أزمة الصحراء الغربية حـرب أفريقيا المنسيّة
إعداد: الدكتور أحمد علو (عميد متقاعد)
تبرز ما بين فترة وأخرى، في وسائل الإعلام أخبار عن أزمة الصحراء الغربية، تراوح ما بين ازدياد منسوب التوتر أو الإشتباكات، أو عقد المفاوضات، خصوصاً تلك التي عقدت مؤخراً في نيويورك (مانهاست).
والقليل يعرف، أو يتذكّر هذه الأزمة المنسيّة، والتي مضى على وجودها واستمرارها أكثر من ثلاثين عاماً، حتى اليوم. فما هي هذه الأزمة؟ وما أسبابها؟ ومَن هم الأطراف الذين يشتركون في هذا النزاع؟ وأين هي هذه الصحراء؟ ومَن هم سكانها، وعلى ماذا يتنازعون؟ سنحاول في ما يأتي الإجابة عن هذه التساؤلات، وتلمّس آفاق الحلول، في إطار العلاقات الدولية الحالية، وتبدّل موازين القوى المحلية والعالمية.
الموارد
تمتاز أراضي الصحراء الغربية باحتوائها على ثروة هائلة من الفوسفات، والفولاذ، وثروة نفطية كبيرة واعدة على طول شاطئها المطل على المحيط الأطلسي، هذا بالإضافة الى ثروة سمكية ضخمة.
أين تقع الصحراء الغربية؟
تقع الصحراء الغربية شمال غرب أفريقيا، جنوب المغرب مباشرةً، مساحتها 266 ألف كلم2 تحدها الجزائر من الشمال الشرقي، وموريتانيا من الشرق والجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب، وهي بذلك تمتلك موقعاً إستراتيجياً مهماً. يبلغ عدد سكان الصحراء الغربية 393 ألف نسمة وفق إحصاءات العام 2008، نصفهم يعيش في العاصمة «العيون»، أكبر مدن المنطقة، وهؤلاء السكان يشكّلون مجموعة من القبائل أهمها:
- أولاد تيدرارين، جدهم «أحمد بن غنبور»، هاجر الى الصحراء من المغرب.
- الركيبات: ينتسبون الى الأدارسة في الشمال المغربي.
- الشيخ ماء العينين: ينتسبون الى الأدارسة أيضاً.
- تكنة: وتضم آيت لحسن، آيت موسى وعلي، يكوت، آيت أوسي.
- أولاد دليم - آيت عمران ثم العروسيين وهم من الأدارسة كذلك.
تتقاسم هذه القبائل النشاطات والأدوار، فهناك قبائل حرفية تمارس الصيد والتجارة وغيرها، وهناك قبائل تمارس القتال، ومنهم من يهتم بالشؤون الدينية وإنشاء «الزوايا الدينية».
سكان الصحراء الغربية من أصول عربية - أمازيغية، يتكلمون اللغة العربية (اللهجة الحسانية) وهي مزيج من العربية والأمازيغية ويدينون بالإسلام على مذهب الإمام مالك.
تاريخ المنطقة
يرى بعض المؤرخين أن الفينيقيين قد وصلوا الى تلك المنطقة، منذ ما قبل الميلاد بمئات السنين، وأقاموا محطات لهم على الساحل الغربي الأفريقي المطل على المحيط الأطلسي، وهناك اتصلوا بسكان هذه المناطق، وخصوصاً سكان الصحراء وجبال البربر، وطبعاً تزاوجوا وأقاموا علاقات تجارية، ومن هنا يعتقد بعض المؤرخين وجود أصول فينيقية في شعوب تلك المنطقة، ولكن لم يتم تأكيد ذلك علمياً، حتى اليوم.
كذلك، فإن الإجتياح الروماني لشمال أفريقيا في القرنين الثاني والثالث (ب. م)، أحدث تخلخلاً في التركيبة السكانية للصحراء الغربية، حيث استُقدمت من صحراء ليبيا ومناطق الشمال قبيلتا «صنهاجة» و«زناتية» البربريتان واستقرتا في الصحراء المغربية، ومع مطلع القرن الثامن الميلادي، وصلت مع الفتح الإسلامي هجرات عربية من شبه الجزيرة العربية، الى أرض الصحراء الغربية حيث إنتشر الدين الجديد بين السكان.
