في عصر التحولات الجذرية في النظام الدولي، أصبحت مجموعة بريكس لاعبًا رئيسًا في إعادة تشكيل النظام العالمي. لم تعد هذه المجموعة مجرد تحالف اقتصادي، بل تمثل اليوم طموحًا عالميًّا لتجاوز هيمنة القوى التقليدية الغربية. تسعى بريكس إلى بناء نظام عالمي أكثر توازنًا، حيث تتوزع القوة بين عدة أطراف؛ مما يعزز شمولية العلاقات الدولية وديمقراطيتها.
مع توسع مجموعة بريكس في عام 2024، بانضمام خمسة أعضاء جدد، تقف المجموعة عند مفترق طرق تاريخي، حيث تتطلب المرحلة الجديدة إعادة تقييم الأهداف والآليات لتحقيق مستقبل مستدام. في هذا المقال، سنناقش ثلاثة محاور رئيسة بشأن مستقبل بريكس: كيفية التوازن بين التعددية القطبية والتعاون الدولي، كيفية التعامل مع التفاوتات الاقتصادية والسياسية بين الأعضاء، وكيفية تحقيق الشمولية دون التضحية بفاعلية المجموعة.
التعددية القطبية والتعاون الدولي.. توازن جديد للنظام العالمي
تسعى بريكس إلى تعزيز التعددية القطبية في النظام العالمي، بحيث لا تحتكر قوة واحدة السيطرة على المشهد الدولي. تمثل هذه الرؤية طموحًا لتأسيس نظام عالمي أكثر عدالة، حيث تتوزع الأدوار والمسؤوليات بين الدول الكبرى على نحو متساوٍ. من هذا المنطلق، تسعى بريكس إلى بناء تحالفات قادرة على معالجة القضايا العالمية بطرق أكثر شمولًا واستدامة.ولكن القوة وحدها ليست كافية لضمان استقرار النظام العالمي. لتحقيق هذا الاستقرار، تحتاج بريكس إلى تطوير آليات تعاون متعددة الأطراف بين أعضائها، بحيث لا تقتصر أهداف المجموعة على القوة الاقتصادية والعسكرية، بل تشمل أيضًا مجالات أخرى مثل التكنولوجيا، والبيئة، والتجارة. هذا التعاون سيسهم في تعزيز قدرة المجموعة على مواجهة التحديات العالمية مواجهة جماعية ومتوازنة.
دور بريكس في الحوكمة العالمية
بالإضافة إلى التعددية القطبية، يضطلع بريكس بدور مهم في إعادة تشكيل آليات الحوكمة العالمية. تعاني المؤسسات الدولية التقليدية، مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي، انتقادات تتعلق بسيطرة الدول الكبرى، وتركز القرار في يد قلة من الدول الغربية. تسعى بريكس إلى تقديم بديل يعزز العدالة والشمولية في اتخاذ القرارات العالمية، من خلال إنشاء منصات جديدة تدعم تمثيل أكبر للدول النامية والناشئة.من خلال هذه المؤسسات البديلة، يمكن لبريكس أن تسهم في إصلاح النظام العالمي على نحو يضمن توازنًا أكبر بين الشمال والجنوب. تأسيس مؤسسات مالية جديدة، مثل بنك التنمية الجديد (NDB)، يمثل خطوة في هذا الاتجاه، حيث يسعى هذا البنك إلى تقديم حلول تمويلية مبتكرة لدعم مشروعات البنية التحتية والتنمية المستدامة في الدول الأعضاء والدول النامية.
بناء علاقات إستراتيجية مع القوى الصاعدة
إلى جانب تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، يجب على بريكس أن تنظر إلى بناء شراكات إستراتيجية مع قوى صاعدة أخرى. على سبيل المثال، الدول الإفريقية والآسيوية تشهد نموًا اقتصاديًّا ملحوظًا، ويمكن أن تكون هذه الدول شركاء أساسيين في تعزيز دور بريكس على الساحة الدولية. هذه الشراكات لن تسهم فقط في تعزيز القوة الاقتصادية للمجموعة؛ بل ستدعم أيضًا قدرتها على التأثير في قضايا مثل الطاقة المتجددة، الصحة العالمية، والتعليم.من خلال هذه الشراكات، تستطيع بريكس توسيع تأثيرها عالميًّا، وتشكيل تحالفات تستند إلى مصالح مشتركة تسهم في تحقيق التنمية المستدامة والرفاه الاقتصادي.
