فرنسي يهديه تفكيره للإسلام
جمال المعاند
أنى لعقل أن يتحرر من إسار الشهوات ، إذا أُحيط بوافر الرغبات ! . حقاً لا مجـال للتأمل ، فضلاً عن إمعان الذهن وإعماله ؟.
على الأخص إذا ولد الإنسان لأسرة غنية، وتنتمي لدولة تقدس الحرية الفردية ، إنها قصة شاب فرنسي نشأ في جنوب فرنسة ، حيث الحلل السندسية أينما اتجه البصر ، وشمس ساطعة معظم أيام السنة، مما جعلها مهوى أفئدة السياح، فمتعها مبتذلة ، وملذاتها سهلة المنال ، لكنها ليست عصية على أنوار الهداية.
أخذت الأقدار بلجامي إلى مدينة تولوز ومنها إلى بلدة صغيرة تدعى مواساك فيها مركز إسلامي وحيد ، بعد أسبوع على إقامتي في مواساك ، تعرفت على معالم المدينة ومنها مركز شباب فرنسي
يفد إليه شبابٌ من مختلف الجنسيات ، فقررت زيارته، فأنا لا عهد لي بمثل هذه المراكز .
دخلت المركز وطوفت في أرجائه ، وفي ركن من الحديقة تجمع رهط من الشباب يتحدثون العربية يتوسطهم شاب في العقد الثالث من العمر بدت ملامحه فرنسية ، أما لغته لولا هنات في بعض مخارج وصفات الحروف، لكذبت بصري أو فراستي .يتحدث عن الغرب والرأسمالية ، استهواني الحديث
فأستأذنت للجلوس إليهم ، أسترق السمع فقط ، إذ بحديثه رغم تهجمه على الغرب لا يحفل بالعواطف ، ويغلب عليه الطرح العقلاني لكثرة ما يورد أرقاماً تقطع الشك باليقين . ومما تحدث عنه
أن لب العداء الغربي للمسلمين هو من أجل المصالح وأخذ يسرد الأرقام لفرنسة مثلاً . وللمرة الأولى يطرق سمعي مقارنات من مثل : لو التزم المسلمون بالمنهج الإسلامي كم تكون خسائر الغرب؟! واستخلص أن جوهر العداء صراع للحفاظ على المصالح، لذا تكون الحروب ضد الإسلام على الصعد كافة.
انفض المجلس فدنوت منه وبعد المجاملات أخبرني أنه مسلم فرنسي منذ ما يقارب الخمس سنوات
واسمه ياسين .
أما كيف أشرق نور الهداية في قلبه ، رغم أسجاف الشرك، وظلام الشهوات المنغمس بها ، فهي برأيي فتحٌ دعوي، ارتأيت من الضرورة نشرها ، فما نعاني منه نحن في الغرب نمطية الأساليب الدعوية وقِدَمها.
أخذ مني تدوين التفاصيل والمعلومات ما ربا على عشر ساعات ، لم تخلُ من نقاشات ونقاط اتفاق ونقاط اختلاف ، أوجز الأهم برأيي، وهي طريقة إسلامه .
قال أخي ياسين :
نشأت لأسرة مثقفة فالوالد طبيب والأم ممرضة ، وأنا ولدهما الوحيد . بين الواقع والحلم
بالنسبة لي رغبة أبديها لوالديّ فما أن تقع على مسمع أحدهما إلا وقضي الأمر ، وهكذا تجاوزت الطفولة ، وفي مرحلة الصبا طفت أصقاع أوربة فما من عطلة إلا ولي فيها زيارة لمكان ، كان ولايزال شغفي بالمطالعة ، حياتي مثل الفراشة لا أحط على زهرة مرتين ، إلى أن وقعت أحداث الحادي عشر من أيلول.... .
بدأ يطرق مسامعي كلمة الإسلام ، أصْدقك القول لم تكن المرة الأولى فقد سمعتها من قبل ، ولم أُعِرْها أي اهتمام . وفي زخم التغطيات الإعلامية عن أحداث أيلول ، ومع أني من غير المتابعين للأخبار بشكل مستمر، في مساء ليلة من تلك الليالي ، جلست مسترخياً على أريكة في المنزل وأتابع قنوات الرائي، وثمة برنامج مشهور يحلل الأحداث ويشهده متخصصون، فسأل المُقَدِّم سؤالاً،
قال: وماذا لو طبق هؤلاء المتعصبون تعاليم دينهم الاقتصادية ؟.