مطلع القرن الحادي عشر تأسست الدولة «المرابطية»، وكان مؤسسها على المذهب المالكي، فتعمّم هذا المذهب بين السكان، وقد عمل المسلمون على إقامة نظام إجتماعي متطوّر، وأنعشوا الحياة الإقتصادية وخصوصاً تجارة الذهب من مالي التي كانت تعرف في ذلك الوقت بإسم السودان. وتوالت الهجرات العربية الى هذه المنطقة ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر، وتغلغلت بواسطة سيطرتها ونفوذها الى منطقتي «الساقية الحمراء»، و«وادي الذهب»، وأغلب أراضي موريتانيا، وطبعتها بطابعها العربي والإسلامي المميز.
الصحراء الغربية في العصور الحديثة
سقطت الصحراء الغربية تحت سيطرة إسبانيا العام 1884م، وتحولت الى مقاطعة إسبانية العام 1934، ولكن مع تنامي الشعور القومي والوطني لدى «الصحراويين»، عقب الحرب العالمية الثانية ومع إنحسار المد الإستعماري، وتصاعد حركات الإستقلال في العالم وخصوصاً في أفريقيا (المغرب، الجزائر، تونس ومصر والسودان وغيرها)، بدأت المطالبة برحيل الإسبان عن تلك المنطقة، وخاض سكان الصحراء الغربية حرب عصابات ضدهم خلال فترة خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وبعد ذلك، تمّ توحيد المقاومة بمنظمة عرفها العالم بإسم «جبهة البوليساريو» (Polisario)، وهي تعني: «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» (Popular Front for the Liberation of Saguia el - Hamra and Rio de Oro). (الساقية الحمراء، ووادي الذهب إسمان لمنطقتين ضمن الصحراء الغربية).
وتحت ضغط حرب العصابات التي شنّتها هذه المنظمة ضد القوات الإسبانية، وتزايد ضغط الشارع الإسباني المطالب بانسحاب إسبانيا من الصحراء الغربية، وكذلك المجتمع الدولي، قررت إسبانيا العام 1975 الإنسحاب من المنطقة، بعد أن جعلته مشكلة ونزاعاً بين دول المنطقة من جهة، وجبهة «البوليساريو» من جهة ثانية، فكيف ذلك؟
المشكلة والنزاع
العام 1975 وقبيل الإنسحاب الإسباني عرضت قضية الصحراء الغربية على محكمة العدل الدولية، آنذاك كان الوضع على الشكل الآتي:
المغرب تدعي بأن الصحراء هي أرض مغربية منذ القديم، وقد قدّمت أدلة تعتبر فيها أن الصحراء وموريتانيا أرض مغربية ضمن ما كان يعرف بـ«المغرب الكبير»، كذلك تقدّمت موريتانيا بادعاء أن الصحراء الغربية هي أرض موريتانية تريد استعادتها.
الطرف الآخر كان جبهة «البوليساريو» باعتبارها تمثل الشعب الصحراوي الذي يسكن هذه المنطقة وما زال يقوم بأعمال حرب «الغريّة» ضد قوات الإحتلال الإسبانية، وهو يطالب بالإستقلال التام لهذه المنطقة وإعلان دولة مستقلة عن بقية الأطراف، وكانت الجزائر تدعم هذه الجبهة وتمدّها بكل حاجاتها.
أما إسبانيا فكانت تميل الى منح الإقليم إستقلالاً ذاتياً وإقامة دولة صحراوية تكون تابعة لها.
رفضت المحكمة الدولية إدعاءات الأطراف وأصدرت قراراً اعتبرت فيه أن الصحراء الغربية تخص أهلها، وحقهم في تقرير المصير.
إتفاق مدريد
عقد الإتفاق ما بين إسبانيا وكل من المغرب وموريتانيا، في 14 تشرين الثاني 1975، وفيه تمّ إقتسام الصحراء الغربية فنالت المغرب معدل الثلثين وموريتانيا الثلث، ومنحت إسبانيا 35٪ من حقوق إستثمار مناجم الفوسفات وحرية الصيد في المياه الإقليمية للصحراء. وقد رفضت منظمة البوليساريو هذا الإتفاق، وتابعت عملياتها العسكرية ضد القوات الإسبانية، وفي شهر شباط من العام 1976 أعلنت قيام دولتها المستقلة مدعومة من الجزائر تحت إسم الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية. (SADR) (Sahrawi Arab Democratic Republic) وعيّنت حكومة لها في المنفى، وتعتبر مدينة تندوف (Tindoff) في أقصى الجنوب الغربي للجزائر المقر الرئيس لحكومة منظمة البوليساريو مع عشرات الآلاف من اللاجئين والمقاتلين الصحراويين وتبعد مدينة تندوف حوالى 50 كلم عن حدود المغرب والصحراء الغربية (يبلغ عدد سكانها اليوم حوالى 100 ألف نسمة).