تعزيز العلاقات جنوب- جنوب
لطالما كان التعاون بين دول الجنوب هدفًا مركزيًّا لبريكس. الدول الأعضاء، ومنها البرازيل وجنوب إفريقيا والهند، تمثل مراكز قوى في الجنوب العالمي، وتتمتع بإمكانات ضخمة لدعم الدول النامية في مجالات التنمية الاقتصادية، والتكنولوجيا. من خلال تعزيز العلاقات جنوب- جنوب، يمكن لبريكس أن تقود جبهة موحدة تدفع نحو تعزيز النمو والازدهار في البلدان النامية، وهو ما سيسهم في خلق توازن أكبر في الاقتصاد العالمي.تعاون بريكس مع الدول النامية يمكن أن يفتح الباب أمام مبادرات مشتركة في مجالات مثل التعليم، تطوير المهارات، والابتكار التكنولوجي، وتمكين الشباب. هذه المبادرات ستحقق مكاسب طويلة الأمد للدول الأعضاء، وسترسخ موقع بريكس كأحد الفاعلين الأساسيين في رسم مستقبل العالم.
الأطر القانونية والمؤسساتية
لتحقيق الأهداف الكبيرة التي تطمح إليها بريكس في مجال التعاون الدولي، يحتاج الأمر إلى إنشاء أطر قانونية ومؤسساتية واضحة. هذه الأطر تضمن استمرار التعاون واستقراره بين الدول الأعضاء، وتمنع الصراعات أو التباينات من أن تعرقل عمل المجموعة. من الضروري أن تعمل بريكس على تطوير اتفاقيات قانونية تضمن الالتزام بقرارات المجموعة، وتخلق آليات واضحة لحل النزاعات.إنشاء أطر قانونية قوية سيزيد مصداقية المجموعة على الساحة الدولية، وسيعزز قدرتها على إدارة الأزمات العالمية على نحو أكثر فاعلية. يمكن لهذه الأطر أن تدعم التنسيق بين الدول في القضايا الحرجة، مثل الأمن الغذائي، والصحة، والتغير المناخي، والأمن السيبراني، مما يعزز دور بريكس كقوة عالمية متعددة الأطراف.
التحول الرقمي والابتكار
أحد المجالات التي يجب أن تركز عليها بريكس لتحقيق توازن أكبر في النظام العالمي هو الابتكار والتحول الرقمي. يمثل هذا المجال أحد أهم المحركات للتقدم الاقتصادي في العصر الحديث. من خلال الاستثمار في التكنولوجيا والابتكار، تستطيع دول بريكس تعزيز قدرتها التنافسية على الساحة العالمية. التعاون في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، والتجارة الإلكترونية، سيمكن المجموعة من تحقيق قفزات نوعية في النمو الاقتصادي، والتطور التقني.إذا ركزت دول بريكس على تعزيز القدرات التكنولوجية لأعضائها، فستتمكن من تجاوز العقبات التي تعترض طريقها في النظام الدولي القائم على التقدم التكنولوجي. يمكن للمجموعة أيضًا إنشاء منصات تعاون تكنولوجي مشتركة، وتطوير شراكات مع الدول الأخرى في الجنوب العالمي لتعزيز الابتكار الرقمي على مستوى عالمي.
تعزيز الأمن والاستقرار العالمي
في ظل التوترات الجيوسياسية الحالية وتزايد التحديات الأمنية، يجب على بريكس أن تضطلع بدور محوري في تعزيز الأمن والاستقرار العالمي. يمكن للمجموعة العمل على تطوير آليات مشتركة لمعالجة الأزمات الأمنية، سواء أكانت ناتجة عن النزاعات الإقليمية، أو التهديدات السيبرانية. من خلال التعاون في مجالات الأمن والدفاع، تستطيع دول بريكس حماية مصالحها المشتركة، وتقديم نموذج جديد لحل النزاعات بطرق سلمية وفعالة.من خلال العمل على هذه الأبعاد المختلفة، تسعى بريكس إلى خلق نظام عالمي جديد يقوم على التعددية الحقيقية، والشراكة المتوازنة بين الدول، مما يضمن مستقبلًا أكثر استدامة وعدالة للجميع
التفاوتات داخل البريكس.. تحديات توزيع القوة
رغم الطموح الكبير الذي يحمله مشروع بريكس، فإن الواقع يفرض تحديات واضحة تتعلق بتفاوت مستويات القوة بين الأعضاء. فعلى سبيل المثال، يعد الاقتصاد الصيني الأكبر والأقوى مقارنة ببقية أعضاء المجموعة، مما يخلق حالة من التفاوت الداخلي. وعلى المنوال نفسه، تختلف اهتمامات الدول الأعضاء؛ فبينما تركز البرازيل على التنمية الزراعية والاقتصادية، تضع روسيا ثقلها في المجالات الجيوسياسية.هذه التفاوتات قد تؤدي إلى تعقيد عملية اتخاذ القرار داخل المجموعة، حيث تصبح المصالح الوطنية لبعض الدول أولوية على حساب التعاون المشترك؛ لذلك، يجب على بريكس أن تجد سبلًا لتسوية هذه الفوارق من خلال إنشاء منصات تشاركية لكل عضو وفقًا لمجالات قوته، مما يعزز التوازن بين الأعضاء، ويوحد رؤاهم نحو تحقيق أهداف مشتركة.
