رسم كاريكاتيري يجسد فقدان المجر لأراضيها
مع نهاية الحرب العالمية الأولى، سلّط المنتصرون اتفاقيات سلام قاسية على الدول المهزومة تضمنت بالأساس بنودا حدّت من تسلحها وقلّصت مساحاتها وأجبرتها أحياناً على دفع تعويضات مالية هائلة. وإضافة لمعاهدات فرساي وسان جرمان وسيفر التي فرضت تباعا على الألمان والنمساويين والأتراك، فرض الحلفاء على إمبراطورية المجر التي انفصلت عن النمسا مع نهاية النزاع معاهدة تريانون (Trianon) التي حمّلتهم، رفقة حلفائهم، المسؤولية الكاملة عن اندلاع الحرب العالمية الأولى.
فمع اندلاع المعارك يوم 28 تموز/يوليو 1914 بعد شهر واحد من حادثة سراييفو، كانت النمسا والمجر دولة واحدة وبنهاية الحرب عرفت هذه الإمبراطورية تفككها وقد جاءت اتفاقيتا سلام سان جرمان وتريانون اللتان وقعتا بشكل منفصل ومنفرد مع كل من النمسا والمجر لتؤكد اعتراف العالم بانفصال المجر رسميا عن النمسا.
خريطة تبرز تقسيم النمسا المجر بعد الحرب
وعلى حسب بنود اتفاقية تريانون الموقّعة يوم 4 حزيران/يونيو 1920 بفرساي بفرنسا والتي دخلت حيّز التنفيذ يوم 31 تموز/يوليو 1921، خسرت المجر نسبة 75% من مساحتها مقارنة بمساحتها أثناء تواجدها ضمن إمبراطورية النمسا المجر سابقا وقد آلت جل هذه الأراضي حينها لكل من رومانيا وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا ليجد بذلك نحو 33% من ذوي الأصول المجرية أنفسهم بدول أخرى.
وعلى حسب بعض إحصائيات تلك الفترة، وجد 900 ألف مجري أنفسهم بتشيكوسلوفاكيا وعلق نحو 1.6 مليون آخرين بمنطقة ترانسيلفانيا (Transylvania) التي منحت لرومانيا كما أجبر 420 ألف مجري على العيش ضمن صربيا. وأثناء المفاوضات، أشار الوفد المجري لنقاط الرئيس الأميركي ولسن مطالبا بمنح ذوي الأصول المجرية حق تقرير المصير ليقابل هذا المطلب برفض قاطع من قبل المنتصرين الذين أكدوا على فقدان هؤلاء المجريين الذين وجدوا أنفسهم خارج وطنهم الأم لجنسيتهم المجرية بعد عام من واحد من توقيع الاتفاقية.
خريطة امبراطورية النمسا المجر قبل الحرب
وإضافة لإجبارها على دفع تعويضات مالية لدول الجوار، عانت إمبراطورية المجر من وضع اقتصادي كارثي بسبب معاهدة تريانون التي فقدت بموجبها منافذها السابقة المطلة على البحر الأبيض المتوسط لتجبر بذلك على المرور بدول الجوار ودفع معاليم إضافية لاستخدام موانئها وإجراء المبادلات التجارية.
أيضا، قيّد المنتصرون حركة المجريين حيث فقدت إمبراطوريتهم نسبة كبيرة من خطوط السكك الحديدية واحتفظت فقط بما يعادل 38 بالمئة من إجمالي خطوط السكك الحديدية التي امتلكتها قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى لتشهد بذلك تكاليف نقل السلع عبر العربات القاطرة ارتفاعا رهيبا أربك المستثمرين وأصحاب المشاريع.
صورة للرئيس الأميركي وودرو ولسن
وقبل بداية النزاع العالمي، مثّلت المجر واحدة من أهم الدول المنتجة للحبوب بأوروبا حيث لجأت الإمبراطورية النمساوية المجرية لتصدير جانب هام من هذا المنتوج. لكن مع فقدان المجر لمنافذها البحرية وارتفاع الضرائب، تراجع إنتاج الحبوب بنسبة 70% مقارنة بما كان عليه سابقا. أيضا، فقدت المجر نسبة كبيرة من مواردها المنجمية خاصة الحديد. فبالخريطة الجديدة لأوروبا، خسرت المجر مناجمها لصالح كل من رومانيا وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا.
رسم تخيلي يجسد حادثة اغتيال ولي عهد النمسا
من خلال معاهدة تريانون، حاول المنتصرون منع المجر من تهديد السلام العالمي مستقبلا. فإضافة للحد من تعداد جيشها وتحديده بنحو 35 ألف عسكري فقط، عمد الحلفاء لتقليص نسبة النمو الإقتصادي لإمبراطورية المجر وخفض نسبة المستثمرين بها التي تراجعت لتستقر عند مستوى 5% مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب.