تمهيد :
منذ ستينيات القرن الماضي، واعتمادا على الاستنساخ وسرقة التصميمات، دخلت الصين قائمة الدول المصدرة للسلاح ، قدمت إنتاجها العسكري المقلّد لدول محددة لاعتبارات سياسية وبشروط غاية في السخاء، بحسب مؤسسة RAND للأبحاث.
وتضيف المؤسسة الأميركية أن سياسة الصين الخارجية في ذلك الوقت كانت أيديولوجية للغاية وأهم عمليات الإمداد بالسلاح جرت لأسباب أمنية، مشيرة إلى أنها قدمت أسلحة ومساعدات عسكرية لألبانيا وكوريا الشمالية لإبقائهما مستقلتين عن موسكو كما تقاربت مع باكستان كونها خصما إقليميا رئيسيا للسوفييت وعلى الرغم من أن أيديولوجيتها ... لا علاقة لها بالماوية".
لكن في أواخر السبعينيات، حدث تحول جوهري في نهج الصين تجاه عمليات تصدير الأسلحة، عندما بدأت في البيع لعملاء جدد. ظهر ذلك أثناء حرب الخليج الأولى عندما باعت سلاحا لطرفي النزاع، العراق وإيران، بقيمة تفوق 6 مليارات دولار أميركي، بحسب بيانات معهد ستكهولم للسلام.
لكن جودة الأسلحة التي صدرتها الصين للعراق وإيران، كانت ذات تقنية منخفضة وتتكون من نسخ من معدات سوفيتية تنتمي للخمسينيات والستينيات وغالبا ما استُخدمت لتجهيز وحدات الخط الثاني في الجيشين، بحسب مؤسسة RAND للأبحاث.
رغم جودة الأسلحة الصينية المشكوك فيها، فإنها تقدمت على لائحة الدول المصدّرة للأسلحة لتصبح بحلول عام 2016 ضمن الخمسة الكبار بنسبة تجاوزت 5 بالمئة من حجم تجارة السلاح العالمية وبقائمة عملاء بلغت 51 دولة، بحسب بيانات معهد ستكهولم للسلام
يفسر سيمون ويزمان توسع بكين في حجم مبيعات الأسلحة، بتساهلها في شروط التصدير "إذا كنت ترغب في شراء أسلحة من الصين فلا مانع لديها ولن تسبّب لك أي مشكلة سواء كنت تقوم بانقلاب عسكري أو لديك قضايا تتعلّق بحقوق الانسان".
خلال السنوات الماضية، اقتحمت الصين أسواقا جديدة في الشرق الأوسط، وباعت عشرات الطائرات بدون طيار للسعودية والامارات ومصر والعراق والأردن، وجرى استخدامها بكثافة في نزاعات المنطقة مثل الحرب في اليمن والنزاع المسلح في ليبيا، وفق موقع Defense News.
هذا الخطوة، وفق الباحث في معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، سيمون ويزمان، قد تؤدي إلى قفزة كبيرة في حصة الصين من سوق بيع الأسلحة عالميا، مشيرا إلى أن تطوير بكين للأسلحة يفوق ما تقدر عليه موسكو ومن الممكن جدا أن تكسب الصين جزءا من حصة روسيا في سوق السلاح العالمي.
القرصنة الالكترونية :
لم تكتف الصين باستنساخ العشرات من نماذج الأسلحة العالمية، وبيعها محققة مكاسب مادية، لكنها توسعت بخطوة جديدة وفق تقارير دولية، بالاستيلاء على حقوق الملكية الفكرية لكبرى شركات تصنيع السلاح في العالم عبر القرصنة الإلكترونية.
تفضل بكين سرقة التصميمات والتكنولوجيا بدلا من استثمار سنوات وإنفاق الكثير من المال في تطويرها، وفق الخبير العسكري الأميركي بيتر بروكس.
بحسب المعهد البحري الأميركي، نقلا عن مسؤولي دفاع في الولايات المتحدة، فإن قراصنة عسكريين صينيين نجحوا في سرقة وثائق فائقة السرية في عدد من المناسبات من بينها بيانات تقنية وحساسة تعرضت للاختراق وظهرت نتائجها واضحة في الإصدارات الأخيرة للعديد من الأسلحة الصينية .