الشمولية والفعالية.. مستقبل توسيع بريكس
مع انضمام أعضاء جدد إلى بريكس، تظهر تساؤلات عن كيفية الحفاظ على فاعلية المجموعة دون أن تفقد تماسكها؛ فالشمولية تعد من أعظم ميزات بريكس، حيث تتيح للمجموعة أن تكون صوتًا قويًّا للدول النامية، ولكن مع ذلك، فإن التوسع المتزايد قد يؤدي إلى تحديات تتعلق بتوافق الآراء، وسرعة اتخاذ القرارات.لتجنب تلك التعقيدات، قد يكون من الحكمة أن تركز بريكس على إنشاء آليات مرنة تتيح للأعضاء الجدد المشاركة بفعالية في المجالات التي تتناسب مع إمكاناتهم وأهدافهم الوطنية. يمكن أن يشمل ذلك منصات تخصصية تعنى بالتمويل، والأمن، والتكنولوجيا، أو البيئة، بحيث تسهم كل دولة بما تستطيع، دون أن يثقل ذلك كاهل المجموعة ككل. بهذه الطريقة، ستتمكن بريكس من الحفاظ على شموليتها، دون التضحية بقدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة
الرئاسة الروسية في بريكس.. نحو مستقبل متعدد الأطراف
مع تجاوز الرئاسة الروسية نصف مدتها في مجموعة بريكس، ومع اقتراب انعقاد القمة الرئيسة في أكتوبر (تشرين الأول)، يمكننا البدء بتقييم الأداء الحالي للمجموعة في شكلها الموسع، وتحديد الآفاق المستقبلية لتطورها. عام 2024 يمثل نقطة تحول كبيرة لبريكس، حيث إن انضمام الأعضاء الجدد يجعلنا أمام تكتل عالمي مختلف تمامًا عن السابق؛ ما يتطلب إعادة تقييم الإستراتيجيات والتوجهات المستقبلية.منذ يناير 2024، تتولى روسيا قيادة بريكس في مرحلة جديدة تتميز بزيادة عدد الأعضاء، والتحديات المرتبطة بتوسيع نطاق العمل الجماعي. ومع انتهاء حالة الاندفاع الأولية المتعلقة بالعضوية الجديدة، تتطلب المرحلة المقبلة العمل على دمج الأعضاء الجدد بفاعلية في المشروعات المشتركة، وضمان التوافق بين الرؤى الوطنية المختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، يبقى موضوع توسيع العضوية وآليات “بريكس+” جزءًا أساسيًّا من الحوار المستقبلي، حيث يجب تحديد الإطار التنظيمي لهذا التوسع لضمان استدامته وفعاليته.
التحديات الإستراتيجية للتوسع
يمثل انضمام دول جديدة إلى بريكس عاملاً مهمًّا في تعزيز موقع المجموعة على الساحة الدولية، ولكن هذا التوسع لم يكن سلسًا تمامًا. شهدنا، على سبيل المثال، بعض التردد من دول مثل الأرجنتين، والمواقف الحذرة من السعودية. ورغم هذه التحديات، لا تزال بريكس تحظى باهتمام كبير من دول الأغلبية العالمية، حيث تستمر الطلبات للانضمام رغم الضغوط الغربية المتزايدة.تواجه بريكس، بوصفها كتلة اقتصادية وسياسية، تحديات كبيرة ناجمة عن محاولات الغرب عرقلة هذا التحالف، خاصة مع استمرار الدول النامية في الاعتماد الاقتصادي على القوى الغربية. تأتي هذه الضغوط في وقت يتزايد فيه الإدراك العالمي بأن الهيمنة الغربية على النظام المالي والاقتصادي الدولي آخذة في التراجع. دور بريكس هنا ليس فقط في تقديم بديل، بل في قيادة تحول أساسي نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، يقوم على الإنصاف والشمولية.