إندلع القتال ما بين قوات جبهة البوليساريو من جهة والقوات المغربية الموريتانية من جهة أخرى، غير أن موريتانيا وأمام ضغوط داخلية وتغيّر السلطة، إنسحبت من القسم الذي كانت تحتله العام 1979، على أن تسلّمه لقوات البوليساريو، إلا أن القوات المغربية فاجأت الجميع واحتلت هذا القسم، وأصبحت الصحراء بكاملها تحت سيطرة التاج المغربي.
إستمر القتال ما بين المغرب وقوات البوليساريو المدعومة من الجزائر والتي تدخّلت بشكل مباشر في هذه الحرب حيث إشتبك جيشها مع الجيش المغربي وسقط لهما قتلى وجرحى. وبعد ضغوط دولية وعربية، أوقفت الجزائر تدخّلها المباشر بينما تابعت «البوليساريو» حربها ضد المغرب طيلة فترة الثمانينيات وحتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي عندما تدخّلت منظمة الأمم المتحدة العام 1991 ووضعت حداً لإطلاق النار، وأرسلت بعثة عرفت بإسم «مينورسو» (Minurso - Mission des Nations Unies pour l׳organisation d׳un Référendum au Sahara Occidental)، أي بعثة الأمم المتحدة لتنظيم إستفتاء في الصحراء الغربية.
حدد هدف البعثة بمراقبة وقف إطلاق النار، ومباشرة إجراء الإستفتاء على مصير الصحراء؛ أي إما الإنضمام للمغرب، أو الإستقلال، وهو ما يعني حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وقد حدّد العام 1992 لإجراء هذا الإستفتاء، ولكن الخلاف حول من يحق له أن يصوّت في هذا الإستفتاء ما بين الغرب وجبهة البوليساريو جعل منه أمراً بعيد التحقيق حتى الآن، فالبوليساريو تعتبر أن المغرب إستقدم الى الصحراء الغربية عشرات الآلاف من المستوطنين المغاربة لتغيير دفة الأغلبية الصحراوية المطالبة بالإستقلال التام، لصالح الجهة التي تطالب بضم الإقليم للمغرب، أو لمنحه الحكم الذاتي تحت سلطة المغرب في أحسن الحالات، كما اقترح المغرب في ما بعد. ولما لم يصل الطرفان الى حل فقد استمرت الأزمة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، على الرغم من الوساطات الدولية المتعددة.
الوضع القانوني للصحراء الغربية ومواقف الأطرافعندما أعلنت إسبانيا نيّتها الإنسحاب من الصحراء الغربية، إنسجاماً مع قرارات الأمم المتحدة بإلغاء أشكال الإستعمار كافة، وحق تقرير المصير للشعوب، رفعت قضية الصحراء الغربية الى محكمة العدل الدولية، كشكل من أشكال النزاعات القانونية، وقد نظرت المحكمة في القضية قانونياً، وناقشت طلبات الأطراف المشتركة فيها، وادعاءات كل منها، وما يملك من براهين قانونية ومستندات تثبت الحق الذي يدعيه في ملكية هذه الصحراء، ولكن بعد المناقشات والمداولات أصدرت المحكمة الدولية حكمها، بأن أياً من الأطراف المدعية لا يملك الإثبات الكافي للحق في ملكية الصحراء، واعتبرت أن الصحراء تعود لأهلها الذين يسكنون فيها ولهم الحق في إدارة أنفسهم وتقرير مصيرهم، وهذا ما رفضته كل من المغرب وموريتانيا وإسبانيا، بينما أيّدته منظمة «البوليساريو»، لذلك سارعت هذه الأطراف ما عدا الأخيرة الى عقد «إتفاق مدريد».
إعداد: الدكتور أحمد علو (عميد متقاعد)
تبرز ما بين فترة وأخرى، في وسائل الإعلام أخبار عن أزمة الصحراء الغربية، تراوح ما بين ازدياد منسوب التوتر أو الإشتباكات، أو عقد المفاوضات، خصوصاً تلك التي عقدت مؤخراً في نيويورك (مانهاست).
والقليل يعرف، أو يتذكّر هذه الأزمة المنسيّة، والتي مضى على وجودها واستمرارها أكثر من ثلاثين عاماً، حتى اليوم. فما هي هذه الأزمة؟ وما أسبابها؟ ومَن هم الأطراف الذين يشتركون في هذا النزاع؟ وأين هي هذه الصحراء؟ ومَن هم سكانها، وعلى ماذا يتنازعون؟ سنحاول في ما يأتي الإجابة عن هذه التساؤلات، وتلمّس آفاق الحلول، في إطار العلاقات الدولية الحالية، وتبدّل موازين القوى المحلية والعالمية.
الموارد
تمتاز أراضي الصحراء الغربية باحتوائها على ثروة هائلة من الفوسفات، والفولاذ، وثروة نفطية كبيرة واعدة على طول شاطئها المطل على المحيط الأطلسي، هذا بالإضافة الى ثروة سمكية ضخمة.
أين تقع الصحراء الغربية؟
تقع الصحراء الغربية شمال غرب أفريقيا، جنوب المغرب مباشرةً، مساحتها 266 ألف كلم2 تحدها الجزائر من الشمال الشرقي، وموريتانيا من الشرق والجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب، وهي بذلك تمتلك موقعاً إستراتيجياً مهماً. يبلغ عدد سكان الصحراء الغربية 393 ألف نسمة وفق إحصاءات العام 2008، نصفهم يعيش في العاصمة «العيون»، أكبر مدن المنطقة، وهؤلاء السكان يشكّلون مجموعة من القبائل أهمها:
- أولاد تيدرارين، جدهم «أحمد بن غنبور»، هاجر الى الصحراء من المغرب.
- الركيبات: ينتسبون الى الأدارسة في الشمال المغربي.
- الشيخ ماء العينين: ينتسبون الى الأدارسة أيضاً.
- تكنة: وتضم آيت لحسن، آيت موسى وعلي، يكوت، آيت أوسي.
- أولاد دليم - آيت عمران ثم العروسيين وهم من الأدارسة كذلك.
تتقاسم هذه القبائل النشاطات والأدوار، فهناك قبائل حرفية تمارس الصيد والتجارة وغيرها، وهناك قبائل تمارس القتال، ومنهم من يهتم بالشؤون الدينية وإنشاء «الزوايا الدينية».
سكان الصحراء الغربية من أصول عربية - أمازيغية، يتكلمون اللغة العربية (اللهجة الحسانية) وهي مزيج من العربية والأمازيغية ويدينون بالإسلام على مذهب الإمام مالك.
تاريخ المنطقة
يرى بعض المؤرخين أن الفينيقيين قد وصلوا الى تلك المنطقة، منذ ما قبل الميلاد بمئات السنين، وأقاموا محطات لهم على الساحل الغربي الأفريقي المطل على المحيط الأطلسي، وهناك اتصلوا بسكان هذه المناطق، وخصوصاً سكان الصحراء وجبال البربر، وطبعاً تزاوجوا وأقاموا علاقات تجارية، ومن هنا يعتقد بعض المؤرخين وجود أصول فينيقية في شعوب تلك المنطقة، ولكن لم يتم تأكيد ذلك علمياً، حتى اليوم.
كذلك، فإن الإجتياح الروماني لشمال أفريقيا في القرنين الثاني والثالث (ب. م)، أحدث تخلخلاً في التركيبة السكانية للصحراء الغربية، حيث استُقدمت من صحراء ليبيا ومناطق الشمال قبيلتا «صنهاجة» و«زناتية» البربريتان واستقرتا في الصحراء المغربية، ومع مطلع القرن الثامن الميلادي، وصلت مع الفتح الإسلامي هجرات عربية من شبه الجزيرة العربية، الى أرض الصحراء الغربية حيث إنتشر الدين الجديد بين السكان.
مطلع القرن الحادي عشر تأسست الدولة «المرابطية»، وكان مؤسسها على المذهب المالكي، فتعمّم هذا المذهب بين السكان، وقد عمل المسلمون على إقامة نظام إجتماعي متطوّر، وأنعشوا الحياة الإقتصادية وخصوصاً تجارة الذهب من مالي التي كانت تعرف في ذلك الوقت بإسم السودان. وتوالت الهجرات العربية الى هذه المنطقة ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر، وتغلغلت بواسطة سيطرتها ونفوذها الى منطقتي «الساقية الحمراء»، و«وادي الذهب»، وأغلب أراضي موريتانيا، وطبعتها بطابعها العربي والإسلامي المميز.
الصحراء الغربية في العصور الحديثة
سقطت الصحراء الغربية تحت سيطرة إسبانيا العام 1884م، وتحولت الى مقاطعة إسبانية العام 1934، ولكن مع تنامي الشعور القومي والوطني لدى «الصحراويين»، عقب الحرب العالمية الثانية ومع إنحسار المد الإستعماري، وتصاعد حركات الإستقلال في العالم وخصوصاً في أفريقيا (المغرب، الجزائر، تونس ومصر والسودان وغيرها)، بدأت المطالبة برحيل الإسبان عن تلك المنطقة، وخاض سكان الصحراء الغربية حرب عصابات ضدهم خلال فترة خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن العشرين، وبعد ذلك، تمّ توحيد المقاومة بمنظمة عرفها العالم بإسم «جبهة البوليساريو» (Polisario)، وهي تعني: «الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب» (Popular Front for the Liberation of Saguia el - Hamra and Rio de Oro). (الساقية الحمراء، ووادي الذهب إسمان لمنطقتين ضمن الصحراء الغربية).
وتحت ضغط حرب العصابات التي شنّتها هذه المنظمة ضد القوات الإسبانية، وتزايد ضغط الشارع الإسباني المطالب بانسحاب إسبانيا من الصحراء الغربية، وكذلك المجتمع الدولي، قررت إسبانيا العام 1975 الإنسحاب من المنطقة، بعد أن جعلته مشكلة ونزاعاً بين دول المنطقة من جهة، وجبهة «البوليساريو» من جهة ثانية، فكيف ذلك؟
المشكلة والنزاع
العام 1975 وقبيل الإنسحاب الإسباني عرضت قضية الصحراء الغربية على محكمة العدل الدولية، آنذاك كان الوضع على الشكل الآتي:
المغرب تدعي بأن الصحراء هي أرض مغربية منذ القديم، وقد قدّمت أدلة تعتبر فيها أن الصحراء وموريتانيا أرض مغربية ضمن ما كان يعرف بـ«المغرب الكبير»، كذلك تقدّمت موريتانيا بادعاء أن الصحراء الغربية هي أرض موريتانية تريد استعادتها.
الطرف الآخر كان جبهة «البوليساريو» باعتبارها تمثل الشعب الصحراوي الذي يسكن هذه المنطقة وما زال يقوم بأعمال حرب «الغريّة» ضد قوات الإحتلال الإسبانية، وهو يطالب بالإستقلال التام لهذه المنطقة وإعلان دولة مستقلة عن بقية الأطراف، وكانت الجزائر تدعم هذه الجبهة وتمدّها بكل حاجاتها.
أما إسبانيا فكانت تميل الى منح الإقليم إستقلالاً ذاتياً وإقامة دولة صحراوية تكون تابعة لها.
رفضت المحكمة الدولية إدعاءات الأطراف وأصدرت قراراً اعتبرت فيه أن الصحراء الغربية تخص أهلها، وحقهم في تقرير المصير.
إتفاق مدريد
عقد الإتفاق ما بين إسبانيا وكل من المغرب وموريتانيا، في 14 تشرين الثاني 1975، وفيه تمّ إقتسام الصحراء الغربية فنالت المغرب معدل الثلثين وموريتانيا الثلث، ومنحت إسبانيا 35٪ من حقوق إستثمار مناجم الفوسفات وحرية الصيد في المياه الإقليمية للصحراء. وقد رفضت منظمة البوليساريو هذا الإتفاق، وتابعت عملياتها العسكرية ضد القوات الإسبانية، وفي شهر شباط من العام 1976 أعلنت قيام دولتها المستقلة مدعومة من الجزائر تحت إسم الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية. (SADR) (Sahrawi Arab Democratic Republic) وعيّنت حكومة لها في المنفى، وتعتبر مدينة تندوف (Tindoff) في أقصى الجنوب الغربي للجزائر المقر الرئيس لحكومة منظمة البوليساريو مع عشرات الآلاف من اللاجئين والمقاتلين الصحراويين وتبعد مدينة تندوف حوالى 50 كلم عن حدود المغرب والصحراء الغربية (يبلغ عدد سكانها اليوم حوالى 100 ألف نسمة).
إندلع القتال ما بين قوات جبهة البوليساريو من جهة والقوات المغربية الموريتانية من جهة أخرى، غير أن موريتانيا وأمام ضغوط داخلية وتغيّر السلطة، إنسحبت من القسم الذي كانت تحتله العام 1979، على أن تسلّمه لقوات البوليساريو، إلا أن القوات المغربية فاجأت الجميع واحتلت هذا القسم، وأصبحت الصحراء بكاملها تحت سيطرة التاج المغربي.
إستمر القتال ما بين المغرب وقوات البوليساريو المدعومة من الجزائر والتي تدخّلت بشكل مباشر في هذه الحرب حيث إشتبك جيشها مع الجيش المغربي وسقط لهما قتلى وجرحى. وبعد ضغوط دولية وعربية، أوقفت الجزائر تدخّلها المباشر بينما تابعت «البوليساريو» حربها ضد المغرب طيلة فترة الثمانينيات وحتى مطلع التسعينيات من القرن الماضي عندما تدخّلت منظمة الأمم المتحدة العام 1991 ووضعت حداً لإطلاق النار، وأرسلت بعثة عرفت بإسم «مينورسو» (Minurso - Mission des Nations Unies pour l׳organisation d׳un Référendum au Sahara Occidental)، أي بعثة الأمم المتحدة لتنظيم إستفتاء في الصحراء الغربية.
حدد هدف البعثة بمراقبة وقف إطلاق النار، ومباشرة إجراء الإستفتاء على مصير الصحراء؛ أي إما الإنضمام للمغرب، أو الإستقلال، وهو ما يعني حق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وقد حدّد العام 1992 لإجراء هذا الإستفتاء، ولكن الخلاف حول من يحق له أن يصوّت في هذا الإستفتاء ما بين الغرب وجبهة البوليساريو جعل منه أمراً بعيد التحقيق حتى الآن، فالبوليساريو تعتبر أن المغرب إستقدم الى الصحراء الغربية عشرات الآلاف من المستوطنين المغاربة لتغيير دفة الأغلبية الصحراوية المطالبة بالإستقلال التام، لصالح الجهة التي تطالب بضم الإقليم للمغرب، أو لمنحه الحكم الذاتي تحت سلطة المغرب في أحسن الحالات، كما اقترح المغرب في ما بعد. ولما لم يصل الطرفان الى حل فقد استمرت الأزمة منذ ذلك الوقت وحتى اليوم، على الرغم من الوساطات الدولية المتعددة.
الوضع القانوني للصحراء الغربية ومواقف الأطرافعندما أعلنت إسبانيا نيّتها الإنسحاب من الصحراء الغربية، إنسجاماً مع قرارات الأمم المتحدة بإلغاء أشكال الإستعمار كافة، وحق تقرير المصير للشعوب، رفعت قضية الصحراء الغربية الى محكمة العدل الدولية، كشكل من أشكال النزاعات القانونية، وقد نظرت المحكمة في القضية قانونياً، وناقشت طلبات الأطراف المشتركة فيها، وادعاءات كل منها، وما يملك من براهين قانونية ومستندات تثبت الحق الذي يدعيه في ملكية هذه الصحراء، ولكن بعد المناقشات والمداولات أصدرت المحكمة الدولية حكمها، بأن أياً من الأطراف المدعية لا يملك الإثبات الكافي للحق في ملكية الصحراء، واعتبرت أن الصحراء تعود لأهلها الذين يسكنون فيها ولهم الحق في إدارة أنفسهم وتقرير مصيرهم، وهذا ما رفضته كل من المغرب وموريتانيا وإسبانيا، بينما أيّدته منظمة «البوليساريو»، لذلك سارعت هذه الأطراف ما عدا الأخيرة الى عقد «إتفاق مدريد».