لم يَدُرْ بخلدي من قبل أن ثمة تعاليم اقتصادية في أي دين ، كانت معلوماتي عن الأديان توجيهات
عقدية ، ونصائح أخلاقية ، على الأقل هذا ما أعرفه عن الكاثولكية النصرانية ، وأخذ المحاورون في البرنامج المذكور يناقشون موضوع الفوائد – الربا- ، وذكر أحدهم نظام المرابحة الإسلامية ، كان ذلك البرنامج نقطة تحول في حياتي ، فذاكرتي ليس فيها إلا أن الإسلام وضعه رجل بدوي عاش في الصحراء ، وتأثر بالمسيحية ، قبل ما يقارب ألف وخمسائة عام ، تساءلت كيف طور المسلمون نظاماً
اقتصادياً يتمسك به بعض منهم حتى الآن ، وأنا أرى في فرنسة مسلمون متأثرون بنا نحن الغربين بكل شيء.
شغل تفكيري قضية التحدي بين الإسلام والنظم الغربية الاقتصادية ، وأين يكمن الصراع؟.
قررت العودة إلى المصادر ، وأنا فرنسي أعرف الإنكليزية ، وأتحدث الإسبانية ، فحددت أولاً منطقة البحث التي تقرب من مكان بزوغ الإسلام ، وأين يمكن لمحمد – صلى الله عليه وسلم –
أن يصل في حل وترحال ، ودرست البقعة من بحر قزوين في إيران إلى البحرالأسود في تركيا إلى دول البحر الأبيض المتوسط ، فالبحر الأحمر ، فالخليج العربي، فالمياه مراكز الحضارات السالفة، وفي اللغات – الفرنسية والانكليزية والاسبانية - التي أخبرتك عنها ، ولمدة عام كامل لكنني لم أعثر في تلك الحضارات على معلومة اقتصادية تقوم على ساق أمام العلوم الحديثة ، وبدت لي أن ماحددت هي أول منطقة عرفت الكتابة ، ومنها تعلم العالم ، وفيها بعث جميع الأنبياء، ونحن نؤمن بالصدفة ، تعجبت من صدف بالجملة تتركز في بقعة من العالم .
جمعت ملاحظاتي وقررت السفر إلى ديار المسلمين ، فزرت سورية واليمن والأردن ومصر والسودان والحبشة ، ومما لفت نظري أيضاً أن عوام المسلمين أكثر التزاماً بالإنسانيات من الكفار عموماً ، وسبق أن أخبرتك أني أكاد أكون قد زرت كل حاضرة أوربية ، ووقع في نفسي أن الإسلام هو من علم هؤلاء العوام سلوكاً إنسانياً يتلاءم وما فطروا عليه، فلا يحتاجون لدربة أخلاقية أما نحن الغربيين فعلماء التربية بذلوا جهوداً كبيرة حتى وصلنا إلى ما ترى من صدق الحديث والوعد بنسب مختلفة .
ثم بدأت عاماً جديداً في مرحلة الشك بين ماهو مستقر بذهني وبين ما دخل عقلي بعد التمحيص.
لم أقف عند قضية الاقتصاد وحدها، بل محصت الكثير، فوصلت إلى قناعة أولاً: أن الإسلام دين سماوي ، وأنه الدين الخاتم بدليل أن جميع الأنبياء المعروفين لدى البشر مذكورين في القرآن باحترام يليق بمكانهتم.
فقررت إشهار إسلامي وهذا ما فعلته في اليمن ، ثم رحلت إلى سورية لتعلم العربية بناء على نصائح بعض الفرنسيين ،وها أنت ترى عربيتي والحمد الله .
سألته إستدراكاً : هل سمعت القرآن الكريم وأنت كافر؟ .
قال: نعم كنت استمع لبعض الآيات وأنا في الطريق من غير اكتراث . لكن في عام الشك كنت في مصر ، فأهداني أحد المصريين شريطاً عليه سورة البقرة ، لم يتح لي سماعه إلا في هدأة الليل سمعته، فامتلكتني رغبة لإعادة السماع مرة أخرى . مع أني لم أفهم منه كلمة واحدة .
قلت : حدثني عن شعورك وأن تسمع كلاماً لا تعيه ؟.
قال: منذ الصغر وأنا أعشق الشعر الفرنسي دون غيره ، فهوشعر رقيق العبارة وافر الصورة ، وقلما سمعت قصيدة أو قرأتها إلا وتولد لدي ذوق خاص يسرح فيه خيالي إلى عبارة أوصورة أراها الأبرز ، وأن ما سواها أقل جودة منها ، لكني لست ناقداً للشعر.
أما القرآن الكريم فقد شعرت بهرمونية صوتية – انسجام – هو همسات صوتية دافئة لا ينبو حرف عن حرف ، ولا مخرج عن مخرج ، هو عزف على أوتار القلب يدعوه للاسترخاء والتأمل، شعور لم أحس به في قصيدة أو أغنية أو قطعة نثرية .
دونت من كلام أخي ياسين الكثير ، مما لم أذكره وربما أستفيد منه في مقالات أخرى أو في قصة أخرى.
عن رابطة أدباء الشام
جمال المعاند
أنى لعقل أن يتحرر من إسار الشهوات ، إذا أُحيط بوافر الرغبات ! . حقاً لا مجـال للتأمل ، فضلاً عن إمعان الذهن وإعماله ؟.
على الأخص إذا ولد الإنسان لأسرة غنية، وتنتمي لدولة تقدس الحرية الفردية ، إنها قصة شاب فرنسي نشأ في جنوب فرنسة ، حيث الحلل السندسية أينما اتجه البصر ، وشمس ساطعة معظم أيام السنة، مما جعلها مهوى أفئدة السياح، فمتعها مبتذلة ، وملذاتها سهلة المنال ، لكنها ليست عصية على أنوار الهداية.
أخذت الأقدار بلجامي إلى مدينة تولوز ومنها إلى بلدة صغيرة تدعى مواساك فيها مركز إسلامي وحيد ، بعد أسبوع على إقامتي في مواساك ، تعرفت على معالم المدينة ومنها مركز شباب فرنسي
يفد إليه شبابٌ من مختلف الجنسيات ، فقررت زيارته، فأنا لا عهد لي بمثل هذه المراكز .
دخلت المركز وطوفت في أرجائه ، وفي ركن من الحديقة تجمع رهط من الشباب يتحدثون العربية يتوسطهم شاب في العقد الثالث من العمر بدت ملامحه فرنسية ، أما لغته لولا هنات في بعض مخارج وصفات الحروف، لكذبت بصري أو فراستي .يتحدث عن الغرب والرأسمالية ، استهواني الحديث
فأستأذنت للجلوس إليهم ، أسترق السمع فقط ، إذ بحديثه رغم تهجمه على الغرب لا يحفل بالعواطف ، ويغلب عليه الطرح العقلاني لكثرة ما يورد أرقاماً تقطع الشك باليقين . ومما تحدث عنه
أن لب العداء الغربي للمسلمين هو من أجل المصالح وأخذ يسرد الأرقام لفرنسة مثلاً . وللمرة الأولى يطرق سمعي مقارنات من مثل : لو التزم المسلمون بالمنهج الإسلامي كم تكون خسائر الغرب؟! واستخلص أن جوهر العداء صراع للحفاظ على المصالح، لذا تكون الحروب ضد الإسلام على الصعد كافة.
انفض المجلس فدنوت منه وبعد المجاملات أخبرني أنه مسلم فرنسي منذ ما يقارب الخمس سنوات
واسمه ياسين .
أما كيف أشرق نور الهداية في قلبه ، رغم أسجاف الشرك، وظلام الشهوات المنغمس بها ، فهي برأيي فتحٌ دعوي، ارتأيت من الضرورة نشرها ، فما نعاني منه نحن في الغرب نمطية الأساليب الدعوية وقِدَمها.
أخذ مني تدوين التفاصيل والمعلومات ما ربا على عشر ساعات ، لم تخلُ من نقاشات ونقاط اتفاق ونقاط اختلاف ، أوجز الأهم برأيي، وهي طريقة إسلامه .
قال أخي ياسين :
نشأت لأسرة مثقفة فالوالد طبيب والأم ممرضة ، وأنا ولدهما الوحيد . بين الواقع والحلم
بالنسبة لي رغبة أبديها لوالديّ فما أن تقع على مسمع أحدهما إلا وقضي الأمر ، وهكذا تجاوزت الطفولة ، وفي مرحلة الصبا طفت أصقاع أوربة فما من عطلة إلا ولي فيها زيارة لمكان ، كان ولايزال شغفي بالمطالعة ، حياتي مثل الفراشة لا أحط على زهرة مرتين ، إلى أن وقعت أحداث الحادي عشر من أيلول.... .
بدأ يطرق مسامعي كلمة الإسلام ، أصْدقك القول لم تكن المرة الأولى فقد سمعتها من قبل ، ولم أُعِرْها أي اهتمام . وفي زخم التغطيات الإعلامية عن أحداث أيلول ، ومع أني من غير المتابعين للأخبار بشكل مستمر، في مساء ليلة من تلك الليالي ، جلست مسترخياً على أريكة في المنزل وأتابع قنوات الرائي، وثمة برنامج مشهور يحلل الأحداث ويشهده متخصصون، فسأل المُقَدِّم سؤالاً،
قال: وماذا لو طبق هؤلاء المتعصبون تعاليم دينهم الاقتصادية ؟.
لم يَدُرْ بخلدي من قبل أن ثمة تعاليم اقتصادية في أي دين ، كانت معلوماتي عن الأديان توجيهات
عقدية ، ونصائح أخلاقية ، على الأقل هذا ما أعرفه عن الكاثولكية النصرانية ، وأخذ المحاورون في البرنامج المذكور يناقشون موضوع الفوائد – الربا- ، وذكر أحدهم نظام المرابحة الإسلامية ، كان ذلك البرنامج نقطة تحول في حياتي ، فذاكرتي ليس فيها إلا أن الإسلام وضعه رجل بدوي عاش في الصحراء ، وتأثر بالمسيحية ، قبل ما يقارب ألف وخمسائة عام ، تساءلت كيف طور المسلمون نظاماً
اقتصادياً يتمسك به بعض منهم حتى الآن ، وأنا أرى في فرنسة مسلمون متأثرون بنا نحن الغربين بكل شيء.
شغل تفكيري قضية التحدي بين الإسلام والنظم الغربية الاقتصادية ، وأين يكمن الصراع؟.
قررت العودة إلى المصادر ، وأنا فرنسي أعرف الإنكليزية ، وأتحدث الإسبانية ، فحددت أولاً منطقة البحث التي تقرب من مكان بزوغ الإسلام ، وأين يمكن لمحمد – صلى الله عليه وسلم –
أن يصل في حل وترحال ، ودرست البقعة من بحر قزوين في إيران إلى البحرالأسود في تركيا إلى دول البحر الأبيض المتوسط ، فالبحر الأحمر ، فالخليج العربي، فالمياه مراكز الحضارات السالفة، وفي اللغات – الفرنسية والانكليزية والاسبانية - التي أخبرتك عنها ، ولمدة عام كامل لكنني لم أعثر في تلك الحضارات على معلومة اقتصادية تقوم على ساق أمام العلوم الحديثة ، وبدت لي أن ماحددت هي أول منطقة عرفت الكتابة ، ومنها تعلم العالم ، وفيها بعث جميع الأنبياء، ونحن نؤمن بالصدفة ، تعجبت من صدف بالجملة تتركز في بقعة من العالم .
جمعت ملاحظاتي وقررت السفر إلى ديار المسلمين ، فزرت سورية واليمن والأردن ومصر والسودان والحبشة ، ومما لفت نظري أيضاً أن عوام المسلمين أكثر التزاماً بالإنسانيات من الكفار عموماً ، وسبق أن أخبرتك أني أكاد أكون قد زرت كل حاضرة أوربية ، ووقع في نفسي أن الإسلام هو من علم هؤلاء العوام سلوكاً إنسانياً يتلاءم وما فطروا عليه، فلا يحتاجون لدربة أخلاقية أما نحن الغربيين فعلماء التربية بذلوا جهوداً كبيرة حتى وصلنا إلى ما ترى من صدق الحديث والوعد بنسب مختلفة .
ثم بدأت عاماً جديداً في مرحلة الشك بين ماهو مستقر بذهني وبين ما دخل عقلي بعد التمحيص.
لم أقف عند قضية الاقتصاد وحدها، بل محصت الكثير، فوصلت إلى قناعة أولاً: أن الإسلام دين سماوي ، وأنه الدين الخاتم بدليل أن جميع الأنبياء المعروفين لدى البشر مذكورين في القرآن باحترام يليق بمكانهتم.
فقررت إشهار إسلامي وهذا ما فعلته في اليمن ، ثم رحلت إلى سورية لتعلم العربية بناء على نصائح بعض الفرنسيين ،وها أنت ترى عربيتي والحمد الله .
سألته إستدراكاً : هل سمعت القرآن الكريم وأنت كافر؟ .
قال: نعم كنت استمع لبعض الآيات وأنا في الطريق من غير اكتراث . لكن في عام الشك كنت في مصر ، فأهداني أحد المصريين شريطاً عليه سورة البقرة ، لم يتح لي سماعه إلا في هدأة الليل سمعته، فامتلكتني رغبة لإعادة السماع مرة أخرى . مع أني لم أفهم منه كلمة واحدة .
قلت : حدثني عن شعورك وأن تسمع كلاماً لا تعيه ؟.
قال: منذ الصغر وأنا أعشق الشعر الفرنسي دون غيره ، فهوشعر رقيق العبارة وافر الصورة ، وقلما سمعت قصيدة أو قرأتها إلا وتولد لدي ذوق خاص يسرح فيه خيالي إلى عبارة أوصورة أراها الأبرز ، وأن ما سواها أقل جودة منها ، لكني لست ناقداً للشعر.
أما القرآن الكريم فقد شعرت بهرمونية صوتية – انسجام – هو همسات صوتية دافئة لا ينبو حرف عن حرف ، ولا مخرج عن مخرج ، هو عزف على أوتار القلب يدعوه للاسترخاء والتأمل، شعور لم أحس به في قصيدة أو أغنية أو قطعة نثرية .
دونت من كلام أخي ياسين الكثير ، مما لم أذكره وربما أستفيد منه في مقالات أخرى أو في قصة أخرى.
عن رابطة أدباء الشام