رسم تخيلي لإحدى المعارك بين المدن الإيطالية خلال العصور الوسطى
يرتبط تاريخ الإنسانية ارتباطاً وثيقاً بالحروب، فمنذ بداية إنتاجه للأسلحة اتجه الإنسان لاستخدامها من أجل مواجهة أعدائه، في غضون ذلك تعددت الأسباب التي نشبت على إثرها الحروب، فمنها ما اندلع بسبب مشاكل حدودية ومنها ما اندلع بسبب الاختلافات الدينية والأيديولوجية أو على إثر الأزمات الدبلوماسية.
وخلال القرن الرابع عشر شهدت إيطاليا اندلاع حرب دامية بين مدينتي مودينا وبولونيا، أسفرت عن سقوط آلاف القتلى، في غضون ذلك دون التاريخ هذه الحرب كواحدة من أغرب الحروب، ويعزى السبب في ذلك إلى الحادثة التي تسببت في نشوبها، حيث إنها اندلعت بين المدينتين عقب خلاف حول دلو خشبي فارغ.
فخلال القرن الرابع عشر كانت إيطاليا مقسّمة إلى مجموعة من الدويلات (ضمن ما يعرف بنظام المدينة - الدولة) وقد كانت مدينتا مودينا وبولونيا المتجاورتين من ضمن هذه الدويلات. كسائر المدن المتجاورة، عاشت مدينتا مودينا وبولونيا على وقع خلاف مستمر حول ترسيم الحدود ومناطق النفوذ.
ومع حلول أواخر القرن الثالث عشر اتخذ هذا الخلاف منحى خطيراً على إثر احتدام الخلاف حول زعامة العالم المسيحي الكاثوليكي، فبينما ساندت مودينا الإمبراطورية الرومانية أعلنت بولونيا وقوفها إلى جانب الدولة البابوية.
رسم تخيلي لمدينة بولونيا الإيطالية خلال العصور الوسطى
وفي مطلع القرن الرابع عشر، عاشت المناطق الحدودية بين مدينتي مودينا وبولونيا على وقع مناوشات عسكرية مستمرة دون أن يسفر ذلك عن اندلاع الحرب، لكن مع حلول سنة 1325 حصل ما لم يكن في الحسبان، حيث أقدمت فرقة عسكرية من مودينا على التسلل إلى وسط مدينة بولونيا وسرقة دلو خشبي فارغ وُضع قرب بئر المياه قبل أن تعود به كغنيمة.
اعتبرت مدينة بولونيا هذه الحادثة إهانة لسيادتها فما كان منها إلا أن طالبت مودينا بإعادة الدلو الفارغ إلى مكانه والاعتذار، وأمام رفض الأخيرة لذلك أعلنت بولونيا الحرب على مودينا.
خلال الأيام التالية التقت قوات المدينتين عند منطقة زابولينو، حيث جمعت مدينة بولونيا لهذه المعركة ما لا يقل عن 30 ألف عسكري بينما قدرت قوات مودينا بنحو 7 آلاف جندي.
صورة لما يقال أنه الدلو الذي إندلعت بسببه الحرب بين مودينا و بولونيا وهو موجود حاليا ببرج غيرلاندينا بكاتدرائية مودينا
لم تدم هذه المعركة سوى يوم واحد وأسفرت في النهاية عن مقتل حوالي 2000 جندي من كلا الطرفين، فضلاً عن ذلك لم تتمكن قوات بولونيا من تحقيق النصر على الرغم من تفوقها العددي، لتتلقى بذلك مدينة بولونيا إهانة ثانية. وتزامناً مع ذلك تحدثت بعض المصادر عن تمكن فرقة عسكرية أخرى من مودينا من سرقة دلو ثانٍ داخل أسوار بولونيا خلال انشغال الأخيرة بالمعركة.
فبسبب دلو فارغ اندلعت حرب شرسة تسببت في سقوط 2000 قتيل، في غضون ذلك شهدت المنطقة عودة للهدوء عقب إقرار السلام بين مودينا وبولونيا.
وخلال السنوات التالية، تجددت المواجهات مرة أخرى بين المدينتين لتسفر عن سقوط عدد آخر من القتلى، في الأثناء احتفظت مودينا بالدلو الفارغ المسروق من بولونيا إلى يومنا الحاضر حيث إنه يقبع حالياً في متحف المدينة.