فلأننا نرى الأجسام نتيجة انعكاس الضوء عليها، فإن الضوء المنعكس لأعيننا من القلم يأتي من وسطين مختلفين (ماء وهواء)
الجزء الموجود في الهواء يسير في خط مستقيم إلى العين
في حين أن الجزء الموجود بالماء، ينتقل منه الضوء في الماء ثم الهواء ليصل إلى العين
فيحدث له انكسار على الحد الفاصل بين الوسطين، وتختلف السرعة فيظهر القلم كأنه منكسر
تقل سرعة الضوء في الأوساط ذات الكثافة المرتفعة عن الأوساط ذات الكثافة المنخفضة
ويحدث هذا التباطؤ الواضح عندما تتفاعل الفوتونات (الجسيمات المجهرية التي تشكل الضوء) مع جزيئات الوسط الذي تنتقل منه
نتيجة لذلك، يتم امتصاصها وتنبعث مراراً وتكراراً، وهو ما يقلل من متوسط سرعة الضوء بواسطة جزء صغير في وسط معين
وتسمى النسبة التي يتم بها تباطؤ الضوء في وسط معين باسم معامل الانكسار لهذا الوسط.
ويعتمد معامل الانكسار في الوسط جزئياً على درجة حرارته.
عادةً، كلما ارتفعت درجة حرارة الوسط، قلت درجة الكثافة، وتزداد سرعة الضوء
والعكس صحيح، فعند انخفاض درجة الحرارة لوسط معين، تزداد كثافته، وتقل فيه سرعة الضوء
في الأيام الحارة المشمسة، تشرق الشمس على الطريق كثيراً، ونظراً إلى أن الطرق سوداء، فإنها تمتص كثيراً من الحرارة
وتصبح أكثر حرارة من الأجسام ذات الألوان الفاتحة
هذا بدوره يرفع درجة حرارة الهواء فوق سطح الطريق عن الهواء أعلاها، فينشأ جيب من الهواء الدافئ أسفل طبقات من الهواء البارد نسبياً
يؤدي هذا إلى إنشاء وسط غير منتظم، حيث يصبح الهواء الموجود أعلى الطريق مباشرة أكثر سخونة
ومن ثم أقل كثافة من بقية الهواء.
وتنتقل أشعة الضوء من الشمس عبر الهواء في خط مستقيم، ولكن عندما تصل إلى الطبقة الأكثر دفئاً وأقل كثافة فوق الطريق
تزيد سرعتها قليلاً وتغيّر مسارها
ولأن الهواء البارد أكثر كثافة ولديه معامل انكسار أكبر، فهذا يعني أنه مع مرور الضوء من الهواء البارد إلى الهواء الساخن
فإنه ينحني للأعلى نحو الهواء الكثيف وبعيداً عن الأرض.
فالضوء ينتقل من السماء إلى الأسفل باتجاه الطريق الساخن، يتحرك عبر طبقات الهواء الحارة والأقل كثافة بسرعة أكبر من الطبقات الأبرد
وهو ما يؤدي إلى تغيير السرعة والانكسار في أثناء تحركها عبر كل طبقة
بالنسبة للعين
يبدو أن هذه الأشعة المنحرفة تأتي من الأرض، لذلك ترى صورة للسماء على الأرض
هذا يبدو كأنه انعكاس على سطح بركة من المياه، والتي يمكن أن تسبب البلبلة بسهولة
ومن ثم، فإن المياه التي تراها على الطريق ليست مياهاً حقاً، ولكنها صورة منعكسة للسماء.
فلأن المخ يعلم أن وجود السماء على الأرض أمر غير منطقي، لذلك غالباً ما ينتهي بك الأمر إلى تصور السراب كمياهٍ على الطريق تعكس السماء
يمكنك رؤية ظاهرة السراب شديدة الوضوح في مساحات شاسعة من الأرض المسطحة
حيث إن كثيراً من التلال أو الانخفاضات أو المطبّات سوف تمنع الضوء المنكسر من الوصول إلى عينيك.
وهنا يتجلى اعجاز القرآن الكريم فى تلك الآية الكريمة من سورة النور، فى الوصف العلمى الدقيق لظاهرة السراب
والشروط الواجب توافرها حتى تحدث، حيث تم تحديدها فى الآية الكريمة بكلمات دقيقة وعبرة عن هذه الشروط
ان أى انسان منصف عندما يطلع على الشروط اللازمة لحدوث السراب فى الطبيعة
ثم يتدبر ما ورد بهذه الآية الكريمة فانه ليس لديه الا أمر من اثنين وهما:
اما أن يسلم لله، أو يستسلم لعظمة القرآن الكريم كلام الله الذى أنزله بعلمه على رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم