في رحاب الآيتين 10 و 11 من سورة الشعراء/د.عثمان قدري مكانسي

Nabil

خـــــبراء المنتـــــدى
إنضم
19 أبريل 2008
المشاركات
22,783
التفاعل
17,901 114 0

في رحاب الآيتين 10 و 11 من سورة الشعراء

الدكتور عثمان قدري مكانسي


قال تعالى في الآيتين العاشرة وأختها من سورة الشعراء :

" وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰ أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ ألا يَتَّقُونَ "
إن في هاتين الآيتين الكريمتين بعض الأمور التربوية والدعوية ، أذكر من أهمها :

1- أن القرآن من عند الله تعالى ، وهو – سبحانه - يخبر نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم بما جرى مع النبيين قبله ومنهم موسى عليه السلام ، وما الظرف الدال على الزمن الماضي " إذ " إلا تنبيهاً ودعوة للإنصات والتفكر والتدبر ، والله تعالى يهوّن على نبيه الكريم ما يلقى من العنت والصد من قومه حين ينبئه أنه ليس بدعاً من الأنبياء والرسل الذين كذبتهم أقوامهم ، وصبروا ، فليصبر كما صبر أولو العزم منهم .
2- ونسمع بأذن القلب والضمير نداء الله تعالى لنبيه الكريم موسى يكلفه بالتصدي للظلمة القساة الذين استعبدوا العباد ، وأكثروا في الأرض الفساد ، ولا شك أن الدعاة هم الصفوة المختارة التي أكرمها الله تعالى إذ اختارها لنشر النور والهدى في البشرية وقيادتها إلى السبيل القويم والصراط المستقيم . ومن كانت الهداية مهمته فهو أول الهداة وأسوة الإنسانية وما أعظمها من مكانة ، وما أكرمها من حظوة عند خالقها .
3- إن كلمة " ربك " تدل على أن الذي أرسل موسى إلى فرعون ونصره هو من كلف الحبيب المصطفى بهداية الناس ، وسييسر له الدعوة وينصره على من خالفه ، ولسوف تعلو كلمة الله على يديه كما علت على يدي سلفه موسى عليه الصلاة والسلام . فالرب واحد والدعوة واحدة : لاإله إلا الله ولا معبود سواه ، رضيَ من رضيَ وكرهَ من كرهَ .
4- من سمات الداعية المؤمن الجرأة والشجاعة ، فهو جريء بما يحمل من اعتقاد قوي وإيمان ثابت ، وشجاع لأنه على الحق ومن كان على الحق فلا يخاف أهل الباطل مهما كثُروا وكانت إمكاناتهم المادية فالله تعالى معه ، ومن كان الله معه رجحت كفته وانتصر إما بإحقاق الحق وإما بنيل الشهادة ، فالنصر الحقيقي أن يرضى الله تعالى عنا ويكرمنا بالنجاة من النار والفوز بجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين .
5- يقول الله تعالى : " أن ائت القوم الظالمين " وفعلُ "ائت " يعني الاختلاط والدعوة ، ولا تنجح الدعوة مهما كانت صافية قوية وصاحبها يطل على الناس من برجه العاجي ، ويتحاشى الاختلاط بهم على زعم " التمايز" عن القوم ، إن التمايز بالاعتقاد والالتزام بما تؤمن به فتعيش بين الناس جسماً وعقلاً وتتمايز عنهم روحاً وعملاً ، إنك حين تدعو القوم لا بد أن تعايشهم وتتحسس آلامهم ، وتتعرف رغباتهم ، وتتلمس معاناتهم ، لتكون أقدر على معالجتهم من أوصابهم ، وأعلم بحالهم ، فتعرف من أين تأتيهم وتدخل قلوبهم ، أما أن تنفصل عنهم وتنقطع ، فقد جهلتَهم وأخطأت السبيل القويم لدعوتهم فكان هذا مقدمة الفشل في الوصول إلى الغاية .
6- ولم يقل الله تعالى إئت فرعون وملأه الظلمة ، إنما قدم صفتهم التي كرهها الله منهم واكتوى الناس بنارها، إنها صفة الظلم ، فقدمها الله عز وجل ليُعرفوا بها ، وليُعرف السبب الذي بعث لأجله ذلك النبي الكريم موسى إليهم " إئت القوم الظالمين " إن الله تعالى لا يحب الظلم وأهله ، ونفى عن ذاته الجليلة هذه الصفة الكريهة المذمومة وأمر الناس أن يجتنبوها " فعن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال
" يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا ."
وأشار تعالى إلى الظالمين حين قال بعد ذكر صفة الظلم " قوم فرعون " ، وما أصدق قول الشاعر إذ يقول :
لا تظلمنّ إذا ما كنت مقتدراً فالظلم يرجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبـه يدعو عليك وعين الله لم تنم
وقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين " .

7- ولا يكون الابتعاد عن الظلم إلا بالعدل ولا يكون العدل إلا بالتقوى ولهذا كانت دعوة موسى عليه السلام لفرعون وملئه أن اتقوا الله " ألا يَتَّقُونَ "
إن السلام والأمان في الدنيا يتحققان بالتقوى ، كما أن رضاء الله والفوز بالجنة طريقهما التقوى ، والقرآن يفيض بالآيات الداعية إلى التقوى ، الباسطة ثمارها ومغانمها .. جعلنا الله من أهلها ....
 
عودة
أعلى