وبينما تُنكر بكين تلك الاتهامات، كشفت شركة مانديانت الأميركية، التي تعد واحدة من أكبر كيانات الأمن السيبراني في العالم عن نشاط متواصل لمجموعات قراصنة صينين منذ عام 2006، بحسب كريستيانا كيتنر محللة التجسس السيبراني في الشركة.
من بين وحدات التجسس التي تتبعتها شركة مانديانت للأمن السيبراني، كانت Advanced Persistent Threat، أو التهديد المتطور والمستمر والمعروفة اختصارابـ APT، وهي مجموعات عنقودية من القراصنة يتغير رقمها التسلسلي بحسب استراتيجياتها وأهدافها من APT واحد و حتى APT واحد واربعون، وتعمل وغيرها من مجموعات القرصنة الصينية تحت الإشراف الكامل لحكومة بكين.
تربط محللة التجسّس السيبراني في شركة مانديانت، كريستيانا كيتنر بين تولى شي جينبينغ، زمام الحكم في الصين، والتوسع في القرصنة على شركات تصنيع الأسلحة. وتقول كيتنر إن الرئيس الصيني كان بحاجة إلى السيطرة على عمليات التجسس، و توحيدها تحت وكالة واحدة، هي قوة الدعم الاستراتيجي التي ترفع تقاريرها مباشرة إليه. لسنوات طويلة لاحقت وزارة العدل الأمريكية العديد من أعضاء APT ، ووضعتهم ضمن قوائم المطلوبين بتهم التجسس الإلكتروني.
سرقة الأسلحة الأمريكية :
في مارس 2016، كشفت وزارة العدل الأميركية اعترافات مواطن صيني بمشاركته في مؤامرة استمرت لسنوات لاختراق شبكات الكمبيوتر الخاصة بشركات السلاح في الولايات المتحدة.
بحسب بيان وزارة العدل، اتهمت شكوى جنائية ولوائح اتهام لاحقة في مدينة لوس أنجلوس، رجل الأعمال الصيني المتخصص في مجالي الطيران والفضاء، سو بين، لدوره في مؤامرة إجرامية لسرقة بيانات تقنية وعسكرية لطائرة النقل الاستراتيجي C 17 وبعض المقاتلات المُنتَجة لحساب القوات المسلحة الأميركية.
في نفس العام الذي أُعلن فيه عن تلك القضية، دخلت طائرة النقل العسكرية (Xi’an Y 20) الخدمة في سلاح الجو الصيني، وهي نسخة مقلدة من (C 17 الأميركية) التي اعترف رجل الأعمال الصيني بسرقة تصميماتها.
بين عامي 2007 و2008، رجحت تقارير صحفية احتمال مسئولية الصين عن تعرض شركة لوكهيد مارتن الأميركية لهجمات إلكترونية متكررة، نتج عنها سرقة معلومات خاصة بالمقاتلة F 35 التي تصنعها الشركة.
شكوك مسؤولي البنتاغون حول مدى مسؤولية الصين عن تلك الهجمات ، ازدات عام 2016 عندما قدمت بكين طائرتها الجديدة "تشنغدو J 20"، الملقبة بالتنين الجبار، بسبب التشابه الواضح في التصميم مع F 35 والتطابق في واجهة الأجنحة الأمامية وأنابيب العادم المدمجة داخليا، بحسب مجلة ناشيونال إنترست الأميركية.
لائحة سرقة الصين للمعدات الأميركية، امتدت لتشمل مروحيات هجومية وطائرات بدون طيار وأسلحة أخرى متعددة، وفقا للمعهد البحري الأميركي.
رغم التوسع، في تقليد وسرقة تكنولوجيا الأسلحة، يشكك خبراء، وتقارير دولية، في فعالية الأسلحة المصنوعة في الصين، ويقول الخبير العسكري الأميركي، بيتر بروكس إن جودة الأسلحة الصينية ليست بكفاءة أو اعتمادية الأسلحة الأميركية أو الروسية أو الأوروبية.
ويرى المعهد البحري الأميركي أن مشكلة جميع الأسلحة الصينية بما في ذلك نسخ المعدات الغربية، أنها لا تزال غير مختبرة في ظروف حرب حقيقية، ومن غير المعروف كيف سيكون أداؤها، مضيفا أنها قد تكون أقل تكلفة من نظيراتها الغربية لكن العديد من الدول مترددة في المخاطرة بالحصول على منتجات لم تجتاز اختبار القتال النهائي.
____________________________________________
المصدر : قناة الحرة