دمج الأعضاء الجدد.. الفرص والتحديات
تكمن إحدى أولويات بريكس في ضمان إدماج الأعضاء الجدد بطريقة سلسة وفعالة. الانضمام إلى بريكس يمثل فرصة كبيرة لكثير من هذه الدول لتعزيز مكانتها الدولية، لكنها ربما لم تدرك حجم المسؤوليات والمشروعات التي تتطلبها العضوية. تعمل بريكس على أكثر من 250 مشروعًا ومبادرة ضمن جدول رئاستها الروسية؛ مما يتطلب جهدًا تنظيميًّا كبيرًا من الأعضاء الجدد لضمان مشاركتهم الفعالة.إن إدماج الأعضاء الجدد ليس مجرد عملية بيروقراطية؛ بل هو اختبار لقدرة المجموعة على العمل كوحدة متماسكة مع الحفاظ على هويتها المتعددة. هذا يدعو إلى إعادة التفكير في هيكلية بريكس، وتطوير آليات جديدة لتعزيز التنسيق بين الأعضاء؛ مما قد يتطلب إنشاء أمانة دائمة، أو هيكل تنظيمي مركزي يضمن استمرارية العمل الفعال.
تطوير هيكل تنظيمي مرن ومستدام
منذ عدة سنوات، طُرحت فكرة إنشاء أمانة افتراضية لبريكس كوسيلة لتعزيز التنسيق بين الأعضاء. في ظل التطور التكنولوجي الحالي، قد يكون الوقت حان لإعادة النظر في هذه الفكرة. يمكن لهذا الهيكل الافتراضي أن يعمل كمنصة رقمية تعتمد على تكنولوجيا السجلات الموزعة؛ مما يتيح للدول الأعضاء تبادل الموارد والمعلومات بسهولة وشفافية.هذه المنصة قد تسهم في تطوير “بنية تفاعلية” شاملة تجمع بين الأطر الدبلوماسية والرؤى الاقتصادية والعلمية لدول بريكس، وتتيح تبادل الأفكار وحل المشكلات على نحو جماعي. بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه المنصة أن تعمل كقاعدة بيانات مشتركة لتحليل ومتابعة التقدم المحرز في مشروعات بريكس المشتركة؛ مما يعزز الشفافية والمساءلة.
بناء نظام مالي عالمي بديل
إحدى القضايا المحورية التي تشغل بريكس منذ نشأتها هي بناء نظام مالي بديل للنظام الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة والدول الغربية. يتطلب هذا النظام الجديد تطوير آليات دفع مستقلة، وتبني حلول مالية تكون أكثر شمولية وعدالة. في هذا السياق، يمكن أن يكون إنشاء عملة مشتركة أو أداة دفع بديلة داخل بريكس خطوة مهمة نحو تحرير الدول الأعضاء من الاعتماد على الدولار الأمريكي.ومع انضمام أعضاء جدد، تمتلك بريكس الآن قدرة كبيرة على الاستفادة من مواردها الطبيعية لتأمين استقرار أدوات الدفع الجديدة، فالمجموعة تمثل نحو 30% من الإنتاج العالمي للذهب، و80% من إنتاج الألومنيوم، و45% من احتياطات النفط، و50% من إنتاج القمح والأرز؛ مما يمنحها قوة اقتصادية ضخمة تمكنها من خلق نظام مالي مستقر. في المقابل، تعتمد الولايات المتحدة على إصدار الديون بشكل كبير، وهو ما يضعف قيمة الدولار على المدى الطويل.
تطوير البنية التحتية والخدمات اللوجستية
لتجنب الهيمنة الغربية على النظام المالي والاقتصادي العالمي، يجب على بريكس التركيز على تطوير بنيتها التحتية الاقتصادية والتجارية. يمثل تطوير شبكات النقل والخدمات اللوجستية أولوية قصوى، خاصة في ظل الهيمنة الغربية الحالية على خدمات الشحن والتأمين العالمي.إنشاء شركات مشتركة للنقل البحري والخدمات اللوجستية والتأمين بين دول بريكس يمكن أن يسهم في تقليل الاعتماد على الخدمات الغربية، ويعزز استقلالية المجموعة. كما أن إنشاء بورصة حبوب خاصة ببريكس يمكن أن يعيد تشكيل السوق العالمية للمواد الغذائية ويمنح المجموعة قوة اقتصادية إضافية.
الاهتمام بالبعد الثقافي والإنساني
بالإضافة إلى الجوانب الاقتصادية والسياسية، يجب على بريكس الاهتمام بتعزيز التعاون الثقافي والإنساني بين دولها. يمثل التعليم والثقافة عناصر أساسية لتشكيل الهوية المشتركة لبريكس، ويمكن أن تسهم في خلق فضاء تعليمي وعلمي مشترك يعزز من التفاهم بين الشعوب.تطوير معايير تعليمية وتقييمات علمية خاصة بالمجموعة يمكن أن يسهم في بناء منظومة تعليمية مستقلة عن المعايير الغربية، ويساعد على بناء جيل جديد من القادة الذين يؤمنون بمبادئ التعددية والسيادة.
الاستنتاجات
تعد بريكس اليوم نموذجًا رائدًا للتحول نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، يسعى إلى تجاوز الهيمنة الغربية التقليدية عبر توزيع أكثر عدالة للأدوار والمسؤوليات بين القوى الكبرى. يهدف هذا النموذج إلى تعزيز الشمولية والديمقراطية في العلاقات الدولية من خلال بناء تحالفات دولية تعزز التعاون في مجالات مثل التكنولوجيا، والبيئة، والتجارة. لتحقيق هذا الهدف، يجب على بريكس تطوير آليات تعاون متعددة الأطراف لا تعتمد على القوة الاقتصادية والعسكرية فقط؛ بل تتوسع إلى مجالات حيوية أخرى.
ومع توسع المجموعة في عام 2024 بانضمام خمسة أعضاء جدد، تبرز تحديات جديدة تتعلق بإدماج هؤلاء الأعضاء في المشروعات المشتركة. مع أن هذا التوسع يضيف قوة جديدة للمجموعة، فإن ضمان إدماجهم الكامل يتطلب هيكلة تنظيمية مرنة وأمانة دائمة، وهو ما يعزز التنسيق والتفاعل المثمر بين الدول الأعضاء.
في ظل استمرار الضغوط الغربية على النظام المالي العالمي، يتوجب على بريكس تطوير نظام مالي بديل يحد من الاعتماد على الدولار الأمريكي، ويعزز استقلالها الاقتصادي. إن استغلال الموارد الطبيعية الضخمة التي تمتلكها الدول الأعضاء في بريكس، مثل الذهب والنفط، يمكن أن يدعم تطوير أدوات مالية بديلة تُسهم في الاستقرار الاقتصادي، وتعزز قوة المجموعة على الساحة الدولية.
ولتعزيز هذا الاستقلال، ينبغي التركيز على تطوير شبكات البنية التحتية والخدمات اللوجستية، بما في ذلك إنشاء شركات مشتركة للنقل والتأمين. هذه الخطوة ستساعد على تقليل الاعتماد على الخدمات اللوجستية الغربية، وتعزز استقلالية المجموعة في الأسواق العالمية.
على الصعيد الثقافي والإنساني، يعد التعاون في مجالات التعليم والثقافة أمرًا ضروريًّا لتشكيل هوية مشتركة بين الدول الأعضاء. تطوير معايير تعليمية وتقييمات مستقلة خاصة ببريكس يمكن أن يسهم في بناء جسور تواصل بين الشعوب، ويعزز التعددية الثقافية. هذا النهج سيساعد على خلق نظام تعليمي عالمي مستقل يعكس قيم بريكس ومبادئها.
المصادر
1- Papa, M., & Verma, R. (2021)
2- Simachev, Y., Fedyunina, A., & Kuzyk, M. (2020).
3- Chapungu, L., Nhamo, G., Chikodzi, D., & Maoela, M. A. (2022)
4- Menegazzi, S. (2020)
5- Petrone, F. (2021)
6- Ahmed, T., & Lamisha, F. (2023)
7- Hakki, A. M. (2023)
8- Duggan, N., Hooijmaaijers, B., Rewizorski, M., & Arapova, E. (2021)
9- Yarygina, I., & Krylova, L. (2023)
10-Lissovolik, Y. (2023)
مستقبل البريكس.. تحليل إستراتيجي شامل للتحولات العالمية والتحديات القادمة
في عصر التحولات الجذرية في النظام الدولي، أصبحت مجموعة بريكس لاعبًا رئيسًا في إعادة تشكيل النظام العالمي. لم تعد هذه المجموعة مجرد تحالف اقتصادي، بل تمثل
eurasiaar.org